←←قول السيد الخوئي في حقيقة الإيجاب وفي مقابل هؤلاء ذهب السيّد الخوئي إلى مسلك الاعتبار و الإبراز ، فإنّه قدس سره حينما خالف المحقّق الخراساني ووافق المشهور في اختلاف مدلول الجملتين، خالف المشهور في كون الإنشاء إيجاداً للمعنى باللفظ، والتزم- بناءً على مسلكه في باب الوضع وهو التعهّد - بأنّ الموضوع له للجمل الإنشائية- ومنها الإيجاب- إنّما هو إبراز اعتبار نفساني خاصّ، فإذا قصد إبراز اعتبار الملكية يتكلّم بصيغة (بعت) أو (ملكت)، وليس لهذا الاستعمال مدخل في إيجاد المعنى الاعتباري لا سبباً ولا داعياً، بل لا معنى لإيجاد المعنى باللفظ.
قال قدس سره: « الصحيح هو أنّ الجملة الإنشائية موضوعة لإبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية، ولم توضع لإيجاد المعنى في الخارج ، و الوجه في ذلك: هو أنّهم لو أرادوا بالإيجاد الإيجاد التكويني- كإيجاد الجوهر و العرض - فبطلانه من الضروريات التي لا تقبل النزاع ؛ بداهة أنّ الموجودات الخارجيّة بشتّى أشكالها وأنواعها ليست ممّا توجد بالإنشاء، كيف؟! والألفاظ ليست واقعة في سلسلة عللها وأسبابها كي توجد بها. وإن أرادوا به الإيجاد الاعتباري كإيجاد الوجوب و الحرمة أو الملكية و الزوجيّة وغير ذلك، فيردّه أنّه يكفي في ذلك نفس الاعتبار النفساني من دون حاجة إلى اللفظ و التكلّم به؛ ضرورة أنّ اللفظ في الجملة الإنشائيّة لا يكون علّة لإيجاد الأمر الاعتباري، ولا واقعاً في سلسلة علّته، فإنّه يتحقّق بالاعتبار النفساني، سواء أكان هناك لفظ يتلفّظ به أم لم يكن.
نعم، اللفظ مبرز له في الخارج لا أنّه موجدٌ له، فوجوده بيد المعتبر وضعاً و رفعاً ... فإذا قصد إبراز اعتبار الملكيّة يتكلّم بصيغة (بعت) أو (ملّكت)، وإن قصد إبراز اعتبار الزوجيّة يبرزه بقوله:
زوّجت أو أنكحت...». [۲۳] هذا، وينبغي هنا الإشارة إلى مسألة مختصّة بالإيجاب، وهي أنّ ظاهر عبارات الفقهاء في أركان العقد أنّ عقد البيع - مثلًا- مركّب من إيجاب و قبول بحيث لا تتمّ حقيقته إلّابهما معاً.
ولكنّ المستفاد من عبارة الإمام الخميني أنّه بإنشاء الإيجاب تحصل حقيقة البيع بتمامه، فيما يقع القبول خارجاً عن حقيقة العقد، وتترتّب على هذا المبنى آثار تراجع في محلّها.
قال قدس سره: «والذي ينبغي التنبيه عليه مقدّمة أنّ القبول... ليس له شأن إلّا تقرير ما أوجده الموجب و تثبيته ؛ لأنّ قول الموجب: (بعتك هذا بهذا) أو (بادلت بين هذا وهذا) إيقاع لتمام ماهيّة البيع، ولا تحتاج تلك المعاملة في تحقّقها إلى إيقاع ملكية المشتري للمثمن أو البائع للثمن ؛ لأنّ ذلك أمر قد فرغ منه البائع وأوقعه، وإنّما تحتاج إلى قبول عمله حتى يترتّب عليه الأثر ، ويكون موضوعاً لاعتبار العقلاء النقل ، ففي الحقيقة شأن القبول شأن (شكر اللَّه سعيك) لا النقل و الانتقال الجديد... فما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره من أنّ إنشاء القبول لابدّ وأن يكون جامعاً لتضمّن النقل و للرضا بإنشاء البائع، غير مرضيّ، كما أنّ ما ذكره بعض الأعاظم قدس سره من أنّ الموجب والقابل في العقود المعاوضيّة كلّ منهما ينشئ أمرين، أحدهما بالمطابقة وثانيهما بالالتزام، فالموجب ينقل ماله إلى ملك المشتري مطابقة ويتملّك مال المشتري عوضاً عن ماله التزاماً، والقابل بعكس ذلك، منظور فيه من وجوه». [۲۴] وتفصيل الكلام يراجع في محلّه.
وبصرف النظر عن حقيقة الإيجاب في باب العقود ودوره، فقد ذكر الفقهاء أنّه يشترط فيه- بما أنّه جزء لصيغة العقد- كلّ ما يشترط في العقد من الشروط العامّة، مثل: لزوم كونه بقصد الإنشاء، وكونه بعبارة مفهمة غير مجملة ، و إمكان وقوعه بالفعل والإشارة و الكتابة كما في العاجز عن النطق ، ولزوم تطابقه مع القبول وكونه تنجيزياً لا تعليقياً وغيرها، وغير ذلك ممّا يراجع في محلّه.
← الإيجاب بمعنى اللزوم ويستعمله الفقهاء بهذا المعنى في باب المعاملات، فيقولون- مثلًا- البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع، أي أصبح لازماً لا يجوز الرجوع فيه.
و اللزوم حكم وضعي لا تكليفي ، يقابل الخيار أو تزلزل العقد وجواز الرجوع فيه.
وتفصيله في محلّه.