صفة الاحتياط [تعديل] الاحتياط يمكن أن يتّصف بالأحكام الخمسة التكليفيّة.
فقد يجب، كما في موارد تنجّز التكليف المشتبه، واشتغال ذمّة المكلّف به، وعدم وجود طريق آخر للخروج عن عهدة امتثاله غير الاحتياط، كما في موارد الشك في أصل الامتثال، أو العلم الإجمالي غير المنحلّ حقيقة أو حكماً .
وقد يستحبّ- ولو عقلًا ، أي يكون حسناً- كما إذا لم يكن التكليف المشتبه منجّزاً ، وذلك كالشبهة البدويّة في أصل التكليف.
وقد يباح ، كما في مورد تنجّز التكليف المشتبه مع إمكان تحصيل العلم به وتعيينه وامتثاله التفصيلي، فيدور الأمر بين ذلك وبين الاحتياط إذا كان الواجب توصليّاً ، فإنّ الاحتياط حينئذ يكون جائزاً في مقابل تحصيل العلم والامتثال التفصيلي، لا في مقابل ترك العمل رأساً أو الامتثال الاحتمالي، فإنّه لا يجوز ذلك بعد فرض تنجّز التكليف.
وقد يكون مكروهاً ، كما إذا احتمل ابتلاء المكلّف بالوسواس إذا احتاط في مورد لا يجب فيه الاحتياط، وقد يبلغ ذلك مرتبة الحرمة لما دلّ على النهي عن الوسواس وأنّه عبادة للشيطان.
إلّا أنّ حرمة الاحتياط أو كراهته هذه إنّما تكون لجهة اخرى طارئة خارجة عن التكليف المشتبه، وأمّا بلحاظه فالاحتياط لا يخلو أن يكون إمّا واجباً كما إذا كان التكليف المشتبه منجّزاً، أو مستحبّاً وحسناً- ولو عقلًا - كما إذا لم يكن التكليف المشتبه منجّزاً، وهذه هي الجهة المبحوث عنها لدى الاصوليين ويعبّر عنه بأصالة الاحتياط، ويقصد به حكم العقل أو الشرع بلزوم الاحتياط أو حسنه من ناحية ذاك التكليف المشتبه لا غير.
أصالة الاحتياط [تعديل] وقد عرفت أنّه بحث اصولي يراد به ما تقتضيه الوظيفة العملية في موارد اشتباه التكليف اللزومي (الحرمة أو الوجوب) وتردّده، أو الشكّ في امتثاله وأدائه، فهل الأصل يقتضي الاحتياط لزوماً في تمام تلك الموارد أو بعضها أو هناك تفصيل بين موارد العلم بأصل التكليف والشكّ البدويّ فيه، أو تفصيل بين حكم العقل وحكم الشرع ؟ وهذه بحوث علميّة فنّية ودقيقة فصّلها الاصوليون ، ونحن نشير فيما يلي إلى بعضها على سبيل الإيجاز مع إحالة تفصيلها إلى محلّه من علم الاصول.
سقوط الاحتياط عن كثير الشك والوسواسي [تعديل] إنّ ما ذكر من موارد لزوم الاحتياط والاعتناء بالشك لإحراز الامتثال وفراغ الذمّة عن التكليف، إنّما هو بالنسبة إلى المكلّف الذي تكون شكوكه متعارفة، لا من كثر سهوه وشكّه، والوسواسي، فإنّه لا يجب عليهما الاحتياط، بل لا يعتنيان بشكّهما كمن لا شكّ له، بل صريح بعضهم لزوم عدم الاعتناء بحيث تبطل به الصلاة.
قال المحقّق الحلّي قدس سره: «ولا حكم للسهو مع كثرته، ويرجع في الكثرة إلى ما يسمّى في العادة كثيراً، وقيل أن يسهو ثلاثاً في فريضة، وقيل أن يسهو مرّة في ثلاث فرائض، والأوّل أظهر». [۹] وقال العلّامة الحلّي قدس سره: «المطلب الثالث فيما لا حكم له: من نسي القراءة حتى يركع...، أو كثر سهوه عادة، أو سها الإمام مع حفظ المأموم، وبالعكس، فإنّه لا يلتفت في ذلك كلّه». [۱۰] وقال صاحب الوسائل في عنوان هذا الباب: «باب عدم وجوب الاحتياط على من كثر سهوه بل يمضي في صلاته ويبني على وقوع ما شكّ فيه حتى يتيقن الترك». [۱۱] وقال السيد اليزدي قدس سره: «الرابع: شك
كثير الشكّ- وإن لم يصل إلى حدّ الوسواس- سواء كان في الركعات، أو الأفعال، أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه- وإن كان في محلّه- إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدم وقوعه»، [۱۲] والدليل عليه الروايات الكثيرة في هذا المعنى:
كرواية الكليني عن عبد اللَّه بن سنان قال: ذكرتُ لأبي عبد اللَّه عليه السلام رجلًا مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجلٌ عاقل، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟» فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: «سَلهُ، هذا الذي يأتيه، مِن أيّ شيء هو؟ فإنّه يقول لك: مِن عمل الشيطان». [۱۳][۱۴] ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك إنّما هو من الشيطان»، [۱۵] بناءً على إرادة الشكّ من السهو أو ما يعمّهما.
وفي رواية حريز عن زرارة وأبي بصير جميعاً قالا: قلنا... : فإنّه يكثر عليه ذلك، كلّما أعاد شكّ، قال: يمضي في شكّه، ثمّ قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقضَ الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد،... إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عُصي لم يعد إلى أحدكم»، وغيرها من الأخبار. [۱۶] قال المحقّق النجفي: «وهل المراد بلفظ السهو الموجودة في العبارة وغيرها من النصّ والفتوى مجرّد الشك، أو هو والسهو بالمعنى المتعارف؟ وجهان، بل قولان، أظهرهما الأوّل؛ للقطع بعدم إرادة المعنى الحقيقي من لفظ السهو...». [۱۷] والتفصيل في محلّه. (انظر: شك، وسوسة)
احتيال (انظر: حيلة)