← الظهار فإنّه نحو من العهد أمضاه الشارع أيضاً بكيفية خاصة. [۵۶]
← أحكام الشرائع السابقة جملة من أحكام الشرائع السابقة، وهنا تارة يفرض أنّ مجيء شريعة جديدة تعتبر بمثابة نسخ للشريعة السابقة بتمام أحكامها، والأحكام تشرّع في الشريعة اللاحقة من جديد، واخرى يفرض أنّ الشريعة الجديدة ليست بمجرّدها نسخاً لجميع أحكام الشريعة السابقة، وإنّما تنظر إليها لتمضي ما توافق عليه من أحكامها وتنسخ ما تنسخه منها. [۵۷][۵۸] فعلى الأوّل الأحكام مجعولة من جديد كلّها حتى الأحكام الموافقة لأحكام الشريعة السابقة، وتكون أحكاماً مماثلة لها لا أنّها أحكام إمضائية، [۵۹] وعلى الثاني- وهو ظاهر من يقول بجريان استصحاب أحكام الشريعة السابقة [۶۰][۶۱]- تتصوّر الأحكام الإمضائية ويمكن إحراز إمضاء أحكام الشريعة السابقة من قبل الشريعة الجديدة بالاستصحاب، فإنّ نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء كما ذكر السيّد الخوئي، [۶۲] خلافاً للمحقّق النائيني القائل بعدم إمكان إثبات الإمضاء بالاستصحاب؛ فإنّه تعويل على الأصل المثبت. [۶۳]
← وجوب الدية فإنّه من الأحكام الإمضائية، قال السيّد الخوانساري : «هذا ليس من الأحكام التي صدرت من طرف الشارع، بل كان أمراً متعارفاً بين العقلاء، قد أمضاه الشارع مع تصرّف في بعض الخصوصيّات». [۷۱]
الموضوعات الإمضائية [تعديل] يقصد بها الموضوعات التي ليست من المخترعات الشرعية، كما أشار إلى ذلك المحقّق النائيني حيث قال: «ثمّ إنّ ما ذكرناه- من كون الأحكام الوضعية كلّها إمضائية غير تأسيسية- إنّما هو بالقياس إلى أنفسها، وأمّا بالقياس إلى موضوعاتها فقد تكون تأسيسية، وقد تكون إمضائية، مثلًا: اعتبار الملكية بنفسه أمر إمضائي، ولكن اعتبار الفقير أو السيّد موضوعاً لها فهو تأسيسي لا إمضائي؛ إذ ليس من هذا الاعتبار عند العقلاء عين ولا أثر ، وهذا بخلاف الملكية في مورد البيع، فإنّ اعتبار البيع موضوعاً للملكية- كاعتبار نفس الملكية- إمضائي لا تأسيسي، غاية الأمر تصرّف الشارع فيه بإضافة قيد وجودي أو عدمي، وهذا لا ينافي كون الاعتبار إمضائياً كما هو ظاهر». [۷۶]
ما يحقق الإمضاء [تعديل] كما يتحقّق الإمضاء ويوجد باللفظ والقول في بعض الموارد كذلك يبرز ويتحقّق بالبيان غير القولي، وهذا تارة يبيّن بالبيان الإيجابي الفعلي، وهو الفعل الذي يصدر من المعصوم عليه السلام، واخرى بالبيان السلبي، وهو تقرير المعصوم عليه السلام، أي سكوته عن وضع معيّن بنحو يكشف عن رضاه بذلك الوضع وانسجامه مع الشريعة. [۷۷] قال الشهيد الصدر : «إنّ السكوت إنّما يدلّ على الإمضاء في حالة مواجهة المعصوم لسلوك معيّن، وهذه المواجهة على نحوين: أحدهما: مواجهة سلوك فرد خاص يتصرّف أمام المعصوم، كأن يمسح أمام المعصوم في وضوئه منكوساً ويسكت عنه، والآخر: مواجهة سلوك اجتماعي وهو ما يسمّى بالسيرة العقلائية، كما إذا كان العقلاء بما هم عقلاء يسلكون سلوكاً معيّناً في عصر المعصوم، فإنّه بحكم تواجده بينهم يكون مواجهاً لسلوكهم العام، ويكون سكوته دليلًا على الإمضاء، ومن هنا أمكن الاستدلال بالسيرة العقلائية عن طريق استكشاف الإمضاء من سكوت المعصوم...». [۷۸] ثمّ ذكر أنّ ذلك بالإضافة إلى السيرة المعاصرة للمعصومين دون السيرة المتأخّرة، فإنّ سكوت المعصوم في غيبته لا يدلّ على إمضائه، لا على أساس العقل فإنّه غير مكلّف في حالة الغيبة بالنهي عن المنكر وتعليم الجاهل، ولا على أساس استظهاري، فإنّ حال الغيبة لا يساعد على استظهار الإمضاء من السكوت. [۷۹]
استكشاف الإمضاء من عدم الردع [تعديل] هل الملاك في استكشاف الإمضاء من عدم الردع هو وجوب النهي عن المنكر على الشارع، فلو لم يكن عمل العقلاء- مثلًا- مشروعاً لوجب عليه النهي عنه، فيكشف عدم ردعه عن الإمضاء، أو ظهور حال الشارع؟ تعرّض لذلك الشهيد الصدر واختار أنّ الملاك ظهور حال الشارع، حيث ذهب إلى أنّه لو كان ملاك استكشاف الإمضاء من عدم الردع هو وجوب النهي عن المنكر، لتوقّف على إحراز شروط النهي عن المنكر، التي منها: أن يكون الفعل منكراً في نظر الفاعل، مع أنّه كثيراً مّا يكون جاهلًا قاصراً باعتبار غفلته وغلبة طبعه العقلائي عليه، فلا يكون آثماً ليجب ردعه، بل الملاك في استكشاف الإمضاء من عدم الردع ظهور حال الشارع- النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام- فإنّه بحكم مقامه وتصدّيه لتربية مجتمعه على نهج إلهي ربّاني يكون ظاهر حاله عند السكوت عن حالة من حالات العقلاء إمضاءها، وهذا الظهور الحالي حجّة كالظهور اللفظي. [۸۰]
إمضاء المعاملة [تعديل] المعروف بين الفقهاء أنّ المعاملات ليس لها حقائق شرعية كالعبادات؛ لأنّها ليست من اختراع الشارع وتأسيسه وإنّما هي امور عرفية عقلائية اخترعها العقلاء لتمشية نظام حياتهم، ولكن الشارع أمضاها وأقرّهم عليها ولم يتصرّف فيها تصرّفاً أساسياً.
نعم، نهى عن بعضها كالمعاملة الربوية، وقيّد بعضها ببعض الشروط التي لم تكن معتبرة عندهم، كالبلوغ في المتعاقدين، واعتبار الصيغة في بعض الموارد، وغير ذلك.
وربما وقع البحث بين الفقهاء في أنّ ألفاظ المعاملات هل هي أسماء للأسباب والتي هي صيغة العقد أو الإيقاع أو المعاطاة ، أم للمسبّبات والتي هي المبادلة وحصول الملكية في مثل البيع ونحوه والعلقة الزوجية بين الرجل والمرأة في النكاح ، أم أنّها اسم للمركّب من المبرز- بكسر الراء- والمبرز- بفتحها-؟
وتفصيل هذا في محالّه.
إلّاأنّ المقصود بالإشارة هنا أنّه بناءً على الأوّلين تترتّب ثمرة، وهي: أنّه قد يقال بأنّ ما ذهب إليه المشهور من جواز التمسّك بإطلاقات الأدلّة الإمضائية فيالمعاملات مثل: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»، و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و « الصلح جائز» ونحو ذلك لنفي اعتبار ما شكّ في اعتباره، بلا فرق في ذلك، سواء قلنا بأنّها موضوعة للصحيح أو للأعم، إنّما يتمّ فيما لو كانت المعاملات أسامي للأسباب دون المسبّبات، وأمّا لو كانت أسامي للمسبّبات فالإمضاء الشرعي لها لا يدلّ على إمضاء أسبابها؛ لعدم الملازمة بين إمضاء المسبّب وهو المبادلة في البيع وإمضاء السبب، فيكون إمضاء للمعاطاة والصيغة بالفارسية.
نعم، يتم ذلك بناءً على القول بالأعم، من هنا تعرّض بعض الفقهاء لهذه المسألة، وأنّه لو كانت المعاملات أسامي للمسبّبات فهل يلازم إمضاء المسبّب- وهو المبادلة في البيع وما شاكلها- إمضاء جميع أسبابه حتى تكون الأدلّة الواردة في إمضاء المسبّب كافية لرفع الشكّ في تحقّقها من الأسباب المشكوكة سببيّتها كالعقد الفارسي ؟
فذكر أنّ إمضاء المسبّب يلازم إمضاء السبب إذا كان السبب واحداً، فإنّ إمضاء المسبّب بلا إمضاء سببه الواحد لغو، وأمّا لو كانت الأسباب متعدّدة، فلا يلازم إمضاء المسبّب إمضاء أسبابه المتعدّدة جميعاً فيما إذا كان بينها قدر متيقّن، بل يقتصر على القدر المتيقّن الموجود بين الأسباب، ويرجع في الزائد إلى أصالة عدم حصوله.
نعم، لو لم يكن قدر متيقّن أمكن القول باستلزام إمضاء المسبّب إمضاء جميع أسبابه، فإنّ الحكم بإمضاء بعض دون بعض ترجيح بلا مرجّح، والحكم بعدم إمضاء الأسباب كلّها مع إمضاء المسبّب على الفرض يستلزم اللغوية، [۸۱][۸۲] ولكن ذكر السيّد الخوئي بأنّ هذا فرض نادر جدّاً، بل لم يتحقّق في الخارج. [۸۳] وأمّا الإمام الخميني فذكر أنّه لو كانت أدلّة الإمضاء ناظرة إلى المسبّبات، فإطلاق إمضاء المسبّب ملازم لإمضاء الأسباب العرفية وكشف الأسباب الصحيحة، بمعنى كاشفية إطلاق إمضاء المسبّب عن كون ما هو السبب لدى العرف هو السبب شرعاً. [۸۴]