← الاختيار بمعنى القصد وإرادة الفعل فإنّه قد يرد التعبير بلفظ الاختيار فيما يتعلّق بالقصد. [۳۹]لكنّ التعبير به كذلك ليس باعتبار أنّ القصد أحد معاني الاختيار وإنّما باعتباره لازماً لبعض معانيه؛ إذ هو شرطٌ في الاختيار بمعنى الإرادة والقدرة والانتخاب، فإنّ ما يقع من غير قصد إليه لسهو أو غفلة أو خطأ أو غيرهما لا يكون اختياريّاً بأحد المعاني المذكورة، وهو أمر واضح صرّح به غير واحدٍ من فقهائنا. [۴۰][۴۱][۴۲][۴۳]
← القدرة عرّفت القدرة بأنّها التمكّن من الشيء أو صفة تقتضي التمكّن، [۵۵][۵۶][۵۷] وربّما جعلت القوّة بمعناها. [۵۸] لكنّ القدرة قد يراد بها الذاتيّة، كما قد يراد بها الفعليّة. وأمّا الاختيار فقد تقدّم أنّ معناه الأصلي الانتقاء والاصطفاء، والقدرة من مبادئه ، [۵۹][۶۰][۶۱] فإن استعمل في معنى القدرة في الاصطلاح لم يكن المراد بها القدرة الذاتيّة، بل القدرة الفعلية التي يتمكّن بها من الفعل والترك دون توقّف على شيء آخر. ومن هنا صحّ وصف من له قوّة القيام مع وجود المانع منه- كالإكراه والاضطرار- بأنّه قادر على القيام دون أن يوصف بأنّه مختار.
← الإرادة وهي المشيئة والقصد والاختيار بمعنى الانتقاء والاصطفاء يتضمن أو يستلزم المشيئة، وقد تطلق الإرادة بمعنى الاختيار في كلمات الفقهاء فيقال: الفعل الإرادي، أي الاختياري.
ثبوت الاختيار في أفعال العباد [تعديل] البحث عن الجبر والاختيار في أفعال العباد الواقع قديماً بين المتكلّمين من مختلف الفرق والطوائف لم يقتصر على علم الكلام وحده، بل امتدّت تأثيراته إلى علمي الفقه والاصول حتى وقتنا الحاضر، وما زال هذا البحث وبعض الأبحاث الكلاميّة الاخرى المرتبطة به يبحثها الفقهاء في كتبهم الاصوليّة، ويفردون لها أبواباً فيها.
و المعروف من مذهب الشيعة الإمامية اتّفاقهم في مسألة الجبر والاختيار على الأمر بين الأمرين؛ لورود الروايات عن أئمّتهم عليهم السلام به. [۶۴][۶۵][۶۶][۶۷] غير أنّهم اختلفوا في المقصود منه على أقوال متعدّدة ليس هذا محلّ بيانها، بل يطلب في محلّه في علم الاصول والكلام.
← الاختيار بمعنى الرضا وطيب النفس ۱- استعمل الاختيار بهذا المعنى في العقود والإيقاعات. [۸۸] حيث يدخل الاختيار بهذا المعنى شرطاً في جميع العقود والإيقاعات، فما يصدر من المتعاقدين أو الموقع منها بغير رضا وطيب نفس منه لا يقع صحيحاً، ولا تترتّب عليه آثاره . [۸۹][۹۰][۹۱] ۲- التصرّفات المباشرة في مال الغير حالها حال المعاملات التسبيبيّة الواقعة منه مشروطة في جوازها التكليفي والوضعي برضا صاحب المال بالتصرّف في ماله، فالتصرّف فيه برفع أو وضع أو نقل أو انتفاع أو إتلاف أو غيرها حرام بدون إذنه، كما يترتّب عليه الضمان بذلك. وعلى هذا اتّفاق فقهاء المسلمين قاطبة. [۹۲][۹۳][۹۴][۹۵] ۳- اعتبر بعض الفقهاء في صحّة قبض المشتري المبيع وقوعه برضا البائع وطيب نفسه، [۹۶][۹۷] لكنّ العلّامة في القواعد قال: «يصحّ القبض قبل نقد الثمن وبعده، باختيار البائع وبغير اختياره». [۹۸] وقد قصره الفقهاء على ما عدا حقّ البائع في حبس المبيع إلى حين قبض الثمن، وحقّه في خيار التأخير . [۹۹][۱۰۰] وللتفصيل موضع آخر يأتي.
← الاختيار بمعنى القدرة وقد تقدّم أنّ الفقهاء يطلقونه تارة على ما يقابل العجز الذاتي، ويدعونه بالاختيار المقابل للاضطرار. واخرى على ما يقابل العجز بسبب المانع البشري القاهر، ويدعونه بالاختيار المقابل للإلجاء. وثالثة على ما يقابل تهديد الغير له بما يتعلّق به، ويدعونه بالاختيار المقابل للإكراه.
وقد تعرّض الفقهاء لذلك في مواطن عديدة:
۱- فالاختيار بالمعنى المقابل للإلجاء والاضطرار الموجبين لسلب القدرة أصلًا شرط في التكاليف جميعاً عند المشهور ، فلا تكليف على غير القادر إمّا لقبحه عقلًا أو للغويّته أو لعدم شمول الخطابات الشرعية له.
قال الشيخ الطوسي في تكليف الكفّار بالإيمان : «لو كان الكافر غير قادر على الإيمان لما حسن تكليفه بالإيمان؛ لأنّ تكليف ما لا يطاق قبيح ». [۱۰۱] وقال الميرزا النائيني : «هناك وجه آخر في اعتبار القدرة، وهو اقتضاء الخطاب ذلك، حيث انّ البعث والتكليف إنّما يكون لتحريك إرادة المكلّف نحو أحد طرفي المقدور، بل حقيقة التكليف ليس إلّا ذلك، فالقدرة على المتعلّق ممّا يقتضيه نفس الخطاب، بحيث انّه لو فرض عدم حكم العقل بقبح تكليف العاجز، وقلنا بمقالة الأشاعرة من نفي التحسين و التقبيح العقليّين، لقلنا باعتبار القدرة في متعلّق التكليف؛ لمكان اقتضاء الخطاب والبعث ذلك، حيث انّ حقيقة الخطاب هو البعث وتحريك الإرادة نحو أحد طرفي المقدور، و ترجيح أحد طرفيه » . [۱۰۲] وفي قبال المشهور ذهب الإمام الخميني رضى الله عنه إلى أنّ قبح تكليف العاجز مختصّ بما إذا كان الخطاب موجّهاً إلى خصوصه شخصاً أو عنواناً، فأمّا مثل الخطابات الموجّهة إلى عموم الأفراد - مثل عنوان الناس والذين آمنوا ونحوهما- فدخول العاجز ونحوه فيهم وشمول التكليف الشرعي له لا قبح فيه ولا استهجان .
نعم، لا يكون منجّزاً في حقّه بحكم العقل؛ لعدم القدرة، فعدم القدرة على الفعل شرط في تنجّز التكليف . [۱۰۳] ۲- وكذلك الاختيار بالمعنى المقابل للاضطرار الموجب لسلب القدرة العرفيّة ككلّ ما يستلزم العسر و الحرج والضرر لنوع المكلّف ممّا لا يطيقه عامّة الناس وإن كان ممكناً عقلًا، فإنّه شرط في جميع التكاليف أيضاً بحكم الشرع.
وقد دلّت على اشتراطها به آيات وروايات كثيرة:
منها: قوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» . [۱۰۴] فقد يراد بالوسع الاختيار بهذا المعنى، كما قد يراد به الاختيار بالمعنى المتقدّم. [۱۰۵][۱۰۶][۱۰۷][۱۰۸][۱۰۹][۱۱۰][۱۱۱][۱۱۲][۱۱۳][۱۱۴][۱۱۵][۱۱۶][۱۱۷] وقوله عزّ وجل: « رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ...». [۱۱۸] وقد يراد بالطاقة هنا أيضاً العقليّة، كما قد يراد بها العرفيّة. [۱۱۹][۱۲۰][۱۲۱][۱۲۲][۱۲۳] وقوله عزّ وجل أيضاً: «وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، [۱۲۴] و «ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ»، [۱۲۵] و «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ». [۱۲۶] وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في واقعة سمرة بن جندب : «لا ضرر ولا ضرار ». [۱۲۷] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً في حديث الرفع : «وما اضطرّوا إليه...». [۱۲۸][۱۲۹] وغير ذلك ممّا استدلّ به الفقهاء على نفي التكاليف الشاقّة و المضرّة والثقيلة الوطأة على الإنسان عن شريعة الإسلام.
ومعنى هذا أنّ للأدلّة المتقدّمة حكومة على إطلاقات سائر أدلّة الأحكام، حيث تتضيّق دائرة دليليّتها بعد انتفاء الأحكام المستلزمة للمشقّة والعسر والضرر؛ لتختصّ بما لا يستلزم ذلك.
۳- كما أنّ الاختيار بالمعنى المقابل للإكراه أيضاً شرط في أكثر التكاليف أيضاً، فيسقط التكليف بالمحرّمات والمكروهات بالإكراه على فعلها، ويسقط التكليف بالواجبات والمستحبّات بالإكراه على تركها، وذلك بتهديد المكرِه المكرَه بفعل ما يكرهه به، أو بما يتعلّق من نفس أو عرض أو مال. وقد دلّت على ذلك جملة من الأدلّة كقوله تعالى: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» [۱۳۰]وحديث الرفع: «وما استكرهوا عليه»، [۱۳۱] وغيرهما.
وممّا يلحق بالإكراه التقيّة ، فإنّها- على ما عرّفت به-: عبارة عن إظهار الموافقة للغير في قول أو فعل أو ترك فعل يجب عليه حذراً من شرّه الذي يحتمل صدوره بالنسبة إليه أو بالنسبة إلى من يحبّه، مع ثبوت كون ذلك القول، أو ذلك الفعل أو ذلك الترك مخالفاً للحقّ عنده، [۱۳۲] وهي أوسع من الاكراه كما سيأتي في مصطلح (تقية).
والشرطيّة المذكورة للاختيار المقابل للاضطرار، وكذا المقابل للإكراه، والتقيّة لمّا كانت مستفادة من حكومة الأدلّة النافية للعسر والحرج والضرر عن أحكام الشريعة، وكذا الأدلّة الرافعة للتكليف أو آثاره عن موارد الاضطرار و الاستكراه ، والتقيّة على إطلاقات أدلّة الأحكام المختلفة ، وأنّ جميع الأدلّة الحاكمة هذه واردة مورد الامتنان ممّا يعني أنّ الامتنان المذكور يشكّل قرينة متّصلة تقيّد حكومة الأدلّة المذكورة عن الشمول لما ليس في رفعه ونفيه امتنان أصلًا، فيبقى على أصل الإطلاق الشامل لحال الاختيار والاضطرار والإكراه والتقيّة وغيرها. [۱۳۳][۱۳۴][۱۳۵][۱۳۶] وقد بحث الفقهاء عن ذلك وحدوده، [۱۳۷][۱۳۸] وأنّ المرفوع هو خصوص الإلزام و الوجوب ، أو أصل الأمر بالفعل، أو غير ذلك [۱۳۹][۱۴۰] مفصّلًا في محلّه.
← الاختيار بمعنى الولاية على التصرف يثبت الاختيار بهذا المعنى في كلّ مورد جعلت فيه ولاية أو سلطنة أو حقّ من الشارع لشخص على التصرّف.
والاختيار بهذا المعنى يقابله الحجر أو عدم الأهليّة ، أي الممنوعيّة من التصرّف، وهو شرط في صحّة التصرّفات الاعتباريّة والقانونيّة، ومن هنا لا تصحّ معاملات الصبي و المفلّس والعبد. كما أنّ الاختيار بهذا المعنى حيث انّه حكم وضعي تشريعي قابل للتفويض إلى الغير.
وتفصيل ذلك في مصطلح (ولاية).
← الاختيار بمعنى القدرة الشرعية ويقصد به الجواز و السماح الشرعي بالتصرّف، وعدم المنع الشرعي عن الفعل لا بنفسه، ولا بما يلازمه الأعم ممّا يكون شرطاً كالاباحة الوضعية المعتبرة في لباس المصلّي أو مانعاً كالضد الخاص الأهم ملاكاً المزاحم للفعل الواجب المشروط بالاستطاعة الشرعية، والاختيار أو القدرة الشرعية بهذا المعنى شرط في صحّة جملة موارد:
منها: اشتراط صحّة العبادات، بأن لا يكون الفعل العبادي أو بعض أجزائه محرّماً شرعاً، وإلّا وقع باطلًا؛ لعدم إمكان قصد التقرّب به.
ومنها: اشتراط عدم ممنوعيّة المأمور به أو بعض أجزائه ولو بعنوان آخر متّحد معه؛ لامتناع اجتماع الأمر والنهي، كما في الصوم التبرعي المفوّت لحق الزوج أو الموجب لمعصية الوالد بناءً على وجوب طاعته.
ومنها: اشتراط عدم وجود مزاحم أقوى وأهمّ شرعاً في بعض التكاليف، كما يقال في وجوب الحجّ؛ لأنّ الاستطاعة المأخوذة فيها تشمل الاستطاعة الشرعيّة أيضاً، وهي ترتفع بالاشتغال بالواجب الأهم وإن لم يكن نفس الحجّ منهيّاً عنه.
ولو كانت الاستطاعة بمعنى القدرة العقليّة فقط كانت محفوظة بناءً على إمكان الترتّب، فيقع الحجّ واجباً. نعم، بناءً على القول بامتناع الترتّب يكون موارد التزاحم بين تكليفين من هذا القبيل دائماً، أي يسقط أحدهما لا محالة؛ لعدم القدرة عليهما معاً. وتفصيل ذلك متروك إلى محلّه.