اشتراط الاختيار في المودع والمستودع - ویکی فقه 


اشتراط الاختيار في المودع والمستودع


(ويشترط فيهما الاختيار ) بلا خلاف ولا إشكال، فلو اكره المودِع في الإيداع لم يؤثّر؛ لعدم الإذن في الاستنابة حقيقة. وكذا لو اكره المستودَع على القبض لم يضمن مطلقاً، إلاّ مع الإتلاف ، أو وضع يده عليه بعد ذلك مختاراً، فيضمن حينئذٍ جدّاً؛ لعموم الخبر المتقدّم.
وهل تصير بذلك حينئذٍ وديعة لا يجب ردّها إلاّ مع طلب المالك أو من يقوم مقامه، أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق فوراً، وبدونه يضمن مطلقاً؟ وجهان.وربما يفرق بين وضع اليد عليها اختياراً بنية الاستيداع وعدمه، فيضمن على الثاني مع الإخلال بما يجب عليه دون الأوّل؛ إعطاءً لكلّ واحد حكمه الأصلي.
ولا يخلو عن وجه، وإن كان الثاني أوجه؛ لكونه الموافق للأصل الدالّ على عدم جواز التصرف في ملك الغير، ووجوب إيصاله إليه فوراً، خرج منه الوديعة المعلومة إجماعاً، فتوًى ونصّاً، وبقي ما عداها ولو ما يشك كونه وديعة كما هو الفرض؛ للشك في تأثير الإذن السابق في ثبوتها داخلاً تحته جدّاً، مع أنه أحوط وأولى.
ومما حققناه ظهر وجه الفرق بين الأمانتين، وضابطه : أنه مع وضع اليد بإذن المالك أو مَن في حكمه يكون وديعة، وبدونه مع عدم الغصب أمانة شرعية.ووجه الضمان فيها مع الإخلال بما يجب عليه من الردّ فوراً بعد الإجماع الخبر المتقدّم، وهو وإن عمّ صورة عدم الإخلال بذلك أيضاً إلاّ أنها مخصّصة بالإجماع المتأيّد بالأصل والاعتبار جدّاً.


وجوب حفط الوديعة على المستودع [تعديل]

(و) يجب على المستودَع أن (يحفظ كلّ وديعة) قَبِلَها لفظاً أو فعلاً، بلا خلاف ولا إشكال في الثاني؛ لعموم الخبر المتقدم. وكذا في الأوّل مطلقاً ولو فسخ عقدها وخرج عن الاستيداع، فيجب إلى أن يردّها إلى مالكها؛ لاستلزام تركه إضاعة المال المنهيّ عنها في الشريعة، مع استلزامه الضرر على المالك بتغريره له بقبولها، وهو منفي قطعاً، فتوى ورواية.
مضافاً إلى إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنة بردّ الأمانة الشامل لمفروض المسألة، ولا يتمّ إلاّ بالحفظ، فيجب ولو من باب المقدمة.فمنها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة المستفيضة، منها : «أدّوا الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوساً». [۱] [۲] [۳] وفي آخر : «ولو إلى قاتل أولاد الأنبياء». [۴] [۵] [۶] [۷]
ومنها : «لو أنّ قاتل |علي عليه السلام   ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه» ورواه الصدوق في أماليه عن عمر بن يزيد. [۸] [۹] [۱۰] ‌وبمعناه غيره، [۱۱] [۱۲] [۱۳] إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
وأسانيدها وإن كانت ما بين ضعيفة وقاصرة عن الصحّة إلاّ أنها بالإجماع وظاهر الكتاب المؤيّد بما قدّمناه منجبرة، مع قوّة احتمال كونها متواترة، فترتفع المناقشة في السند من أصلها بالمرة، هذا. مضافاً إلى ما سيأتي من المعتبرة الدالّة على الضمان مع مخالفة أمر المالك في المحافظة، وبالجملة لا شبهة في المسألة.
وينبغي أن يكون الحفظ (بما جرت به العادة) من مكان الوديعة وزمانها؛ لعدم التعيين من قبل الشارع فيرجع إليها، فليحرز نحو الثوب والنقد في الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عمن يخاف منه عليه عادة، لا عن الغير مطلقاً كما في المسالك والروضة وعن التذكرة؛ [۱۴] [۱۵] [۱۶] لعدم اعتبار مثله في الحفظ عادة، بل يعدّ الحفظ بما ذكرناه حفظاً ولو لم يحرز عمن لا يخاف منه عليه كالأهل والشريك جدّاً، فاعتبار الحرز عن الغير مطلقاً كما في الكتب المشار إليها غير سديد قطعاً.
والدابة في الإصطبل المضبوط بالغلق والشاة في المراح كذلك، أو المحفوظ بنظر المستودع. وهذه الثلاثة مما جرت العادة بكونها حرزاً لما ذكر، وقد يفتقر إلى أمر آخر، ككون الصندوق المذكور كبيراً، أو موضوعاً في محل لا يعتاد سرقته منه، أو يقوم غيرها مقامها عادة، كوضع الدابة في بيت السكنى، أو الشاة في داره المضبوطة.وبالجملة الضابط ما يعدّ به في العرف حافظاً غير مقصّر في الحفظ أصلاً، وهو يختلف باختلاف الأحوال والعادات جدّاً، وإنما ذكرت الأمثلة ونحوها في عبارات الأصحاب توضيحاً.
ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه وغيره، ولا بين من يعلم المودع أنه لا حرز له وغيره، فلو أودعه دابَّة مع علمه أنه لا إصطبل له أو مالاً مع علمه بأنه لا صندوق له لم يكن عذراً، فيضمن مع عدم الحفظ.

← وجوب الاقتصار على حرز عينه المالك
ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يعيّن المالك حرزاً (ولو عيّن المالك حرزاً اقتصر عليه) وجوباً، بلا خلاف فيه في الجملة، (ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن) إجماعاً في الأوّل، كما في الغنية والمسالك. [۱۷] [۱۸]
ووفاقاً للمحكي عن الحلّي والمحقق الثاني والمسالك والروضة -لم نعثر على قول الحلّي في السرائر [۱۹] [۲۰] [۲۱] في الثاني؛ عملاً بمقتضى التعيين، واختلاف الأغراض في ذلك. وبه يظهر حكم النقل إلى المساوي بفحوى الخطاب.
خلافاً للشيخ [۲۲] رحمه الله فيه. وهو قياس باطل، إلاّ أن يكون هناك قرينة حال أو مقال دالّة على أن المراد من التعيين نفس الحفظ دون خصوصيّة المحل، ولعلّه غير محل النزاع. وللأكثر ومنهم الحليّ، [۲۳] كما يظهر من عبارته المحكية لي، بل ادّعي عليه الإجماع في الأحرز، فجوّزوا النقل إليه.
وهو أظهر؛ لدلالة العرف عليه. واختلاف الأغراض مع الجهل بأن المقصود من التعيين هو الخصوصية غير قادح، كيف لا ومراعاته في عدم الأخذ بالأولوية في مفروض المسألة توجب انسداد باب إثبات الأحكام الشرعية بها بطريق أولى بالضرورة، ولم يقل به هؤلاء الجماعة. نعم، لو علم قصد الخصوصية بالنهي عن النقل إليه ونحوه اتّجه المنع، ولا خلاف فيه، بل في التنقيح والمسالك [۲۴] [۲۵] الإجماع عليه؛ وهو الحجة، مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة.
فيضمن حينئذٍ (إلاّ مع الخوف) ببقائها فيه من التلف ونحوه علماً أو ظنّاً متاخماً له أو مطلقاً، لا مع الشك، وأولى منه دونه، فيجوز النقل في الأوّلين ولا ضمان، بلا خلاف ولو قال : ولو تلفت؛ لأنه محسن و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ). [۲۶]
بل الظاهر الوجوب كما قالوه؛ لوجوب الحفظ عليه، ولا يتمّ إلاّ بذلك، ولا دليل على سقوطه بنهي المالك عنه مطلقاً، فإن غايته إيجاب شي‌ء آخر عليه وهو المحل، وسقوطه بتعذّره لمكان الخوف لا يوجب سقوط الواجب الآخر الذي أمر به الشارع.مع احتمال الوجوب فيما لو قال : ولو تلفت، من وجه آخر، وهو ثبوت نوع سفاهة للمودع بقوله ذلك، فيجب الحفظ عليه لذلك، كمال الطفل والمجنون إذا وقع في يده.
نعم، قالوا : لا ضمان عليه بعدم النقل حينئذٍ وإن أثم؛ لإسقاط المالك ذلك عنه، مضافاً إلى الأصل، وبهما يخصّص عموم على اليد، ولعلّ‌ مرادهم صورة لم تستلزم سفاهة المودِع.
ولا كذلك لو لم ينهه؛ لانصراف التعيين إلى غير صورة الخوف من التلف بالبقاء في المعيّن، فلا إسقاط من المالك للضمان، بخلاف ما لو نهى عن النقل، وسيّما لو قال : ولو تلفت؛ لاستلزامه سيّما الثاني الإسقاط، مع احتمال العدم في الأوّل، لعدم الصراحة في الإسقاط، فيؤخذ حينئذٍ بعموم على اليد.
ثم إن جواز النقل إلى الغير مع الخوف في صورة النهي يستلزمه في غيرها حيث يمنع فيه بدونه بطريق أولى، ولا ضمان؛ للإذن من الشارع، مع عموم نفي السبيل.ولا خلاف فيه إلاّ من الفاضل، [۲۷] فأثبت الضمان؛ ولعلّه لعموم : على اليد، وهو معارض بالعموم المتقدّم المتأيّد بالأصل والاعتبار وفيه قول بالتفصيل [۲۸] ضعيف كالآخر.
ولو احتاج النقل حيث جاز إلى الأُجرة ففي الرجوع بها على المالك مع نيّته كما في المسالك، [۲۹] أو لا مطلقاً كما عن التذكرة [۳۰] وجهان، من الأصل، ونفي الضرر. ولعلّه أوجه وأحوط للمالك، وإن كان العدم للمستودَع أحوط.
وفي اشتراط كون المنقول إليه أحرز أو مساوياً مع إمكانهما بالترتيب ثم الأدون، أم لا، بل يجوز إلى الأخيرين مطلقاً، الأحوط الأوّل، وبتعيّنه‌ صرّح في المسالك؛ [۳۱] اقتصاراً في انتفاء الضمان عنه مع لزومه عليه بعموم النص على المتيقّن.خلافاً لظاهر إطلاق العبارة وكثير من عبائر الجماعة؛ رجوعاً إلى حكم الوديعة بعد تعذّر المعيّن، وإن هو حينئذٍ إلاّ كما لو لم يعيّن، والحكم فيه ذلك بلا خلاف.
ويمكن الفرق بين ما لو كان المقصود من التعيين الأحرزية فالأوّل، وإلاّ فالثاني، ولعلّه مراد القائل بالأوّل وإن أطلق؛ لاحتمال الإطلاق الحمل على الشق الأوّل بناءً على أنه المقصود من التعيين غالباً، وهذا أوجه، وإن كان الأوّل على إطلاقه أحوط.

المراجع [تعديل]

۱. الكافي، ج۵، ص۱۳۲، ح۲.    
۲. التهذيب، ج۶، ص۳۵۱، ح۹۹۳.    
۳. الوسائل، ج۱۹، ص۷۳، أبواب أحكام الوديعة ب۲، ح ۵.    
۴. الكافي، ج۵، ص۱۳۳، ح۳.    
۵. الخصال، ص۶۱۴.     
۶. الوسائل، ج۱۹، ص۷۳، أبواب الوديعة ب۲، ح ۶.    
۷. الوسائل، ج۱۹، ص۷۶، أبواب الوديعة ب۲، ح۱۴.    
۸. الكافي، ج۵، ص۱۳۳، ح۴.    
۹. الوسائل، ج۱۹، ص۷۲، أبواب أحكام الوديعة ب۲، ح۲.    
۱۰. أمالي، ج۵، ص۲۰۴.
۱۱. الكافي، ج۵، ص۱۳۳، ح۵.    
۱۲. التهذيب، ج۶، ص۳۵۱، ح۹۹۴.    
۱۳. الوسائل، ج۱۹، ص۷۴، أبواب أحكام الوديعة ب۲، ح ۸.    
۱۴. المسالك، ج۱، ص۳۰۵.
۱۵. الروضة، ج۴، ص۲۳۹.     
۱۶. التذكرة، ج۲، ص۲۰۰.    
۱۷. الغنية، ص۶۰۰.
۱۸. المسالك، ج۱، ص۳۰۵.
۱۹. جامع المقاصد، ج۶، ص۳۵.    
۲۰. المسالك، ج۱، ص۳۰۵.
۲۱. الروضة، ج۴، ص۲۳۷. الروضة، ج۴، ص۲۳۷.   
۲۲. المبسوط، ج۴، ص۱۴۱.     
۲۳. السرائر، ج۲، ص۴۴۰.    
۲۴. التنقيح الرائع، ج۲، ص۲۳۸.
۲۵. المسالك، ج۱، ص۳۰۶.
۲۶. التوبة/سورة۹، الآية۹۱.    
۲۷. التحرير، ج۱، ص۲۶۶.
۲۸. التحرير، ج۱، ص۲۶۶.
۲۹. المسالك، ج۱، ص۳۰۶.
۳۰. التذكرة، ج۲، ص۲۰۴.    
۳۱. المسالك، ج۱، ص۳۰۶.


المصدر [تعديل]

رياض المسائل، ج۹، ص۴۱۱-۴۱۷.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار