← صلاة الأصم وتلبيته الأصمّ إذا كان لا يعقل الألفاظ ولا يسمعها ولا يعرف تلفّظ الناس بها- كما في الأصمّ الخلقي- وهو أحد أفراد الأخرس كانت قراءته بتحريك لسانه. كما أنّ إبرازه لمقاصده يكون على الطريقة التي يعتادها فتجري في عبادته أيضاً. [۹] وفي وجوب عقد قلبه عند تحريك لسانه ومعنى ذلك في حقّه، أو اعتبار إشارته بإصبعه خلاف بينهم. [۱۰][۱۱][۱۲][۱۳] وأمّا إذا كان يعرف الكلام ويتلفظ به كانت صلاته بالقراءة كغير الأصم.
وهكذا يلحق هذا الأصم بالأخرس في التلبية ، فتترتب عليه تمام أحكام تلبية الأخرس بتحريك اللسان مع الإشارة بالإصبع ونحو ذلك؛ [۱۴] لأنّه منه. نعم، احتمل بعض الفقهاء أن يكون حكم الأخرس الإشارة في التلبية فيما يطالب الأصم الذي لم يسمع التلبية ولا يمكن تعريفها له بالنيابة ؛ لعدم إمكان الإشارة منه أيضاً، [۱۵][۱۶][۱۷] أمّا إذا تمكّن من التلفظ بالتلبية أو أمكنه الإشارة بحيث كان الصمم عارضياً لزمه.
← حج الأصم ذكر المحقّق النجفي أنّ الصمم ليس مرضاً مانعاً من الحج ، فلو تحقّقت الاستطاعة وجب على الأصمّ الحجّ، ولا ريب في تناول نصوص الصحّة للأعمى و الأعرج والأصمّ ونحوهم. [۷۰] قال الفاضل الهندي: «يجب الحج على الأعمى عندنا... لعموم الأدلّة حتى نصوص الصحة، فإنّه في العرف لا يسمّى مريضاً، ولو اعتبرت الحقيقة لم يجب على الأصمّ أو الأعرج أو من دونهما». [۷۱]
← السلام على الأصم وجوابه مقتضى الأدلّة العامة في باب السلام وردّه أنّه لو سلّم شخص على آخر وجب الردّ بحيث يسمع الطرف الآخر، من هنا انفتح الحديث عن السلام على الأصم أو جواب سلامه. أمّا السلام عليه فذكر بعض الفقهاء أنّه لابد من الجمع بين التلفّظ بالسلام على الأصم وبين الإشارة له ولو باليد كي يحصل بذلك الإفهام ، وفي غير هذه الحال لا يُلزم الأصم بشيء؛ [۸۰] لفرض عدم فهمه لما يُلقى عليه. وأمّا ردّ سلامه فالذي يظهر من بعض الفقهاء كفاية ردّ السلام بالإتيان باللفظ بحيث يسار في ذلك على المتعارف ، بمعنى أنّه لو لم يكن أصم لسمع الجواب ، وليس من ملزم بالإشارة أو بغيرها من وسائل الإفهام و التفهيم . [۸۱][۸۲] و المستند في ذلك أصل البراءة عن وجوب الإسماع هنا؛ فإنّ ما دلّ على وجوبه من إجماعٍ أو غيره لا يشمل هذه الحالة، فيسقط وجوب الإسماع، ويبقى أصل الجواب على حاله. [۸۳] لكنّ فقهاء آخرين ذهبوا بعد سقوط وجوب الإسماع إلى ما ذكر في إلقاء السلام على الأصم حيث قالوا باستحباب ضمّ الإشارة إلى اللفظ. [۸۴] وفصّل السيد الخوئي بين ما لو كان الصمم عارضيّاً فلم يستبعد وجوب الردّ حيث لا قصور في شمول الإطلاقات له، ومجرّد تعذّر الاسماع لا يستوجب سقوط الردّ بعد التمكّن من إيصاله إليه بإشارة ونحوها، فإنّه لا شأن للإسماع ما عدا الإبلاغ والإيصال، وحيث تعذّر فليكن من سبيل آخر.
وبين ما لو كان الصمم ذاتيّاً فإنّ سلامه يكون بالإشارة كالأخرس، ولا دليل على وجوب الردّ في الفرض فضلًا عن إسماعه؛ وذلك لعدم نهوض دليل على قيام إشارته مقام قوله بنطاق عام وإنّما ثبت في موارد خاصّة كالتشهّد والقراءة من غير قرينة تستوجب التعدّي عنها. [۸۵]
← قذف الصماء أجرى الفقهاء أحكام اللعان من الحرمة المؤبدة وغيرها على من قذف زوجته الصمّاء بما يوجب اللعان لو لم تكن كذلك وادّعي عدم وجدان الخلاف فيه، بل انعقاد الإجماع عليه. [۱۰۰][۱۰۱][۱۰۲] واستدلّ له بصحيح أبي بصير: عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال، قال: «إن كان لها بيّنة فشهدت عند الإمام جلد الحد وفرّق بينها وبينه، ثمّ لا تحلّ له أبداً، وإن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها منه». [۱۰۳] قال في الرياض: «ومقتضاه- ككلام جماعة- تعلّق الحكم بالمتّصفة بالأمرين أي الصمم والخرس إلّاأنّ في بعض النسخ الاكتفاء بأحدهما كما في المتن وعن الأكثر ، بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر ، وهو الحجّة ». [۱۰۴]
← شهادة الأصم شهادة الأصمّ إمّا أن تكون فيما يفتقر فيه إلى السماع، أو فيما لا يفتقر فيه إليه بل تكفي فيه حاسّة البصر . فعلى التقدير الأوّل إمّا أن يتحمّل الشهادة حين ابتلائه بالصمم، أو يتحمّلها قبل ابتلائه به، كما إذا كان يسمع ثمّ اعتلّ به. ففي الصورة الاولى: ظاهر كلماتهم [۱۰۵][۱۰۶] عدم الاعتداد بشهادته، حيث قيّدوا قبول شهادته بما لا يفتقر إلى السماع، بل صرّح به بعضهم. [۱۰۷] وفي الصورة الثانية: ظاهرهم قبول شهادته، بل صرّح به السيد الطباطبائي ، مدّعياً عدم الخلاف فيه وفي الصورة التالية. [۱۰۸] وأمّا على التقدير الثاني- وهو فيما لا يفتقر إلى السماع بل يكفي فيه حاسّة البصر، كالقتل و الغصب - فقد ادّعى غير واحد من الفقهاء أنّ المشهور [۱۰۹][۱۱۰][۱۱۱] قبول شهادة الأصمّ فيها؛ لعموم قوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ»، [۱۱۲] ولأنّ المناط العدالة المثمرة للظن ، المناسب لقبول شهادته. [۱۱۳][۱۱۴] كما أنّ ملاك الشهادة هو العلم بالمشهود به، وهو متحقّق هنا. [۱۱۵] لكنّ بعض الفقهاء [۱۱۶][۱۱۷][۱۱۸] قيّدوا قبول شهادته بلزوم الأخذ بأوّل قوله؛ استناداً إلى رواية جميل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال: سألته عن شهادة الأصم في القتل، فقال: «يؤخذ بأوّل قوله، ولا يؤخذ بالثاني». [۱۱۹] إلّاأنّ أكثر الفقهاء أعرضوا عن العمل بهذه الرواية مصرّحين بضعفها السندي. [۱۲۰][۱۲۱][۱۲۲] بل ذكر بعضهم أنّه إذا اريد بالقول الثاني فيها ما ينافي الأوّل كان رجوعاً فتجري عليه قوانين رجوع الشاهد من ردّ كلامه الأوّل، وإن اريد به ما يؤكّد القول الأوّل فلا معنى للردّ، أمّا لو لم يرتبط أساساً بالقول الأوّل كان كلاماً مستقلّاً لا ربط له بالشهادة فما معنى الحديث عنه؟! وإن اجيب بأنّ هذه الرواية تصلح مخصّصاً للقاعدة العامة في ردّ الشهادة الاولى بالرجوع . [۱۲۳] بل يمكن القول بأنّ هذه الرواية لا تنافي مبدأ الأخذ بشهادة الأصم وإنّما تفصّل في مورد رجوعه عن شهادته- بناءً على هذا التفسير لها- فليس من ذهب إليها بقائل بالتقييد في أصل حجّية شهادة الأصم.
۶ ← قضاء الأصم اختلف الفقهاء في قضاء الأصم، وأنّه هل يشترط السمع في القاضي أم لا؟ ذهب فريقٌ إلى عدم الاشتراط وأنفذوا قضاء الأصم، [۱۲۴][۱۲۵][۱۲۶] مستدلّين على ذلك بالأصل و العمومات ، وأنّه حيث كان عالماً عادلًا فإنّه لن يحكم إلّابعد علمه بالحال. [۱۲۷] فيما ذهب فريقٌ آخر إلى الاشتراط، فقالوا بعدم انعقاد قضاء الأصم.
واستدلّ له بأنّه لولاه لتعذّر القضاء، وأنّ الإطلاقات منصرفة عن الأصمّ. [۱۲۸] إلّاإذا توقّف القضاء عليه فإنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الاشتراط. [۱۲۹] ويبدو من فخر المحقّقين أنّه يحاول إيجاد مصالحة جامعة بين مبررات الفريقين حيث قال: «الأصمّ إذا امتنع سماعه لم يصحّ توليته إجماعاً؛ لامتناع سماع البيّنات و الإقرارات و الأيمان . وأمّا إن أمكن سماعه بمسمع أو قوّة صوت ففيه خلاف، قيل بالمنع؛ لأنّ فيه تضييع حقّ المسلمين ، والأصح الجواز كقضاء من لا يعلم اللغة ويحتاج إلى المترجم ». [۱۳۰] وحيث انفتح الحديث عن الاستعانة بالمسمع، تحدّث الفقهاء عن اشتراط التعدّد فيه بين قائل به، [۱۳۱][۱۳۲][۱۳۳][۱۳۴] ونافٍ له، [۱۳۵] على تفصيل في محلّه.
← تقدير درجة الصمم ذكر الفقهاء في معرفة مقدار الجناية بالصمم طريقاً لمعرفة ذلك، وهو قياس الاذن إحداهما بالاخرى، بأن تطلق الاذن الصحيحة وتسدّ الناقصة سدّاً شديداً ويصاح به أو يضرب بجرس ونحوه حيال وجهه ويتباعد عنه حتى يقول: لا أسمع، فتجعل علامة على ذلك المكان ، ثمّ يعاد عليه ذلك مرّة ثانية من جهة اخرى، فإن تساوت المسافتان صدّق، ثمّ تسدّ الصحيحة وتطلق الناقصة، ويعتبر بالصوت تباعداً عنه حتى يقول: لا أسمع ثمّ يكرّر عليه الاعتبار ، فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدّق، وتمسح حينئذٍ مسافة الصحيحة ومسافة الناقصة، ويطالبه بتفاوت ما بين المسافتين، فإن كانت المسافة في الناقصة نصف المسافة في الصحيحة وجب نصف الدية، وإن كانت ثلثاً فثلث، وهكذا الحساب في الدية. [۱۴۷][۱۴۸][۱۴۹] وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام اعتبار الصوت من جوانبه الأربعة، وهي: في رجل وُجئ في اذنه فادّعى أنّ إحدى اذنيه نقص من سمعها شيئاً، فقال: «تسدّ التي ضربت سدّاً شديداً ويفتح الصحيحة فيضرب بها بالجرس ويقال له: اسمع، فإذا خفي عليه الصوت علّم مكانه، ثمّ يضرب له من خلفه ويقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علّم مكانه، ثمّ يقاس ما بينهما، فإن كان سواء علم أنّه قد صدق، ثمّ يؤخذ به عن يمينه فيضرب به حتى يخفى عليه الصوت ثمّ يعلّم مكانه، ثمّ يؤخذ به عن يساره فيضرب به حتى يخفى عنه الصوت ثمّ يعلّم مكانه، ثمّ يقاس ما بينهما فإن كان سواءً علم أنّه قد صدق»، قال: «ثمّ تفتح اذنه المعتلّة ويسدّ الاخرى سدّاً جيّداً ثمّ يضرب بالجرس من قدّامه، ثمّ يعلّم حيث يخفى عليه الصوت يصنع به كما صنع به أوّل مرّة باذنه الصحيحة، ثمّ يقاس فضل ما بين الصحيحة والمعتلّة بحساب ذلك». [۱۵۰] واعتبر العلّامة الحلّي هذه الكيفية ؛ [۱۵۱] لأنّها أظهر و أحوط . [۱۵۲] وفي الجواهر: «لا ريب في أنّ ذلك أشدّ في الاستظهار ، لكنّه غير لازم». [۱۵۳] ولعلّه فهم منها مجرّد الطريقية لتحديد مقدار السمع قوّةً وضعفاً، وبناءً عليه فيكون المرجع أيّ وسيلة علمية موثوقة تحدّد بما هو الأقرب إلى الواقع مقدار درجة الصمم.