← الأمن في البلد الحرام اعتبرت الشريعة بعض البقاع المقدّسة بمثابة حرم أمن يأمن كلّ من دخله كائناً من كان، وهذه البقاع هي الحرم الإلهي في مكّة المكرمة، فالحرم محلّ أمنٍ لأهله ولمن لجأ إليه، ولذلك ذكر الفقهاء من محرّمات الحرم صيد الحيوان البرّي، وهكذا الجاني في خارج الحرم لو لجأ إليه يكون في أمن، والمديون لو التجأ إلى الحرم لم يجز إفزاعه بمطالبته، وهو ما كان معروفاً في زمن الجاهليّة أيضاً. [۲۲][۲۳][۲۴][۲۵][۲۶] واستدلّ لذلك بقوله تعالى: «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً». [۲۷] وقوله عزّ من قائل: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً». [۲۸] وقوله سبحانه وتعالى: «وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ». [۲۹] وقوله سبحانه وتعالى: «أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ». [۳۰] وهذه الآيات تدلّ على استقرار الأمن و استمراره في الحرم، وليس ذلك إلّالما يراه الناس من حرمة هذا البيت ووجوب تعظيمه الثابت في شريعة إبراهيم عليه السلام . [۳۱][۳۲] وفي رواية ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ:
«وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»، [۳۳] البيت عنى أو الحرم؟ فقال: «من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه عزّوجلّ، ومن دخله من الوحش و الطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم». [۳۴][۳۵]
← الأمن في عقود التأمين صحّح المتأخّرون من الفقهاء عقد التأمين الذي هو عبارة عن التزام المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدّي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغاً من المال، أو أيّ عوض في حال وقوع حادث أو تحقّق الخطر المبيّن في العقد، مقابل أقساط أو دفعات مالية يؤدّيها المؤمّن له للمؤمِّن، فالتأمين اتّفاق بين الطرفين على تعويض الخسائر المحدّدة في العقد والواردة على المؤمّن له على تقدير حدوثها مقابل دفعات يقدّمها المؤمَّن له إلى المؤمِّن. [۴۴][۴۵][۴۶][۴۷] وإلى جانب عقد التأمين الشخصي على النفس أو الأشياء، هناك التأمينات الاجتماعية، والتي هي عبارة عن عقود تلتزم بموجبها الدولة تجاه فئة معينة من الناس- كالعمّال- بتقديم المساعدة لهم حين العجز عن العمل أو حدوث إصابات بسبب العمل فيهم، ممّا تجبيه منهم ومن أرباب العمل وما تساهم هي به. [۴۸] ولا يجوز في التأمين أن يقوم المؤمّن له بإيقاع الخطر على نفسه أو على مورد التأمين كي يستولي على مبلغ التأمين في أيّ وقت أراد بفعله ذلك؛ لأنّه غشّ و خيانة و مخالفة للعقد المتّفق عليه، فليس عقد التأمين بمثابة إذن المؤمن للمؤمن له بإتلاف ماله كي يعطيه عوضه.
وهذا معناه أنّ المؤمّن له مطالبٌ بوضع مورد التأمين في أمن وأمان دون إفراط أو تفريط؛ لأخذ ذلك ضمناً في العقد.
نعم، لو صرّح في العقد بما يشمل التأمين من الفعل العمدي للمؤمّن له، كما في بعض حالات التأمين على الانتحار فلا بأس.
← الأمن من مكر اللَّه تعالى عدّ الفقهاء من جملة الكبائر الأمن من مكر اللَّه عزّوجلّ، [۴۹][۵۰][۵۱][۵۲][۵۳][۵۴] وكذا اليأس من روح اللَّه؛ لقوله تعالى: «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»، [۵۵] وقوله عزّ من قائل: «إِنَّهُ لَايَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ». [۵۶] ولبعض الروايات:
منها: صحيحة ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ من الكبائر عقوق الوالدين، واليأس من روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه». [۵۷] ومنها: خبر الحسن بن أبي سارة، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملًا لما يخاف ويرجو». [۵۸] وهذا يدلّ على أنّ الخوف و الرجاء ينبغي أن يكونا كاملين في النفس، ولا تنافي بينهما، فإنّ ملاحظة سعة رحمة اللَّه و لطفه على عباده سبب الرجاء القاطع لليأس، والنظر إلى شدّة بأس اللَّه وما أوعد العاصين موجب للخوف القاضي على الأمن من مكر اللَّه.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ الأمن المحرّم ليس إلّاما كان مع معصية ، أمّا لو كان حيث لا معصية أو مع التوبة المقرونة باعتقاد قبولها و الغفران بها أشكل القول بالحرمة، فضلًا عن كونه كبيرة؛ لانصراف النصوص عن مثل ذلك؛ إذ ظاهرها أنّها تريد الأمن الذي لا يناسب وعيد اللَّه تعالى، لا ما كان ناشئاً عن اعتقاد عدم وعيده. [۵۹]