← الثاني الإرفاق الذي يأتي في الفقه بعنوان كونه متعلّقاً لحكم شرعي- فالمناسب ذكر موارده هنا على نحو الإجمال مع إحالة كلّ مورد إلى محلّ تفصيله من الموسوعة ، وهي كالتالي:
←←الإرفاق بالمديون يستحبّ لصاحب الدين الإرفاق بالمديون وترك الاستقضاء في مطالبته ومحاسبته ؛ [۳۸][۳۹] لما رواه حمّاد بن عثمان ، قال: دخل رجل على أبي عبد اللَّه عليه السلام فشكى إليه رجلًا من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام:
«ما لفلان يشكوك؟» فقال: يشكوني أنّي استقضيت منه حقّي، قال: فجلس أبو عبد اللَّه عليه السلام مغضباً ثمّ قال: «كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ، أ رأيتك ما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» ؟ [۴۰] أ ترى أنّهم خافوا اللَّه أن يجور عليهم؟! لا واللَّه ما خافوا إلّا الاستقضاء، فسمّاه اللَّه عزّ وجلّ سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء»، [۴۱] وغيره من الروايات. [۴۲] وكذا يستحب له إنظاره وتحليله؛ للآية الكريمة : «وَ إِنْ كانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» [۴۳] وللروايات. [۴۴] نعم، قد يجب الانظار مع ثبوت الإعسار على تفصيل يذكره الفقهاء.
←← الإرفاق بالحيوان حثّت الشريعة المقدّسة على الإرفاق بالحيوان ، سواء في الإنفاق عليه أو الانتفاع به أو ذبحه أو غير ذلك، وإليك هذه الموارد إجمالًا مع التنبيه على محالّ تفصيلها:
الاوَل- الإرفاق بالحيوان في النفقة:
تجب النفقة على البهائم المملوكة سواء كانت مأكولة اللحم أو لم تكن، وسواء انتفع بها أو لا، بمقدار ما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان، فإن اجتزأت بالرعي فذلك وإلّا علفها ، وإن امتنع أجبر على بيعها أو ذبحها- إن كانت ممّا يقصد بالذبح- أو الإنفاق عليها. [۶۳][۶۴][۶۵][۶۶][۶۷] وأيضاً ممّا ورد في الرأفة بالحيوان في إطعامه وسقيه قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ليلة اسري بي مررت على النار ، فرأيت امرأة تعذّب، فسألت عنها، فقيل: إنّها ربطت هرّة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشائش الأرض حتى ماتت، فعذّبها بذلك. [۶۸][۶۹] وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: واطّلعت على الجنّة فرأيت امرأة مومسة - يعني زانية - فسألت عنها، فقيل: إنّها مرّت بكلب يلهث من العطش ، فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى روى، فغفر اللَّه لها. [۷۰][۷۱] وتفصيل ذلك في مصطلح (حيوان).
الثاني- الإرفاق بالحيوان عند الانتفاع:
وردت في هذا المجال روايات كثيرة بحيث عقد لها الشيخ الحرّ العاملي باباً في الوسائل أسماه: باب حقوق الدابّة المندوبة والواجبة ، [۷۲] منها: ما رواه الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: للدابّة على صاحبها خصال:يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها، ولا يقف على ظهرها إلّا في سبيل الله ، ولا يحمّلها فوق طاقتها ، ولا يكلّفها من المشي إلّا ما تطيق». [۷۳] الثالث - الإرفاق بالحيوان عند الذبح:
ذكر الفقهاء [۷۴][۷۵] ضمن أحكام الذبح مجموعة من المستحبّات والمكروهات تدلّ على استحباب الرفق بالحيوان عند ذبحه كاستحباب سوقه إلى المذبح برفق وضجعه برفق وعرضه على الماء قبل الذبح، وتحديد الشفرة وسرعة الفعل، ومواراة الشفرة عنه، وترك الذبيحة في مكانها، وعدم تحريكها ولا جرّها من مكان إلى آخر إلى أن تفارقها الروح ، وغير ذلك، كلّ ذلك لموافقته لإراحة الحيوان وإحسان الذبح المأمور به في الأخبار ، ولترك التعذيب المنهي عنه، [۷۶][۷۷][۷۸][۷۹][۸۰][۸۱] وللرفق المأمور به في المروي في دعائم الإسلام : «يرفق بالذبيحة ولا يعنّف بها قبل الذبح ولا بعده». [۸۲][۸۳] وأمّا المكروهات فمنها: الذباحة ليلًا إلّا مع الضرورة ؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر أبان بن تغلب «كان علي بن الحسين عليه السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع الفجر ويقول: إنّ اللَّه عزّ وجلّ جعل الليل سكناً لكلّ شيء»، قال: قلت:جعلت فداك، فإن خفنا؟ قال: «إن كنت تخاف الموت فاذبح». [۸۴][۸۵][۸۶] ومنها: نخع الذبيحة، بمعنى إصابة نخاعها حين الذبح، وكسر الرقبة قبل البرد ؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في حديث الحلبي : «... ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة». [۸۷] ومنها: كراهة أن تقلب السكّين فيذبح إلى فوق؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر حمران بن أعين : «ولا تقلب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق...». [۸۸] ومنها: أن يُذبح حيوان وآخر ينظر إليه، وأن يسلخ الحيوان قبل برده.
إلى غير ذلك من المستحبّات والمكروهات التي يختصّ بعضها بالإبل في حالة النحر ، وبعضها بالطير أو الغنم أو البقر ، ممّا يدلّ على استحباب الإرفاق بالحيوان. وتفصيل ذلك في محالّه.
←← الإرفاق بالمؤمن في الربح أفتى بعض الفقهاء بكراهة الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة ، هذا إذا اشترى منه للقوت وكان بمائة درهم فصاعداً، أمّا لو اشترى منه للتجارة فلا بأس بالربح عليه.
نعم، يستحبّ الرفق به حينئذٍ؛ [۱۰۰][۱۰۱][۱۰۲][۱۰۳][۱۰۴] لقول الإمام الصادق عليه السلام: «ربح المؤمن على المؤمن ربا، إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة، فاربحوا عليهم وارفقوا بهم». [۱۰۵] هذه بعض الموارد، وهناك موارد اخرى قد يتعرّض لها في مصطلح (رفق).