←←الاضحية فإنّ هذه الثلاثة واجبة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره من المكلّفين؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاث كتب عليّ ولم تكتب عليكم: السواك و الوتر و الاضحية ». [۵][۶] وفي خبر آخر: «كتب عليّ الوتر ولم يُكتب عليكم، وكُتب عليّ السواك ولم يُكتب عليكم، وكُتب عليّ الاضحية ولم يُكتب عليكم». [۷][۸][۹] وبموجبهما أفتى بعض فقهائنا بالوجوب . [۱۰][۱۱][۱۲] لكنّ الروايتين ضعيفتا السند ، ولم يرد في كتبنا ما يدلّ على وجوب السواك والاضحية عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا الوتر فهي وإن لم ترد بخصوصها رواية تدلّ على وجوبها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالسواك والاضحية لكن سيأتي ما يدلّ على وجوب صلاة الليل عليه، فتكون واجبة بوجوبها إن عدّت من جملتها .
←←قيام الليل فإنّه واجب عليه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ • قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا• نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا• أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»...» «إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا »، [۱۳] ولقوله تعالى:
«وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ». [۱۴] وروى عمّار الساباطي أنّه قال: كنّا جلوساً عند أبي عبد اللَّه عليه السلام بمنى فقال له رجل: ما تقول في النوافل؟ قال: « فريضة »، قال: ففزعنا وفزع الرجل، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إنّما أعني صلاة الليل على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، إنّ اللَّه يقول: «وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ»». [۱۵] وقد أفتى بعض فقهائنا بذلك. [۱۶] لكن خالف بعض الفقهاء فذهبوا إلى أنّ الآية المتقدّمة تدلّ على الاستحباب ، وأنّ الوجوب الثابت بالآيات الاخرى منسوخ بهذه الآية. [۱۷][۱۸]
←←تخيير النساء فإنّ اللَّه أوجب على رسوله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أن يخيّر نساءه بين مصاحبته و البقاء معه على رباط الزوجيّة أو مفارقته بقوله عزّ وجلّ: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا• وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً». [۱۹] و الأصل في ذلك أنّه صلى الله عليه وآله وسلم آثر لنفسه الفقر و الصبر عليه، فأمر بتخيير نسائه بين مفارقته و اختيار زينة الحياة الدنيا وبين مصاحبته والصبر على مرارة الفقر؛ لئلّا يكون مكرهاً لهنّ على ما لا يجب عليهنّ. [۲۰] وبهذا أفتى فقهاؤنا. [۲۱][۲۲][۲۳][۲۴][۲۵]
←←إنكار المنكر وإظهاره يجب على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى المنكر أن يُنكره، ويُظهر هذا الإنكار للناس؛ لأنّ سكوته مع العلم بكون الفعل منكراً إقرار له، وإقراره مع عدم المانع من الردع عنه كاشف عن جوازه؛ لأنّه مبلّغ عن اللَّه، معصوم في تبليغه، والمانع من الردع مفقود لتكفّل اللَّه سبحانه حمايته و الدفاع عنه؛ لقوله عزّ وجلّ: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»، [۲۶] فيدلّ سكوته وعدم إنكاره على جوازه مع أنّه منكر فرضاً، ويثبت تعمّده المخالفة وهي ممنوعة عليه؛ لعصمته، فيثبت الوجوب المذكور.
وبالوجوب أفتى كلّ من تعرّض للمسألة من فقهائنا. [۲۷][۲۸][۲۹] وممّا ذكرنا يظهر وجه اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون سائر المكلّفين، بل الإمام المعصوم عليه السلام أيضاً، وأنّه تكفّل اللَّه سبحانه وتعالى حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده.
←←خائنة الأعين وهي الغمز بها إشارة إلى فعل أو أمر، خلافاً لما يظهر أو يُشعر به الحال، سمّيت بذلك لأنّها تشبه الخيانة ، [۴۴][۴۵] فإنّ ذلك حرام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ينبغي لنبيٍّ أن تكون له خائنة الأعين ». [۴۶][۴۷][۴۸] وقد أفتى بالحرمة جمع من فقهائنا. [۴۹][۵۰][۵۱][۵۲] لكن استثنى بعضهم حال الحرب؛ [۵۳][۵۴] لما روي من أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد سفراً ورّى بغيره. [۵۵][۵۶] لكنّ كلتا الروايتين غير واردتين من طرقنا، وفي دلالتهما على المطلوب كلام.
←←الزيادة في نسائه أو استبدالهن إذ حرّم ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ » [۷۳] مكافأة على حسن صنيعهنّ معه، حيث اخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة على زينة الحياة الدنيا عند ما خيّرهن في فراقه و الإقامة معه على الضيق ، واستمرّ التحريم المذكور زماناً حتى نزل قوله تعالى: «إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ وَ بَناتِ خالِكَ وَ بَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ». [۷۴] فنسخ الحكم بالتحريم لتكون المنّة له بترك التزويج عليهنّ. وبه أفتى جملة من فقهائنا. [۷۵][۷۶][۷۷][۷۸] وقال بعض الجمهور : إنّ التحريم لم ينسخ. [۷۹][۸۰] لكنّ الوارد من طرقنا من الروايات أنّ التحريم المذكور لم يقع، وأنّ هذه الخصوصيّة لم تحصل أصلًا. ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:- في حديث طويل- قلت: قوله تعالى: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» قال: «إنّما عنى به النساء اللاتي حرّمن عليه في هذه الآية: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ ...» [۸۱]- إلى آخر الآية- ولو كان الأمر كما يقولون كان قد حلّ لكم ما لم يحلّ له، إنّ أحدكم يستبدل كلّما أراد، ولكن ليس الأمر كما يقولون، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أحلّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ما أراد من النساء إلّا ما حرّم عليه في هذه الآية التي في النساء». [۸۲] ومثله ما روي عن الباقر عليه السلام . [۸۳]
←←الوصال وهو الجمع بين الليل والنهار في الإمساك عن تروك الصوم بالنيّة، أو تأخير العشاء إلى سحوره بالنيّة أيضاً بحيث يكون صائماً مجموع ذلك الوقت. [۱۰۵][۱۰۶][۱۰۷] وفسّره الشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي بأن يطوي الليل بلا أكل ولا شرب مع صيام النهار، لا أن يكون صائماً؛ لأنّ الصيام في الليل لا ينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطراً إجماعاً . [۱۰۸][۱۰۹][۱۱۰] غير أنّ ما ذكراه نوقش فيه بأنّه ليس من الوصال في شيء ما لم ينوِ الإمساك؛ إذ تناول الطعام بعد دخول الليل غير واجب، فلا يكون لإباحته خصوصيّة
ينفرد بها عن غيره من المكلّفين. [۱۱۱][۱۱۲][۱۱۳] وعلى أيّة حال فقد جوّز فقهاؤنا الوصال له دون غيره من أفراد امّته؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم- لمّا نهى عن الوصال، وقيل له: إنّك تواصل-: «إنّي لست كأحدكم، إنّي أظلُّ عند ربّي يطعمني ويسقيني». [۱۱۴][۱۱۵][۱۱۶] وفي خبر آخر: «إنّي أبيت عند ربّي فيطعمني ويسقيني». [۱۱۷] ومعناه: يقوتني ويغذّيني بوحيه ويغنيني به عن الأكل و الشرب ، لا أنّه يطعمه ويسقيه حقيقة، وإلّا لم يكن مواصلًا. لكنّ الروايتين ضعيفتان؛ لعدم ورودهما من طرقنا، ولم يثبت بدليلٍ آخر جواز الوصال له.
۲- ما ثبت على غيره لأجله:
← حرمة زوجاته على غيره [۱۱۸][۱۱۹][۱۲۰][۱۲۱] فقد اتفق فقهاء المسلمين قاطبة على حرمة نكاح أزواجه اللائي توفّي عنهنّ، سواء في ذلك من دخل بهنّ أم لا؛ لصدق عنوان الزوجيّة عليهنّ بمجرّد العقد ، مع أنّه لم يمت صلوات اللَّه و سلامه عليه عن زوجة غير مدخول بها قطّ. وإنّما وقع الخلاف بينهم في من فارقهنّ حال حياته بفسخ أو طلاق كالتي وجد بكشحها بياضاً و المستعيذة . والدليل على التحريم قوله تعالى: «وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً»، [۱۲۲] واستظهر منها الاختصاص بمن مات عنهنّ من أزواجه دون من فارقهنّ حال حياته.
لكن نوقش في ذلك باحتمال كون من بعده متعلّقاً بالنكاح لا بأزواجه لكي يختصّ التحريم بهنّ فقط؛ ولهذا السبب اختار المشهور من فقهائنا ذلك، وفي مقابل المشهور القول بعدم حرمة من فارقهنّ حال حياته والقول بحرمة خصوص من دخل بهنّ حالها. [۱۲۳]