الإفضاء في اللغة [تعديل] الإفضاء: مصدر أفضى بمعنى جعل المكان واسعاً، وبمعنى الانتهاء والوصول، ومنه قوله تعالى: «أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ» [۱] أي: انتهى إليه فلم يكن بينهما حاجز عن الجماع .
وبهذه المناسبة اطلق الإفضاء على الخلوة بالمرأة، مع مجامعتها أو بدونها، وعلى مسّ الأرض براحة اليد، وعلى جعل مسلكي المرأة واحداً بسبب الوطء . [۲][۳][۴][۵]
الإفضاء في الاصطلاح [تعديل] استعمله الفقهاء في نفس المعاني اللغوية، ولكن المستعمل كثيراً والذي هو متعلق حكم بعنوانه هو المعنى الأخير؛ فلذا يكون هو المقصود بالبحث هنا.
وأمّا المعاني الاخرى فمتعلّق الحكم هو عناوين اخرى كالجماع والخلوة وغير ذلك.
هذا وقد اختلفوا في حقيقة إفضاء المرأة على قولين:
الأوّل: أنّه جعل مسلك الحيض والبول واحداً، ذهب إليه الشيخ الطوسي حيث قال: «الإفضاء: أن يجعل مدخل الذكر - وهو مخرج المني والحيض والولد- ومخرج البول واحداً... وبين المسلكين حاجز دقيق، والإفضاء إزالة ذلك الحاجز». [۶] ووافقه على ذلك جماعة، [۷][۸][۹][۱۰][۱۱][۱۲][۱۳][۱۴][۱۵][۱۶] بل نسب إلى المشهور بينهم. [۱۷][۱۸][۱۹] الثاني: جعل مسلك الحيض والغائط واحداً، وهو ظاهر يحيى بن سعيد . [۲۰] وصرّح فخر المحققين بصدق اسم الإفضاء على كلّ واحد من المعنيين حقيقةً. [۲۱] وهو مختار بعض المعاصرين.
قال السيد اليزدي : «والإفضاء أعم من أن يكون باتّحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتّحاد الجميع وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل». [۲۲][۲۳][۲۴] وعلّله السيد الخوئي بأنّ تفسير الإفضاء لم يرد في النصوص حتى تكون له حقيقة شرعية ، فلابدّ من حمله على معناه اللغوي، وهو جعل الموضع واسعاً، وهو يتحقّق بكلّ من المعنيين. [۲۵]
الأحكام ومواطن البحث [تعديل] تترتّب على الإفضاء أحكام تختلف باختلاف الموارد، فالإفضاء قد يكون بسبب وطء الزوج، وقد يكون بسبب وطء الأجنبي، والزوجة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة، فهنا صور:
← إفضاء الصغيرة بوطء الزوج لا خلاف في حرمة وطء الزوجة التي لم تبلغ تسع سنين، سواء أدّى ذلك إلى الإفضاء أو لا. [۲۶] وإذا أثم الزوج وعصى ودخل بها فأفضاها تترتّب عليه أحكام وقع الخلاف في بعضها والاتّفاق في بعضها الآخر، أهمّها ما يلي:
←←حرمة وطئها مؤبّداً لا موضوع لهذا البحث على مبنى البينونة، وإنّما يبحث فيه بناءً على عدم بينونتها، فنقول: لا خلاف في حرمة وطئها قبل الاندمال ، وإنّما وقع الخلاف بين الفقهاء في الحرمة بعد الاندمال والبلوغ على قولين:
القول الأوّل: الحرمة مؤبّداً، وهو المشهور، [۴۷][۴۸] بل ادّعي عليه الإجماع . [۴۹] وبناءً على الحرمة فهل هي مقيّدة بالإفضاء أو أنّها تتحقّق بمجرّد الدخول ؟
قال الشيخ بالثاني. [۵۰] وصرّح المحقّق الحلّي بالأوّل، حيث قال: «إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصحّ». [۵۱] وقال الشهيد الثاني في المسالك : «ولم نقف على خبر واحد يدلّ على اشتراط التحريم بالإفضاء، ولكنّ الأصحاب قيّدوه بذلك». [۵۲] وقال العلّامة الحلّي: «التحريم منوط بالإفضاء، وإطلاق الشيخ في النهاية مشكل، والظاهر أنّ مراده ذلك». [۵۳] فحمل كلام الشيخ الطوسي على فرض تحقّق الإفضاء.
القول الثاني: عدم الحرمة، وأنّه يحلّ وطؤها بعد الاندمال. اختاره القاضي ابن البراج ، ويحيى بن سعيد في النزهة ، والفاضل الأصفهاني ، وقوّاه في الجواهر والعروة ، [۵۴][۵۵][۵۶][۵۷][۵۸][۵۹][۶۰][۶۱] قال المحقق النجفي : «الإنصاف... عدم خلوّه (القول بعدم الحرمة المؤبدة) عن القوّة؛ للعمومات، وخلوّ جميع النصوص المعتبرة مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجيّة، كخبر بريد العجلي عن الباقر عليه السلام في رجل اقتضّ ( اقتضّ جاريته : أزال قِضّتها، أي بكارتها . )[۶۲] جاريته- يعني امرأته- فأفضاها، قال: «عليه الدية إن كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين، فإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه». [۶۳] وصحيح حمران عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك، فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها؟
فقال: «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها، فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرّمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتى تموت فلا شيء عليه». [۶۴] وغيرهما من النصوص التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبّدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام، بل لعلّ قوله عليه السلام: «أمسكها» في الخبرين ظاهر في ذلك أيضاً». [۶۵] وقال السيد اليزدي : «الأقوى بقاؤها على الزوجيّة وإن كانت مفضاة، وعدم حرمتها عليه أيضاً»، وإن احتاط قبل ذلك بالحرمة عليه لمجرّد الدخول وإن لم يفضها. [۶۶][۶۷][۶۸]
←←وجوب الإنفاق عليها لا إشكال ولا خلاف في وجوب الإنفاق على الزوجة الصغيرة التي أفضاها الزوج ما دامت حيّة ، [۶۹][۷۰][۷۱][۷۲][۷۳][۷۴][۷۵][۷۶] بل قد ادّعي الإجماع عليه. [۷۷][۷۸] واستدلّ له برواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع عليها فأفضاها، قال: «عليه الإجراء ما دامت حيّة». [۷۹] وهذا الوجوب ثابت على القولين- أي القول بخروجها من حبالة الزوج وبينونتها عنه، والقول ببقائها على الزوجية- قال الشهيد الثاني : «وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما». [۸۰] وإنّما الخلاف في موردين:
أحدهما: في المطلّقة- بناءً على القول ببقائها على الزوجية- فهل تسقط بذلك النفقة أو لا؟ ذهب جملة من الفقهاء إلى عدم سقوطها، فيجب على الزوج الإنفاق عليها حتى بعد الطلاق [۸۱][۸۲][۸۳] وأنّه المشهور ، وادّعي عليه الإجماع [۸۴] أيضاً.
واستدلّ له بإطلاق الرواية المتقدّمة، والمحكي عن الإسكافي سقوط النفقة لها بعد طلاقها. [۸۵][۸۶] ثانيهما: في المتزوّجة بآخر فهل تسقط النفقة عليها لو قلنا بعدم سقوطها بالطلاق أو أنّها لا تسقط بل يجب عليه الإنفاق حتى لو تزوّجت؟
ذهب بعض الفقهاء إلى تقييد الحكم بوجوب الإنفاق بما إذا لم تتزوّج بغيره، وحينئذٍ تسقط النفقة؛ [۸۷][۸۸][۸۹][۹۰][۹۱][۹۲] نظراً إلى زوال علّة الوجوب وهي الزوجية ، والتعطيل على الأزواج، وامتناع وجوبها بالزوجية على أكثر من واحد. [۹۳] ونوقش فيه بمنع التعليل بالزوجية، ومن ثمّ وجبت حال الصغر وبعد البينونة قبل التزويج، وكذا التعليل بالتعطيل لاحتمال كون وجوب الإنفاق للعقوبة ، ووجوبها عليهما ليس للزوجية فيهما حتى يقال بامتناعه بالزوجية على أكثر من واحد، بل وجوبها على الأوّل للإفضاء، وعلى الثاني للزوجية. [۹۴] ونسب إلى فتوى المعظم عدم سقوط النفقة حتى لو تزوّجت. [۹۵][۹۶] وجعله بعضهم أحوط ، [۹۷] وبعض آخر أقوى. [۹۸]
←←استحقاق المهر لا إشكال في وجوب المهر بالإفضاء.
قال المحقق النجفي : «إنّ حكم المهر في المفضاة حكمه في غيرها، وإنّما تعرّض له الفقهاء هنا لئلّا يتوهّم دخوله في الدية، فيختلف حينئذٍ في التسمية وعدمها، وبالنسبة إلى عقر الأمة وإن كانت بغياً ، هل هو مهر المثل أو عشر القيمة في البكر ونصف العشر في الثيّب ؟ إلى غير ذلك من الأحكام التي لا فرق فيها بين المفضاة وغيرها.
نعم، هذا كلّه إذا أفضاها بالوطء ، أمّا لو أفضاها بغيره لم يستقرّ المهر به في الزوجية ولم يلزمه مهر في الأجنبية؛ لأنّه منوط بالدخول، وهو مفقود». [۱۳۲]
←←ترتّب آثار الزوجية لا إشكال في ترتّب أحكام الزوجية على المفضاة بناءً على القول ببقائها على الزوجية، فإن كانت هي الرابعة فلا يجوز لزوجها التزوّج بخامسة، كما لا يجوز التزوّج باختها، ولا بنت اختها أو أخيها من دون رضاها، وهكذا سائر الأحكام المتعلّقة بالزوجة كثبوت التوارث بينهما وجواز طلاقها ونحوهما. [۱۳۳][۱۳۴][۱۳۵][۱۳۶][۱۳۷] وكذلك لا إشكال في جواز طلاقها، ولا يشترط فيه شرط زائد على غيره من أفراد الطلاق، [۱۳۸][۱۳۹][۱۴۰][۱۴۱] خلافاً للبعض الذي يظهر منه اشتراطه بإغرام الدية، [۱۴۲] ولكن يحتمل أنّ مراده توقّف الدية على الطلاق لا العكس وهو يتم بناءً على ثبوت الدية لها إذا طلّقها لا على ما عليه المشهور [۱۴۳] من ثبوت الدية لها على كلّ حال.
ويلحق به الولد لو حملت منه بوطئها ولو كان يحرم عليه ذلك وكان عالماً به كالحائض . [۱۴۴] ولو طلّقها جاز له العود برجعة أو نكاح مستأنف وكانت عنده كما كانت قبل. [۱۴۵] نعم، لا يثبت الإحصان بها؛ لأنّ من شرطه التمكّن من الوطء، وهو مفقود هنا، فلو زنى الزوج المفضي أو زنت هي وجب الحدّ دون الرجم . [۱۴۶] وأمّا بناءً على القول بعدم بقاء الزوجية فلا يترتّب شيء من هذه الآثار.
← الإفضاء بغير وطء الزوج الإفضاء بغير وطء الزوج- سواء كان بوطء الأجنبي أو بغير الوطء- يترتّب عليه بعض الأحكام المتقدّمة لا جميعها.
أمّا الدية فلا إشكال في أنّها تترتّب عليه؛ لأنّها جناية محرّمة، فوجب ضمانها، [۱۷۵] وقد أطلق بعضهم في باب الديات القول بوجوب الدية بالافضاء. [۱۷۶][۱۷۷][۱۷۸] وصرّح آخرون بثبوتها بالإفضاء بغير الوطء أيضاً. [۱۷۹][۱۸۰][۱۸۱][۱۸۲] وأمّا التحريم ووجوب الإنفاق فصرّح بعضهم بعدم ترتّبهما على الإفضاء بغير الوطء:
قال العلّامة الحلّي: «وهل تتعلّق أحكام الإفضاء لو فعله بغير الوطء؟
الأقرب: لا، إلّا الدية فإنّها تجب». [۱۸۳] وقال المحقق النجفي : «الظاهر قصر الحكم على الزوجة الصغيرة المفضاة بالوطء، فلا تحرم الكبيرة ولا المفضاة بالإصبع... للأصل السالم عن المعارض». [۱۸۴] وقال السيد اليزدي : «ولا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع ونحوه، فلا تحرم مؤبّداً». [۱۸۵] واستقرب العلّامة في موضع آخر من كلامه التحريم بالنسبة إلى وطء الأجنبية قائلًا: «وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم، وفي النفقة إشكال». [۱۸۶] وقال ولده في توضيح كلامه: «هذه الأحكام إشارة إلى أحكام ثلاثة:
أ- التحريم المؤبّد.
ب- وجوب الإنفاق دائماً إذا لم تتزوّج.
ج- أنّه لو تزوّجت بغيره هل يجب عليه النفقة أو لا؟». [۱۸۷] ثمّ وافقه في الحكم الأوّل- أي التحريم المؤبّد- كما وافقه فيه المحقق الثاني [۱۸۸] أيضاً. وأمّا المهر فإن كانت المرأة مطاوعة فلا تستحقّه؛ لأنّه لا مهر لبغيّ، كما أنّه لو كانت مكرهة تستحقّه. [۱۸۹][۱۹۰][۱۹۱][۱۹۲][۱۹۳][۱۹۴] وقال بعضهم: إذا كانت بكراً استحقّت أرش البكارة زائداً على المهر ، [۱۹۵][۱۹۶][۱۹۷][۱۹۸][۱۹۹][۲۰۰] بينما ذهب بعض آخر إلى عدم وجوبه ؛ [۲۰۱][۲۰۲] لأنّه داخل في ضمن المهر، فلا مجال لوجوب الأرش مع وجوب المهر.