←←إحضار الخصم يحضر الخصم تارة لأصل إثبات الحقّ ، واخرى بعد ثبوته للحكم و استيفاء الحق منه فهل يجبر على الحضور لذلك أم لا؟
لا خلاف بين الفقهاء في جواز الحكم على الغائب في حقوق الناس مع قيام البيّنة على وفق دعوى محرّرة ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون مسافراً أو حاضراً ، تعذّر عليه الحضور أو لا، [۴][۵][۶][۷][۸][۹] وعليه فلا يعتبر إحضار المتّهم في مجلس الحكم.
نعم، لو التمس الخصم من الحاكم إحضار خصمه في مجلس الحكم للمرافعة معه، فهل يجب إحضاره حينئذٍ؟ المعروف بين الفقهاء [۱۰] وجوب إجابته وإحضاره إذا كان المتّهم حاضراً في البلد ، [۱۱] بل ادّعي عدم الخلاف فيه، [۱۲] بل ظاهر الشيخ [۱۳] وثاني الشهيدين [۱۴] الإجماع عليه؛ استناداً إلى تعلّق حقّ الدعوى به، وبأنّ ذلك مقتضى منصب الحاكم. [۱۵] قال الشهيد الثاني : «من أتى القاضي مستعدياً على خصمه ليحضره، فخصمه إمّا أن يكون في البلد، أو خارجه، فإن كان في البلد وكان ظاهراً يمكن إحضاره، وجب إحضاره مطلقاً عند علمائنا وأكثر العامّة ». [۱۶] ولا فرق في وجوب الإحضار بين ما إذا كان قد حرّر المدّعي دعواه أم لم يحرّرها. [۱۷][۱۸][۱۹] ولكن استشكل بعض المحقّقين في وجوب الإحضار بل جوازه مع عدم تحرير الدعوى»، بل ذهب المحقّق السبزواري إلى أنّ الأحوط عدم الحكم بإحضاره قبل تحريره؛ مستنداً إلى أنّ الإحضار في مجلس الحكم نوع إيذاء . [۲۰][۲۱] ولذلك ذهب الفاضل النراقي إلى القول بتخيير الحاكم بين الإحضار أو الحكم عليه غائباً، مع أولويّة البعث إليه و إخباره بأنّه يحضر أو يحكم عليه؛ لأنّه لا وجه لوجوب الإحضار فيما يجوز فيه الحكم عليه؛ لعدم توقّف الحكم عليه بل يحكم مع غيبته ، فإن أدّى إلى الحلف فإن جوّز الحلف في غير مجلس القضاء يبعث من يحلّفه، وإلّا يحضره، وإن أدّى إلى أخذ مال فيؤدّيه الحاكم من مال المدّعى عليه إن كان، وإن كان ماله عند نفسه يبعث من يأخذه منه أو يأتي بحجّته . [۲۲] ولكن أجاب الشيخ الأنصاري عن ذلك بأنّ تحرير الدعوى في غياب المدّعى عليه لا فائدة فيه بعد لزوم إعادتها إذا حضر ليستمعها ويجيب عنها، فاحتمال أن يكون دعواه دعوى غير مسموعة فيكون إحضار الخصم لغواً ، جارٍ في صورة تحرير الدعوى في غيابه أيضاً؛ إذ لعلّه يحرّرها بعد الحضور على وجه لا تسمع، مع أنّهم اتّفقوا على أنّ الخصم لا يجاب التماسه في إحضار الخصم الغائب عن البلد حتّىيحرّر دعواه. [۲۳] هذا كلّه في إحضار المتّهم لإثبات الحقّ.
وأمّا إحضار الخصم لاستيفاء الحقّ منه فيما توقّف عليه فالظاهر عدم الخلاف في ثبوت هذا الحقّ له ووجوب إجابته أيضاً. [۲۴] وبناءً على وجوب إحضار المتّهم فلا فرق بين أن يكون من أهل المروّات أم لا، [۲۵][۲۶] لإطلاق الأدلّة وغيره، [۲۷] خلافاً للمحكيّ عن ابن الجنيد حيث ذهب إلى عدم وجوب إحضار ذوي المروّات و الشرف لمجلس الحكم، بل يوجّه الحاكم إليه من يعرّفه الحال ليحضر أو وكيل له، أو يُنصف خصمه ويغنيه عن معاودة الاستعداء عليه. [۲۸][۲۹] نعم يشترط ألّا يكون المدّعي أجنبيّاً عمّا يدّعيه، وإلّا فلا يترتّب على قوله أثر من الآثار من وجوب إحضار المدّعى عليه وغيره. [۳۰] ثمّ إنّ الظاهر من كلمات الفقهاء- كما تقدّم- بل صريح الشهيد الثاني، [۳۱][۳۲] أنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون الدعوى من الدعاوي المدنيّة أو الجزائيّة .
ولكنّ الموجود في اصول المحاكمات الجزائية لزوم إحضار المتّهم في الدعاوى الجزائية، [۳۳][۳۴] من غير فرق بين التماس المدّعي ذلك وعدمه.
كما أنّ الأمر كذلك في حقوق الله تعالى، فإنّه لا يقضي على الغائب في حقوق الله تعالى، بل لا بدّ من إحضاره؛ لأنّها مبنيّة على التخفيف ، ومن ثمّ درئت الحدود بالشبهات. [۳۵][۳۶] وتفصيل البحث في ذلك وما يتعلّق به يطلب في مصطلح: قضاء.