موارد جريان قاعدة نفي السبيل قاعدة نفي السبيل أثر من آثار الإسلام ورد في كلمات بعض الفقهاء تحت عنوان: قاعدة نفي السبيل أو قاعدة العلو ويقصد بهذه القاعدة نفي تشريع أيّ حكم يستلزم علوّ الكافر على المؤمن ، ونبحث فيما يلي عن الدائرة التطبيقية أو موارد جريان القاعدة، وقد وقع بحث بين الفقهاء في بعض موارد جريانها، وإليك بعض تطبيقاتها المهمّة في هذا المجال: منها: أ-التنظيم المدني و ارتفاع الأبنية، ب-موجبات التمليك ، ج-حق الشفعة ، د- الوكالة ، ه-النذر .
← بيع المصحف من الكافر المشهور حرمة بيع المصحف من الكافر؛ [۱۲۰][۱۲۱] وقد استدلّوا له ببعض أدلّة قاعدة نفي السبيل.
فمن جهة استندوا إلى آية نفي السبيل؛ [۱۲۲] لأنّ الغرض من نفيه المحافظة على حرمة المؤمنين، ومن الواضح أنّ حرمة القرآن أولى بالحفظ من حرمة المؤمنين. [۱۲۳][۱۲۴] واورد عليه:
أوّلًا: بمنع كون التسلّط على المصحف وسائر المقدّسات تسلّطاً وسبيلًا على المؤمنين. [۱۲۵] وثانياً: بمنع أن يكون مناط قاعدة نفي السبيل هو احترام المؤمن وحفظ شؤونه، فقد يكون الوجه فيه شيئاً آخر، [۱۲۶][۱۲۷] كمبغوضيّة نفس تملّك الكافر له، [۱۲۸] وكعطف نظر المسلمين إلى لزوم الخروج عن سلطة الكفّار بأيّة وسيلة ممكنة؛ لأنّ تسلّطهم عليهم وعلى بلادهم ليس من اللَّه تعالى؛ لأنّه تعالى لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا. [۱۲۹] وهذا معناه أنّ نكتة قاعدة نفي السبيل ليست بالضرورة احترام المؤمن، بل قد يكون لها بُعد سياسي في رفع هيمنة الكافرين. ونشر القرآن فيما بينهم تبليغ للدين الحنيف ونشرٌ لقيمه، فيكون في النشر هيمنة المسلمين لا العكس.
وثالثاً: بأنّه ربّما يكون بيع القرآن الكريم من الكافر موجباً لمزيد احترام، كما لو جعله في مكتبة نظيفة للاطّلاع على آياته وبراهينه، [۱۳۰] بل قد تترتّب على ذلك هدايته. [۱۳۱][۱۳۲] من جهة ثانية استدلّ المشهور أيضاً على حرمة بيع القرآن من الكافر [۱۳۳] بقوله عليه السلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»، فإنّ بيع المصحف يوجب الاستعلاء على الإسلام، وهو غير جائز. [۱۳۴] ونوقش فيه بما عرفت في أدلّة القاعدة. وقد اتّضح ممّا ذكرنا حكم تملّك الكافر للمسلم والمصحف وسائر المقدّسات بغير البيع كالصلح والهبة وغيرها من الأسباب الاختياريّة الناقلة. [۱۳۵][۱۳۶]
← إجارة المسلم من الكافر وقع الكلام بين الفقهاء في صحّة إجارة المسلم من الكافر على عدّة أقوال:
الأوّل: عدم الجواز مطلقاً، كما هو ظاهر بعض كلماتهم؛ [۱۳۷][۱۳۸][۱۳۹] إذ به يحصل السبيل المنفي في الآية. [۱۴۰][۱۴۱][۱۴۲][۱۴۳] الثاني: الجواز مطلقاً، كما هو ظاهر كلمات اخرى؛ [۱۴۴][۱۴۵][۱۴۶][۱۴۷][۱۴۸] ولعلّه لمنع صدق السبيل بمجرّد إجارة المؤمن نفسه للكافر، [۱۴۹][۱۵۰] فلا يصدق العلوّ ولا السبيل على المؤمن لو آجر نفسه من الكافر؛ لأنّ مجرّد استحقاق العمل عليه بواسطة عقد الإجارة لا يعدّ علوّاً عليه قطعاً. [۱۵۱] ويؤيّده [۱۵۲][۱۵۳][۱۵۴] ما ورد في بعض الأخبار من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يؤجر نفسه من اليهود ليسقي لهم النخل كلّ دلو بتمرة. [۱۵۵][۱۵۶] وما ورد في شأن نزول سورة ( هل أتى ) في قصّة غزل فاطمة عليها السلام الصوف لليهود بأصواع من الشعير، ثمّ التصدّق بها على المسكين و اليتيم و الأسير . [۱۵۷][۱۵۸] وهناك من فصّل بين الإجارة في الذمّة فتصحّ، وبين الإجارة على العمل الخارجي فلا تصحّ؛ [۱۵۹][۱۶۰][۱۶۱][۱۶۲][۱۶۳] لأنّ العمل في الذمّة كالدين الذي لا إشكال في ثبوته للكافر في ذمّة المسلم باعتبار عدم كونه سبيلًا على المؤمنين، بخلاف العمل الخارجي فإنّ إجارته عليه تستوجب السبيل عليه باستيفائه منه. [۱۶۴][۱۶۵] وفصّل بعض آخر بين المسلم الحرّ والعبد، فتصحّ إجارته في الأوّل دون الثاني؛ [۱۶۶][۱۶۷] لأنّ الإجارة لا توجب الاستيلاء واليد على الحرّ؛ لأنّه ليس عيناً مملوكة تكون بالإجارة تحت اليد، بخلاف العبد الذي هو من هذا القبيل فإجارته من الكافر تستوجب استيلاءه عليه، وهو من السبيل المنفي بالآية. [۱۶۸][۱۶۹][۱۷۰][۱۷۱] كما أنّ هناك من جعل الميزان كون الإجارة موجبة لمذلّة المسلم فلا تصحّ، وما إذا لم تكن كذلك فتصحّ. [۱۷۲][۱۷۳] فيكون الحكم تابعاً للعنوان الثانوي الطارئ وفقاً لهذا التفصيل.إلّا أنّ كلّ ذلك لا وجه فنّي له.
الولاية [تعديل] لا ولاية للكافر على المؤمن؛ لأنّ في ولايته سبيلًا وعلوّاً على المؤمنين، وهو منفيّ بالآية والرواية، بل إن قطع الولاية بمعانيها بين المسلمين والكافرين ممّا ركّزت عليه الآيات القرآنية، وقد أخذ الفقهاء هذا المفهوم العام في نفي ولاية الكافر على المسلم ثمّ طبقوه في مواضع متعدّدة من الفقه الإسلامي، ونذكر بعض ما ذكروه من الموارد كما يلي:
← الولاية العامة يشترط في حاكم المسلمين ووليّ امورهم أن يكون مسلماً، فلا يتولّى الكافر إمامة المسلمين، ولا يكون وليّاً عليهم في شؤونهم السياسية والعسكرية و الاجتماعية و الأمنية ، [۲۹۳] كما ذكروا أنّ مرجع التقليد يشترط فيه الإيمان المستبطن للإسلام، فلا يقلّد غير المسلم في الأحكام الفقهية أو لا تكون المرجعية الدينية للمسلمين بيد غيرهم. [۲۹۴][۲۹۵]
← ولاية القضاء اتّفق الفقهاء على اشتراط الإسلام والإيمان في القاضي، [۲۹۶][۲۹۷] فلا ينفذ حكم الكافر في القضاء [۲۹۸][۲۹۹][۳۰۰][۳۰۱] ولو كان جامعاً للشروط؛ لأنّ اللَّه تعالى لن يجعل له سبيلًا على المؤمن، [۳۰۲][۳۰۳] والإسلام يعلو ولا يعلى عليه. [۳۰۴]
النذر [تعديل] ذكر بعضهم صحّة نذر الولد من دون إذن والده الكافر، حتى على القول بتوقّف النذر على إذن الوالد، وليس للوالد الكافر حلّ نذر ولده حتى على القول بأنّ للوالد الحقّ في ذلك؛ لأنّ ثبوت هذين الحقّين للكافر يعدّ سبيلًا على الولد المسلم، وهو منفيّ في الإسلام. [۳۰۵][۳۰۶]
الجنايات والقصاص [تعديل] أجمع الفقهاء [۳۰۷][۳۰۸][۳۰۹] على أنّ المسلم لا يقتل بالكافر ذمّياً كان أو غيره، [۳۱۰][۳۱۱][۳۱۲][۳۱۳] وليس للوارث إن كان كافراً المطالبة بحقّ القصاص من المسلم؛ لأنّه يعدّ سبيلًا على المؤمنين، وكذا إن كان مسلماً؛ لعدم القول بالفصل بين الوارث، مسلماً كان أو كافراً. [۳۱۴][۳۱۵][۳۱۶] فلا يقتل المسلم بقتل الكافر وإن طالب الوارث، سواء كان الوارث مسلماً أو غير مسلم.
هذا إن لم يكن المسلم معتاداً في قتل أهل الذمّة ، وأمّا إذا اعتاد قتلهم ظلماً ففي قتله أقوال. [۳۱۷] ومن هذا القبيل أيضاً ما لو قتل المسلم مسلماً وكان للمقتول ولد كافر سواء كان وحده أو له إخوة مسلمون، فإنّه ليس للولد الكافر حقّ القصاص ؛ لأنّه سبيل منفي في الإسلام. [۳۱۸][۳۱۹][۳۲۰]
حكومة القاعدة على سائر الأحكام [تعديل] ذكر بعضهم أنّ قاعدة نفي السبيل حاكمة على أدلّة الأحكام الأوّلية كأدلّة ولاية الأب والجدّ على الأولاد مثلًا، فإنّها تبطل إذا كانا كافرين والأولاد مسلمين. [۳۲۱][۳۲۲] إلّا أنّ هناك من تردّد [۳۲۳] في حكومتها على بعض الأدلّة الأوّلية كعموم: «أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ». [۳۲۴] ورأى بعضهم أنّه لا مبرّر لهذا التردّد؛ لأنّ قاعدة نفي السبيل كقاعدتي نفي الضرر والحرج الحاكمتين على سائر الأحكام الأوّليّة من دون استثناء، فكما لا استثناء هناك لا استثناء هنا أيضاً، فأيّ فرقٍ بين المقامين حتى يتردّد في أحدهما دون الآخر؟!. [۳۲۵] كانت هذه خلاصة أهمّ ما طرح في الأبحاث الفقهية حول قاعدة نفي السبيل.