← هوية المرأة عند الشارع فمن جهة الهوية بيّن الشارع أنّ المرأة كالرجل إنسان، وأنّ كلّ إنسان- ذكراً أو انثى- يشترك في مادّته و عنصره إنسانان ذكر وانثى، فالرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل و السنخ ، ولا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى و العمل الصالح .
ثمّ بيّن الشارع أنّ عمل كلّ واحد من هذين الصنفين غير مضيّع عند اللَّه لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، [۵] وقال تعالى: «أَنِّي لَاأُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ»، [۶] وإذا كان لكلّ منهما ما عمل ولا كرامة إلّابالتقوى- ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته و العلم النافع و العقل الرزين و الخلق الحسن - فالمرأة المؤمنة بدرجات عالية، أو المليئة علماً، أو الرزينة عقلًا، أو الحسنة خلقاً أكرم ذاتاً و أسمى درجة ممّن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام. قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». [۷]
← وزن المرأة الاجتماعي في الإسلام وأمّا وزنها الاجتماعي فإنّ الإسلام ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بالإرادة والعمل، فإنّهما متساويان من حيث تعلّق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل و الشرب وغيرهما من لوازم البقاء ، قال تعالى: «بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ»، [۸] وقال تعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»، [۹] فالمرأة لها أن تستقلّ بالإرادة، ولها أن تستقلّ بالعمل وتمتلك نتاجها كما للرجل ذلك من غير فرق، فهما سواء فيما يراه الإسلام ويحقّه القرآن ، غير أنّه قرّر في المرأة خصلتين ميّزها بهما الصنع الإلهي :
إحداهما: أنّها بمنزلة الحرث في تكوّن النوع و نمائه ، فعليها يعتمد النوع الإنساني في بقائه، فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث، وتمتاز بذلك عن الرجل.
وثانيتهما: أنّ وجودها مبني على لطافة البنية ورقّة الشعور ، ولذلك أيضاً تأثير في أحوالها والوظائف الاجتماعية المسندة إليها.
فهذا وزن المرأة الاجتماعي في الإسلام، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، وإليه تنحلّ جميع الأحكام المشتركة بينهما وما يختص به أحدهما في الإسلام، قال اللَّه تعالى: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْأَلُوا اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ». [۱۰] وسوف نتعرّض إلى الأحكام المشتركة و المختصة ، فالمرأة تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية و الحقوق الاجتماعية، إلّافي موارد تقتضي طباعها ذلك، أو تقتضيه المصلحة النوعية العامّة، وسنشير إليها في المسائل القادمة.
← بنيان الأحكام والحقوق أمّا الأساس الذي بنيت عليه هذه الأحكام والحقوق فهو الفطرة ، فالأشياء- ومن جملتها الإنسان- إنّما تهتدي في وجودها وحياتها إلى ما خلقت له وجهّزت بما يكفيه ويصلح له من خلقة ، والحياة القيّمة بسعادة الإنسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة والفطرة انطباقاً تاماً، وتنتهي وظائفها و تكاليفها إلى الطبيعة انتهاءً صحيحاً.
والذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف والحقوق الاجتماعية بين الأفراد- باعتبار أنّ الجميع إنسان ذو فطرة بشرية- هو أن يساوى بينهم في الحقوق والوظائف، لكن ليس مقتضى هذه التسوية التي يحكم بها العدل الاجتماعي أن يبذل كلّ مقام اجتماعي لكلّ فرد من أفراد المجتمع، فيتقلّد الصبي - مثلًا- على صباوته و السفيه على سفاهته ما يتقلّده الإنسان العاقل المجرّب. بل الذي يقتضيه العدل الاجتماعي ويفسّر به معنى التسوية أن يعطى كلّ ذي حقّ حقّه وينزّل منزلته، من غير أن يزاحم حقّ حقّاً، قال اللَّه تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ »، [۱۱] فالآية تصرّح بالتساوي في عين تقرير الاختلاف بينهنّ وبين الرجال.
← الاشتراك في حرية الفكر والإرادة كما أنّ اشتراك الرجال والنساء في الفكر والإرادة المولّدين للاختيار يستدعي اشتراك المرأة مع الرجل في حرّية الفكر والإرادة، فيكون لها الاختيار ولها الاستقلال بالتصرّف في جميع شؤون حياتها الفردية والاجتماعية عدا ما منع عنه مانع، وقد أعطاها الإسلام هذا الاستقلال والحرّية على أتم الوجوه، قال تعالى «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ». [۱۲]