← الاعتبار وهو إمّا مرادف للانتزاع [۴][۵]- كما عن بعض العلماء- أو أعم منه باعتبار أنّ الامور الاعتبارية منها: ما يحتاج إلى المنشأ في اعتباره، وهو المسمّى بالامور الانتزاعية، ومنها: ما لا يحتاج إلى ذلك، وهو المسمّى بالاعتباريات أو الاعتباريات المحضة . [۶] أو مباين كما عن بعض آخر، [۷] وسيأتي تفصيل ذلك.
الحكم الإجمالي ومواطن البحث [تعديل] يجري البحث عن الانتزاع تارة في الفقه واخرى في الاصول، أمّا في الفقه فليس للانتزاع بمعناه الاصطلاحي حكم شرعي؛ لأنّه أمرٌ قهري يدور بين الوجود و العدم ، فلا يتعلّق به الحكم الشرعي.
وأمّا الانتزاع بالمعنى اللغوي الجاري على ألسنة الفقهاء والذي هو بمعنى القلع و الأخذ ونحوهما، ففي نفسه قد لا يحكم بحكم خاص، ولكن إذا توقّف عليه استنقاذ حقّ من استرداد عين أو مال أو إثبات ذلك، فقد يكون جائزاً، بل ربما يكون واجباً كما قد يكون حراماً في بعض الأحيان، وإليك ذكر جملة من تلك الموارد:
←←العلاقة بين العناوين الانتزاعية والاعتبارية وقد نسب المحقّق النائيني إلى الشيخ الأنصاري أنّ العلاقة بينهما هي علاقة الترادف ؛ [۳۲] ولعلّه لأنّ المفاهيم الاعتبارية والانتزاعية وجميع مقولة الإضافات .
بل وكذلك الارتباطات التي اشتهرت أنّها اعتبارات صرفة، منشؤها اعتبار من بيده الاعتبار- وإن لم تكن في التحقّق - كالأعيان الثابتة والأعراض المتأصّلة- لها تحقّق خاص بحيث يمكن أن يشار إليها، وذلك معنى انتزاعها، [۳۳] لا أنّ النفس تخلق شيئاً بلا حقيقة له ولا واقعية - كالتخيّلات الصرفة- فحقيقة الفوقية شيء واقعي يتحقّق في نفس الأمر عند تحقّق منشئها، ولو لم يكن في العالم لاحظ يلحظها ويدركها العقل عند تحقّقها، ولذا لا ينتزعها من غير منشئها.
وكذا الملكية فإنّها أولوية واقعية للمالك بالتصرّف في ملكه كيفما يشاء ولو لم يكن لاحظ يلحظها ومعتبر يعتبرها.
وكذلك الزوجية هي أمر في نفس الأمر و ارتباط معنوي يستتبع الحسن و القبح حتى ادّعي وجودها في الحيوانات ؛ لمشاهدة آثارها، وكيف يدّعى أنّ أمثال ذلك ممّا اجتمع العقلاء على تخيّله عند منشئه [۳۴]؟! وفي مقابل هذا القول ذهب المحقّق النائيني ومن تبعه إلى أنّ الامور الانتزاعية تباين الامور الاعتبارية؛ لأنّ وعاء الانتزاع مغاير لوعاء الاعتبار، وذلك لأنّ للشيء في الموجودات الواقعية المنحازة - كالجواهر والأعراض- وجوداً أصيلًا مستقلّاً، وكذا الامور الاعتبارية- كالملكية والزوجية- لها وجودات مستقلّة أصيلة في عالمها وعالم الاعتبار .
وهذا بخلاف الوجود في الامور الانتزاعية، فإنّه لا يتصوّر فيها وجود إلّا وجود منشأ انتزاعها، وأنّ وجوده وجود للأمر الانتزاعي، فلا تقرّر لها في الخارج فالفارق بينهما جذري لا يختلط أحدهما بالآخر؛ لأنّ الامور الاعتبارية لها تأصّل في الوجود في عالمها، بخلاف الامور الانتزاعية؛ إذ لا وجود لها إلّابوجود منشأ انتزاعها. [۳۵][۳۶]
←←الاعتباريات عند المحقق الأصفهاني هذا، وقد صاغ المحقّق الأصفهاني هذا المضمون بصياغة اخرى، وهي أنّ الموجودات الخارجية تقع على قسمين:
أحدهما: ما له وجود ومطابق في العين، ويعبّر عنه بالموجود بوجود ما بحذائه، كالجواهر وجملة من الأعراض، حيث إنّ وجودها يكون بوجود ما يحاذيها خارجاً وفي عالم العين.
ثانيهما: ما لم يكن كذلك، بل كان من حيثيات ما له مطابق في العين ويعبّر عنه بالموجود بوجود منشأ انتزاعه، ومنه مقولة الإضافة .
ويقابلهما الاعتبارات الذهنية من الكلّية والجزئية والنوعية و الجنسية والفصلية، فإنّ معروضها الامور الذهنية لا العينية. [۳۷] ومقصوده من الاعتباريات الذهنية الامور الاعتبارية في اصطلاح علم المنطق .
←←الاعتباريات عند الأصوليين وهناك مصطلح للاعتباريات عند الاصوليّين وهي الامور الوضعية التي تتحقّق بالإنشاء و الجعل كالملكية والزوجيّة و الطهارة والحدث، والامور الانتزاعية تفترق عن الامور الاعتبارية بهذا المصطلح، بأنّ المصحّح لاعتبار الامور الاعتبارية هو الجعل والإنشاء، فما لم يكن هناك جعل فلا وجود للمعتبر.
وهذا بخلاف الامور الانتزاعية، حيث إنّ المصحّح للانتزاع فيها ليس الجعل بل هو قهري واقعي حاصل في موطنه اللائق به. [۳۸] وربما يوسّع في الانتزاعي فيعم الاعتباريات بالمصطلح المنطقي؛ لأنّها معانٍ منتزعة من معان ذهنية، كما ربما يوسّع في الاعتباري فيعم الانتزاعيات الخارجية لتقوّمها بالاعتبار.
بل ربما يوسّع في الانتزاعي والاعتباري فيعم الماهيات جميعاً، فيقال:
الماهية انتزاعية اعتبارية- في قبال أصالة الوجود - فهي منتزعة من الوجود الخاص وجوده به بالعرض.
←←منشأ الأمور الانتزاعية وعلى أيّة حال فالامور الانتزاعية كما تنتزع من الأشياء الخارجية كذلك تنتزع من الامور الاعتبارية أيضاً، فكما أنّه إذا ترتّب وجود شيء على شيء آخر في الخارج تنتزع من هذا الترتّب مقولة السببية والمسببية لهما، كذلك الحال في الامور الاعتبارية، فإذا جعل المولى حكمه مترتّباً على شيء، كما إذا قال: من حاز ملك بترتيب الملكية على الحيازة ، أو قال: من مات فما تركه لوارثه، بترتيب ملكية الوارث على موت المورّث، أمكن أيضاً انتزاع علاقة السببية بين هذين الأمرين، فيقال: إنّ الحيازة سبب لملكية الحائز وموت المورّث سببٌ لملكية الوارث للتركة في الجملة . [۳۹] وبهذا البيان يعلم أنّ هناك أربعة امور:
الأوّل: الامور المتأصّلة الخارجية كالجواهر والأعراض.
الثاني: الامور الاعتبارية الوضعية التي يقع أمرها بيد جاعلها .
الثالث: الامور الاعتبارية الذهنية أو المنطقية.
الرابع: الامور الانتزاعية، وهي واقعية بمنشأ انتزاعها لا بنفسها وذاتها، وهي على قسمين :
أ- ما كان منشأ انتزاعها الامور المتأصّلة الخارجية.
ب- ما كان منشأ انتزاعها الامور الاعتبارية. [۴۰]
←←أحكام مجعولة بالتبع أي التي ينتزعها العقل والذهن من الأحكام الاعتبارية المجعولة بالأصالة ، كالجزئية والشرطية والسببية و الصحّة و البطلان ، وهي أحكام انتزاعية؛ لأنّها عناوين تنتزع من الأمر بأجزاء المركّب وقيوده، أو من ترتيب حكم على موضوع أو شرط ونحو ذلك، فليست هي أحكاماً وضعية، بل كسائر العناوين الانتزاعية تكون واقعية بواقعية مناشئ انتزاعها.
إلّاأنّ منشأ انتزاعها حكم اعتباري مجعول؛ ولهذا يقال عنها بأنّها أحكام مجعولة بالتبع، أي بتبع جعل منشأ انتزاعها.
←←مذهب الأصوليين إلى جريان الأصل العملي في الأحكام الانتزاعية ذهب بعض الاصوليّين إلى جريان الأصل العملي في الأحكام الانتزاعية؛ لأنّ الشرط في جريان الأصل العملي عن حكم أن يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع بما هو شارع، وهذا محفوظ في الأحكام الانتزاعية؛ لكونها بيد الشارع وضعاً ورفعاً بتبع جعل منشأ انتزاعها، ولا دليل على لزوم كون الشيء مجعولًا للشارع مستقلّاً حتى يجري فيه الأصل .
ولكنّ الصحيح أنّه لا معنى لجريان الأصل العملي عن الأحكام الانتزاعية، لا لما ذكر من كونها غير مجعولة وليست بيد الشارع لكي يقال بأنّها مجعولة بالتبع، [۴۱] فإنّ هذا الشرط- أي كون الشيء مجعولًا- ليس شرطاً في جريان الاصول، كيف؟ ونحن نجري الاستصحاب في الموضوعات الخارجية كبقاء حياة زيد وبقاء شهر رمضان وغيره، وهي ليست مجعولة أصلًا حتى بالتبع، بل لأنّ الحكم الثابت بالأصل العملي إنّما هو حكم ظاهري تنجيزي أو تعذيري للحكم الواقعي الشرعي.
فلابدّ وأن يكون مصبّ الأصل العملي- سواء كان مجعولًا أو موضوعاً خارجياً- ممّا يترتّب على إثباته أو نفيه تنجيز أو تعذير ووظيفة عملية في مورد الشكّ، وليس هو إلّاالحكم الشرعي أو موضوعه، فإنّ المنجّزية و الجري و الوظيفة العملية إنّما تترتّب- إثباتاً ونفياً- على إحراز الحكم المجعول شرعاً صغرىً وكبرى- أي موضوعاً ومحمولًا- وما عدا ذلك من الامور ليس موضوعاً للتنجيز والتعذير.
ومنها الأحكام الانتزاعية؛ فإنّها ليست المنجّزة والمعذّرة، وإنّما المنجّز والمعذّر منشأ انتزاعها، وهو المجعول الشرعي موضوعاً وحكماً.
و تفصيل ذلك يطلب من علم الاصول.