الاعتبار - ویکی فقه 


الاعتبار


هو التدبر و النظر فيمامضي و التذكر فیه.


الاعتبار في اللغة [تعديل]

الاعتبار- وزان افتعال -: مصدر اعتبر، بمعنى الاتّعاظ ، ومنه قوله تعالى: «فَاعتَبِرُوا يَا اولِي الأَبصَارِ »، [۱] و العبرة اسم منه، كما قال الخليل : «العبرة الاعتبار لما مضى»، [۲] [۳] [۴] أي الاتّعاظ و التذكّر .
ويأتي أيضاً بمعنى الاعتداد بالشي‏ء في ترتّب الحكم، [۵] و المعتبر المستدلّ بالشي‏ء على الشي‏ء .

الاعتبار في الاصطلاح [تعديل]

يستعمل الاعتبار في الفقه بنفس المعنى اللغوي تارة، وبمعنى الاشتراط و الإناطة اخرى، فيقال: يعتبر في الوضوء طهارة الماء أي يشترط في صحّته .
ويستعمل في اصول الفقه - تبعاً لعلم الكلام و الفلسفة - تارة بمعنى ما يحكم به العقل من المقولات التي لا تكون وجودية في الخارج ، واخرى بمعنى ما يحكم به العقلاء أو الشرع من الأحكام و التشريعات ، التي هي مقولات إنشائية محضة.

معاني الاعتبار ومواطن البحث‏ [تعديل]


← الاعتبار بمعنى الاشتراط
يطلق الاعتبار بمعنى الاشتراط في كلمات الفقهاء فيقال- مثلًا-: يعتبر في بيع الصرف التقابض في المجلس ، ويعتبر في الحج الاستطاعة ، ويعتبر في التكليف البلوغ و العقل ، وكذا يستعمل الاعتبار بمعنى الاشتراط في تمام الأبواب الفقهية ؛ لأنّ الأحكام الفقهية سواء العبادات منها أو المعاملات أو غير ذلك تكون عادة مشروطة بقيود و شروط ، كما هو مقرّر في أبوابها .

← المفاهيم الاعتبارية
يقسّم علم المنطق والفلسفة الامور والقضايا التصديقية إلى نوعين :
الأوّل: ما يكون له وجود حقيقي عيني في الخارج- سواء كان جوهراً لا يحتاج إلى موضوع ، أو عرضاً يوجد في موضوع- ويصطلحون عليه بالامور الحقيقية أو الوجودية أو التي يكون ظرف الاتّصاف و العروض فيها كلاهما في خارج الذهن .
النوع الثاني: ما لا يكون له وجود عيني في الخارج إلّاأنّه يتّصف به الخارج و يصدّق به الذهن، كالإمكان و الوجوب و الامتناع ، ومنها: الحسن و القبح العقليّين ، فإنّ الوجود الخارجي يتّصف بالإمكان أو الوجوب، و الفعل الخارجي يتّصف بالحسن والقبح، إلّاأنّه لا يوجد في الخارج وجود آخر زائد على وجود الإنسان يسمّى بالإمكان . ومن هنا قالوا:
إنّ ظرف عروضها الذهن وظرف اتّصافها الخارج. و تفصيل ذلك يطلب من محلّه.
وقد استخدم الفقهاء هذا المعنى أيضاً في الأحكام العقلية العملية، المعبّر عنها بالحسن والقبح العقليّين، فذكروا أنّها قضايا اعتبارية عقلية كالإمكان والامتناع والوجوب، إلّاأنّها من أحكام العقل العملي ، وتلك من أحكام العقل النظري .
ومن الاصوليّين من أرجع التحسين و التقبيح العقليّين إلى الاعتبار العقلائي والقضايا المشهورة لدى العقلاء، فيرجع إلى الاعتبار بمعنى ثالث سيأتي.

← الاعتبار بمعنى الوضع والتشريع
وهناك معنى ثالث للاعتبار، وهو التشريع و الوضع ، وهذا يكون في الامور الإنشائية التي يتواضع عليها العقلاء أو الشارع لنظم امورهم، ومن هذا الباب كلّ التشريعات و القوانين ، فإنّها امور اعتبارية بهذا المعنى، أي لا حقيقة لها إلّاالتشريع و الجعل ، كالملكية و الزوجية والوجوب و الحرمة و الإباحة .
من هنا تختلف مصاديقها وأنواعها باختلاف القوانين و الأنظمة التشريعية.
والامور الاعتبارية بهذا المعنى متنوّعة .
قال السيّد الخوئي : «إنّ الاعتبار تارة يتعلّق بالأمر الحالي، فيعتبر المعتبر ملكيّة داره - مثلًا- لشخص في الحال الحاضر ...
واخرى: يتعلّق بأمر استقبالي ، كاعتبار الملكيّة لشخص بعد مدّة، كما في باب الوصيّة ، حيث يعتبر الموصي ملكيّة الموصى به للموصى له بعد موته و وفاته ، فالاعتبار حاليّ والمعتبر استقبالي.
وثالثة: يتعلّق بالأمر الماضي ، بأن يعتبر ملكيّة ماله لزيد من الأمس ». [۶]
كما أنّ الاعتبار قد يكون تشريعاً و حكماً وضعياً كالملكية و الزوجية و الطهارة و النجاسة ، وقد يكون حكماً وتشريعاً تكليفياً كالوجوب والحرمة و الاستحباب و الإباحة ، وقد لا يكون هذا ولا ذاك بل يكون تواضعاً على الالتزام بأمر كما يقال في دلالة اللفظ على المعنى من أنّه بالوضع والاعتبار، وكاعتبار النقود الورقية .
وقد يكون الأمر الاعتباري مجعولًا بالأصالة من قبل المشرع كالوجوب والملكية، وقد يكون مجعولًا بالتبع أي بتبع جعل واعتبار المنشأ له كالسببية و الشرطية و الجزئية و المانعية ، فإنّها منتزعة ومعتبرة عقلًا في طول اعتبار الشارع وتشريعه لحكم تكليفي أو وضعي على سبب وموضوع، أو على مركّب ذي أجزاء وشروط وجودية و عدمية ، فينتزع العقل السببية للسبب أو الموضوع ، والجزئيّة لأجزاء المركب ، والشرطية لقيوده وشروطه، والمانعية لما يشترط عدمه في المركّب.
كما أنّ المعتبر قد يكون هو الشارع فيكون الاعتبار شرعيّاً، وقد يكون هو العرف العام والعقلاء فيكون الاعتبار عقلائياً، وقد يكون هو العرف الخاصّ كاعتبار النقود الاعتبارية الورقية فيكون عرفاً خاصّاً، وقد يكون هو الشخص ، ويسمّى بالاعتبار الشخصي، كما في إنشاء المتعاملين للبيع و التمليك ، فإنّهما يعتبران بإنشاء البيع و التعاقد فيما بينهما التمليك أوّلًا فيقع اعتبارهما في طول ذلك موضوعاً لاعتبار العقلاء أو الشارع، وكاعتبار شرط خاص لهما في ضمن عقد معين.
هذا، وليعلم أنّ الفقهاء قد يطلقون الامور الاعتباريّة على الاستحسانات العقليّة الظنّية التي لم يقم على اعتبارها دليل شرعي فيقولون: إنّها اعتباريات واستحسانات لا حجّية لها.

← الاعتبار بمعنى الاعتداد والحجية
ويطلق الاعتبار في الفقه و اصوله بمعنى صحة الاستناد والحجّية في الاستدلالات ‏فيقال: الظهور أو خبر الثقة معتبر و الشهرة ليست معتبرة، كما أنّه في علم الرجال و الحديث قد يطلق الحديث المعتبر بمعنى أخصّ أي ما يكون سنده حجّة فقهيّاً ولكن ليس راويه عدلًا، وقد يطلق بالمعنى الأعم .
قال الشيخ البهائي : «قد استقرّ اصطلاح المتأخّرين من علمائنا رضي اللَّه عنهم على تنويع الحديث المعتبر ولو في الجملة إلى الأنواع الثلاثة المشهورة، أعني: الصحيح و الحسن و الموثّق ». [۷]
وقال المحقّق المامقاني : «وهو- على ما صرّح به جمع- ما عمل الجميع أو الأكثر به لو اقيم الدليل على اعتباره لصحّة اجتهاديّة أو وثاقة أو حسن، وهو بهذا التفسير أعمّ من المقبول و القويّ ». [۸]

← الاعتبار بمعنى أخذ العبرة
ذكر الفقهاء بعض الموارد التي حكموا فيها باستحباب التذكّر والاعتبار وأخذ الدروس والعبر، وممارسة التأمل و التفكّر .
فمن ذلك استحباب الاعتبار عند التخلّي في أنّ ما سعى إليه واجتهد في تحصيله من الطعام و الشراب كيف صار أذيّةً عليه، فيرى قدرة اللَّه في رفع هذه الأذية عنه. [۹] [۱۰]
ومن ذلك استحباب أن يعتبر الحاجّ و المعتمر عند زيارته للأماكن التاريخية في بلاد الحجاز ، ويستفيد الدروس والعبر من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتاريخ الإسلام ، ليكون اعتباره هذا موجباً لرسوخ إيمانه . [۱۱]
ومن ذلك كون الغرض و الحكمة من شهود عذاب الزاني الزانية و هو الاعتبار و الانزجار عن فعل القبيح . [۱۲] [۱۳] [۱۴]
إلى غير ذلك من الموارد المتفرّقة، كالاعتبار بما جرى على الماضين.

المراجع [تعديل]

۱. الحشر/سورة ۵۹، الآية ۲.    
۲. العين، ج۲، ص۱۲۹.    
۳. لسان العرب، ج۹، ص۱۸.
۴. المصباح المنير، ج۱، ص۳۹۰.
۵. المصباح المنير، ج۱، ص۳۹۰.
۶. مصباح الفقاهة، ج۴، ص۱۴۲.    
۷. مشرق الشمسين، ج۱، ص۲۶۹.   
۸. مقباس الهداية، ج۱، ص۲۸۲.
۹. العروة الوثقى، ج۱، ص۳۴۴.    
۱۰. مهذّب الأحكام، ج۲، ص۲۲۳.
۱۱. كلمة التقوى، ج۳، ص۵۰۰.
۱۲. المسالك، ج۱۴، ص۳۸۷.    
۱۳. مجمع الفائدة، ج۱۳، ص۶۶.   
۱۴. جامع المدارك، ج۷، ص۵۳.


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۶۰-۳۶۳.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار