وجدان الماء وصلاة المتيمم
فإن أخلّ بالطلب اللازم عليه فتيمّم وصلّى ثمَّ وجد
الماء تطهّر وأعاد
الصلاة إن أتى بها في السعة. لو وجد الماء قبل شروعه تطهر إجماعا، ولو كان بعد فراغه فلا
إعادة . ولو كان في أثناء الصلاة فقولان، أصحهما البناء ولو كان على
تكبيرة الإحرام . لو تيمم
الجنب ثم أحدث ما يوجب
الوضوء أعاد بدلا من
الغسل . لا ينقض التيمم إلا ما ينقض
الطهارة المائية ، ووجود الماء مع التمكن من استعماله. يجوز التيمم
لصلاة الجنازة مع وجود الماء ندبا. إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفى أحدهم تيمم
المحدث . وهل يخص به
الميت أو الجنب؟ فيه روايتان أشهرهما أن يخص به الجنب. روى فيمن صلى بتيمم فأحدث في الصلاة ووجد الماء قطع وتطهر وأتم، ونزلها الشيخان على النسيان.
صلاة المتيمم مع الإخلال بالطلب بوجدان الماء [تعديل]
فإن أخلّ بالطلب اللازم عليه فتيمّم وصلّى ثمَّ وجد الماء تطهّر وأعاد
الصلاة إن أتى بها في السعة إجماعاً. وكذا في الضيق على قول ظاهر من
إطلاق العبارة محكي عن ظاهر
الخلاف والمبسوط والنهاية [۱] [۲] [۳]، بناء على بطلان التيمم، لفقدان شرطه الذي هو الطلب. وفيه منع، بل شرطه الفقدان الحاصل هنا، والطلب واجب آخر. فإذا: الأظهر العدم، وفاقا للأشهر، للأصل، والعمومات الخالية عن المعارض. ويمكن تنزيل العبارة هنا وفي الكتب المتقدمة على الصورة الاولى. فلا خلاف ولا كلام، لفقد شرطه الذي هو العلم بعدم التمكن.
انتقاض التيمم بوجدان الماء قبل الصلاة [تعديل]
لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه في مشروط بالطهارة تطهّر مع عدم خوف فوات الوقت على الأصح، وقيل: مطلقا
[۴] [۵] [۶] إجماعا، بناء على انتقاض تيممه بوجدانه مع تمكن استعماله إجماعا، وللنصوص المستفيضة، منها
الصحيح : قلت: فإن أصاب الماء ورجا على ماء آخر وظنّ أنه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه؟ قال: «ينتقض تيممه وعليه أن يعيد التيمم»
[۷] [۸] [۹] [۱۰]. وليس في إطلاقه كغيره اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه، كما هو أحد القولين وأحوطهما. وقيل باعتباره
[۱۱] [۱۲] [۱۳] [۱۴] كما قدّمناه، لأصالة بقاء الصحة، وعدم ما ينافيها في المستفيضة، بناء على عدم
تبادر عدم إمكان الاستعمال منها، فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.
وهو حسن لو لا معارضة
أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء
اشتغال الذمة بالعبادة، وبعد
التعارض تبقى الأوامر بها عن المعارض سليمة. ومظهر الثمرة فقد الماء بعد الوجدان قبل مضي زمان الإمكان: فعليه إعادة التيمم مع عدم اعتباره، ولا معه. ولو كان الوجدان بعد فراغه منه فلا إعادة مطلقا أو في الجملة كما مرّ.
← بيان الأقوال فيما لو وجد الماء في أثناء الصلاة
ولو كان في أثناء الصلاة مطلقا فريضة كانت أم نافلة:
ففي وجوب الاستمرار مطلقا ولو قبل
القراءة ، كما عن
المقنعة والخلاف والمبسوط
والغنية والمهذّب والسرائر
والجامع [۱۵] [۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹] [۲۰] [۲۱]، وكتب
الماتن [۲۲] [۲۳]،
والعلّامة في جملة من كتبه
[۲۴] [۲۵] [۲۶]، ووالد الصدوق
والمرتضى في شرح الرسالة
[۲۷]، وهو الأشهر كما في
الروضة [۲۸]، بل عليه
الإجماع في السرائر في بحث
الاستحاضة [۲۹].
أو بشرط الدخول في
الركوع من الركعة الأولى، كما عن
المقنع والنهاية
والعماني والجعفي والمرتضى في الجمل
[۳۰] [۳۱] [۳۲] [۳۳]. أو من الركعة الثانية، كما عن
الإسكافي [۳۴]. أو الدخول في القراءة، كما عن
سلّار [۳۵]. أو لزوم القطع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة والصلاة، وعدمه مع عدمه واستحباب القطع ما لم يركع، كما في الذكرى عن
ابن حمزة [۳۶]. أقوال.
أمّا المشهور منها فقولان ذكرا أوّلا أصحّهما البناء والاستمرار ولو كان على
تكبيرة الإحرام تبعا لمن مرّ،
لاستصحاب الصحة ، وصريح بعض المعتبرة كالرضوي: «فإذا كبّرت في صلاتك
تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة، ولا تنقض تيمّمك، وامض في صلاتك»
[۳۷] [۳۸]. وظاهر غيره كالخبر: رجل تيمّم ثمَّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه، ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة»
[۳۹] [۴۰] [۴۱]. وقصور
السند منجبر بالشهرة وبالتعليل الآتي في الصحيح المتضمن للإمضاء في حقّ من صلّى ركعتين. وفي الجميع نظر: لمعارضة استصحاب الصحة باستصحاب بقاء شغل الذمة بالعبادة. فتأمل.
والأخبار بما هو أصحّ منها، كالصحيح: إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة، قال: «فلينصرف ويتوضأ ما لم يركع، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإنّ التيمم أحد الطهورين»
[۴۲] [۴۳] [۴۴]. ونحوه
الخبر : «إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته»
[۴۵] [۴۶] [۴۷] [۴۸]. وبالتعليل في الأول يحصل الوهن في التأييد بالتعليل المتقدم، لوروده هنا بيانا للإمضاء بعد الركوع خاصة مع التصريح بالإعادة قبله، فلعلّ الأوّل كذلك. وليس حمل الركوع في هذين الخبرين على الصلاة بأولى من حمل الصلاة في الأخبار السابقة على الركوع، وليس بعده أقوى من بعد الأوّل. فمرجع جميع وجوه النظر إلى المعارضة. ويمكن الجواب عنها بشيء جامع، وهو رجحان الأدلة الأوّلة بالاعتضاد بالشهرة الظاهرة والمحكية التي هي أقوى المرجحات المنصوصة والاعتبارية. فالقول الأوّل لا يخلو عن القوة، إلّا أنّ
الأحوط الإتمام ثمَّ
القضاء أو
الإعادة .
كلّ ذا مع القول بجواز التيمم مع السعة، وإلّا فلزوم الاستمرار والاستدامة لازم بالضرورة، لاستلزام تركهما الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها في
الشريعة . وبما ذكرنا يظهر ضعف باقي الأقوال المتقدمة، مع خلوّها عن الأدلّة الشرعية بالمرّة، عدا الثالث، لإمكان
الاستدلال له بالجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع ولو صلّى ركعة كالخبرين، في أحدهما: عن رجل صلّى
ركعة على تيمم ثمَّ جاء رجل ومعه قربتان من ماء، قال: «يقطع الصلاة ويتوضأ ثمَّ يبني على واحدة»
[۴۹] [۵۰] [۵۱]. وما صريحه
الإمضاء بعد صلاة ركعتين كالصحيح: في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة، فتيمّم وصلّى ركعتين ثمَّ أصاب
الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمَّ يصلي؟ قال: «لا، ولكنه يمضي في صلاته فيتمّها ولا ينقضها، لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمّم»
الحديث [۵۲] [۵۳] [۵۴].
ولكن قصور سند الأوّلين يمنع الجمع، مضافا إلى عدم الشاهد عليه، بل وضوح الشاهد على خلافه كما مرّ، لاستفاضة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة القطعية بعدم الإعادة بعد الركوع المنافي للأمر بها بعده في الخبرين القاصرين مكافاة لها من وجوه عديدة.
الجنب المتيمم إذا أحدث وتمكن من الوضوء [تعديل]
لو تيمّم الجنب ومن في حكمه ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد التيمم بدلا عن الغسل مطلقا، وجد ماء لوضوئه أم لا، كما عن
المبسوط والنهاية
والجواهر والسرائر
والإصباح والجامع
والشرائع [۵۵] [۵۶] [۵۷] [۵۸] [۵۹] [۶۰] [۶۱]. وهو الأشهر الأظهر، بناء على بقاء حدث
الجنابة وعدم ارتفاعه بالتيمم، لما مرّ من استفاضة حكاية الإجماع عليه، وإنّما غاية التيمم حصول
الاستباحة به وقد زالت بزواله بطروّ ناقضة، فالحدث أي الحالة المانعة الناشئة عن الجنابة بحاله.
هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار الناطقة بلزوم التيمم ولو وجد ما يكفيه للوضوء، منها الصحيح: في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به، قال: «يتيمّم ولا يتوضأ»
[۶۲] [۶۳]. ومفهوم الصحيح: «ومتى أصبت الماء فعليك
الغسل إن كنت جنبا، والوضوء إن لم تكن جنبا»
[۶۴] [۶۵] [۶۶]. شرط في الوضوء عدم الجنابة، وهي موجودة، لما عرفت من عدم ارتفاعها بالتيمم، إذ غايته حصول الاستباحة لا الطهارة عن الجنابة. خلافا للمحكي عن المرتضى في شرح الرسالة فأوجب الوضوء عند وجدان ما يكفيه له
[۶۷]، ومقتضاه لزوم التيمم بدله عند فقده.
بناء على أصله من ارتفاع حدث الجنابة بالتيمم، المردود بالإجماعات المستفيضة، وصريح النصوص الموجبة للغسل عند وجدان ما يكفيه من الماء
[۶۸] المسلّمة عنده، الغير المجامعة لأصله، إذ لو لم تكن الجنابة باقية لكان وجوب الطهارة لوجود الماء خاصة، إذ لا وجه غيره على ما ذكره، وهو ليس بحدث إجماعا حتى عنده، مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه، ضرورة استوائهم، فيه، لكنه باطل، لأن
المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ إجماعاً. وذلك واضح، والمناقشة في ذلك مردودة.
عدم انتقاض التيمم بخروج الوقت [تعديل]
لا ينقض التيمم إلّا ما ينقض
الطهارة المائية ، ووجود الماء مع التمكن من استعماله بإجماعنا، ونطق به أخبارنا، ففي الصحيح: عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال: «لا هو بمنزلة الماء»
[۶۹] [۷۰] [۷۱]. والصحيح: يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلّها؟ فقال: «نعم ما لم يحدث أو يصب ماء» قلت: فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه، فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه، قال: «ينتقض ذلك تيمّمه وعليه أن يعيد التيمم»
[۷۲] [۷۳] [۷۴]. خلافا لبعض
العامة فحكم بنقضه بخروج الوقت
[۷۵]، لأنّها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت
كالمستحاضة . ولا ريب في بطلانه.
جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء [تعديل]
•
التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ، يجوز
التيمم لصلاة الجنازة ولو مع وجود الماء مطلقا على الأشهر الأظهر.
حكم اجتماع الميت والجنب والمحدث مع كفاية الماء لأحدهم [تعديل]
إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفي أحدهم خاصة اختص به مالكه، وليس له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله، لوجوب صرفه في طهارته. ولو كان ملكا لهم جميعا مع عدم وفاء حصة كل بطهارته، أو لمالك يسمح ببذله، فلا ريب في ثبوت الخيرة لملّاكه في تخصيص من شاؤوا به. واختلفوا في ثبوتها بلا أولوية كما عن
الخلاف [۷۶]، أو معها كما هو المشهور. وظاهرهم الاتفاق على تيمّم المحدث بالأصغر، لظاهر أكثر
الروايات المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه وإن اختلفت في تعيينه، كاختلافهم فيه وأنه هل يخص به
الميّت أو
الجنب ؟ فيه روايتان مختلفتان أشهرهما وأظهرهما أنه يخص به الجنب وهي كثيرة:
منها: الصحيح: عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء، وحضرت
الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال: «يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمّم، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء، لأنّ الغسل من الجنابة
فريضة ، وغسل الميّت
سنّة ، والتيمم للآخر جائز»
[۷۷] [۷۸] [۷۹] [۸۰]. ونحو الخبران المتضمنان للحكم مع التعليل المترجحان هما كالصحيح به وبالكثرة والشهرة على غيره، مع قصور سنده، وهو روايتان، في إحداهما: «يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء»
[۸۱] [۸۲].
وفي الثانية: يتيمم الجنب مع المحدثين ويتوضئون هم
[۸۳] [۸۴]. وترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع اعتضادها بما مرّ كما ترى،والاستناد فيه إلى وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى. فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب، مع عدم معروفية قائله، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب. كضعف القول بالتخيير المطلق المبني على عدم المرجح، لظهوره بما مرّ. ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ المحدث، وجمع مستعملة واغتسال الجنب الخالي بدنه عن
النجاسة به، ثمَّ تغسيل الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته. وإذا أمكن تعيّن، ووجهه واضح.
حكم المتيمم إذا أحدث في أثناء الصلاة ثم وجد الماء [تعديل]
روي صحيحا فيمن صلّى بتيمم فأحدث في أثناء الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع الصلاة وخرج منها وتطهّر وأتم الصلاة من موضع القطع. وحيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد والنسيان المخالف للإجماع القطعي نزّلها الشيخان
[۸۵] [۸۶] على النسيان وعملا بها حينئذ، وتبعهما
المصنف في غير الكتاب
[۸۷]. وظاهره هنا التردد، لصحة الرواية وعمل الشيخين بها، وللأدلة الدالة بالعموم والخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة بالشهرة العظيمة، مضافا إلى
الإجماعات المنقولة عن
الأمالي والناصرية والتذكرة [۸۸] [۸۹] [۹۰] [۹۱]. وهو الأقوى ، لقصور الرواية ولو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة، مع احتمالها
التقية وقصورها عن وضوح الدلالة. ولتحقيق المسألة محلّ آخر. ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها ووقف في غيره وهو ما إذا دخل الصلاة متطهرا بالمائية، أو الترابية مع عدم الماء بعد الحدث على محلّ
الشهرة .
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۲، ص۵۲-۶۰.