الإبهام - ویکی فقه 


الإبهام


هو كون الشيء غير واضح.


الإبهام في الغة [تعديل]

قال ابن فارس: «الباء والهاء والميم: أن يبقى الشي‏ء لا يُعرَف المأتي إليه. يقال:
هذا أمر مبهم، ومنه البُهْمة: الصخرة التي لا خرق فيها... ومنه البهيم: اللون الذي لا يخالطه غيره سواداً كان أو غيره» [۱] .
وقيل لكلّ ما يصعب على الحاسّة إدراكه إن كان محسوساً، وعلى الفهم إن كان معقولًا: مُبهَم... وأبهمت الباب:
أغلقته إغلاقاً لا يُهتدى لفتحه [۲] .
وطريق مبهم إذا كان خفيّاً لا يستبين [۳] . وفي حديث عليّ عليه السلام: كان إذا نزل به إحدى المبهمات كشفها: يريد مسألة معضلة مشكلة. سمّيت مبهمة؛ لأنّها ابهمت عن البيان فلم يُجعل عليها دليل، ومنه البهائم [۴] .
والإبهام من الأصابع: العظمى، معروفة مؤنّثة، وقد تكون في اليد والقدم [۵] ، وقيل للإبهام الإصبع إبهام؛ لأنّها تُبهِم الكفّ أي تُطبق عليها [۶] . وهي الاصبع الكبرى التي تلي المسبّحة... ولها مفصلان [۷] .

الإبهام في الاصطلاح [تعديل]

لقد اتّضح أنّ للابهام معنيين، هما: ۱- الغموض. ۲- الاصبع الكبرى. والفقهاء لم يتجاوزوا أحد المعنيين في استعمالاتهم.
نعم ثمّة اصطلاح لدى فقهاء أهل السنّة حيث يسمّون التحريم المؤبّد بالتحريم المبهم، فيقال للمرأة التي لا يحلّ نكاحها لرجل: هي مبهمة عليه كمرضعته، ومنه قول الشافعي: لو تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل الدخول لم تحلّ له امّها؛ لأنّها مبهمة وحلّت له بنتُها. وهذا التحريم يسمّى المبهم؛ لأنّه لا يحلّ بحال [۸] [۹] .
لكن هذا الاصطلاح ليس متداولًا في كتب الإماميّة.

الحكم الإجمالي ومواطن البحث [تعديل]

بما أنّ للابهام معاني مختلفة فلا بدّ من فرزها كلًاّ على حدة:
أ- الإبهام بمعنى الغموض: الإبهام بمعنى الغموض وعدم الوضوح يتعلّق به أحكام وبحوث متنوعة في الفقه واصوله، نشير إلى جملة منها ومواطنها:
۱- الإبهام في الأدلّة: الدليل على الحكم الشرعي قد يكون واضح الدلالة فيسمّى في علم الاصول بالمبيّن، وقد تكون دلالته غامضة فيسمّى بالمجمل أو المبهم.
وهذا الإبهام قد يكون في أصل المعنى، وقد يكون في حدوده وسعته وضيقه، كما انّه على كلّ من التقديرين قد يكون الغموض والإبهام في المعنى اللغوي والمدلول التصوري للّفظ، وقد يكون في المعنى الاستعمالي أو المدلول الجدّي للمتكلّم في مقام الاستعمال والمحاورة.
وكما انّ الإبهام والإجمال قد يكون في المفهوم ويسمّى الشبهة المفهومية، وقد يكون في المصداق أيضاً ويسمّى الشبهة المصداقية، كما انّه قد يكون في العامّ أو المطلق بلحاظ نفسه، وقد يكون فيهما بلحاظ مخصّصه ومقيّده، ولكلّ قسم من هذه الأقسام أحكام وآثار، ولكيفيّة رفعه طرق، كما انّ فيها بحوثاً ومسائل تطلب من محلّها في المصطلحات الاصولية.
۲- الإبهام في العلم: العلم قد يتعلّق بعنوان متعيّن في الخارج فيسمّى في علم الاصول بالعلم التفصيلي، وقد يتعلّق بعنوان مردّد مصداقه في الخارج بين فردين أو أكثر فيسمّى بالعلم الإجمالي أو العلم المردّد، كما إذا اشتبه البلل الخارج بين البول والمنيّ فيعلم إجمالًا بأحدهما وبحصول الجنابة أو الحدث الأصغر [۱۰] .
وقد انفتح علم الاصول لدى فقهائنا على بحوث جليلة وهامّة حول العلم الإجمالي وفرقه عن العلم التفصيلي ومعنى الإجمال والإبهام فيه وانّه هل يتعلّق بالواقع أو بالجامع وعن مدى منجّزيته وحرمة مخالفته القطعية ووجوب موافقته القطعية وأقسام العلم الإجمالي بالتكليف وأنواعها ومدى جريان الاصول العملية الترخيصية الشرعية أو العقلية في أطرافها والتعارض بين أدلّة الاصول فيها وانحلال العلم الإجمالي الحقيقي أو الحكمي. إلى غير ذلك من امّهات مباحث العلم الإجمالي في علم الاصول، ويطلب تفصيلها من محالّها [۱۱] . [۱۲] [۱۳]
۳- العناوين المبهمة: يقسّم علماء الاصول العناوين إلى ذاتية منطبعة في الذهن عن الواقع الخارجي كعنوان الإنسان والحيوان وعناوين مبهمة يخترعها الذهن لمجرّد الإشارة بها إلى ما في خارج الذهن كعنوان أحدهما أو الفرد المردّد أو هذا أو ذاك، وقد سمّيت بالعناوين الانتزاعية أو الاختراعية للذهن [۱۴] [۱۵] .
وقد بحث الاصوليون مواطن الحاجة إلى استخدام هذه العناوين كما في باب الوضع العام والموضوع له الخاص وباب الواجبات التخييرية ومتعلّق العلم الإجمالي والدوران بين التعيين والتخيير، كما بحثوا عن حقيقة هذه العناوين وتحليلها وإمكان الفرد المردّد مفهوماً أو مصداقاً واستحالته، في مواطن متفرّقة من بحوث (الوضع) و(الواجب التخييري) و(العلم الإجمالي) وغيرها في علم الاصول، فراجع.
۴- الإبهام في عالم الثبوت: بحث علماء الاصول أيضاً بمناسبة البحث عن الاطلاق ومقدّمات الحكمة عن قاعدة سمّوها باستحالة الإبهام في عالم الثبوت، قاصدين بذلك انّ مراد المتكلّم ثبوتاً لا يمكن أن يكون مبهماً بل إمّا مطلق أو مقيّد. وتفصيله في مصطلح الإطلاق والتقييد من علم الاصول.
۵- الإبهام في متعلّق العقود أو الايقاعات: يشترط الفقهاء عادة في العقود والإيقاعات تعيين متعلّقاتها وأركانها وعدم الابهام فيها وإلّا كانت باطلة، فلو باع أحد الدارين أو تزوّج أو طلّق إحدى المرأتين من دون تعيين بطل العقد والايقاع [۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹] .
وإنّما يحكم بالبطلان إذا كان الإبهام في الأركان، وأمّا إذا كان الإبهام فيما لا يكون ركناً للعقد أو الايقاع كإبهام الصداق في النكاح فلا موجب للبطلان [۲۰] [۲۱] [۲۲] .
ومانعية الإبهام عن صحّة العقد أو الايقاع قد تكون على أساس محذور ثبوتي وهو استحالة تحقّق العنوان المبهم عقلًا، وقد تكون على أساس محذور إثباتي وهو ما دلّ على اشتراط العلم ومانعية الجهل والغرر فيها شرعاً. كما في بيع اللبن في الضرع. وتفصيل ذلك يطلب في محالّها من عناوين المعاملات [۲۳] [۲۴] [۲۵] .
۶- الإبهام في العبادات: يشترط في العبادة النيّة وقصد العبادة وقصد أمرها والتقرّب بها إلى اللَّه عزّ وجلّ.
وقد وقع البحث في أبواب العبادات عن كيفيّة القصد والنيّة في موارد الإبهام وعدم العلم بأصل العبادة وكيفيتها أو أمرها أو صفتها من حيث الوجوب والاستحباب أو غير ذلك من أنحاء الإبهام وعدم التمييز للعبادة المأمور بها.
ودارت بحوث اصولية وفقهية متنوعة حول ذلك كالبحث الاصولي عن كفاية الامتثال والقصد الإجمالي في العبادة مطلقاً أو في صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلي، كما بحث فقهياً في أصل لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادة في مقام الامتثال، كما بحثوا عن مانعية قصد الوجوب أو الجزئية عند الإبهام وعدم العلم بهما عن صحّة العبادة. إلى غير ذلك من الأبحاث المرتبطة بموارد الإبهام والإجمال في أبواب العبادات تطلب في عناوينها.
۷- استخراج المبهم بالقرعة: ورد في الفقه انّ القرعة لكلّ أمر مبهم أو مشكل، فيرفع الإبهام والتحيّر فيه بالقرعة [۲۶] [۲۷] ، وقد وقع البحث عن مدى حجّية القرعة في موارد الإبهام والاشتباه وحدوده.
۸- رؤية المرأة دماً مبهماً: ومن البحوث الفقهية المرتبطة بالإبهام ما يتعرّض له الفقهاء في الدماء الثلاثة الحيض والاستحاضة والنفاس من حكم الدم المبهم الذي تراه المرأة وحكمها من حيث كونه حيضاً أو استحاضة، وقد اشتهرت قاعدة فقهية في هذه المسألة سمّيت بقاعدة الإمكان مؤدّاها: أن كلّ دم تراه المرأة بالصفات وأمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» [۲۸] .
۹- جواز غيبة المبهم: ومما يرتبط بالإبهام فقهياً عدم حرمة الغيبة إذا كان المغتاب مبهماً غير معيّن لدى السامع [۲۹] [۳۰] .
۱۰- التشبيب بالمرأة المبهمة: ترتفع حرمة التشبيب بالمرأة مع إبهامها [۳۱] .
ب- الابهام بمعنى الاصبع الكبرى: والابهام بهذا المعنى الآخر أيضاً يقع‏ موضوعاً لأحكام فقهية في أبواب متعدّدة، نشير فيما يلي إلى أهمّها:
۱- الاستبراء بالإبهام.
۲- دلك الأسنان بالإبهام- إدارة الإبهام في الفم- عند الوضوء [۳۲] .
۳- استحباب ضمّ الأصابع وتفريق الإبهام في تكبيرة الإحرام [۳۳] [۳۴] .
۴- استحباب ضمّ الأصابع عدا الإبهام في القنوت [۳۵] .
۵- إبهاما الرجلين يعدّان من المساجد السبعة، فيجب وضعهما على الأرض في السجود [۳۶] ، ويجب مسحهما بالحنوط بعد الغسل [۳۷] .
۶- الأفضل وضع طرف إبهام الرِّجل اليمنى على الأرض عند التورّك في التشهّد [۳۸] .
۷- استحباب رمي الجمار بوضع الحصاة على باطن إبهامه ثمّ الخذف به [۳۹] .
۸- كفاية عتق العبد مقطوع الإبهام في الكفّارة [۴۰] .
۹- المشهور بين الفقهاء التسوية بين الإبهام وسائر الأصابع وبين أنامل الاصبع الواحدة في الديات، لكن بعض الروايات فرّقت بين الإبهام وسائر الأصابع في ذلك، وأفتى بعض الفقهاء بموجبها أو نقل ذلك في كتابه.
وفيما يلي الإشارة إجمالًا إلى بعض موارد الخلاف تاركين التفصيل إلى محله.
۱- دية فك أنملة الإبهام قيل: إنّ مقدارها عشرة دنانير، وفي فك المفصل الثاني منها نصف دية فك الكف.
۲- دية كسر أنملة الإبهام قيل: إنّ فيها ثلث دية كسر الكف وفي كسر الأنملة الثانية منها نصف دية كسرها [۴۱] . ونقل‏ عن كتاب ظريف: في كسر قصبة الإبهام خُمس دية الإبهام إن جبرت من غير عثم ولا عيب، وفي كسر المفصل الأعلى منها ستة عشر ديناراً وثلثا دينار إن انجبرت كذلك [۴۲] [۴۳] .
والمشهور أنّ كسر عظم كل عضو لقطعه مقدّر خمس دية ذلك العضو، فإن جبر على غير عثم ولا عيب فأربعة أخماس دية كسره [۴۴] .
۳- دية ظفر إبهام اليد إذا لم ينبت أو نبت أسود معيباً عشرة دنانير وفي أظفار الأصابع الباقية منها خمسة، ودية ظفر إبهام الرجل ثلاثون ديناراً وفي أظفار باقي أصابعها في كل منها عشرة. وأمّا إذا نبت غير معيب فالنصف من ذلك [۴۵] [۴۶] ، والمشهور أنّ الظفر إن لم ينبت أو نبت أسود فيه عشرة دنانير، وإن نبت أبيض فخمس، بلا فرق بين ظفر الإبهام وغيره [۴۷] [۴۸] .
۴- دية قطع الإبهام عشر الدية الكاملة عند المشهور، وخالف بعض الفقهاء فذهب‏
إلى أنّ فيه ثلث دية اليد الواحدة وفي الأربعة الباقية الثلثان، وذهب بعض آخر إلى التفصيل بين دية إبهام الرجل فكالمشهور ودية إبهام اليد فثلث الدية [۴۹] .
۱۰- تقدير الدم المعفوّ عنه في الصلاة بعقدة الإبهام العليا [۵۰] .
۱۱- تقدير حدّ الوجه في الوضوء بما دارت عليه الإبهام والوسطى [۵۱].

المراجع [تعديل]

۱. معجم مقاييس اللغة، ج۱، ص۳۱۱.
۲. المفردات، ص۱۴۹.   
۳. تهذيب اللغة، ج۶، ص۳۳۷.
۴. ابن الأثير، النهاية، ج۱، ص۱۶۸.
۵. لسان العرب، ج۱، ص۵۲۶.   
۶. تهذيب اللغة، ج۶، ص۳۳۷.
۷. تهذيب اللغة، ج۶، ص۳۳۹.
۸. الشافعي، الامّ، ج۵، ص۲۶.
۹. المصباح المنير، ج۱، ص۶۴.
۱۰. التنقيح في شرح العروة، الطهارة، ج۳، ص۴۴۳- ۴۴۶.   
۱۱. فرائد الاصول، ج۱، ص۶۹.   
۱۲. فرائد الاصول، ج۱، ص۱۰۲.   
۱۳. فرائد الاصول، ج۲، ص۱۹۵.   
۱۴. تنقيح الأصول، ص۲۶۵.   
۱۵. المحاضرات، ج۱، ص۶۹.
۱۶. القواعد، ج۲، ص۳۹۰، ۳: ۳۰۰.   
۱۷. القواعد، ج۳، ص۳۰۰.   
۱۸. الإرشاد، ج۱، ص۴۰۳.   
۱۹. الدروس، ج۳، ص۲۵۴.   
۲۰. الإيضاح، ج۲، ص۲۰۴.   
۲۱. نهاية المرام، ج۱، ص۳۶۶، ۳۷۳.   
۲۲. جامع المدارك، ج۴، ص۵۸۵.   
۲۳. المبسوط، ج۲، ص۱۵۸.   
۲۴. الشرائع، ج۲، ص۲۷۳.   
۲۵. القواعد، ج۲، ص۲۵.   
۲۶. القواعد والفوائد، ج۲، ص۱۸۳.   
۲۷. العناوين الفقهية، ج۱، ص۳۴۰.   
۲۸. المبسوط، ج۱، ص۴۸.   
۲۹. المكاسب، تراث الشيخ الأعظم، ج۱، ص۳۳۲.   
۳۰. الخميني، المكاسب المحرّمة، ج۱، ص۲۷۳.   
۳۱. المبسوط، ج۸، ص۲۲۸.   
۳۲. الألفية، ص۹۳.   
۳۳. نهاية الإحكام، ج۱، ص۴۵۷.   
۳۴. جواهر الكلام، ج۹، ص۲۳۶- ۲۳۷.   
۳۵. جواهر الكلام، ج۱۰، ص۳۶۸.   
۳۶. جواهر الكلام، ج۱۰، ص۱۴۰.   
۳۷. جواهر الكلام، ج۴، ص۱۷۶.   
۳۸. نهاية الإحكام، ج۱، ص۵۰۱.   
۳۹. جواهر الكلام، ج۱۹، ص۱۰۹- ۱۱۰.   
۴۰. المبسوط، ج۵، ص۱۷۰.   
۴۱. الوسيلة، ص۴۵۳.   
۴۲. كشف اللثام، ج۱۱، ص۳۸۹.   
۴۳. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۲۸۳.   
۴۴. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۲۸۲.   
۴۵. المختلف ۹: ۳۹۴.   
۴۶. المهذب البارع ۵: ۳۳۹ .   
۴۷. كشف اللثام ۱۱: ۳۷۹- ۳۸۰.   
۴۸. جواهر الكلام، ج۴۳، ص۲۵۸- ۲۵۹.   
۴۹. كشف اللثام، ج۱۱، ص۳۷۵- ۳۷۶.   
۵۰. الروضة، ج۱، ص۳۰۱.   
۵۱. المعتبر، ج۱، ص۱۴۱.   


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۱۲۲.   





أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار