الإهمال - ویکی فقه 


الإهمال


هو التسامح و التفريط في حفظ الشيء و تركه عمدا أو نسيانا .


الإهمال في اللغة [تعديل]

هو الترك ، يقال: أهمل الشي‏ء ، إذا تركه عن عمد أو نسيان . [۱]
ومنه: الكلام المهمل، وهو خلاف المستعمل ، [۲] وهو ما لا معنى له في اللغة التي هو مهمل فيها. [۳]

الإهمال في الاصطلاح [تعديل]

ولا يتجاوز استعمال الفقهاء المعنى اللغوي، وهم يستعملونه بمعنى التفريط كالإهمال في حفظ الوديعة و الأمانة ، بحيث يعدّ الودعيّ عند العرف مضيّعاً و متسامحاً ، كما إذا وضعها في محلّ ليس حرزاً ولم يراقبها، وقد يعبّرون عنه أحياناً بالتقصير في حفظ الأمانة. [۴] [۵]
ويستعمله الاصوليون أيضاً بمعنى عدم البيان فيما يمكن فيه ذلك على تفصيل يأتي.
كما يستعمله المتكلّمون في بيان أنّ صاحب الشرع لا يهمل امّته بحيث يجعلها بلا وليّ يرعاها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لهذا تعيّن نصب الإمام بالتنصيص .

الألفاظ ذات الصلة [تعديل]


← الإجمال
وهو مصدر أجمل، ومن معانيه في اللغة: جمع الشي‏ء من غير تفصيل. [۶] ويراد به عند الفقهاء والاصوليّين بيان الحكم ناقصاً أو مبهماً ، فالفرق بينهما أنّ الإجمال بيان ناقص أو مبهم مردّد ، والإهمال عدم البيان أصلًا .
ومن ذلك تعرف النسبة بين الإجمال والإهمال والبيان.

الحكم الإجمالي ومواطن البحث [تعديل]

يختلف حكم الإهمال باختلاف موارده، وبحسب ما يضاف إليه، فيكون متعلّقاً لحكم تكليفي في مورد، ووضعي في آخر، فلا يجوز لأحد الإهمال في‏ الإتيان بالواجبات؛ بمعنى حرمة ذلك وترتّب العقوبة عليه، وكذا لا يجوز إهمال المهر في عقد المتعة بمعنى بطلان العقد ، وغير ذلك ممّا يتّضح من ملاحظة الموارد، وسوف نقتصر هنا على ذكر بعضها مع حكم كلّ مورد إجمالًا و إحالته إلى محلّه المناسب ، وهي:

← الإهمال في التكاليف الشرعية
لا يجوز لأحد الإهمال في الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، فإنّه حرام وتترتّب عليه العقوبة، ومن ذلك عدم جواز إهمال الحجّ بمعنى التسويف في إتيانه إذا اجتمعت شرائط الاستطاعة ، بل لا خلاف في وجوبه فوراً، [۷] [۸] بل قيل: إنّه متّفق عليه؛ [۹] مؤيّداً ذلك بالأخبار التي دلّت على نهي المستطيع عن الحجّ نيابة . [۱۰]
وعليه فلو وجب عليه الحجّ وتنجّز التكليف وأهمل حتى فاته الحجّ وجب عليه في القابل ؛ لأنّ الإهمال و التفويت العمدي يوجبان الاستقرار . [۱۱]
وكذا لا يستحسن بالمؤمن أن يكون مهملًا في اموره وقضاياه بحيث لا يبالي بما حوله أو بنفسه حتى لو لم يكن المورد من الواجبات الشرعية والتكاليف الإلهية الإلزامية .
ولا يجوز لأحد إهمال العمل بقوانين ومقرّرات وتعليمات الدولة الإسلامية؛ [۱۲] لأنّ الحكومة إذا كانت إسلامية وشرعية كانت إطاعتها واجبة شرعاً بمقتضى أدلّة إطاعة اولي الأمر .

← الضمان بالإهمال
الإهمال بمعنى التسامح و التهاون ، و التفريط المؤدّي إلى تلف المال أو النفس يوجب الضمان ، وله موارد كثيرة، منها:
أ- الإهمال في الأمانات يوجب الضمان، فلو استودع مختاراً وجب عليه حفظ الوديعة و ردّها إلى صاحبها مع الطلب و إمكان الدفع، فلو أهمل حينئذٍ ضمن؛ [۱۳] [۱۴] [۱۵] لأنّ الإهمال مع التمكّن من‏ الحفظ و الردّ تفريط و تقصير موجب للضمان، [۱۶] [۱۷] من هنا وجب على من حضرته الوفاة الوصيّة بما عنده من الوديعة، فإن أهمل ضمن، إلّاأن يموت فجأة. [۱۸] [۱۹]
واستثني من ذلك إهمال المجنون و الطفل ، فإنّهما لا يضمنان بذلك؛ لأنّ المودّع لهما متلف ماله بنفسه، والضمان بالإهمال إنّما يثبت حيث يجب الحفظ، و الوجوب لا يتعلّق بهما. [۲۰] [۲۱] [۲۲]
والتفصيل في محلّه.
ب- إهمال المالك حفظ دابّته الصائلة- كالبعير المغتلم و الكلب العقور - يوجب ضمان جنايتها . [۲۳] [۲۴] [۲۵]
والتفصيل في محلّه.
ج- إهمال المزارع بعد عقد المزارعة الزراعة حتى خرجت المدّة يوجب اجرة مثل الأرض التي زارع عليها؛ لأنّه فوّت على المالك منفعتها فيضمنها. [۲۶] [۲۷]

← إهمال الأرض التي أحياها
لو أهمل الأرض بعد تحجيرها وإحيائها- بمعنى عطّلها- أجبره الإمام إمّا على الإحياء، وإمّا على التخلية بينها وبين غيره، ولو امتنع أخرجها السلطان من يده؛ لئلّا يعطّلها. نعم، إن ذكر عذراً في التأخير - كإصلاح آلاته أو غيبة العمّال ونحوه- أمهله الإمام بمقدار ما يزول معه العذر . [۲۸] [۲۹] [۳۰] [۳۱] [۳۲]
والتفصيل في محلّه.

← إهمال المهر والأجل في عقد المتعة
يشترط في عقد المتعة ذكر المهر و الأجل ، فلو أخلّ بالمهر وأهمل بطل العقد إجماعاً ، [۳۳] [۳۴] [۳۵] ولو أهمل الأجل‏ ففي اقتضائه الدوام أو بطلان العقد أقوال [۳۶] [۳۷] [۳۸] تأتي في محلّها.

← الإهمال في أداء الشهادة واليمين
يعتبر في الشهادة الدلالة الواضحة مع وحدة الواقعة المشهود بها، فلو شهدا من دون تعيين ذلك لم تتحقّق البيّنة . [۳۹]
وكذا في القسامة وهي حلف المدّعي وقومه خمسين يميناً، فإن أهمل بعضهم في بعض الأيمان لم يثبت الحكم على المدّعى عليه حتى يعيد اليمين . [۴۰]

الإهمال عند الاصوليين [تعديل]

تعرّض الاصوليّون للإهمال في بحثين نشير إليهما إجمالًا فيما يلي:

← الإهمال في البيان
ذكر الاصوليّون أنّ المتكلّم إذا استعمل لفظاً موضوعاً لغة لذات الطبيعة المهملة المحفوظة في المطلق والمقيّد- كما في أسماء الأجناس حيث إنّ استعمالها في المقيّد ليس مجازاً، بل استعمال في الطبيعة أيضاً، وإنّما افيد قيدها بدالّ آخر، وهو المعبّر عنه عندهم بطريقة تعدّد الدالّ‏ والمدلول- ولم يذكر ما يدلّ على التقييد ، وكان في مقام البيان لا الإهمال من ناحية ذلك القيد، انعقد الإطلاق للكلام. وعلى هذا اشترطوا في دلالة المطلق على انتفاء القيد أن يكون المتكلّم به في مقام البيان من ناحية ذلك القيد، وذكروا أنّ القاعدة والأصل يقتضيان كونه في مقام البيان دون الإهمال، وقد فسّره بعضهم بظهور حال المتكلّم في أنّه في مقام البيان. [۴۱]
وقد يفصّل بين كون المتكلّم في مقام البيان بمعنى ما يقابل الإهمال المطلق؛ لأنّ الأصل في الكلام عندما يصدر من المتكلّم أن يكون لبيان أمرٍ ما، فلا يعقل الإهمال المطلق في حقّه إلّامع قرينة ، وبين كونه في مقام البيان من تمام الجهات بعد الفراغ عن كونه في مقام البيان في الجملة مقابل الإهمال المطلق، وهذا ممّا لا يحرز وجود أصل عقلائي فيه.
كما ذكروا أنّ الإهمال ثبوتاً بالنسبة إلى قيود الحكم الشرعي موضوعاً أو محمولًا غير معقول؛ لأنّ الحاكم الجاعل لحكمه لا محالة إمّا يجعله على الطبيعة مطلقاً أو مقيّداً.
فالإهمال إنّما يكون دائماً بلحاظ عالم الإثبات و الدلالة ؛ إذ قد لا يكون المتكلّم في مقام البيان، أو يكون اللفظ مجملًا أو مردّداً بين المطلق والمقيّد. [۴۲] [۴۳] [۴۴] [۴۵]
وتفصيل ذلك في محلّه من علم الاصول.

← الإهمال في الأحكام العقلية
أمّا البحث الثاني المرتبط بالحكم العقلي فقد أرادوا بالإهمال فيه الشكّ والتردّد، حيث اختلفوا في إمكان الشكّ في الحكم العقلي بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية ؛ لأنّ حكم العقل لا يكون إلّا جزمياً ، وقد ذكر في وجه ذلك أنّ أحكام العقل العملي منوطة بالعلم بها صغرى وكبرى.
وفرّع على ذلك التفصيل في جريان الاستصحاب بين الأحكام الشرعية المستكشفة بالدليل الشرعي و المستكشفة بحكم العقل، فإنّ النوع الثاني حيث إنّه مستكشف بقانون الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل، فمع عدم الشكّ في حكم العقل لا شكّ في الحكم الشرعي أيضاً، فلا يجري الاستصحاب؛ لانتفاء موضوعه، وهو الشكّ في البقاء . [۴۶] [۴۷] [۴۸] [۴۹] [۵۰]
قال الشيخ الأنصاري في مبحث الاستصحاب ما خلاصته: إنّ الأحكام العقلية لا يتطرّق الإهمال والإجمال فيها، فإنّ العقل لا يستقلّ بقبح شي‏ء أو حسنه إلّا بعد الالتفات إلى الموضوع بجميع ما يعتبر فيه من القيود و الخصوصيّات ، فكلّ قيد اعتبره العقل في حكمه فلابدّ وأن يكون له دخل في الموضوع، ومعه لا يمكن الشكّ في بقاء الحكم العقلي وما يستتبعه من الحكم الشرعي- بقاعدة الملازمة - مع بقاء الموضوع و اتّحاد القضية المشكوكة و المتيقّنة . [۵۱]
واعترض عليه بأنّ حكم العقل على‏ قسمين : الأوّل أن يحكم على نحو القضية الشرطية ذات المفهوم ، بأن يحكم بثبوت الحكم للموضوع مع وجود القيد وبعدمه مع انتفاء القيد.
والثاني أن يحكم لموضوع من باب القدر المتيقّن فليس له مفهوم حينئذٍ، فيحكم بثبوت حكم لموضوع مع اجتماع قيوده، ولا يحكم بعدم الحكم مع انتفاء أحدها؛ لاحتمال بقاء الملاك فلا إهمال في حكم العقل حسب مقام الإثبات لإدراكه وجود الملاك ، وإنّما الإهمال بحسب مقام الثبوت لعدم إحاطة العقل بجميع ما له دخل في الحكم. [۵۲]
وأجاب السيّد الخوئي عن ذلك بأنّه لو أراد الشيخ الأنصاري حكم العقل بوجود الملاك كان إيراد الميرزا النائيني عليه في محلّه ؛ لإمكان أن يحكم العقل بوجود الملاك من باب القدر المتيقّن، فبعد انتفاء أحد القيود لا يحكم العقل بانتفاء الحكم؛ لاحتمال أنّ الملاك ما زال باقياً ، إلّاأنّ هذا مجرّد فرض لم يُعثر له على موردٍ خارجي، بعد كون التحقيق عدم إدراك العقل لملاكات الأحكام الشرعية، وأنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول.
أمّا إذا كان مراد الشيخ الأنصاري من الحكم العقلي المستكشف به الحكم الشرعي حكمه بالحسن أو القبح ، فلا يرد إشكال الميرزا النائيني عليه؛ لأنّ حكم العقل بالحسن أو القبح لا يمكن أن يكون مهملًا، فإنّ العقل لا يحكم بحسن شي‏ء إلّا مع تشخيصه بجميع قيوده، وكذلك القبح . [۵۳]
وتفصيله في محلّه من علم الاصول.

المراجع [تعديل]

۱. المصباح المنير، ج۱، ص۶۴۱.
۲. تاج العروس، ج۸، ص۱۷۴.
۳. معجم الفروق اللغوية، ج۱، ص۵۲۲.    
۴. هداية العباد، ج۲، ص۱۹.
۵. هداية العباد، ج۲، ص۵۶.
۶. المصباح المنير، ج۱، ص۱۱۰.
۷. العروة الوثقى، ج۴، ص۳۴۳، م ۱.    
۸. معتمد العروة (الحجّ)، ج۱، ص۱۶.
۹. جواهر الكلام، ج۱۷، ص۲۲۳.    
۱۰. الوسائل، ج۱۱، ص۱۷۲، ب ۵ من النيابة في الحجّ‏.    
۱۱. معتمد العروة (الحج)، ج۱، ص۲۱.
۱۲. أجوبة الاستفتاءات، ج۲، ص۳۳۴.   
۱۳. الشرائع، ج۲، ص۱۶۳.
۱۴. القواعد، ج۲، ص۱۹۶.    
۱۵. اللمعة، ج۱، ص۱۴۷.   
۱۶. الزكاة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۶۷.   
۱۷. الروضة، ج۴، ص۲۴۳.    
۱۸. القواعد، ج۲، ص۱۸۵.    
۱۹. التحرير، ج۳، ص۲۰۰.   
۲۰. الشرائع، ج۲، ص۱۶۴.
۲۱. الرياض، ج۹، ص۱۵۳.    
۲۲. جواهر الكلام، ج۲۷، ص۱۱۶.    
۲۳. الشرائع، ج۴، ص۲۵۶.
۲۴. الإرشاد، ج۲، ص۲۲۶.    
۲۵. القواعد، ج۳، ص۶۵۷.   
۲۶. الإرشاد، ج۱، ص۴۲۷.
۲۷. مجمع الفائدة، ج۱۰، ص۱۰۵.   
۲۸. الشرائع، ج۳، ص۲۷۸.
۲۹. القواعد، ج۲، ص۲۶۹.    
۳۰. القواعد، ج۲، ص۲۷۲.   
۳۱. الدروس، ج۳، ص۵۶.    
۳۲. جواهر الكلام، ج۳۸، ص۵۹.    
۳۳. المختلف، ج۷، ص۲۲۷.
۳۴. فقه الصادق، ج۲۲، ص۱۷.    
۳۵. فقه الصادق، ج۲۲، ص۲۱.    
۳۶. المختلف، ج۷، ص۲۲۷.
۳۷. نهاية المرام، ج۱، ص۲۴۳- ۲۴۵.   
۳۸. الحدائق، ج۲۴، ص۱۴۶.    
۳۹. بحوث في شرح العروة، ج۴، ص۱۱۰.
۴۰. القواعد، ج۳، ص۶۱۹.    
۴۱. فوائد الاصول، ج۲، ص۵۷۴.    
۴۲. فوائد الاصول، ج۱، ص۱۵۸- ۱۵۹.   
۴۳. فوائد الاصول، ج۲، ص۴۳۳.    
۴۴. المحاضرات، ج۳، ص۱۱۴.   
۴۵. المحاضرات، ج۳، ص۱۵۶.    
۴۶. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۲۱- ۳۲۲.   
۴۷. فوائد الاصول، ج۴، ص۳۲۰- ۳۲۱.    
۴۸. فوائد الاصول، ج۴، ص۴۵۰.   
۴۹. نهاية الأفكار، ج۲، ص۱۷۶.    
۵۰. حقائق الاصول، ج۲، ص۱۸۹- ۱۹۰.    
۵۱. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۳، ص۳۷- ۳۹.   
۵۲. فوائد الاصول، ج۴، ص۳۲۱- ۳۲۲.   
۵۳. مصباح الاصول، ج۳، ص۳۴- ۳۵.    


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۹۳-۱۹۸.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار