كيفية الغسل
(وأمّا كيفيته واجبها خمسة) اُمور: الأوّل
النية ، والثاني
استدامة حكمها، والثالث غسل البشرة، والرابع تخليل ما لا يصل إليه، والخامس
الترتيب .
النية [تعديل]
الأوّل (
النية ) وقد تقدم تحقيقها في الوضوء. ويجب على المشهور أن تكون (مقارنة لغسل الرأس أو مقدّمة عند
غسل اليدين ) بناءً على ما مرّ، وفيه ما تقدّم. وهل التقديم عند غسلهما على طريق الجواز فقط، كما هو ظاهر القواعد وعن غيره،
[۱] [۲] أو الاستحباب، كما عن الإصباح والمبسوط و
السرائر والشرائع والتذكرة ونهاية الإحكام
[۳] [۴] [۵] [۶] [۷]؟ قولان.
استدامة حكمها [تعديل]
(و) الثاني (
استدامة حكمها) بالمعنى المتقدم على الأشهر، ونفسها كما هو الأظهر، إلى الفراغ، إلّا إذا لم يوال فيذهل عن النية السابقة فتجديدها عند المتأخر، كما عن نهاية الإحكام و
الذكرى ؛
[۸] [۹] [۱۰] ووجهه واضح.
غسل البشرة [تعديل]
(و) الثالث (غسل البشرة بما يسمّى غسلاً ولو كان كالدهن) لما مرّ في الوضوء.
تخليل ما لا يصل إليه [تعديل]
(و) الرابع (تخليل ما لا يصل إليه) أي البدن المدلول عليه بالبشرة (الماء إلّا به) كالشعر ولو كان كثيفاً ونحوه، إجماعاً تمسكاً بعموم ما علّق الحكم فيه على الجسد الغير الصادق على مثل الشعر ونحوه، و
التفاتاً إلى النبوي المقبول : «تحت كل شعرة جنابة فبلّوا الشعر وانقوا البشرة».
[۱۱] [۱۲] ومثله الرضوي : «وميّز الشعر بأنا ملك عند غسل الجنابة، فإنه يروى عن
رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم أن تحت كل شعرة جنابة، فبلّغ الماء تحتها في اُصول الشعر كلّها، وخلّل أذنيك بإصبعك، وانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلّا وتدخل تحتها الماء».
[۱۳] [۱۴] وهذه الأدلة ـ كالإجماع ـ هي الفارقة بين المقام والوضوء حيث يجب التخليل فيه دونه. وما في شواذ أخبارنا ممّا يشعر بالمخالفة لذلك وصحة الغسل بحيلولة الخاتم في حال النسيان كما في الحسن : «عن الخاتم إذا أغتسل، قال : «حوله من مكانه» وقال في الوضوء : «تديره، فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد».
[۱۵] [۱۶]
أو صفرة الطيب مطلقاً كما في الخبر : «كنّ
نساء النبي صلي الله عليه و آله وسلم إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك أنّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم أمرهن أن يصببن الماء صبّاً على أجسادهن».
[۱۷] [۱۸] [۱۹] فمطروح كالصحيح : الرجل يجنب فيصيب رأسه أو جسده الخلوق والطيب والشيء اللكد مثل علك الروم والطرار ونحوه، قال : «لا بأس».
[۲۰] [۲۱] [۲۲] أو مؤوّل بحمل الأوّل على ما لا يمنع الوصول وإن استحب التحويل
للاستظهار ، وكذا الثاني بحمل الصفرة فيه على
الأثر العسر الزوال الذي لا تجب
إزالته في التطهير من النجاسات فهنا أولى. وظاهر الأصحاب عدم وجوب غسل الشعر، بل عن المعتبر والذكرى
الإجماع عليه.
[۲۳] [۲۴] وهو مقتضى
الأصل ، وخلو الأخبار البيانية عنه، مع خروجه عن مسمى الجسد قطعاً، و
إطلاق الصحيح : «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة»
[۲۵] [۲۶] [۲۷] الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.
وفي الصحيح : «من ترك شعرة من الجنابة متعمداً فهو في النار».
[۲۸] [۲۹] [۳۰] [۳۱] وفي آخر : «الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها».
[۳۲] [۳۳] وهما بالدلالة على ما تقدم (من عدم الوجوب) أولى من الدلالة على العدم كما فهمه الأصحاب، سيّما بملاحظة الرضوي المتقدم،
[۳۴] و
الأمر ببلّة في النبوي
[۳۵] لعلّه من باب المقدمة لا بالأصالة كما يستفاد من سياقه. نعم هو أحوط.
الترتيب [تعديل]
(و) الخامس (
الترتيب ) وهو أن (يبدأ برأسه) إجماعاً كما عن الخلاف و
الانتصار والتذكرة والغنية والحلّي وغيرهم
[۳۶] [۳۷] [۳۸] [۳۹] [۴۰] [۴۱] ممّن سيذكر للمعتبرة المستفيضة، مضافاً إلى ما سيأتي. منها الصحيح قولاً : «ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثاً، ثمَّ صبّ على سائر جسدك مرّتين».
[۴۲] [۴۳] [۴۴] [۴۵] ومثله الحسن فعلاً.
[۴۶] [۴۷] [۴۸] وفي الحسن : «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه، لم يجد بدّا من
إعادة الغسل».
[۴۹] [۵۰] ومثله الرضوي : «فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك».
[۵۱] [۵۲]
وبعين هذه العبارة أفتى والد
الصدوق كما نقلها عنه في الفقيه.
[۵۳] ومنه يظهر فساد نسبة القول بعدم وجوبه هنا إليهما في الكتاب المذكور. وعبارة
الإسكافي المنقولة لا تنفيه، فنقل النفي عنه
[۵۴] لا وجه له، بل ربما أشعرت بثبوته، فالظاهر عدم الخلاف فيه. وبالمعتبرة هنا يقيد إطلاق الصحاح منها : «ثمَّ تمضمض واستنشق ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» الحديث.
[۵۵] [۵۶] كتقييدها في الترتيب الآخر بما سيأتي.
← رواية الإمام الصادق عليه السلام
وما لا يقبل التقييد كالصحيح في أمر
مولانا الصادق عليه السلام الجارية في الحكاية المعروفة بخلاف الترتيب،
[۵۷] [۵۸] [۵۹] معارض لصحيح آخر لرواية تضمّن أمره الجارية بخلاف ما فيه،
[۶۰] [۶۱] [۶۲] وهذا مع ذلك دليل آخر لما نحن فيه. ويدخل الرقبة هنا في الرأس، كما عن
المقنعة والتحرير وكتب الشهيد،
[۶۳] [۶۴] [۶۵] [۶۶] [۶۷] [۶۸] وظاهر أبي الصلاح والغنية والمهذّب
[۶۹] [۷۰] [۷۱] لتصريحهم بغسل الرأس إلى أصل العنق. وما عن
الإشارة من غسل كل من الجانبين من رأس العنق
[۷۲] غير مخالف إذ يحتمل
إرادة أصله من رأسه فيه فيوافق. وعن بعض مقاربي العصر الإجماع عليه،
[۷۳] ولعلّه كذلك.
ويشهد له الحسن : «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين» الحديث.
[۷۴] ونقله في الكافي و
التهذيب مقطوعاً
[۷۵] [۷۶] غير قادح أوّلا
باشتهار العمل به، وثانياً بنقله في
المعتبر والتذكرة
[۷۷] [۷۸] إلى الصادق عليه السلام مسندا. وقريب منه الموثّق : «ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرّات مل ء كفيه، ثمَّ يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه، ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه» الحديث.
[۷۹] [۸۰]
(ثمَّ) يغسل (ميامنه، ثمَّ مياسره) كل منهما من أصل العنق إلى تمام القدم، في المشهور بين الأصحاب، بل عن المعتبر
اتفاق فقهاء عصره عليه،
[۸۱] وعن التذكرة والغنية، وظاهر الانتصار و
الخلاف والمنتهى والحلّي : الإجماع عليه،
[۸۲] [۸۳] [۸۴] [۸۵] [۸۶] [۸۷] وعن التذكرة و
نهاية الإحكام والذكرى والروض : الإجماع ممّن رتّب الرأس على البدن،
[۸۸] [۸۹] [۹۰] [۹۱] وفي الأخيرين : ومن رتّب بينهما في الوضوء أيضاً.
← غسل الميت
والأصل فيه بعد
الاحتياط الواجب هنا، وبعض الأخبار العامية
[۹۲] [۹۳] المعتضدة بالشهرة، وحبّ النّبي صلي الله عليه و آله وسلم
التيامن في طهوره،
[۹۴] النصوص
[۹۵] [۹۶] المصرّحة به في غسل الأموات،
[۹۷] مع ما ورد باتحاده في الكيفيّة مع
غسل الجنابة . ففي الخبر : «
غسل الميت كغسل الجنابة».
[۹۸] [۹۹] [۱۰۰] [۱۰۱]
← رواية الإمام الباقر عليه السلام
في آخر بعد ما سئل
مولانا الباقر عليه السلام عن الميت لم يغسّل غسل الجنابة، أجاب بما حاصله : لخروج
النطفة التي خلق منها فلذلك يغسّل غسل الجنابة.
[۱۰۲] [۱۰۳] وفيه ـ زيادةً على الدلالة من جهة التشبيه ـ الدلالةُ من جهة التعليل المستفاد منه كون غسله عين غسل الجنابة؛ والأخبار بهذا التعليل مستفيضة ـ بل كادت تكون متواترة ـ مروية في العلل والعيون،
[۱۰۴] [۱۰۵] وغيرهما من الكتب المعتبرة، فلا وجه لتأمّل بعض المتأخرين منّا
[۱۰۶] [۱۰۷] [۱۰۸] تبعاً لشاذ من أصحابنا
[۱۰۹] [۱۱۰] في ذلك.
← الابتداء في الغسل بالأعلى
ولا يجب
الابتداء في المواضع الثلاثة بالأعلى؛ للأصل، مع ظاهر عبارات الأصحاب، والصحيحة المصرّحة باكتفاء
الإمام عليه السلام بغسل ما بقي في ظهره ـ بعد
الإتمام ـ من اللُمعة.
[۱۱۱] [۱۱۲] [۱۱۳] وهي للعصمة غير منافية؛ لعدم التصريح فيها بالنسيان أو الغفلة. نعم، في الحسن السابق الآمر بصبّ الماء على الرأس والمنكبين
[۱۱۴] إيماء إلى رجحانه واستحبابه، وعن الذكرى استظهاره.
[۱۱۵] ولا بأس به.
ويتبع السرّة والعورتان الجانبين، فيوزّع كلّ من نصفيها على كل منهما مع زيادة شيء في كل من النصفين من باب المقدّمة. وعن الذكرى
الاكتفاء بغسلها مع أحدهما عن ذلك؛ لعدم الفصل المحسوس، و
امتناع إيجاب غسلها مرّتين.
[۱۱۶] وما ذكرناه أحوط وغسلها مع الجانبين أولى. وتغسل اللمعة المغفلة هنا خاصة مع الجانب الآخر مطلقاً (أي ولو كان قد غسل منه رحمه الله.) إذا كانت في اليمين، وبدونه إذا انعكس، كما عن الأصحاب.
الغسل الارتماسي [تعديل]
(ويسقط الترتيب) مطلقاً (بالارتماس) وشمول الماء لجميع
البدن بالانغماس فيه دفعة واحدة، إجماعا؛ للنصوص المستفيضة. منها الصحيح : «ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده»
[۱۱۷] [۱۱۸] ومثله الآخر،
[۱۱۹] [۱۲۰] والحسن.
[۱۲۱] [۱۲۲] [۱۲۳] [۱۲۴] و
الترتيب الحكمي الذي قيل فيه
[۱۲۵] [۱۲۶] ـ مع شذوذه بجميع تفاسيره ـ مدفوع بالأصل، وخلوّ النصوص عنه، مع عدم الدليل عليه،
لاختصاص أدلة الترتيب بغير ما نحن فيه، ومع ذلك لا ثمرة فيه في التحقيق وإن أثبتها جماعة.
[۱۲۷] [۱۲۸] [۱۲۹]
وفي
اعتبار توالي غمس الأعضاء بحيث يتحد عرفاً كما عن المشهور بين المتأخرين،
[۱۳۰] أو مقارنة النية
للانغماس التام حتى تقارن انغماس جميع البدن كما عن الألفية،
[۱۳۱] أو عدم اعتبار شيء منهما حتى إذا نوى فوضع رجله مثلا في الماء ثمَّ صبر ساعة فغمس عضواً آخر وهكذا إلى أن ارتمس كما هو مختار بعض المحقّقين،
[۱۳۲] أقوال. وليس في شيء من النصوص والعبارات الموصفة للارتماس بالوحدة دلالة على تعيين أحد الأوّلين
لاحتمال إرادة عدم التفرقة من الوحدة تنبيهاً على سقوط التعدد والترتيب فيصح مع التأنّي في
إتيانه ، كذا قيل.
[۱۳۳] [۱۳۴] وهو مشكل، واعتبار الأوّلين أحوط. وعلى الأوّل لا ينافي الوحدة توقف إيصال الماء إلى البشرة على تخليل ما يعتبر تخليله من الشعر ونحوه.
← الترتيب في الوقوف تحت المطر
ويستفاد من مفهوم النصوص ـ مضافاً إلى الاحتياط اللازم في مثل المقام ـ عدم سقوط الترتيب بالوقوف تحت المطر ونحوه، بناءً على عدم صدق
الارتماس عليه، مضافاً إلى ما دلّ على وجوبه مطلقاً إلّا ما خرج قطعاً، وفاقاً لجماعة.
[۱۳۵] [۱۳۶]وليس في الصحيح وغيره ـ مع ضعف الأخير ـ دلالة على السقوط، بل هما ـ في النظر ـ على الدلالة بالثبوت أظهر، ومع ذلك فهما مطلقان يقيّدان بما تقدّم.
فظهر سقوط حجة القول بالسقوط كما في القواعد،
[۱۳۷] وعن الإصباح وظاهر الاقتصاد والمبسوط.
[۱۳۸] [۱۳۹] ولو أغفل لمعة ففي وجوب
الاستئناف مطلقاً، أم الاكتفاء بغسلها كذلك خاصة، أو مع ما بعده، أو التفصيل بين طول الزمان فالأوّل وقصره فالثاني، أقوال، أصحّها الأوّل كما عن الدروس والبيان والمنتهى،
[۱۴۰] [۱۴۱] [۱۴۲] لعدم صدق الارتماس المعنيّ منه شمول الماء لجميع البدن دفعةً المشترط في سقوط الترتيب وصحة الغسل نصّاً وإجماعاً حينئذ، مضافاً إلى الأصل. وحجج الباقي ركيكة، والخبر : «ما جرى عليه الماء فقد طهر»
[۱۴۳] [۱۴۴] [۱۴۵] [۱۴۶] مورده الترتيبي خاصة، فافهم.
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
رياض المسائل، ج۱، ص۲۰۳- ۲۱۲.