متعلّق الاحتكار [تعديل] لا خلاف في الجملة في أنّ مورد الاحتكار المنهي عنه شرعاً هو الأطعمة، [۱۶] وإن اختلفت تعابيرهم عن ذلك كالتعبير بالغَلّة و القوت إلّا أنّ المراد هو الطعام كما سيتضح.نعم سيجيء التعميم لغير الطعام من بعضهم فانتظر.
←←إستدلال العلماء على القول الثاني واستدلوا عليه بضعف بعض الأدلّة المتقدّمة سنداً وعدم الدّلالة في بعضها الآخر؛[۱۱۲] إمّا لعدم ظهور البأس في خصوص الحرمة ، أو لاختصاص بعضها بمورد معيّن كصحيحة الحنّاط المختصّة بحكيم بن حزام ، أو لوجود الشواهد- في بعضها على كون الحكم فيها غير إلزامي- كاختلافها في تعداد ما يجري فيه الاحتكار بين الأربعة والخمسة والستّة، [۱۱۳] واختلافها من حيث تعيين الأجل عند الخصب أربعين يوماً وعند الشدّة ثلاثة أيّام [۱۱۴][۱۱۵] وتقييد بعضها بالأمصار؛ إذ لا مدخليّة على القول بالحرمة بين المصر وغيره. [۱۱۶] وبما ورد في صحيح الحلبي المروي عن الإمام الصادق عليه السلام من التعبير بالكراهة، [۱۱۷][۱۱۸] قال: سألته عمّن يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟ قال: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلًا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام». [۱۱۹] قال العلّامة الحلّي مستدلّاً عليه:
«لنا: الأصل عدم التحريم، وما رواه الحلبي في الحسن... ولأنّ الإنسان مسلّط على ماله ». [۱۲۰] وقال المحقّق الأردبيلي بعد الإشارة إلى الأصل والرواية: «والأصل يقتضي حمل الكراهة (في الرواية) على معناه الحقيقي، وهو المرجوح مع جواز النقيض، وكذا عموم الأدلّة الدالّة على أنّ الناس مسلّطون على أموالهم، فلهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون، فيحمل دليل التحريم على الكراهة جمعاً بين الأدلّة» إلى أن قال:
«ويؤيّد عدم التحريم وجود التقييد في بعض الروايات مثل رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: « الحكرة في الخصب أربعون يوماً وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام... والاختلاف دليل العدم ، فالحمل (على الكراهة) غير بعيد». [۱۲۱] وقال السيد العاملي : «للأصل بمعنييه ولعلّ مقصوده أصل الإباحة واستصحابها وقاعدة تسلّط الناس على أموالهم) وقصور الروايات سنداً ودلالة مع اختلافها في تعداد ما يجري فيه الاحتكار... وأمّا الصحيح الذي فيه «إيّاك أن تحتكر» فالمنع للمخاطب به وهو حكيم بن حزام ، و «الخاطئ» في بقيّة الأخبار لا يستلزم التحريم مع إشعار بعض الصّحاح بالجواز على كراهيّة...» إلى أن قال: «ففيه (أي صحيح الحلبي السابق) دلالة على أنّ الكراهة بالمعنى المتعارف الآن (الكراهة الاصطلاحيّة)». [۱۲۲] وقال المحقّق النجفي : «الأوّل (أي الكراهة) أشبه باصول المذهب وقواعده التي منها الاصول وقاعدة تسلّط الناس على أموالها المعتضدة بنصوص ا لاتّجار وحسن التعيّش والحزم والتدبير وغير ذلك السالمة عن معارضة دليل معتبر على التحريم ؛ لقصور نصوص المقام سنداً ودلالة عن ذلك؛ إذ هي خبر السكوني ...
وهي أجمع كما ترى مع قصور أسانيدها كادت تكون صريحة في الكراهة؛ ضرورة كون اللسان لسانها والتأدية تأديتها، كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد عنهم عليهم السلام في المكروهات وترك بعض المندوبات كغسل الجمعة والجماعة والأكل وحده وتفريق الشعر ونحو ذلك، ولذا صرّح فيها في صحيح الحلبي ... وربّما أشعر بذلك أيضاً التقييد بالأمصار؛ إذ لا مدخلية مع القول بالحرمة بين المصر وغيره، وإنّما يختلف بذلك شدةً وضعفاً على الكراهة...
إلى غير ذلك من الأمارات في النصوص المزبورة بحيث يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك كما لا يخفى على من رزقه اللَّه تعالى فهم كلامهم ورمزهم، ومن ذلك يُعرف ما في الاستدلال للقول بالحرمة بالنصوص المزبورة». [۱۲۳]
← الجواب على أصل القاعدة ولكن اجيب عن الأصل والقاعدة وعمومات الاتّجار و... بثبوت الدّليل على الحرمة، وهو ظهور جملة من الروايات المتقدّمة المعتبرة سنداً كما تقدّم، واختلاف ألسنتها من حيث عموم الاحتكار لكلّ طعام أو لخصوص الخمسة أو الستّة أو السّبعة ممّا يكثر احتياج الناس إليها قد عرفت المحمل فيه، وهو لا يوجب رفع اليد عن ظهورها في الحرمة فيما هو المتيقّن منها.
واجيب عن صحيح الحلبي بعدم دلالته على الكراهة بالمعنى المصطلح؛ لأنّه اصطلاح فقهي متأخر. وأمّا الكراهة في اللغة فهي بمعنى المبغوض فيناسب التحريم، [۱۲۴][۱۲۵] واستعمالها في الحرمة كثير، [۱۲۶] فإن لم يكن الصحيح ظاهراً في التحريم فليس له ظهور في الثاني، فلا موجب لصرف الروايات الظاهرة في الحرمة إلى الكراهة. [۱۲۷] قال الشيخ الأنصاري : «فإنّ الكراهة في كلامهم عليهم السلام وإن كان يستعمل في المكروه والحرام إلّا أنّ في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دلّ على كراهة الاحتكار مطلقاً قرينة على إرادة التحريم.
وحمله على تأكّد الكراهة أيضاً مخالف لظاهر «يكره» كما لا يخفى.
وإن شئت قلت: إنّ المراد بالبأس في الشرطيّة الاولى التحريم؛ لأنّ الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضاً، فالشرطيّة الثانية كالمفهوم لها». [۱۲۸] هذا كلّه في الاحتكار الواجد لما سيجيء من الشروط، وأمّا الفاقد لها فالأمر فيه دائر بين الكراهة والإباحة بالمعنى الأخصّ، وقد صرّح بعضهم بالأوّل، [۱۲۹][۱۳۰] وبعضهم بالثاني. [۱۳۱][۱۳۲][۱۳۳] قال الإمام الخميني قدس سره: «نعم، مجرّد حبس الطعام انتظاراً لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروهاً». وقال السيد الخوئي قدس سره: «أمّا مع وجوده الباذل فيجوز الاحتكار...
وهذا القول قد اختاره المصنّف».
وقد اتّضح من جميع ذلك أنّ الاحتكار في نفسه يتّصف إمّا بالحرمة أو الكراهة أو الاباحة، ولا يتصف بالأحكام الخمسة كما يظهر من الشيخ الأنصاري قدس سره، [۱۳۴] نعم قد يتصف بها بلحاظ العناوين الطارئة كما صرّح به السيد الخوئي قدس سره. [۱۳۵]