القضاء وهو ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية، على أشخاص معينة من البرية، بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحق، ومبدؤه الرئاسة العامّة في أُمور الدين والدنيا ، وغايته قطع المنازعة.
التعريف في اللغة [تعديل] وهو في اللغة لمعان كثيرة: الخلق، ومنه قوله سبحانه «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» [۱] أي خلقهنّ. والحكم، ومنه قوله تعالى «وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» [۲] أي يحكم. والأمر، ومنه قوله عزّ وجلّ «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ» [۳] أي أمر. إلى غير ذلك.
التعريف في الشريعة [تعديل] وفي الشريعة على ما عرّفه جماعة[۴][۵][۶]: ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية، على أشخاص معينة من البرية، بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحق، ومبدؤه الرئاسة العامّة في أُمور الدين والدنيا، وغايته قطع المنازعة.
قالوا: وخواصّه أنّ الحكم فيه لا ينقض بالاجتهاد، وصيرورته أصلاً ينفذه غيره من القضاة وإن خالف اجتهاده ما لم يخالف دليلاً قطعياً. وله ولاية على كل مولّى عليه مع فقد وليّه، ومع وجوده في مواضع خاصّة. ويلزم به حكم البيّنة من شهدت عليه والشهود، أمّا من شهدت عليه فبإلزامه الحق، وأمّا الشهود فبتغريمهم إيّاه لو رجعوا عن الشهادة .
وهو من فروض الكفاية بلا خلافٍ، فيه بينهم أجده؛ لتوقف نظام النوع الإنساني عليه، ولأنّ الظلم من شيم النفوس، فلا بُدّ من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم، ولما يترتب عليه من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف .
والأصل فيه مع ذلك الكتاب ، والسنّة ، وإجماع الأُمّة المحكي في كلام جماعة[۷][۸][۹]، قال سبحانه «يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ».
وقال تعالى «إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ» [۱۰].
وفي النبوي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «إنّ الله تعالى لا يقدس امّةً ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه»[۱۱][۱۲].
ولعظم فائدته تولاّه النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) ومن قبله من الأنبياء بأنفسهم لُامّتهم، ومن بعدهم من خلفائهم.
وفيه أجر عظيم لمن يقوم بشرائطه، ففي الخبر: «يد الله تعالى فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة، فإذا حاف وكلّه الله تعالى إلى نفسه»[۱۳][۱۴][۱۵][۱۶].
وفي آخر: «إذا جلس القاضي في مجلسه هبط إليه ملكان يسدّدانه ويرشدانه ويوفّقانه، فإذا جار عرجا وتركاه»[۱۷].
ولكن خطره جسيم، قال مولانا أمير المؤمنين (علیهالسّلام) لشريح: «جلست مجلساً لا يجلس فيه إلاّ نبي أو وصي أو شقي»[۱۸][۱۹][۲۰][۲۱][۲۲].
وفي النبوي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار؛ فالذي في الجنة رجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل»[۲۳][۲۴].
ونحوه الصادقي (علیهالسّلام): «القضاة أربعة، ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة » والرابع فيه: «رجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار»[۲۵][۲۶][۲۷][۲۸].
واعلم أنّ القاضي يغاير المفتي والمجتهد والفقيه بالحيثية، وإن كانت الأوصاف المزبورة فيه مجتمعة؛ لأنّ القاضي يسمّى قاضياً وحاكماً باعتبار إلزامه وحكمه على الأفراد الشخصية بالأحكام الشخصية كالحكم على شخص بثبوت حق عليه لآخر، وأمّا لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار والإعلام، فإنّه يسمّى مفتياً كما أنّه باعتبار مجرد الاستدلال يسمّى مجتهداً، وباعتبار علمه بتعيّن مظنونه حكماً شرعياً في حقه وحق مقلده فقيهاً عالماً بالعلم القطعي بالحكم الشرعي، ومن هنا اشتهر وصح أنّ ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم، وليس فيه ابتناء على القول بالتصويب.
والنظر في الكتاب يقع في مواضع: في الصفات المعتبرة في القاضي المنصوب من قبل الإمام (علیهالسّلام). والآداب المتعلقة به وكيفية الحكم له وأحكام الدعاوي.
قبول القضاء عن السلطان العادل [تعديل] وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق ويعتمد بنفسه بالقيام بشرائط القضاء، واستحبابه عينيّ، فلا ينافي ما قدّمناه من أنّه واجب كفائي .
وربما وجب عيناً إذا ألزمه به الإمام (علیهالسّلام) ، أو لا يوجد من يتولاّه غيره ممّن يستجمع الشرائط. ولا فرق في هذا بين حالتي حضور الإمام وغيبته. ولا خلاف في شيء من ذلك عندنا.
خلافاً لبعض العامة[۴۲] فحكم بالكراهة، للنصوص المحذّرة، منها: «من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين»[۴۳][۴۴].
وفي آخر: «يجاء بالقاضي يوم القيامة فيلقى من شدّة الحساب ما يتمنّى أنّه لم يقض بين اثنين في تمرة قطّ»[۴۵][۴۶].
وحملها الأصحاب على من لم يستجمع الشرائط، أو إرادة بيان خطره، ولا بأس به.
آداب القضاء [تعديل] • آداب القضاء ، في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة؛ فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره؛ والجلوس في قضائه مستدبر القبلة ، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم؛ والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب إطلاقه، وتفريق الشهود عند الإقامة، فانه أوثق، خصوصا في موضع الريبة ؛ عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه في المسائل المشتبهة؛ والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء ، وان يقضي مع ما يشغل النفس ، كالغضب ، والجوع ، والعطش ، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في إسقاط أو إبطال.
مسائل: الاولى: للإمام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس ، وفي حقوق الله قولان؛ الثانية: إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الأمرين، فالأصح: التوقف حتى يبحث عنهما؛ الثالثة: تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة؛ الرابعة: اذا التمس الغريم إحضار الغريم وجب إجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة، ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما؛ الخامسة: الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.
← المندوبات للقاضي • المندوبات للقاضي ، اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره؛ والجلوس في قضائه[۴۷][۴۸][۴۹]، مستدبر القبلة [۵۰][۵۱][۵۲]، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم؛ والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الإقامة، فانه أوثق، خصوصا في موضع الريبة ؛ عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه في المسائل المشتبهة[۵۳][۵۴][۵۵].
← الرشوة على الحكم • الرشوة على الحكم ، بذل الرشوة وأخذها على الحكم حرام ، وبقي فيها شيء وهو الفرق بين الرشوة والهدية، بأنّ الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق والامتناع من الحكم به، والهدية هي العطية المطلقة[۹۶][۹۷]؛ وأنّها محرمة على المرتشي مطلقاً، وعلى الراشي كذلك إلاّ أن يكون محقاً، ولا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها فلا تحرم عليه حينئذٍ[۹۸][۹۹]، وعلى هذا يحتاج إلى فرق آخر، والأظهر فيه أن يقال: إنّ دفع المال إلى القاضي ونحوه من العمّال إن كان الغرض منه التودّد أو التوسل لحاجة من العلم ونحوه فهو هدية، وإن كان للتوسل إلى القضاء والعمل فهو رشوة[۱۰۰][۱۰۱]؛ ويجب على المرتشي إعادتها عيناً مع وجودها، وعوضاً مثلاً أو قيمةً مع تلفها[۱۰۲][۱۰۳][۱۰۴].
كيفية الحكم في القضاء [تعديل] • كيفية الحكم في القضاء ، وفيه مقاصد ثلاثة: الأوّل: في وظائف الحاكم وآدابه وهي أربع: الأولى: التسوية بين الخصوم في السلام ، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم، ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا؛ الثانية: لا يجوز للحاكم أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه؛ الثالثة: اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه؛ الرابعة: اذا بدر أحد الخصمين سمع منه، ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته، ولو ابتدرا الدعوى ، سمع من الذي عن يمين صاحبه. الثاني: في جواب المدّعى عليه، وهو إمّا إقرار بما ادّعي عليه، أو إنكار له، أو سكوت عنه. الثالث: في بيان كيفية الاستحلاف وما ينعقد به اليمين الموجبة للحق من المدّعى والمسقطة للدعوى من المنكر.
←←سكوت المدعي عليه • سكوت المدعي عليه ، وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره أو إنكاره؛ ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد[۲۵۲][۲۵۳][۲۵۴]؛ ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب[۲۵۵][۲۵۶][۲۵۷][۲۵۸][۲۵۹][۲۶۰][۲۶۱]؛ وإنّما جعل هذا جواباً مع أنّه ليس كذلك لغة بل ولا عرفاً، قيل: لأنّه إذا أصرّ عليه جعل كالمنكر الناكل، فهو في الحكم كالإنكار، فكان في معنى الجواب به[۲۶۲].
←←استحباب تقديم العظة على اليمين ويستحب بلا خلاف للحاكم تقديم العظة على اليمين لمن توجّهت إليه، والتخويف من عاقبتها بذكر ما ورد فيها من الآيات والروايات المتضمنة لعقوبة الحلف كاذباً. ويجزيه أي الحالف أن يقول في يمينه: والله ما له قِبَلي كذا بلا خلاف عملاً بالإطلاق. وفي النبوي: «من حلف بالله تعالى فليصدق، ومن حلف له بالله تعالى فليرض، ومن لم يرض فليس من الله»[۲۷۹][۲۸۰][۲۸۱][۲۸۲].