الأهلية - ویکی فقه 


الأهلية


لتصفح عناوين مشابهة، انظر الأهلية (توضيح) .
هي مصدر صناعي ل (أهل)، بمعنى الصلاحية ، ويقال: فلان أهل لكذا، أي خليق به.


الأهلية في اللغة [تعديل]

الأهلية: مصدر صناعي ل (أهل)، بمعنى الصلاحية ، ويقال: فلان أهل لكذا، أي خليق به. [۱] [۲]

الأهلية في الاصطلاح [تعديل]

ترد كلمة الأهلية في الفقه بنفس معناها اللغوي، وبما أنّ معناها الصلاحية فهي لا ترد إلّا مضافة إلى كلمة أو جملة لكي يكون معناها الصلاحية لذلك الشي‏ء، فيقال: له أهلية التكليف ، أو ليس له أهلية التكليف، ويقصد بذلك صلاحية الإنسان أو عدم صلاحيته لتوجه الخطاب الشرعي إليه، وكذا يقال: أهلية التصرّف بمعنى صلاحية الإنسان للقيام بعمل ما وصدوره عنه على الوجه المعتبر شرعاً، وهكذا.
ثمّ إنّ هذه الصلاحية قد تكون لتوفّر الشروط العامة التي يجب توفّرها في الإنسان بما هو إنسان لكي يكون أهلًا لتوجّه الخطابات الشرعية- التكليفية أو الوضعية - بصورة عامة، كشروط التكليف وشروط صحّة الأعمال الشرعية من الإنسان، وهذه الأهلية ترتبط ارتباطاً تاماً بمراحل نموّ الإنسان البدني والعقلي؛ لأنّ التكليف يتطلّب أمرين أساسيين: القدرة على فهم ذلك الخطاب، والقدرة على أدائه و امتثاله كما يأتي تفصيل ذلك.
وقد تكون لتوفّر شروط مأخوذة في أعمال معيّنة مضافاً إلى الشرائط العامة، كما في شروط صيرورة الإنسان إماماً للجماعة أو مرجعاً للتقليد، فيقال: أهلية الإمامة وأهلية الفتوى وأهلية القضاء وغير ذلك، أي الشروط التي تعتبر في أهلية الإنسان لبعض الأعمال و المناصب الدينية أو الدنيوية. إذاً الأهلية قد تكون عامة وقد تكون خاصة، والعامة هي المقصودة بالبحث هنا، فينصبّ الكلام هنا حول أهلية التكليف وأهلية التصرّف والأداء، وأمّا الأهلية الخاصة فتبحث في مواطنها وعناوينها الخاصة.
ثمّ إنّ هناك اصطلاحاً خاصاً للأهلية يستعمل في بعض المؤلّفات الاصولية والكتب ذات طابع الفقه الوضعي ، وهو: أهلية الوجوب ، ويقصدون بها صلاحية الإنسان لثبوت الحقوق الشرعية له وعليه، وقد يعبر عنها بصلاحيته للإلزام و الالتزام . وأهلية الأداء، ويقصدون به صلاحية الشخص لاستعمال ذلك الحقّ وممارسته و القيام به بنفسه. وقسّموا كلًا منهما إلى كاملة وناقصة، وسيأتي تفصيل ذلك.

الألفاظ ذات الصلة [تعديل]


← التكليف
وهو- لغةً-: الأمر بما يشقّ على المأمور ، [۳] والتكليف بالشي‏ء: فرضه على من يستطيع القيام به، [۴] فهو مكلّف.
واصطلاحاً: هو الاعتبار و الخطاب الصادر من المولى، المتعلّق بأفعال المكلّفين، من حيث الاقتضاء و التخيير . [۵]ولابدّ في المخاطب من الأهلية لأن يكون موضوعاً ومحلّاً للخطاب، إذاً فهي مناط للتكليف وصفة للمكلّف.

← الذمة
وهي‏- لغة-: العهد و الأمان و الضمان و الحرمة والحقّ. [۶] [۷]
وأمّا اصطلاحاً فهي وعاء اعتباري يقدّر تكوّنه في الشخص لتثبت فيه الديون وسائر الالتزامات التي تترتّب عليه؛ لأنّه متى أصبح الشخص أهلًا للمديونية احتيج إلى تقدير مقرّ اعتباري في شخصه لاستقرار الديون التي عليه فيه، وهذا المقرّ المقدّر هو الذمّة . [۸]

مناط الأهلية [تعديل]

يختلف مناط الأهلية باختلاف الموارد وتبعاً للضوابط والشرائط الشرعية و المراحل و الأدوار التكوينية التي يمرّ بها الإنسان، وكذلك تبعاً لطبيعة الأحكام والخطابات الشرعية، باعتبار كونها ترتبط بحقوق اللَّه أو حقوق الناس، أو كونها تكليفية أم وضعية أو غير ذلك من الاعتبارات والحيثيات.
من هنا يختلف الحال والمناط في أهلية الإنسان للتكليف بالعبادات- كالصلاة والصوم- عنه في أهليته للتصدّي لبعض المناصب الدينية كالافتاء والقضاء، وكذلك تختلف أهليته للتملك عن أهليته للتمليك، وأهليته للالزام وثبوت الحقّ له على الآخرين عن أهليته للالتزام في الكثير من الامور، فإنّه لا تلازم بينهما كما ستعرف.
ومن‏ ذلك يتّضح أنّ المناط إجمالًا هو وصول الإنسان إلى مرحلة يتوفّر على الشروط المعتبرة في محلّ وموضوع ذلك التكليف المعيّن، فيكون أهلًا للتكليف بالعبادات- مثلًا- إذا بلغ السن المحدّد شرعاً مع العقل و القدرة ، ويكون أهلًا للفتوى إذا توفّر فيه- مضافاً إلى شروط التكليف- الاجتهاد و العدالة وغيرهما من شروط المفتي والمقلَّد، بينما يكون أهلًا للملك بمجرّد انعقاده إنساناً حيّاً حتى لو كان جنيناً في بطن امّه، وهكذا.
وعليه يمكن القول بأنّ الأهلية بمعناها العام، وهي كون الإنسان ذا ذمّة وقابلية للالزام والالتزام و توجيه الخطاب الشرعي- التكليفي والوضعي- إليه، وصلاحيته للامتثال والأداء مناطها ومحلّها هو الإنسان من حيث مراحل نموّه وأطوار حياته، فيثبت له مستوى من الأهلية في مرحلة الاجتنان ، بينما يثبت له مستوى آخر في مرحلة الطفولة وهكذا، كما يأتي تفصيل ذلك.
وقد ميّز الفقهاء في الفقه بين شرائط التكليف العامة وشرائط الأحكام و الآثار الوضعية، وقصدوا بالتكليف الأحكام الشرعية المتعلّقة بالفعل أو الترك - وهي الوجوب والحرمة و الكراهة و الاستحباب و الإباحة - وبالأحكام الوضعية الأحكام التي تكون أوصافاً وعلاقات للأعيان أو الأفعال كالنجاسة و الطهارة و الزوجية و الملكية والضمان والصحّة و الفساد و الجزئية و الشرطية وهكذا، وعلى أساس هذا التقسيم للأحكام الشرعية في الفقه بالإمكان تقسيم الأهلية إلى أهلية التكليف وأهلية الوضع .
والمراد من أهلية التكليف صلاحية الإنسان لتوجيه الخطابات التكليفية الشرعية إليه، أي إيجاب شي‏ء عليه أو تحريمه أو إباحته، ولا يتّصف الإنسان بهذه الأهلية إلّاإذا توفّر على الكمال البدني والعقلي، وقد حدّدت الشريعة المقدّسة ذلك بالبلوغ والعقل، فلا يكون الإنسان مخاطباً بالتكاليف الشرعية إلّاإذا بلغ عاقلًا.
هذا مضافاً إلى القدرة فإنّها من شروط التكليف العامة، فالطفل قبل البلوغ ليس له أهلية التكليف، وكذا المجنون ، وهذه هي الشروط العامة للتكليف، وهذه الأهلية هي التي على أساسها تكون أهلية الإنسان للعقوبة و التبعة الدنيوية أو الاخروية، فمن لا أهلية له للتكليف- كالطفل والمجنون و العاجز - لا يستحقّ عقوبة على فعل أو ترك.
وأمّا الأهلية الوضعية- أي الأحكام و الآثار الوضعيّة كالضمان لو أتلف مال الغير والملكية والزوجية والنجاسة والطهارة ونحو ذلك‏- فهي تثبت للإنسان في الشريعة منذ بداية وجوده؛ لأنّ هذه الأحكام الوضعية هي إمّا أوصاف للأشياء كالطهارة والنجاسة أو علاقات اعتبارية قائمة بينها وبين الإنسان أو أفعاله، وإن كانت قد تستتبع المسؤولية والتكليف أيضاً ولكنّه حكم آخر تكليفي يترتّب على ذاك الحكم الوضعي، وليس شرطاً في قوامه وحقيقته. ومن هنا يمكن شمول وسعة دائرة الأحكام الوضعية للطفل والمجنون ومن لا يمكن أن يسعه الحكم التكليفي بالمعنى المتقدّم، فالطفل يمكن أن يكون مالكاً أو زوجاً أو ضامناً أو محدثاً أو طاهراً وهكذا ما لم تشترط الشريعة نفسها البلوغ أو العقل أو القدرة على التكليف في الخطاب الوضعي، وفي الأحكام الوضعية التي تستتبع المسؤوليّة والتكليف تكون المسؤولية في مثل الطفل والمجنون على الوليّ، فالأهلية للوضع أوسع من الأهلية للتكليف.

أقسام الأهلية [تعديل]

قسّموا الأهلية- في الفقه الوضعي وبعض المؤلّفات الاصولية كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك- إلى أهلية وجوب وأهلية أداء، وهذا التقسيم تقسيم للأهليةبمعناها الوضعي، والتي هي صلاحية الإنسان لإيجاب الأحكام والحقوق له وعليه، وثبوتها في ذمّته أو له في ذمّة غيره، وصلاحيته لاستيفائها أو أدائها على الوجه المعتبر شرعاً أو قانوناً، وبحثوا ذلك بشي‏ء من التفصيل ارتئينا ذكره بشي‏ء من التفصيل أيضاً في الموسوعة .

← أهلية الوجوب
والمراد بأهلية الوجوب هو صلاحية الإنسان للإلزام والالتزام. وبتعبير آخر: صلاحيته للدائنية و المدينية . و المراد بالإلزام أو الدائنية: ثبوت الحقوق له من قبيل استحقاقه قيمة التالف من أمواله على من أتلفه، و انتقال الملكية له فيما يشتريه أو يقترضه أو يوهب إليه، ووجوب نفقته على غيره إن كان هو فقيراً أو عاجزاً. والمراد بالالتزام أو المدينية: ثبوت الحقوق عليه، من قبيل التزامه بأداء ثمن المبيع وبدل القرض من ماله، والتزامه بنفقة من تجب عليه نفقتهم من أقاربه الفقراء العاجزين إن كان هو غنياً، وغير ذلك. وأهلية الوجوب تدور مدار صفة الإنسانية، ولا علاقة لها بالسنّ، بل تثبت للجنين في بطن امّه إجمالًا أيضاً.
وهي إمّا كاملة أو ناقصة:

←←أهلية الوجوب الكاملة
وأهلية الوجوب الكاملة تعني صلاحية الإنسان للإلزام والالتزام والدائنية والمدينية معاً. وتثبت هذه الأهلية للإنسان منذ ولادته ، ويكون صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه؛ وذلك لكمال ذمّته، فلو أتلف شخص مال الطفل فللطفل أن يلزمه بدفع ثمنه، ولو أتلف الطفل- ولو بضرب رجله شيئاً- يصير ملزماً بدفع ثمنه. ومعنى إلزام الطفل الشخص المتعدّي بدفع ثمن التالف هو أنّ له أهليّة ذلك وإن كان لا يقدر على القيام بذلك فعلًا، فأمّا أن يقوم وليّه بالمطالبة، أو يصبر حتى يبلغ ويطالب بحقّه. ومعنى التزامه بثمن التالف هو اشتغال ذمّته بذلك، ويتحقّق إفراغها بدفع الولي من مال الطفل.

←←أهلية الوجوب الناقصة
وأمّا أهلية الوجوب الناقصة فتعني صلاحية الإنسان للإلزام والدائنية فقط دون الالتزام والمدينية، وهذه الأهلية تثبت للإنسان منذ انعقاده في بطن امّه ، فإنّه يكون صالحاً لوجوب الحقوق له؛ لأنّه نفس مستقلّة وله ذمّة، ويملك بالإرث و الوصية أو الإقرار أو غير ذلك. ولو أتلف له شخص مالًا موروثاً يُلزم المتلف بثمنه وإن كانت ملكيته متزلزلة ومتوقّفة على ولادته حيّاً. نعم، ليس له أهلية الالتزام، فلا يثبت شي‏ء لأحد عليه ولا يلزم بشي‏ء؛ لأنّ ذمّته غير كاملة ما دام جنيناً في بطن امّه.

← أهلية الأداء
المراد بأهلية الأداء: صلاحية الإنسان لامتثال خطاب شرعي أو القيام بتصرّف على الوجه المعتبر شرعاً. وهذه الصلاحية تعتمد على وجود علم و توجّه وقصد في الفاعل و إرادة منه، وهذا يحتاج إلى مستوى من القدرة العقلية والبدنية؛ ولهذا فأهلية الأداء لا وجود لها في الطفل قبل أن يصير مميّزاً قادراً على فهم الخطاب الشرعي إجمالًا و الإتيان بمتعلّقه بإرادة وقصد على الوجه المعتبر فيه شرعاً. إذاً أهلية الأداء تبدأ في الإنسان متى أصبح مميزاً، ولكنها تكون فيه قاصرة، ثمّ تتم بتمام قدرته جسماً وعقلًا؛ وذلك ببلوغه ورشده، فيحمل عندئذٍ جميع التكاليف الشرعية ويمارس جميع الحقوق.
وعليه فأهلية الأداء على قسمين: أهلية أداء ناقصة وأهلية أداء كاملة:

←←أهلية الأداء الناقصة
أهلية الأداء الناقصة هي التي تثبت بقدرة قاصرة؛ لأنّ الأداء يتعلّق بقدرتين:
قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل، وقدرة العمل به وهي بالبدن. والإنسان في بداية أحواله عديم‏ القدرتين لكن فيه استعداد لهما، ثمّ يتحوّل هذا الاستعداد بنموّ الإنسان إلى الوجود والفعلية شيئاً فشيئاً إلى أن تبلغ كلّ واحدة منهما إلى درجة الكمال بالبلوغ والرشد، فكلّ منهما بعد التمييز وقبل البلوغ تكون ناقصة وقاصرة.
وهذه الأهلية تثبت للصبي المميّز وتصحّح أفعاله التي لا تحتاج إلى أهلية أداء كاملة، فإنّ بعض الأفعال يكفي فيها أهلية أداء ناقصة كما في العبادات الدينية- مثلًا- فإنّ بعض العبادات الشرعية تصحّ من المميز ، وإن لم تجب عليه، وكذا بعض التصرّفات، في حين أنّ بعضها بل الكثير منها لا يصحّ منه بل يتوقّف على تحقّق البلوغ.

←←أهلية الأداء التامة
وهي التي تثبت بقدرة كاملة؛ وذلك بتمام قدرته جسماً وعقلًا ببلوغه ورشده، فهي تبدأ منذ بلوغ الإنسان ورشده؛ فتصحّ منه جميع التكاليف والتصرّفات إجمالًا مع توفّر سائر شرائطها. وتختلف الأحكام الشرعية في درجة احتياجها إلى أهلية الوجوب أو الأداء، فبعضها تكفي فيه الأهلية الناقصة، وبعضها لا تكفي فيه إلّاالأهلية التامة حسب اختلاف نوع الحكم وشروطه، ومراحل نمو الإنسان كما سيوافيك في هذا البحث .

مراحل نمو الإنسان وأثرها في‏الأهلية [تعديل]

الأهلية (مراحل نمو الإنسان) ، يمرّ الإنسان من مبدأ حياته في بطن امّه وإلى اكتمال رشده بأدوار ومراحل خمسة، وهي: الاُولى: مرحلة الجنين، المرحلة الثانية: مرحلة الطفولة، المرحلة الثالثة: مرحلة التمييز، المرحلة الرابعة: مرحلة البلوغ، المرحلة الخامسة: مرحلة الرشد .

عوارض الأهلية [تعديل]

قد تطرأ على الشخص عوارض جسمية أو عقلية- كمرض الموت والجنون- تؤثّر تأثيراً كلّياً أو جزئياً على أهليته، ويختلف ذلك بحسب نوع العارض وطبيعته.وينحصر تأثير هذه العوارض في أهلية الأداء ، والتي مناطها العقل، فلذا لا تبدأ في الشخص حتى يصبح له تمييز.وأمّا أهلية الوجوب والتي مناطها صفة الإنسانية، فلا تؤثّر فيها هذه العوارض؛ لأنّه مهما كان لها من تأثير في حالة الشخص وفي ملكاته العقلية، فإنّها لا تسلب عنه صفة الإنسانية، ولا تجعله أدنى حال من الطفل الوليد، الذي يصدق عليه أنّه إنسان .
ولكلّ عارض من عوارض الأهلية تأثير خاص تنشأ عنه أحكام استثنائية لتصرّفات الأشخاص الذين يعتريهم العارض، تستثنى من الأحكام الشرعية العامة التي تسري على سواهم. فبعض هذه العوارض يزيل أهلية الأداء كاملًا كالجنون، وبعضها ينقص منها ولا ينفيها بنحو كامل كمرض الموت. و المبدأ   العام في تأثير كلّ من هذين النوعين من عوارض الأهلية هو أنّ العارض المزيل لها يردّ الشخص إلى نظير مرحلة الطفولة، وأنّ العارض المنقص يردّ الشخص إلى نظير مرحلة التمييز، فتثبت له أحكام الصبي المميز. والمقصود بالبحث هنا هو عوارض الأهلية العامة، وأمّا ما يمنع من الأهلية الخاصّة، فلا يمكن حصره، فإنّ لكلّ مسألة فقهية شروطاً يوجب فقدها فقد الأهلية الخاصّة في ذلك المورد.

← عوارض الأهلية العامة
هي:

←←الجنون
الجنون - لغةً-: مصدر جنّ الرجل بالبناء للمجهول، فهو مجنون، أي زال عقله أو فسد. [۹] [۱۰]واستعمله الفقهاء بنفس معناه اللغوي.
وحكم المجنون حكم الصبي، لا تجب عليه العبادات ولا تصحّ منه؛ لأنّ الجنون مخرج للإنسان عن أهلية الخطاب أصلًا، [۱۱] ولا تجب عليه العبادات، ولا تصحّ منه التصرّفات المالية - كالبيع و الشراء   و الهبة   ونحو ذلك- ولا التصرّفات غير المالية- كالطلاق - ولا يعتدّ بأقواله وأفعاله، فإنّها كالعدم؛ لرواية رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ، [۱۲] وغيرها.

←←العته
العَتَه- لغةً-: نقص في العقل من غير جنون أو دهش . [۱۳] [۱۴] واستعمله الفقهاء بنفس معناه اللغوي، قالوا: العته: التخلّف العقلي، أي نقص في العقل من غير جنون، [۱۵] وقالوا: المعتوه : الذي اختلّ شعوره، بأن كان فهمه قليلًا وكلامه مختلطاً، و تدبيره فاسداً. [۱۶] وأكثر المعتوهين بحكم الصبي غير المميّز من حيث أهلية الوجوب والأداء، وبعضهم بحكم الصبي المميّز، وليس لهذا ضابطة كلّية، والمعتوهون مختلفون، و إرجاع التعيين إلى العرف أو إلى حاكم  الشرع أولى. [۱۷] [۱۸]

←←السفه
السفه - لغةً-: نقص في العقل، و أصله الخفّة و السخافة ، [۱۹] [۲۰] وضدّه الرشد. و اصطلاحاً : إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء. [۲۱] [۲۲] والسفه قد يوافق البلوغ فيبلغ الطفل سفيهاً غير رشيد ، وقد يعرض بعد البلوغ، فيبلغ رشيداً ثمّ يعرض عليه السفه. و السفيه ممنوع من التصرّف في ماله؛ مراعاة لمصلحته، وأمّا أهليّته لسائر الموارد فهي باقية لا تزول، فهو أهل للإلزام و الالتزام ، وأهل لتوجّه الخطاب إليه وامتثاله ، وإن كان خطاباً مالياً كالخمس و الزكاة .
فالسفه يرفع أهلية التصرّفات المالية من بيع أو شراء أو هبة أو إقرار بمال ونحو ذلك، وأمّا غيرها كالطلاق و الخلع   و الظهار   والإقرار بالنسب وبما يوجب القصاص ونحو ذلك فلا؛ لأنّ المقتضي للحجر عليه هو صيانة المال عن الإتلاف، وكذا لا يمنعه التصرّف وكالة عن غيره، فلو وكّله الأجنبي في بيع أو هبة جاز كلّ ذلك؛ لأنّ السفه لا يسلبه حكم عبارته ولا أهلية مطلق التصرّف. [۲۳]

←←النوم
النوم : حالة طبيعية تتعطّل معها القوى مع سلامتها، [۲۴] [۲۵] وهو لا يزيل أهلية الوجوب، فالنائم أهل للإلزام والالتزام؛ لأنّ ذمّته باقية، فيضمن ما يتلفه حال‏ نومه ويملك ما يرثه أو يقرّ له كذلك. وأمّا أهلية الأداء فتزول بالنوم؛ لعدم إمكان توجّه الخطاب إليه، لعجزه عن فهمه، ولا يعتدّ بأقواله وأفعاله، فهي كالعدم؛ لرواية رفع القلم.

←←الإغماء
الإغماء - لغة-: مصدر اغمي، وأصل التغمية : الستر والتغطية، ومنه اغمي على المريض، إذا غشي عليه، كأنّ المرض ستر عقله وغطّاه. [۲۶] [۲۷]وهو بحكم النوم، فلا تزول به أهلية الوجوب، وتزول أهلية الأداء.

←←مرض الموت
المرض- لغةً-: حالة خارجة عن الطبع، ضارّة بالفعل، ويعلم من هذا أنّ الآلام والأورام أعراض عن المرض. [۲۸] والموت: مفارقة الروح الجسد. [۲۹] ومرض الموت اصطلاحاً: المرض الذي يموت فيه الشخص، [۳۰] وهو يعدّ من عوارض الأهلية العامة. وأمّا المرض الذي لا يؤدّي إلى الموت فليس كذلك، بل يمنع من بعض الخطابات كالصوم و الصلاة   عن قيام أو جلوس، و الحجّ أحياناً، و الحضور   في ساحات الجهاد ، ونحو ذلك. ومرض الموت يمنع عن أهلية الإنسان لبعض التصرّفات المالية؛ وذلك أنّ التصرّفات المالية للمريض بمرض الموت لا تخلو إمّا أن تكون منجّزة أو معلّقة على الموت، فالمعلّقة على الموت هي الوصية ، فإنّ حقيقتها: أنّها تمليك مجّاني بعد الموت، ولا تنفذ إلّابمقدار الثلث، فلو زادت توقّفت على إجازة الورثة.
أمّا المنجّزة فنوعان: معاوضة بثمن المثل كبيع شي‏ء بثمنه أو إجارة كذلك، وهو نافذ إجماعاً . [۳۱](ونصّ عبارته «لا خلاف فى صحّتها بين أهل الإسلام ». ) [۳۲]ومعاوضة محاباتية كهبة أو وقف أو عتق أو بيع أو إجارة بأقل من ثمن المثل، وهذا أيضاً لا إشكال في نفوذه. [۳۳] [۳۴] إنّما الخلاف في أنّه ينفذ من الأصل، ويخرج الثلث من الباقي، أو أنّه يخرج من الثلث، فإن زاد توقّف على الإجازة كالوصية؟ قولان. [۳۵] [۳۶] [۳۷] ومنشأ الاختلاف هو الأخبار، [۳۸] [۳۹] وأمّا إقرارات المريض بمرض الموت- كما لو أقرّ أنّه باع داره قبلًا، أو أنّه مديون لزيد بألف وأمثال ذلك لأجنبي أو وارث- ففيه أقوال، [۴۰] [۴۱] [۴۲] [۴۳] [۴۴] [۴۵] [۴۶] أصحّها عند جماعة: أنّه مع التهمة - أي غلبة الظن بأنّ إقراره خلاف الواقع، وأنّه إنّما يريد تخصيص المقرّ له بالمال المقرّ به، حيث تشهد قرائن الأحوال بذلك، كما لو أقرّ لزوجته الحظية عنده أو ولده العزيز وأمثال هذا- يخرج من الثلث، وإلّا فمن الأصل . [۴۷] [۴۸] [۴۹] [۵۰] [۵۱] [۵۲]

←←الفلس
الفلس - لغةً-: مصدر أفلس الرجل كأنّه صار إلى حال ليس له فلوس ، أو صارَ ذا فُلوس بعد أن كان ذا دراهم. وحقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر ، وفلّسه القاضي تفليساً : نادى عليه وشَهَرَه بين الناس بأنّه صار مفلّساً. [۵۳] وأمّا اصطلاحاً: فالمفلّس هو من قصرت أمواله عن ديونه، فطلب الغرماء أن يحجر على أمواله ويمنع من التصرّف بها خوف التلف فتعود الخسارة عليهم. [۵۴] وعليه فلا أهلية للمفلّس للتصرّف في أمواله بعد طلب الغرماء من القاضي الحجر عليها.

←←الارتداد
يعدّ الارتداد - سواءً كان فطرياً أم ملّياً- من عوارض الأهلية، فإن كان الارتداد عن فطرة خرجت أموال المرتدّ عن ملكيته وانتقلت إلى ورثته، وأمّا ما يكتسبه في حال الردّة فقد اختلفوا في دخوله في ملكه وعدمه، وعلى فرض دخوله هل ينتقل إلى الورثة أم لا؟ وأمّا المرتدّ الملّي، فهو كالسفيه ممنوع من التصرّف في ماله، فإن تاب جاز له التصرّف، وإلّا فحكمه حكم الفطري .

←←الرق
فإنّ المملوك ممنوع من التصرّف إلّا بإذن مولاه. نعم، الرقّ لا يسلب الشخص أهلية أداء التكاليف الشرعية، بل هو مكلّف وتصحّ منه مع توفّر شروطها.
والتفصيل في محالّه.

المراجع [تعديل]

۱. المفردات، ج۱، ص۲۹.   
۲. المعجم الوسيط، ج۱، ص۳۲.
۳. لسان العرب، ج۹، ص۳۰۷.    
۴. المعجم الوسيط، ج۲، ص۷۹۵.
۵. مصباح الاصول، ج۳، ص۷۸.    
۶. النهاية (ابن الأثير)، ج۲، ص۱۶۸.
۷. المعجم الوسيط، ج۱، ص۳۱۵.
۸. فقه العقود، ج۱، ص۵۰.
۹. الصحاح، ج۵، ص۲۰۹۳.   
۱۰. لسان العرب، ج۱۳، ص۹۶.    
۱۱. جواهر الكلام، ج۱۶، ص۳۳۱.    
۱۲. الوسائل، ج۱، ص۴۵، ب ۴ من مقدمة العبادات، ح ۱۱.   
۱۳. المصباح المنير، ج۱، ص۳۹۲.
۱۴. المعجم الوسيط، ج۲، ص۵۸۳.
۱۵. معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ج۱، ص۲۸۵.
۱۶. تحرير المجلّة، ج۳، ص۲۱۰، الهامش‏.
۱۷. تحرير المجلّة، ج۳، ص۲۳۵.
۱۸. ية العقد (السنهوري)، ج۱، ص۳۳۸- ۳۳۹.
۱۹. المصباح المنير، ج۱، ص۲۸۰.
۲۰. معجم مقاييس اللغة، ج۳، ص۷۹.
۲۱. المسالك، ج۴، ص۱۴۸.    
۲۲. جواهر الكلام، ج۲۶، ص۵۲.    
۲۳. جواهر الكلام، ج۲۶، ص۵۶- ۵۸.    
۲۴. المصباح المنير، ج۱، ص۶۳۱.
۲۵. البحر الرائق، ج۱، ص۷۲.
۲۶. لسان العرب، ج۱۵، ص۱۳۵.    
۲۷. مجمع البحرين، ج۳، ص۳۳۳.    
۲۸. المصباح المنير، ج۱، ص۵۶۸.
۲۹. مجمع البحرين، ج۳، ص۱۷۳۳.
۳۰. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۱.
۳۱. جامع المقاصد، ج۱۱، ص۱۱۳.    
۳۲. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۱.
۳۳. المسالك، ج۶، ص۳۱۶.    
۳۴. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۱- ۱۸۲.
۳۵. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۲.
۳۶. مجمع الفائدة، ج۹، ص۲۱۴.    
۳۷. جواهر الكلام، ج۲۶، ص۶۳- ۹۳.    
۳۸. الوسائل، ج۱۹، ص ۲۷۵ ، ب ۱۱ من الوصايا.    
۳۹. الوسائل، ج۱۹، ص ۲۹۶، ب ۱۷.    
۴۰. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۳.
۴۱. المقنع، ج۱، ص۴۸۲.    
۴۲. المقنعة، ج۱، ص۶۶۲.    
۴۳. المراسم، ج۱، ص۲۰۴.    
۴۴. الوسيلة، ج۱، ص۲۸۴.    
۴۵. الوسيلة، ج۱، ص۳۷۲.    
۴۶. المختصر النافع، ج۱، ص۱۹۲.
۴۷. تحرير المجلّة، ج۴، ص۱۸۳- ۱۸۴.
۴۸. النهاية، ج۱، ص۶۱۷- ۶۱۸.    
۴۹. المهذّب، ج۱، ص۴۱۹.    
۵۰. الشرائع، ج۳، ص۱۵۲.
۵۱. المختلف، ج۶، ص۴۱۵.    
۵۲. جامع المقاصد، ج۱۱، ص۱۰۸.    
۵۳. المصباح المنير، ج۱، ص۴۸۱.
۵۴. تحرير المجلّة، ج۳، ص۲۴۸- ۲۴۹.


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۵۰-۱۹۲.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار