الإرث في الأمم السابقة - ویکی فقه 


الإرث في الأمم السابقة


الإرث من الامور الفطرية التي تدعو إليها طبيعة البشر لتنظيم حياتهم، فلذا عرفته الإنسانية منذ القدم، وتعرّضت له الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية قديماً وحديثاً، كلّ ذلك لتلبية النزعات الفطرية عند الإنسان من حبّه التملّك ، وحبّه أن يصل ما يملكه بعد موته إلى أولى الناس به، وقد مرّت عليه أطوار كان يختلف مصداق (أولى الناس به) برهة بعد برهة حتى وصل إلى الحالة العادلة التي نراها في الإسلام ، فلا تخلو امّة من الامم من نظام إرث يتماشى مع اصولها الفكرية و الاجتماعية   وظروفها المعيشية.


الإرث عند أقدم حضارات العالم [تعديل]

عثر على وثائق قانونية مكتوبة بالخطوط المسمارية من أقدم حضارات العالم في العراق ( السومريون و الآشوريون و البابليون ) تمثل قانون (اور- نموّ) وقانون (لبت- عشتار) و (آشنونا) وقانون (حمورابي) يتعرض فيه لنظام الإرث عندهم. [۱]
فكانوا يهتمّون بالاسرة ويحافظون عليها، فإذا مات أحد أفراد الأسرة غير ربّ الاسرة كان ربّ الاسرة أولى به ويرثه ويتصرّف بماله حسب ما يراه من المصلحة.
فإذا مات ربّ الاسرة فله أن يفضّل أحد أبنائه على الباقين بنصيب إضافي يثبته قبل موته بوثيقة قانونية ويشاركهم في بقية التركة بالتساوي.
ويبدو منهم أنّهم يفضّلون الأولاد الذكور بحظّ أوفر على الإناث ، والزوجة تشارك الأولاد ولها حظّ مساوي معهم. وإذا كان أحد أولاد الميّت لم يتزوّج بعد يضاف إلى حصّته ما يقابل المهر ليساوي بقيّة إخوته، وكذا إذا لم تتزوّج إحدى بناته فعلى إخوتها أن يقدّموا لها ما يعادل حصّتها ويزوّجوها حتى تتساوى مع بقية أخواتها.
وإذا اقترف الابن اثماً بحقّ والديه يقيم عليه الأب دعوى في القضاء ويطلب اعفاءه من حرمان الإرث ، فإذا تكرّر منه ذلك ثانية حرم من الإرث.

الإرث عند الرومان [تعديل]

وأمّا قدماء الرومان فكانوا يرون للُاسرة استقلالًا مدنيّاً فكانت تستقلّ في الأمر والنهي والجزاء والسياسة ونحو ذلك، وكلّ اسرة لها ممثل قوي في كيان الدولة يحتلّه ربّ الاسرة، ولربّ الاسرة ولاية مطلقة على أفراد وأموال الاسرة فلا يملك غيره من أفراد الاسرة إلّا بإذنه وإرادته، وجاء نظام الإرث عندهم قائماً على دعامتين:

← حفظ سلطة رب الاسرة
 فكان هو وارث الجميع، فإذا مات بعض أبناء البيت عمّا ملكه بإذنه فإنّ أولى الناس‏ به ربّ الاسرة؛ لأنّه مقتضى ربوبيّته المطلقة وملكه المطلق للبيت وأهله.
وإذا مات ربّ الاسرة يرثه أحد أبنائه أو اخوانه ممّن كان وارثاً لربوبيته، وأمّا غيره فإن أسّسوا بيوتاً جديدة كانوا أربابها، وإن بقوا في بيتهم القديم كانوا تحت قيمومة الربّ الجديد وولايته المطلقة.

← حفظ ثروة الاسرة
 وعليه تراهم يورثون أولاد الظهور دون أولاد البطون، ولا إرث لمن يستقل عن الاسرة من الأولاد أو عبد تحرّر عن سيّده، بينما يرث الابن غير المستقل والعبد الموصى إليه، والابن بالتبني؛ لأنّه لا زال تحت سلطة ربّ الاسرة.
وأمّا النساء كالزوجة والبنت و الأخت و الأم فلم يكن يرثن لئلّا ينتقل مال الاسرة بانتقالهنّ إلى اسرة اخرى بالزواج، فكانت المرأة لا ترث والدها ولا ولدها ولا أخاها ولا بعلها ولا غيرهم.
وطرأت إصلاحات على هذا النظام باتّخاذ القرابة قاعدة للميراث، فحصر الميراث في طبقات ثلاث لا يرث المتأخّر منها مع المتقدّم وهي الفروع والاصول ثمّ الحواشي.
والفروع كلّهم يرثون مع اختلاف درجاتهم، وأمّا الاصول والحواشي فالأقرب منهم يحجب الأبعد، ومن كان أقوى قرابة يحجب الأضعف، فإذا لم توجد قرابة قريبة فالبعيدة ترث، وكلّ طبقة أو درجة يرث ذكورها وإناثها بالتساوي، فإن انعدمت كلّ القرابات كانت تركته للإمام أو لبيت المال. وبقيت آثار هذا النظام واضحة في الدول الغربيّة الحديثة على الرغم من  إجراء إصلاحات عليه. [۲] [۳] [۴] [۵]

الإرث عند اليونان [تعديل]

أمّا قدماء اليونان فلاشتغالهم المستمر في الحروب واهتمامهم بمن يخلف الميّت ويسدّ مسدّه في الحروب والغزوات كانوا يعتبرون أموال الاسرة كجزء من الثروة العامة ورب العائلة المتصرّف بهذه الأموال‏ كوكيل عن الحكومة في إدارة الأموال، وهو مع ذلك لا ينافي أن يملك كلّ فرد من المجتمع شيئاً من هذا الملك العام اختصاصاً. [۶]
وكان للرجل حقّ اختيار من يخلفه في ماله ويقوم مقامه في رئاسة اسرته وأولاده، ولا بدّ أن يتماشى هذا الاستخلاف مع مصلحة الوطن وتوافقه القبيلة وترضى عنه، ولذلك إذا مات ربّ الاسرة يعيّن القضاء خلفه وفق وصيّة يوصي بها، بشرط أن يكون الوصي قادراً على تدبير شئون الاسرة وإدارة الأموال ودفع العدوان. وعلى أساس ذلك فلا مجال لتوريث المرأة والضعاف والصغار عندهم.
وأمّا الأب‏ عندهم فلم يكن له حقّ التصرّف في أمواله إلّا بعد مراعاة مصلحة الاسرة والوطن، وله أن يؤثر بعض أبنائه على بعض في الميراث وليس له أن يحرم أحداً منهم حرماناً تامّاً.
وإذا لم يكن له وصيّة فإنّ القانون يقضي بمساواة جميع أبنائه في الميراث، وإن لم يكن له أبناء فله أن يوصي بماله لمن يشاء حسب الضوابط العامّة.
وإذا مات ولم يوص ورثه إخوته، ثمّ أبناؤهم ثمّ أبناء أبنائهم ثمّ أعمامه ثمّ أخواله، فإن لم يكن من هؤلاء أحد بحثوا عن أرشد الذكور من أقرباء ربّ الاسرة لتوريثه، فإن لم يوجد فأحد الذكور من اسرة زوجة ربّ الاسرة فيعطونه الميراث، فيكون له كلّ ما لربّ الاسرة من وظائف وحقوق. [۷]

الإرث عند الفرس [تعديل]

وأمّا قدماء الفرس فكانوا يعتمدون نظام الاسرة وصيانة شرف النسب وحفظ أملاك الاسرة والمحافظة على التمسّك بديانة الآباء والأجداد ونظام الاقطاع وتعدّد الزوجات ونكاح المحارم وسيادة الزوجة الممتازة في البيت، فراعوا في نظام الإرث هذه الاسس.
فإذا مات ربّ الاسرة أخذ مكانه أرشد الأبناء، فإن لم يكن له ولد له هذه القدرة فالزوجة الممتازة فتتصرّف في التركة بما يناسب إدارة الاسرة والمحافظة عليها.
كما أنّهم يساوون بين الابن والبنت ما لم تتزوّج، فإذا تزوّجت لا ترث، فيحرمون بقيّة الزوجات والبنت المزوّجة، ويورثون الزوجة الكبيرة، والابن والدعي والبنت غير المزوّجة.
ومن موانع الإرث   عندهم خروج ربّ الاسرة عن دين آبائه، وعدم برّ الولد أباه كما يجب.

الإرث عند المصريين [تعديل]

وأمّا قدماء المصريّين فقد غلب على مجتمعهم المشاركة الاجتماعية في حراثة وزراعة وجني المحاصيل، فكانوا يعيشون شركاء في منافع الأرض ، وليس لهم حقّ في تلك الأراضي، والمالك الوحيد للأراضي هم الفراعنة.
فإذا مات عندهم ربّ الاسرة حلّ محلّه أكبر الذكور في الاسرة في إدارة زراعة الأرض و الانتفاع   بها، وأمّا بقيّة الأموال ممّا تركه ربّ الاسرة فجميع الأولاد ذكوراً وإناثاً فيها سواء عندهم، وكذا الزوج والزوجة يرث بعضهم بعضاً.
ولا يقف الميراث عندهم عند هذا الحدّ، بل تشترك في ذلك الاصول والحواشي من الإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات. نعم، كانوا لا يورثون الأبناء غير الشرعيّين.

الإرث عند اليهود [تعديل]

وأمّا اليهود فكانوا غالباً يعيشون في المجتمع كمجموعات متماسكة ويتّخذون من رءوس أموالهم الضخمة سلاحاً لتحقيق مصالحهم، فلذا كانوا يحرصون على جمع المال والمحافظة عليه من التشتّت، فنظام الإرث تحكّم للمالك عندهم، فإنّ الشخص له كامل الحرّية في ماله يتصرّف فيه كيف يشاء بطريق الهبة أو الوصية ، فله أن يحرم ذرّيته وأقاربه من الميراث، وله أن يوصي بماله كلّه لمن يشاء حتى لو كان أجنبيّاً، ولا ترث عندهم الإناث سواء كانت بنتاً أو زوجة أو اختاً، ولكنّهم يوجبون النفقة عليهنّ، فالزوج يرث الزوجة ولا عكس، ويوفّرون حصّة الولد الأكبر، فله حصّة اثنين من إخوته، ولا يفرّقون بين الأولاد من النكاح الصحيح وغير الصحيح، واليهودي يرث الوثنيّين وهم لا يرثونه، ويحرم من الإرث إذا ارتدّ عن دينه، وكذا من يضرب أباه أو امّه ضرباً دامياً لا يرثهما.

الإرث عند الأمم البدوية [تعديل]

وأمّا الامم الشرقيّة القديمة كالطورانيّين والكلدانيّين والآراميّين والسريانيّين والشاميّين والفينقيّين والعرب، فكانوا متقاربين في الطبائع والأخلاق، وطرق المعيشة، وكانوا رعاةً وبدويين، كثيري التنقل و الارتحال ، وكان مجتمعهم قبليّاً، كلّ قبيلة مستقلّة عن بقيّة القبائل، لها رئيسها الذي له صلاحيّات كبرى وإرادة محترمة ومقدّسة، ويكون تصرّفه تصرّفاً مطلقاً، يميلون إلى الغزو والغلبة.
وكان نظام الإرث عندهم تابعاً لهذه المظاهر، فلا يرون للأطفال والنساء حقّاً في الميراث؛ لعدم قدرتهم على حمل السلاح والدفاع عن الحرمة، فأحقّ أفراد العائلة بالإرث ربّ الاسرة ثمّ الابن الأكبر إذا كان بالغاً قادراً على حمل السلاح، وإن لم يوجد فأحد الإخوة وإلّا فأحد الأعمام وهكذا حتى يصل أمر الميراث أحياناً إلى الأصهار أو أحد أبناء العشيرة ، واقتفى العرب قبل الإسلام أثر هذه الامم في أغلب العادات والمعاملات والميراث.

الإرث عند العرب [تعديل]

الميراث عند العرب والامم البدوية عبارة عن ثلاثة أسباب هي: القرابة أو النسب ، و الولاء   أو المحالفة ، والتبنّي، وقيّدوا هذه الأسباب بالذكورة والبلوغ والقدرة على حمل السلاح والدفاع عن الديار والحمى.
وأمّا الصغار والنساء والضعاف وإن كانوا أولاداً فليس لهم حقّ في الميراث.
ويعامل الابن بالتبنّي معاملة الابن النسبي، فلو كان للميت ابن نسبي غير بالغ وابن بالتبنّي بالغ قادر على حمل السلاح وحيازة الغنيمة وحماية العشيرة فهو يرث الميّت دون الابن النسبي، فإن لم يكن له ابن فالأخ أو العم أو ابن العم يرثون بشرط كونهم بالغين قادرين على حمل السلاح، وإن لم يكونوا مستوفين للشروط كان الميراث للحليف الحي فيرث حليفه الميّت. [۸]
والحاصل: أنّ السنّة قد استقرّت عندئذٍ على حرمان النساء والصغار والأيتام إلّا في بعض الموارد. وكان ملاك الاستحقاق القوّة والسلطة والذكورة أو مشيئة المورّث وأهواؤه بإعطاء أمواله من يحبّ ويشاء.

المراجع [تعديل]

۱. القانون في العراق القديم، ج۱، ص۲۵۸.
۲. أحكام التركات، ج۱، ص۱۹.
۳. أحكام الإرث في الإسلام، ج۱، ص۴۵.
۴. الميراث المقارن، ج۱، ص۸.
۵. في ظلال القرآن، ج۱، ص۵۸۶.    
۶. الميزان، ج۴، ص۲۳۱.
۷. الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۵۴- ۵۵.
۸. أحكام الميراث في الشريعة الاسلامية، ج۱، ص۵۶- ۶۰.


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۳- ۱۹.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار