← القول الأول عدم الجواز مطلقاً، وهو قول سلّار و ابن البرّاج؛ [۱۱][۱۲] لقوله تعالى: «لَاتَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». [۱۳]وقد يناقش بأنّ الموادّة غير الصدقة التي قد تكون بداعي جذبهم إلى الإسلام، على أنّ انطباق عنوان «حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» على الذمّي مطلقاً غير محرز .
← القول الثاني الجواز مطلقاً، وهو ما حكاه الشيخ الطوسي ، [۱۴] واختاره المحقّق وغيره؛ [۱۵][۱۶] لقوله تعالى: «لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ». [۱۷]وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على كلّ كبد حرّى أجر». [۱۸]مضافاً إلى عمومات البرّ والإحسان والصدقة إلى الكافر وغير ذلك.
← القول الرابع الجواز للوالدين خاصّة، وهو مختار ابن إدريس ؛ [۲۵] لقوله تعالى: «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً». [۲۶]ولا شكّ في صحّة الوقف على الوالدين إلّا أنّه غير خاص بهما؛ لما تقدّم. نعم، يفترض أن لا يكون في هذا الوقف إعانة على الكفر أو المعاصي. هذا بالنسبة إلى الوقف على أهل الذمّة. أمّا على معابدهم- كالبيع و الكنائس - فلا خلاف [۲۷] في عدم جوازه، [۲۸][۲۹] بل ادّعي الإجماع عليه؛ [۳۰][۳۱] لكونه إعانة لهم على المحرّم. [۳۲][۳۳] نعم، يجوز لأهل الذمّة أن يوقفوا شيئاً لكنائسهم وبيعهم، ولم نعلم فيه مخالفاً؛ [۳۴] لأنّه لازم الإقرار لهم على دينهم؛ إذ لابدّ لهم من معبد. [۳۵] والتفصيل في محلّه.
تنفيذ وصيتهم [تعديل] لا يجوز تنفيذ وصيّة أهل الذمّة إذا كانت في معصية ، كما لو أوصوا ببناء كنيسة أو بيعة أو صرف شيء في كتابة التوراة ، أو استئجار لخدمة البِيَع والكنائس، أو شراء مصباح لهما أو أرض توقف عليهما وغير ذلك ممّا هو محرّم؛ لما فيها من الإعانة على الإثم.بخلاف ما لو كانت الوصيّة بأمر جائز، ككتابة علم الطب أو الحساب أو غيرهما من الامور الجائزة، فإنّه يجوز إنفاذه ا؛ لعموم الأدلّة من دون فرق بين انتفاع أهل الذمّة به أو غيرهم، [۳۶] بل ادّعي الإجماع عليه. [۳۷]ودليله عمومات الوصايا ومطلقاتها، حيث لا معارض .
الوصية لهم [تعديل] اختلف الفقهاء في الوصيّة لأهل الذمّة على ثلاثة أقوال:
← قول المحقق الحلي بينما يظهر من المحقّق الحلّي المنع منها، حيث قال: «تعزية أهل الذمّة ليس بمسنون؛ لأنّه يتضمّن ودّاً و حنواً، وهو منهيّ عنه. لا يقال: قد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أتى غلاماً من اليهود وهو مريض، و عيادته في معنى تعزية أهله؛ لأنّا نقول: يحتمل أن يكون إنّما جاءه لعلمه أنّه يسلم، فقد روي أنّه قعد عند رأسه وقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه، فقال: أطع أبا القاسم ، فقال النبيّ: «الحمد للَّه الذي أنقذه من النار » ». [۵۸][۵۹]وحمل بعضهم هذا الكلام من المحقّق الحلّي على نفي استحباب تعزية أهل الذمّة، لا على حرمتها إلّاإذا استلزمت موادّتهم؛ لأنّ الأصل يقتضي الإباحة ، وهو لا ينقطع إلّاباستلزام الموادّة ونحوها. [۶۰]
استرضاع الذمية [تعديل] يستحبّ في رضاعة الطفل أن تكون المرضعة مسلمة عفيفة وضيئة، ويكره استرضاع الكافرة، ومع الاضطرار تسترضع الذمّية غير المجوسية، وتمنع في فترة الرضاعة من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير . [۶۸][۶۹][۷۰][۷۱][۷۲][۷۳] وأمّا المجوسية فالكراهة فيها آكد؛ [۷۴][۷۵] للروايات الواردة في ذلك، كرواية الحلبي ، قال: سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته، قال: «ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك، وتمنعها من شرب الخمر، وما لا يحلّ مثل لحم الخنزير، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهنّ... فإنّه لا يحلّ لك، والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلّاأن تضطرّ إليها». [۷۶]
معابد أهل الذمة [تعديل] • أهل الذمة (معابدهم) ، يختلف حكم معابد أهل الذمّة باختلاف الطريقة التي فتحت بها أرضهم؛ لأنّها قد تكون مفتوحة عنوة بالقهر والغلبة، وقد تكون مفتوحة صلحاً على أن تكون أرضهم للمسلمين، وقد تكون مفتوحة صلحاً أيضاً على أن تكون أرضهم لهم، وقد تكون البلدان مستحدثة بيد المسلمين.
الصلاة في معابدهم [تعديل] يجوز الصلاة في البيع والكنائس من دون استئذان أهلها أو الواقف أو الناظر عليها إذا علم بعدم إرادة الواقف اختصاص الوقف بهم، بل ومع الجهل بالاختصاص أيضاً؛ للأصل والسيرة، وظاهر النصوص [۱۱۱] التي ترك الاستفصال فيها، [۱۱۲][۱۱۳][۱۱۴] كرواية الحكم بن الحكم ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول، وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس، فقال: «صلّ فيها، قد رأيتها ما أنظفها»، قلت: أيصلّى فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟ فقال: «نعم، أما تقرأ القرآن : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا »، [۱۱۵] صلّ إلى القبلة وغرّبهم». [۱۱۶] وأمّا مع العلم بالاختصاص فقد قوّى بعضهم بطلان الشرط والوقف معاً، [۱۱۷] بل جزم بعضهم بجواز الصلاة فيها [۱۱۸][۱۱۹] وإن تردّد الشهيد الأوّل في ذلك، حيث قال: «وفي اشتراط إذن أهل الذمّة في البيعة والكنيسة احتمال ؛ تبعاً لغرض الواقف وعملًا بالقرينة». [۱۲۰] واورد عليه بأنّه لا حاجة إلى الإذن بعد كون الأصل عدم ثبوت ملكهم لها، وعدم احترام معابدهم في الإسلام. [۱۲۱] والتفصيل في محلّه.
مساكنهم [تعديل] • أهل الذمة (مساكنهم) ، ذكروا أنّه لا إشكال في عدم المنع من علوّ بيوت أهل الذمّة على بيوت المسلمين إذا كان إحداثها قبل إحداث بيوت المسلمين، كما لا إشكال في عدم جواز علوّها على سائر بيوت المسلمين المجاورة إذا كان إحداثها بعد ذلك.
الاستعانة بهم في القتال [تعديل] يظهر من كلمات الفقهاء المفروغية عن جواز الاستعانة بأهل الذمّة والكفّار الذين يؤمن شرّهم دون غيرهم؛ [۱۳۳] لقوله تعالى: «وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»، [۱۳۴] ولأنّ المنع من الاستعانة بهم أولى من المنع من الاستعانة بالمرجفين . وأمّا بعض الروايات [۱۳۵] الدالّة على حرمة الاستعانة بأهل الذمّة فهي ضعيفة سنداً؛ لكونها مرويّة من طرق الجمهور، [۱۳۶] ولا وجود لها في كتبنا الروائية والفقهية.
نعم، المرجع في ذلك مصالح المسلمين العليا التي يرجع فيها إلى وليّ الأمر.
جريان قوانين العقوبات عليهم [تعديل] إذا فعل أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم غير سائغ في شرعنا- كشرب الخمر ونحوه- لم يؤاخذوا عليه ما لم يتجاهروا به، فإذا تجاهروا عوقبوا بما يقتضيه شرع الإسلام»؛ لعدم اقتضاء عقد الذمّة إقرارهم على التجاهر به، فتبقى سائر عمومات الأمر بالمعروف و إجراء الحدود والنهي عن تعطيلها على حالها. [۱۳۷] إلّاأنّ هناك من اختار إجراء الحدود عليهم مطلقاً؛ للأصل. [۱۳۸][۱۳۹][۱۴۰] وأمّا إذا فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم أيضاً كالزنا و اللواط فالحكم فيه كما في المسلم؛ [۱۴۱][۱۴۲] للعموم. [۱۴۳] وقيل: إن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا عليه الحدّ بمقتضى شرعهم؛ [۱۴۴] ولعلّه لكون مقتضى عقد الذمّة بقاءهم على أحكامهم ومقتضيات شرعهم. [۱۴۵]
القضاء بين أهل الذمة [تعديل] إذا تنازع الذمّي مع آخر ورفعا الأمر إلى الحاكم الشرعي فهنا صورتان:
الاولى: أن يقع التنازع بين الذمّيين ثمّ يترافعان إلى حاكم الشرع. وهنا تارةً يترافعان إلى الحاكم ابتداءً، واخرى بعد ترافعهما سابقاً إلى حاكم منهم، فإذا ترافعا ابتداءً فإنّه يظهر من بعض الفقهاء هنا أنّ الحاكم مخيّر بين الحكم بينهم بحكم الإسلام ؛ لقوله تعالى: «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ »، [۱۴۶] وبين الإعراض عنهم؛ [۱۴۷][۱۴۸] لقوله تعالى: «فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ». [۱۴۹] إلّاأنّ مفهوم كلمات بعض آخر وجوب استجابة الحاكم لهما وقبوله الدعوى وحكمه بينهما؛ لأنّهم ذكروا أنّه لو ترافع إلى حاكم الشرع مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة فلا يجب على الحاكم إجابتهما ؛ للإجماع، ولعدم وجوب دفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الذمّة الذين لهم حرمة في دار الإسلام. [۱۵۰][۱۵۱][۱۵۲] ومفهوم هذا الكلام وجوب الاستجابة لأهل الذمّة؛ لثبوت الحرمة لهم. وأمّا إذا ترافعا إلى حاكم الشرع بعد ترافعهما إلى حاكمهم فقد ذكر بعض الفقهاء أنّه يجوز نقض حاكم الشرع ما حكم به قضاتهم بالباطل إذا استدعاه أحد الخصمين للحكم؛ للعمومات الدالّة على وجوب دفع الظلم ، [۱۵۳] ولخبر هارون بن حمزة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور، فأبى الذي قضى عليه أن يقبل، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين، قال: «يردّ إلى حكم المسلمين». [۱۵۴] الصورة الثانية: أن يترافع ذمّي مع مسلم، أو مستأمن مع مسلم، وهنا يجب على الحاكم أن يحكم بينهما بما أنزل اللَّه ؛ [۱۵۵][۱۵۶] للعمومات والمطلقات مثل قوله تعالى: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ». [۱۵۷] والتفصيل في محلّه.
جناية الذمي والجناية عليه [تعديل] هناك مسائل متعدّدة في جناية الذمّي و الجناية عليه نتعرّض لها فيما يلي بنحو الإجمال :
الاولى: إذا اعتاد المسلم قتل الذمّي فإنّه يقتل به بعد أخذ فاضل ديته من الذمّي [۱۵۸][۱۵۹][۱۶۰][۱۶۱][۱۶۲] على المشهور، [۱۶۳] بل ادّعي عليه الإجماع؛ [۱۶۴][۱۶۵] للروايات الكثيرة كرواية إسماعيل بن الفضل ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: «لا، إلّاأن يكون معوّداً لقتلهم، فيقتل وهو صاغر». [۱۶۶] وروايته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل قتل رجلًا من أهل الذمّة، قال: «لا يقتل به إلّاأن يكون متعوّداً للقتل». [۱۶۷] وخالف في ذلك ابن إدريس مؤكّداً على أنّه «لا ينبغي أن يلتفت إلى هذه الرواية ولا يعرّج عليها؛ لأنّها مخالفة للقرآن والإجماع، وإنّما أوردها شيخنا في استبصاره ، و تأويلها على هذا». [۱۶۸] المسألة الثانية: لو قتل الذمّي مسلماً عمداً دُفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وتخيّروا بين قتله و استرقاقه [۱۶۹][۱۷۰][۱۷۱][۱۷۲][۱۷۳][۱۷۴] على المشهور، [۱۷۵][۱۷۶] بل ادّعي عليه الإجماع؛ [۱۷۷][۱۷۸][۱۷۹][۱۸۰] لصحيح ضريس عن الإمام الباقر عليه السلام في نصراني قتل مسلماً، فلمّا اخذ أسلم، قال: «اقتله به»، قيل: وإن لم يسلم؟
قال: «يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقّوا»، قيل: وإن كان معه مال؟ قال: «دفع إلى أولياء المقتول هو وماله». [۱۸۱] هذا إذا كان القتل عمديّاً، وأمّا إذا كان خطئيّاً فقيل: إنّ ديته من ماله، فإن لم يجد فعاقلته على الإمام عليه السلام؛ لأنّهم يؤدّون إليه جزيتهم، كما يؤدّي العبد الضريبة إلى مولاه، [۱۸۲][۱۸۳] بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه؛ [۱۸۴] لصحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «ليس فيما بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة ، إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده»، قال: «وهم مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حرّ». [۱۸۵] إلّاأنّ الشيخ المفيد صرّح بأنّ: «الذمّي إذا قتل المسلم خطأً فديته على عاقلته». [۱۸۶] المسألة الثالثة: يقتل الذمّي بالذمّي وإن اختلفت ملّتهما بلا خلاف فيه؛ [۱۸۷][۱۸۸] لعموم: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»، [۱۸۹] ولخبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: يقتصّ لليهودي وللنصراني وللمجوسي بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً». [۱۹۰][۱۹۱] بل وكذا يقتل الذمّي بالذمّية لكن بعد ردّ فاضل ديته، وكذا الذمّية بالذمّية وبالذمّي من غير رجوع عليها بفضل؛ [۱۹۲][۱۹۳] لعموم قوله سبحانه وتعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ». [۱۹۴] المسألة الرابعة: لو قتل الذمّي حربياً فقد قيل: إنّه لا يقتل به»؛ ولعلّه لكونه غير محقون الدم، [۱۹۵] وإن تردّد في ذلك المحقّق النجفي. [۱۹۶] المسألة الخامسة: لو قتل ذمّي مرتدّاً قتل به حتى ولو كان ارتداده فطرياً [۱۹۷][۱۹۸][۱۹۹] بلا خلاف ولا إشكال، [۲۰۰] بل في المسالك هو مذهب الأصحاب ؛ [۲۰۱] لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي، [۲۰۲][۲۰۳] وإنّما يقتله المسلمون، [۲۰۴][۲۰۵] فيندرج في عموم أدلّة القصاص، [۲۰۶] ولا دليل على اختصاصها بغير هذا الفرض. [۲۰۷] والتفصيل في محلّه.