← التشريع وهو تفعيل من الشرع، بمعنى جعل شيء شرعاً لنفس الجاعل أو لغيره. وهذا المعنى لا يساوق البدعة؛ إذ يشمل فعل الباري تعالى بوصفه مشرّعاً.
نعم، قد يقال بأنّه يطلق التشريع في اصطلاح الفقهاء و الاصوليّين على إدخال ما ليس من الدين في الدين، [۲۷] فيرادف البدعة، إلّاأنّ التشريع مصدر والبدعة اسمه ، ولذا تطلق البدعة على نفس العمل المشرَّع والمبدَع فيه أيضاً، بخلاف التشريع.
وأنّ المتعارف في القرآن والأخبار وعبارات المتقدّمين من الفقهاء التعبير بالبدعة، ولكن المتعارف في لسان الفقهاء في العصور المتأخّرة التعبير عنه بالتشريع، وفي كلماتهم شواهد كثيرة على وحدة المراد من الكلمتين عندما تقعان في سياق هذا الموضوع الذي نحن فيه.
وقد جمع بين التعبيرين مع تفسيرهما بشيء واحد المحقّق الحلّي حيث قال: «أمّا كون الثالثة بدعة فلأنّها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، ولأنّه يكون إدخالًا في الدين ما ليس منه، فيكون مردوداً؛ لقوله عليه السلام: «من أدخل في ديننا ما ليس فيه فهو ردّ»، ولا نعني بالبدعة إلّاذلك». [۲۸] لكنّ الصحيح أنّ التشريع يشمل إسناد ما لا يعلم أنّه من الدين إلى الدين أيضاً وإن كان واقعاً منه، بخلاف البدعة، كما أنّ البدعة تشمل كلّ ما يخترعه ويبتدعه الإنسان من المذاهب و الضلالات ولو لم يكن بعنوان الإسناد إلى الدين؛ ولهذا يقال لهم: أهل البدع ، ومن هنا يكونان مختلفين مفهوماً وبينهما العموم من وجه مصداقاً .
كما أنّه قد اخذت في البدعة خصوصية زائدة على مجرّد التشريع وهي خصوصية كونه مطلباً جديداً ومخترعاً في قبال ما هو ثابت في الشريعة، فمن يشرّع في صلاته مثلًا بقول آمين من دون العلم أنّه من الشرع ولكن على أنّه من الشرع من دون طرحه كشيء جديد في قبال الشارع لا يكون بدعةً.
حقيقة البدعة [تعديل] • البدعة (حقيقتها) ، تستعمل البدعة لدى المتشرّعة- ومنهم الفقهاء- وفي الأخبار بمعنى إحداث شيء في الدين بإدخال ما ليس من الدين فيه، أو إيجاد نقص فيه. وإليه يرجع تفسير بعضهم لها ب «إحداث أمر على خلاف السنّة»؛ إذ السنّة هنا بمعنى ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الدين.
بواعث البدعة [تعديل] • البدعة (بواعثها) ، وتختلف الدواعي إلى البدعة بحسب الظروف والمقامات، وجلّها راجع إمّا إلى جهل المبتدع بالشريعة ومقاصدها، وما يدلّ عليها ويكشف عنها من النصوص الشرعية وغيرها، فيرى نفسه عالماً بها وهو غير عالم، ويزعم الشيء دليلًا على الحكم الشرعي وليس بدليل، فيتّكل مثلًا على القياس الظنّي والاستحسان العقلي، فيقع في غير الواقع فيزعمه حكماً شرعياً، أو راجع إلى الهوى وحبّ الدنيا ومقاماتها، وقد يمتزجان.
بين الابتداع والإبداع [تعديل] قد يتصوّر أحياناً أنّ الشريعة الإسلامية بمحاربتها للبدعة و الابتداع تحارب الاجتهاد و الإبداع وتقدّم الفكر الإنساني والديني، فتحسب كلّ نظرية جديدة في الدين و الفقه و الأخلاق و الفلسفة ابتداعاً وإحداثاً في الدين، وبذلك تسدّ باب الاجتهاد و التجديد في الفقه و العلوم الدينية .
إلّاأنّ هذا التصوّر غير صحيح؛ لأنّ الشريعة الإسلامية أعطت الاجتهاد حرمته و مكانته وحثّت على التأمّل في الكتاب والسنّة، كما حثّت على نقد الذات ومحاسبتها و مراجعتها لأفكارها والسعي للتوصّل إلى نظريات وأفكار ورؤى جديدة من مصادر الدين لمشكلات الإنسانية على مرّ العصور.
فالاجتهاد القائم على أصول علمية محترم مقدّس، يحقّ معه للمجتهد في الفلسفة والأخلاق والفقه والاصول و العقيدة و... أن يدلي برأيه مستدلّاً عليه
ويقدّمه في المحافل العلمية والحوزات والمعاهد الدينية، ويناقش اجتهاده باسلوب علمي هادئ و رصين .
وعلى هذا جرت سيرة العلماء والفقهاء، حتى لو كانت نظريته مخالفةً للمشهور أو حتى للإجماع ، أو لم تطرح من قبل، شرط أن تقوم على القواعد العلمية وتطرح نفسها بطريقة استدلالية رصينة.
هذا هو الإبداع المفتوح وباب الاجتهاد الذي لا ينسدّ، أمّا اختراع الآراء دون دليل و الإطاحة بالنظريات وطرح أفكار بديلة دون بحث علمي رصين وقواعد استدلالية محكمة مهما اختلفنا معها، فهو الابتداع الذي يعني طرح أفكار لا وجود لها في الدين ودون تقديم أدلّة متكاملة فيها أو تكون اجتهادات في مقابل النصوص الواضحة تحت حجج واهية كالمعاصرة و التجديد والمواكبة وغير ذلك.
بهذا يفرّق الفقهاء بين الاجتهاد الإبداعي مهما اختلفوا مع هذه النظرية أو تلك، وبين القول الابتداعي الذي يقف مقابل النصوص الواضحة أو يدخل في الدين ما ليس فيه بلا حجّة ولا دليل .