طعامهم [تعديل] طعام أهل الكتاب وسائر الكفّار طاهر يجوز تناوله حتى على القول بنجاستهم الذاتية إذا لم يكن ممّا يحتاج إلى تذكية ولم تنجّسه أبدانهم ، ولا يكفي مجرّد الظنّ بملاقاتهم له. [۱۵][۱۶] وإذا كان ممّا يحتاج إلى تذكية- كاللحوم والجلود- فهو يختلف باختلاف المبنى في ذبائح أهل الكتاب، كما سيأتي توضيحه .
ذبائحهم [تعديل] • أهل الكتاب (ذبائحم) ، رغم اتّفاق الفقهاء على عدم حلّية ذبائح الكفّار،إلّاأنّهم اختلفوا في أهل الكتاب على عدّة أقوال: الأوّل: عدم الحلّية، القول الثاني: حلّية ذبائحهم، القول الثالث: التفصيل بين سماع التسمية على ذبيحتهم فتحلّ، وبين عدم سماعها فلا تحلّ.
← الاستدلال برواية الإمام الصادق عليه السلام واستدلّ المشهور برواية عمّار بن موسى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، أنّه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم، ومعه رجال نصارى، ومعه عمّته وخالته مسلمتان، كيف يصنع في غسله؟ قال: «تغسّله عمّته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى»، قال: قلت: فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته، ومعه رجال نصارى و نساء مسلمات ليس بينه وبينهنّ قرابة، قال: «يغتسل النصارى ثمّ يغسّلونه فقد اضطرّ»، وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها، ومعها نصرانيّة ورجال مسلمون، قال: «تغتسل النصرانيّة ثمّ تغسّلها». [۲۴][۲۵][۲۶]
← رد الاستدلال والجواب عنه واورد عليها أوّلًا: بأنّها ضعيفة سنداً بالحسن بن عليّ بن فضّال ، وعمرو بن سعيد ، و مصدّق بن صدقة، و عمّار بن موسى، وهم بأجمعهم فطحيّة. [۲۷] وثانياً: بأنّ مباشرة الكافر تستلزم تعدّي النجاسة و بطلان الغسل. [۲۸][۲۹] وثالثاً: بعدم إمكان تأتّي القربة من الكافر، من جهة عدم اعتقاده بمشروعية التغسيل، مع أنّ الغسل من العبادات يعتبر فيه نية القربة. [۳۰][۳۱][۳۲] واجيب عن الأوّل بأنّ وثاقة الراوي تكفي في حجّية الرواية، بصرف النظر عن مذهبه، ولو فرض عدم كفاية الوثاقة فضعفها منجبر بعمل الأصحاب . [۳۳][۳۴][۳۵][۳۶] وعن الثاني بأنّ اشتراط ماء الغسل بالطهارة وإن كان صحيحاً إلّاأنّ ظاهر رواية عمّار بن موسى المتقدّمة اشتراطها قبل التغسيل، وأمّا إذا تنجّس الماء بنفس التغسيل فلا مانع منه؛ لأنّه نظير تطهير المتنجّس بالماء القليل، فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاته للمتنجّس، ومع ذلك يحصل التطهير به ممّا يعني أنّ المانع من التطهير هو النجاسة العارضة على الماء بغير التطهير، لا العارضة عليه بسبب التطهير نفسه. [۳۷] نعم، إن أمكن أن لا يمسّ الكتابي بدن الميّت ولا الماء تعيّن ذلك عليه؛ [۳۸] إذ مع التمكّن من العمل باشتراط طهارة ماء الغسل لا موجب لرفع اليد عنه. [۳۹]وعن الثالث بأنّه- مضافاً إلى كونه اجتهاداً في مقابل النصّ [۴۰][۴۱]- محلّ الكلام صورة تأتّي النيّة من الكافر، إمّا لغفلته عن اعتقاده أو لرجاء المطلوبية. [۴۲]ثمّ على الرجل أو المرأة الكتابيّين أن يغتسلا قبل أن يغسّلا المسلم أو المسلمة؛ لرواية عمّار بن موسى المتقدّمة.
← نية تغسيل أهل الكتاب للمسلم ويجب على من يأمرهما بغسل الميّت أن ينوي الغسل بدلًا عنهما، [۴۳] وهو يناسب الاحتياط من حيث إنّ الأخبار الواردة في المقام ظاهرة في توجيه الأوامر إلى المسلم بأن يأمر الكتابي ولو بلحاظ أنّ الكتابي لا داعي لديه للإقدام على ذلك إلّا أن يأمره المسلمون ولو باستئجاره عليه، وحيث إنّ العمل يصدر من الآمر بالتسبيب فناسب أن ينوي هو القربة. [۴۴] وهذا لا يعدو أن يكون احتياطاً؛ لأنّ أمره بأمر غيره لا يجعل الفعل نفسه صادراً منه حتى ينوي القربة فيه، بل الإعداد لحصول التغسيل هو فعله المأمور به، فيمكن على أبعد تقدير أن ينوي القربة بهذا الإعداد. ولو وجد المماثل من المسلمين بعد تغسيل الكتابي وقبل الدفن وجب إعادة الغسل؛ [۴۵][۴۶][۴۷][۴۸][۴۹][۵۰][۵۱] لأنّ جواز تغسيل الكتابي بدل اضطراري مشروط بعدم وجود مسلم مماثل، ووقت الغسل يمتدّ إلى زمان دفنه، فمع حضور المسلم المماثل في تلك الفترة ينكشف عدم صحّة تغسيل الكتابي له؛ لاشتراطه بعدم حضور المماثل المسلم، فلابدّ من إعادة غسله بواسطة المسلم. [۵۲][۵۳] أمّا القائلون بوجوب دفنه من دون غسل فقد استدلّوا له بأنّ الغسل يحتاج إلى نيّة قربة، والكافر لا تصحّ منه النيّة. [۵۴][۵۵] واورد عليه بأنّه أشبه بالاجتهاد في مقابل النصّ، [۵۶][۵۷] بل هو اجتهاد بعينه؛ لأنّ الدليل على قصد التقرّب ليس عقليّاً لا يقبل التخصيص ، وإنّما استفيد من الارتكاز و تسالم الفقهاء على أنّ الغسل عبادة يحتاج إلى نيّة قربة، وهو قابل للتخصيص بالأخبار الموثّقة في الباب، فلا تشترط النيّة إلّاإذا أمكن صدورها، ومع عدم الإمكان لا تجب، كما هو الحال في غير الغسل كالزكاة إذا اخذت من الكفّار جبراً. [۵۸] وينبغي الاقتصار في غسل المماثل على أهل الكتاب وعدم التعدّي إلى المماثل من سائر الكفّار؛ [۵۹] اقتصاراً على الروايات التي لم يرد فيها غير أهل الكتاب [۶۰] وإن أطلق كثير من الفقهاء الحكم من دون تقييد بأهل الكتاب.
← قول المحقق النجفي قال: «ينبغي الاقتصار على مضمون الأخبار، فلا يتعدّى إلى غير أهل الكتاب، وإن أطلق كثير من الأصحاب الكافر، اللهمّ إلّاأن يدّعى عدم القول بالفصل وعدم تعقّل الفرق عند من يقول بنجاسة الكلّ، أو يقال بابتناء الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء، وأمّا النيّة فالحال في الكلّ واحد إمّا بارتكاب عدم الاشتراط هنا أو بأنّ الكافر من قبيل الآلة، ولا ريب في ضعف ذلك كلّه؛ إذ عدم الوصول إلى الفارق ليس وصولًا للعدم... بل لا يبعد عدم إلحاق المخالف بهم فضلًا عن غيره». [۶۱]وتفصيل ذلك كلّه يراجع في محلّه.
التعامل الاقتصادي معهم [تعديل] لم يكن أهل الكتاب معزولين عن المسلمين في معاملاتهم وبيعهم وشرائهم، بل كانوا كسائر المسلمين من هذه الناحية، ولم يمنع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم و الأئمّة عليهم السلام عن ذلك، فيكون مقتضى الأصل الجواز والصحّة، بل المنقول عن بعضهم أنّهم كانوا يتعاملون معهم، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه ابتاع طعاماً من يهودي نسيئة ورهن عليه درعه، [۷۲] وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم زارع يهود خيبر على أن يكون لهم شطر ما يخرج منها، وله شطره الآخر، [۷۳][۷۴][۷۵][۷۶][۷۷][۷۸][۷۹][۸۰] وروي أيضاً: أنّ عليّاً عليه السلام آجر نفسه من يهودي ليستقي الماء كلّ دلو بتمرة، وجمع التمرات وحملها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأكل منه. [۸۱]
← رواية الإمام الصادق عليه السلام ومستنده رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام : هل للرجل أن يتزوّج النصرانيّة على المسلمة، والأمة على الحرّة؟ فقال: «لا تزوّج واحدة منهما على المسلمة، وتزوّج المسلمة على الأمة والنصرانيّة، وللمسلمة الثلثان، وللأمة والنصرانيّة الثلث». [۹۱] ومع ذلك فقد ادّعى الشهيد الثاني أنّه لا نصّ على هذا الحكم وإن كان مشهوراً بين الأصحاب. [۹۲] لكنّ سبطه صاحب المدارك علّق عليه بقوله: «وتوقّف جدّي قدس سره في المسالك في هذا الحكم؛ لعدم وقوفه على نصّ في ذلك، وكأنّه لم يقف على هذه الرواية، وقد أوردها الكليني [۹۳] في باب الحرّ يتزوّج الأمة وسندها معتبر؛ إذ ليس فيه من يتوقّف في حاله سوى عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى ... فإنّه غير موثّق، لكن كثيراً ما يصف الأصحاب رواياته بالصحّة». [۹۴]والتفصيل في محلّه.
الصدقة عليهم [تعديل] تجوز الصدقة على أهل الكتاب، بل على كلّ كافر من غير أهل الحرب وإن كان أجنبيّاً؛ [۹۵][۹۶] لقوله تعالى: «لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ»، [۹۷] ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على كلّ كبد حرّى أجر ». [۹۸] إلّاأنّ الأكثر قيّدوا جواز الصدقة بالذمّي، [۹۹][۱۰۰][۱۰۱][۱۰۲] وبعضهم بالإيمان بالمعنى الأخصّ. [۱۰۳][۱۰۴]والتفصيل في محلّه.
← في الصلاة وأمّا في الصلاة فالظاهر عدم وجوبه؛ لظهور اختصاص وجوب الردّ في بعض نصوص الباب بالمسلم، [۱۲۳] كقول الإمام الباقر عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم :«إذا سلّم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلّم عليه...»، [۱۲۴] وقول الإمام الصادق عليه السلام في موثّقة عمّار: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه...». [۱۲۵] فلابدّ من حمل إطلاقات سائر النصوص الاخرى عليها، [۱۲۶] كصحيحة محمّد بن مسلم الاخرى وموثّقة سماعة وصحيحة منصور ، [۱۲۷] إلّاإذا قيل بأنّ التعارض بينهما من التعارض بين المثبتين، ورفع لغوية التقييد يمكن تعقلها في غير الذمّي و المعاهد ، فيبقى الباقي على الإطلاق.