القتل في حد الزنا
يجب
القتل على الزاني بالمحرمة،
كالأم والبنت ، وألحق
الشيخ كذلك امرأة
الأب ؛ وكذا يقتل الذمي إذا زنى بالمسلمة، والزاني قهرا؛ ولا يعتبر
الإحصان ؛ ويتساوى فيه الحر والعبد، والمسلم والكافر؛ وفي جلده قبل القتل تردد.
المحرم النسبي [تعديل]
اعلم أنّه يجب
القتل على الزاني بالمحرّمة عليه نسباً
كالأُمّ ،
والبنت والأُخت ، وبناتها، وبنات
الأخ ، والعمّة، والخالة، بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة حدّ الاستفاضة
[۱] [۲] [۳]، بل عليه الإجماع في
الانتصار والخلاف والغنية
[۴] [۵] [۶]؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامّية والخاصّية، ومنها الحسن «من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضُرِب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، وإن كانت طاوعته ضُربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت»
[۷] [۸] [۹] [۱۰].
المحارم بالمصاهرة [تعديل]
وأمّا غيرهنّ من المحارم
بالمصاهرة كبنت الزوجة وأُمّها فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى، والنصوص خالية من تخصيص النسبي، بل الحكم فيها معلّق على ذات محرم مطلقاً. لكن سند أكثرها ضعيف، والحسن منها قاصر عن الصحّة، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها التهجّم على النفوس المحترمة، سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة؛ بناءً على عدم انصراف ذات محرم بحكم
التبادر إلى السببيّات، بل المتبادر منها النسبيّات خاصّة.
المحرم للرضاع [تعديل]
ومن هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم
للرضاع بالنسب ، مع عدم ظهور قائل به، عدا الشيخ في
الخلاف والمبسوط وابن عمّ الماتن
[۱۱] [۱۲] [۱۳].
وهما شاذّان، ولذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخّرين، عدا شيخنا في
الروضة [۱۴]، مع ظنّه عدم القائل به، فقد جعله وجهاً، قال: مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام؛ للخبر
[۱۵].
وذلك لأنّ غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنّة ما ضعيفة لا يجسر بها التهجّم على ما عرفته.
إلحاق بعض المحارم [تعديل]
وكذا إلحاق زوجة الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي، وإن كان ألحق
الشيخ به والحلبي والقاضي والحلّي وبنو زهرة وحمزة وسعيد
[۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹] [۲۰] [۲۱] [۲۲] [۲۳] وجامعة من المتأخّرين
[۲۴] [۲۵] [۲۶] [۲۷] [۲۸] امرأة الأب للخبر: «رفع إلى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن»
[۲۹] [۳۰] [۳۱].
لضعفه، إلاّ أن يجبر بكثرة القائل بمضمونه، على الظاهر المصرّح به في
المسالك [۳۲]، بل الشهرة، كما ربما يفهم من كلام بعض الأجلّة
[۳۳]، مع دعوى الإجماع عليه في
الغنية .
وأمّا إلحاق
الحلّي الثانية
[۳۴]،
وابن حمزة الثالثة
[۳۵]، فشاذّ، ومستندهما غير واضح، عدا
إطلاق النصوص المتقدّمة، وفيه ما عرفته، مضافاً إلى أنّها تعمّ الملحقة وغيرها، ولم يذكراه؛ مع عدم ظهورها في اعتبار القتل، بل ظاهر أكثرها الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً أو في الرقبة، وهي لا تستلزم القتل، كما في صريح بعضها: عن رجل وقع على أُخته، قال: «يُضرَب ضربة بالسيف» قلت: فإنّه يخلص؟ قال: «يحبس أبداً حتى يموت»
[۳۶] [۳۷] [۳۸] [۳۹] وبمعناه آخر
[۴۰] [۴۱]. وهو شيء لم يذكره أحد ممّن تقدّم أو تأخّر، بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب
السيف وغيره.
نعم، في
الموثّق : «إذا زنى الرجل بذات محرم حُدَّ حَدَّ الزاني، إلاّ أنّه أعظم ذنباً»
[۴۲] [۴۳] [۴۴] وجمع الشيخ بينه وبين ما مرّ بأنّ
الإمام مخيّر بين قتله بالسيف وبين رجمه، فتدبّر.
زناء الكافر بمسلمة [تعديل]
وكذا يقتل الذمّي بل مطلق
الكافر إذا زنى بمسلمة كارهة أو مطاوعة وكذا الزاني بالمرأة قهراً إجماعاً في المقامين على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر، كالإنتصار والغنية
[۴۵] [۴۶] وغيرهما من كتب الجماعة
[۴۷] [۴۸]؛ وهو
الحجّة .
مضافاً إلى الخبرين في الأوّل، أحدهما الموثّق: عن يهودي فجر بمسلمة، فقال: «يقتل»
[۴۹] [۵۰] [۵۱].
ونحوه الثاني، وهو طويل، في نصراني فجر بمسلمة، ثم أسلم بعد أن أُريد إقامة
الحدّ عليه، فكتب (علیهالسّلام): «يضرب حتى يموت» ولمّا سئل (علیهالسّلام) عن وجه حدّه بعد إسلامه، كتب (علیهالسّلام): «بسم الله الرحمن الرحيم «فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ • فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ»
[۵۲]»
[۵۳] [۵۴] [۵۵].
وبمضمونه أفتى الشيخان في
المقنعة والنهاية ، والحلّي في
السرائر ،
والفاضل في
التحرير ، وشيخنا في الروضة
[۵۶] [۵۷] [۵۸] [۵۹] [۶۰].
ولا خلاف فيه أجده، إلاّ من بعض متأخّري متأخّري
الطائفة ، فأحتمل سقوط القتل عنه بإسلامه، قال: لجبّ
الإسلام ما قبله، والاحتياط في الدماء
[۶۱].
وهو ضعيف في الغاية؛ لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة، المؤيّدة
باستصحاب الحالة السابقة.
وأضعف منه قوله فيما بعد: وحينئذٍ يسقط عند الحدّ رأساً ولا ينتقل إلى الجلد؛ للأصل.
لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة
[۶۲] [۶۳] [۶۴] [۶۵]، وغاية الإسلام أن تكون
توبة ، فتأمّل.
وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الثاني.
← الاستدلال بالروايات
ففي
الصحيح : الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: «يُقتَل»
[۶۶] [۶۷] [۶۸] [۶۹].
وفي آخرين: «يُقتَل، محصناً كان أو غير محصن»
[۷۰] [۷۱] [۷۲] [۷۳] [۷۴].
وفي رابع «إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضُرِب ضربةً بالسيف مات منها أو عاش»
[۷۵] [۷۶] [۷۷].
عدم الفرق بين المحصن وغيره [تعديل]
ولا يعتبر
الإحصان في شيء من الثلاثة ولا الحرّية، ولا الإسلام، ولا الشيخوخة، بل يتساوى فيه المحصن وغيره، و الحرّ والعبد،
والمسلم والكافر بأنواعه، والشيخ والشاب، بلا خلاف
[۷۸]؛ للعموم أو الإطلاق، مع التصريح بعدم الفرق بين المحصن وغيره في الصحيحين في الزنا قهراً.
جلد الزاني قبل القتل [تعديل]
وفي جلده أي الزاني المحكوم بقتله في كلّ من الصور الثلاث قبل القتل تردّد: من إطلاق الأدلّة المتقدّمة فتوًى ونصّاً وإجماعاً منقولاً بالقتل من دون ذكر جلد قبله في شيء منها، مع ورودها في مقام الحاجة وبيان حكم المسألة.
ومن الجمع بينها وبين الأدلّة الدالّة بعمومها أو إطلاقها بجلد مطلق الزاني، مع عدم منافاة بينهما، فإنّ إثبات حدّ في كلّ منهما لا ينافي ثبوت الحدّ الآخر بالآخر.
وإلى هذا ذهب الشهيدان في اللمعتين وفاقاً منهما للحلّي، لكنّهما حكما بالجلد ثم القتل مطلقاً
[۷۹]، وهو فصّل بين موجب
الجلد فكما قالا، وموجب الرجم فالجلد قبله، قال: لأنّ
الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر بالرجم، وإن كان غير محصن فيجب عليه الحدّ لأنّه زانٍ ثم القتل بغير الرجم. وليس في إطلاق قول أصحابنا: يجب عليه القتل على كلّ حال دليل على رفع
حدّ الزنا عنه
[۸۰].
وأيّده جماعة
[۸۱] [۸۲] [۸۳] بما مرّ من
الخبر في الزاني بذات محرم، المتضمّن لقوله (علیهالسّلام): «حُدَّ حَدَّ الزاني، إلاّ أنّه أعظم ذنباً» بناءً على أنّه (علیهالسّلام) قد ساواه مع الزاني أوّلاً، ثم زاده عظماً، ومعلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زان، فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ لم يكن قد سوّيناه ببعض الزناة، بخلاف ما إذا جلدناه أوّلاً إذا لم يكن محصناً ثم قتلناه بالسيف، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله: «حُدَّ حَدَّ الزاني» والقتل بقوله: «أعظم ذنباً».
وأيضاً، فإنّه قد يكون محصناً وهو شيخ، وأعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم، فيكون أحسن حالاً منه إذا زنى بالأجنبيّة المطاوعة؛ لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً، فلا يتحقّق الأعظميّة.
وفي التأييد مناقشة، وكذا في دعوى عدم المنافاة بين الأدلّة، بعد ما عرفت من ورود أدلّة القتل في مقام الحاجة، الموجب للدلالة على عدم حدّ آخر، وإلاّ للزم تأخير البيان عنها، وهو غير جائز بلا شبهة؛ ولعلّه لذا اختار المشهور القتل خاصّة، كما صرّح به بعض الأجلّة
[۸۴]، وبشذوذ قول الحلّي صرّح آخر
[۸۵]، مشعراً بدعوى
الإجماع على خلافه.
فإذاً المشهور لا يخلو عن قوّة، سيّما وأنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة.
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۴۷۳-۴۷۹.