← البدل الطولي والعرضي اتّضح ممّا مرّ أنّ البدل الطولي ما كان في طول الآخر و متأخّراً عنه عقلًا أو شرعاً، مثل بدلية الطهارة الترابية عن الطهارة المائية، فإنّها في طولها، بمعنى أنّه إن عجز عن الطهارة المائية تقوم الطهارة الترابية مقامها ، وكذا مثل بدلية أفراد الكلّي كالصلاة في أوّل الوقت و وسطه وآخره، فإنّه لا يصار إلى الثاني إلّاعند عدم الأوّل.
والعرضي ما ليس كذلك بل يكون في عرض المبدل كبدلية كلّ فرد من أفراد الواجب التخييري مثل: خصال الكفّارة المخيّرة، ككفّارة الإفطار في شهر رمضان، فإنّ المكلّف مخيّر من البداية بين عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم ستّين يوماً، وقد يكون التخيير عقلياً كبدلية أفراد الصلاة بحسب المكان كالصلاة في البيت أو الصلاة في المسجد وغيرهما.
ويتّضح من ذلك أنّ الأبدال العرضيّة يكون المكلّف مخيّراً بينها من أوّل الأمر عقلًا أو شرعاً، وأمّا الأبدال الطولية فإنّما يكون المكلّف ملزماً بها على نحو الترتيب، بمعنى أنّه يؤخذ في موضوع الثاني العجز عن الأوّل أو تركه .
ثمّ إنّ ما ذكرنا من التخيير بين الأفراد العرضيّة لا ينافي استحباب تقديم بعضها على بعض لفضله على سائر الأفراد بحسب الروايات ، كما في الصلاة أوّل الوقت، والصلاة جماعةً وإن تأخّر عن أوّل الوقت، وفي المسجد الجامع ونحوها، فإنّ تقديمها على سائر الأفراد، مع كون المكلّف مخيّراً بينها عقلًا وشرعاً،
لا ينافي أصل التخيير، كما أنّه يصحّ له ترك الأفضل الأكمل و اختيار غيره، غاية ما هناك يكون قد ارتكب باختيار المفضول مكروهاً أو ترك كمالًا، وهذا لا ينافي التخيير. [۱۰] كما يستفاد ذلك من حكمهم باستحباب الجماعة، وحملهم ما قد يظهر منه لزومها كالدال على أنّ تارك الجماعة لا صلاة له، و تهديد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإحراق بيوت من لا يحضرون الصلاة ونحو ذلك على الكراهة ، أو على نفي الكمال ، أو على صورة الرغبة عنها، أو غير ذلك.
← البدل الاختياري والاضطراري البدل الاختياري ما يكون باختيار المكلّف، فله من أوّل الأمر اختيار أيّ فرد شاء كخصال الكفّارة المخيّرة، بخلاف الاضطراري الذي ليس باختيار المكلّف؛ لتوقّفه شرعاً على تعذّر المبدل أو العجز عنه؛ ولذلك سمّي بالاضطراري لاضطرار المكلّف إليه بالعجز عن المبدل منه كالطهارة الترابية فإنّها لا تكون بدلًا عن المائية إلّاعند الاضطرار إليها بالعجز عن الماء .
الجمع بين البدل والمبدل منه [تعديل] قد كثر التعبير في كلمات الفقهاء- وخصوصاً أبواب المعاملات - باستحالة الجمع بين البدل والمبدل، والعوض والمعوّض، أو بطلانه، وحكموا ببطلان بعض الامور لاستلزامها ذلك، و مرادهم أن يجتمع الثمن والمثمن أو العوض مع المعوّض أو نحو ذلك لواحد من طرفي المعاملة أو الضمان.
وقال ابن أبي جمهور : «ولا يجوز اجتماع العوض والمعوّض لواحد ؛ لكونه أكلًا بالباطل، فلا يجتمع الثمن والمثمن، ولا الاجرة والمنفعة للأجير، ولا البضع والمهر للزوج...». [۱۱] وعلى سبيل المثال على ذلك حكمهم في مسألة الجناية على عبد بقطع يديه بأنّ على الجاني كمال قيمته وله أخذ العبد ، وليس للمولى الامتناع عن تسليمه مع أخذ قيمته، واستشهادهم على ذلك بلزوم الجمع بين البدل والمبدل، [۱۲][۱۳][۱۴] مضافاً إلى أدلّة اخرى.
قال الشيخ الطوسي : «إن قَطَع يَدي عبدٍ كان عليه كمال قيمته، ويتسلّم العبد...
دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم ، وأيضاً فإذا وجب عليه كمال قيمته لا يجوز أن يُمسِك عنده العبد؛ لأنّه لم يبق لسيّده حقّ لم يستوفه، ويكون قد حصل للسيّد الجمع بين البدل والمبدل، وذلك لا يجوز».[۱۵][۱۶] والذي ينبغي أن يُعلم أنّ المراد من الاستحالة الواردة في بعض العبائر ليس الاستحالة العقلية؛ لعدم الاستحالة عقلًا في وقوع الثمن والمثمن بيد الشخص الواحد، بل المراد هو البطلان فقهيّاً؛ إمّا لكونه من الأكل بالباطل المنهي عنه في الآية ، كما صرّح به ابن أبي جمهور في عبارته السابقة، وإمّا لقيام الارتكاز العقلائي في المعاملات والضمانات على أنّ الثمن عوضٌ عن المال، ومقتضى هذه العوضية عدم جواز اجتماعهما معاً عند أحد المتعاملين، وفوتهما معاً عن الآخر.
قال المحقّق الكركي : «لأنّ المشتري إنّما قبضها العينبناءً على أنّ الثمن في مقابلها للبائع، وقد فات بفساد البيع ، فيجب ردّها؛ حذراً من أن يفوت على البائع كلّ من العوض والمعوّض». [۱۷] ولعلّ الثاني يرجع إلى الأوّل.
و الشاهد على أنّ مرادهم ليس هو الاستحالة العقليّة أنّ جماعة- كالمحقّق الحلّي [۱۸] وغيره، [۱۹][۲۰] الذين حكموا في مسألة الجناية على العبد بما يستغرق قيمته بلزوم ردّه إلى الجاني بعد ردّ القيمة، حذراً من اجتماع العوض والمعوّض- قد تأمّلوا فيه فيما إذا كان الجاني غاصباً، بملاك أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال، و الحال أنّ الاستحالة العقليّة لا فرق فيها بين الغاصب وغيره.