أحكام الدفن - ویکی فقه 


أحكام الدفن


(الرابع) : في أحكام (الدفن).
(والفرض فيه) كفاية أمران :
الأول (مواراته في الأرض ) على وجه يحرس جثته عن السباع ويكتم رائحته عن الانتشار ، بإجماع المسلمين، حكاه الفاضلان كغيرهما [۱] [۲] [۳] [۴] من المعتمدين، فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت إلّا عند الضرورة تأسياً بالنبي صلي الله عليه و آله وسلم وعترته والمسلمين من بعده.
والوصفان المتقدمان في الغالب متلازمان. ولو قدّر وجود أحدهما وجب مراعاة الآخر؛ للإجماع على وجوب الدفن ، ولا يتم فائدته إلّا بهما، كما قال مولانا الرضا عليه السلام   في علل ابن شاذان : «إنه يدفن لئلّا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه، ولا يتأذى به الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدنس والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّ ولا يحزن صديق». [۵] [۶] [۷]
ويكره دفنه بالتابوت في الأرض إجماعاً حكاه في الخلاف. [۸]
والثاني : أن يوضع (على جنبه الأيمن موجّهاً إلى القبلة ) بلا خلاف بين الطائفة، عدا ابن حمزة فجعله من الأمور المستحبة. [۹] وهو محجوج بفحوى المعتبرة الدالة على الأمر به في حال الاحتضار المستلزم للأمر به هنا بالأولوية .
هذا مضافاً إلى خبر العلاء بن سيابة في حديث القتيل الذي اتي برأسه : «إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجّهته للقبلة». [۱۰] [۱۱]
والتأسي بالنبي صلي الله عليه و آله وسلم و الأئمة   الأطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبّار، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار.
وعن القاضي : نفي الخلاف عنه في شرح الجمل، كنفيه إياه عن جعل مقاديمه إلى القبلة. [۱۲] وعن ظاهر التذكرة : إجماعنا عليه. [۱۳]
وروى في الدعائم : أنّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم   شهد جنازة رجل من بني عبد المطلب ، فلمّا أنزلوه في قبره قال : «أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ولا تكبّوه لوجهه، ولا تلقوه لظهره» ثمَّ قال لوليه : «ضع يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة به». [۱۴] [۱۵]
وفي الصحيح : مات البراء بن معرور الأنصاري   بالمدينة ورسول اللّه بمكة، فأوصى أنه إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم   وإلى القبلة فجرت به السنّة. [۱۶] [۱۷] وظاهر السنّة فيها الطريقة اللازمة لا الاستحباب والندبية. ويفصح عنه ما قدّمناه من الأدلة على الوجوب بالضرورة. ولا دليل على الاستحباب سوى الأصل المخصّص بها وبالرضوي : «ثمَّ ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة». [۱۸] [۱۹]
(ولو كان) الميت (في) سفن ( البحر ) غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ونقل إلى البرّ إن أمكن؛ تحصيلاً للمأمور به بقدر الإمكان ، و التفاتا   إلى ظاهر المرفوع الآتي.
(و) لو (تعذّر) النقل إلى ( البرّ ثقّل) كما عن الفقيه والمقنعة والنهاية و المبسوط   والسرائر والوسيلة [۲۰] [۲۱] [۲۲] [۲۳] [۲۴] [۲۵] للمعتبرة بالشهرة، كالمرفوع : إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط؟ قال : «يكفّن ويحنّط ويلقى في الماء». [۲۶] [۲۷] [۲۸] [۲۹]
وأوضح منه غيره، كالخبر : في الرجل يموت مع القوم في البحر فقال : «يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويثقّل ويرمى في البحر». [۳۰] [۳۱] [۳۲] [۳۳] ونحوه آخر [۳۴] [۳۵] [۳۶] والرضوي. [۳۷] [۳۸]
وإطلاق هذه الأخبار كإطلاق كلام بعض الأصحاب الشامل لإمكان البرّ محمول على الغالب من عدم الإمكان، ويشهد له المرفوع المتقدم.
(أو جعل في وعاء) وخابية (وأرسل إليه) للصحيح : عن رجل مات في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال : «يوضع في خابية ويوكى رأسها ويطرح في الماء». [۳۹] [۴۰] [۴۱] [۴۲]
والتخيير بينهما مشهور بين الأصحاب؛ ولعلّه للجمع بينه وبين الروايات السابقة. وحملها على صورة تعذر الخابية أو تعسرها ـ كما هو الأغلب ـ أجود، وفاقاً لظاهر المحكي عن الشيخ؛ [۴۳] لصحة مستندها، و اعتضادها بما فيها من صيانة الميت عن الحيوانات وهتك حرمته.
وفي وجوب الاستقبال به حين الرمي ـ كما هو الأشهر ـ أو العدم وجهان، والأول أحوط.
ثمَّ إنه لا خلاف في المنع عن دفن الكفّار مطلقا في مقبرة المسلمين، وكذا أولادهم، بل عن التذكرة ونهاية الإحكام : الإجماع عليه من العلماء؛ [۴۴] [۴۵] لإشعار الخبر الآتي به، ولئلّا يتأذى المسلمون بعذابهم. ولو كانت مسبّلة فغيرهم غير الموقوف عليهم.
ولو دفن نبش إن كان في الوقف ، ولا يبالي بالمثلة فإنه ليس له حرمة. ولو كان في غيره أمكن صرفاً للأذى عن المسلمين كما عن الشهيد. [۴۶]
(و) لكن (لو كانت) الميت (ذمية حاملاً من مسلم ) بنكاح أو ملك أو شبهة (قيل : دفنت في مقبرة المسلمين يستدبر بها القبلة إكراماً للولد) والقول مشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف والتذكرة. [۴۷] [۴۸] وهو الحجّة، لا الرواية : عن الرجل تكون له الجارية اليهودية أو النصرانية حملت منه، ثمَّ ماتت والولد في بطنها، ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام ؟ فكتب عليه السلام: «يدفن معها». [۴۹] [۵۰]
إذ لا دلالة فيها على ذلك لو لم تدل على خلافه؛ ولعلّه لذا تردّد الماتن في ظاهر العبارة.
ولكن استدل لإثباته بأنّ الولد لمّا كان محكوماً بإسلامه تبعاً لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة ، وإخراجه مع موتها غير جائز، فتعيّن دفنها معه.
وردّ بمنع الأخير؛ لعدم حرمة للكافرة.
وكيف كان : مقتضاه اشتراط موت الولد بعد ولوج الروح، كما عن ظاهر الشيخ والحلّي، [۵۱] [۵۲] ولعلّه المتبادر من إطلاق كلام المفيد والفاضلين. [۵۳] [۵۴] [۵۵] كتبادر نشئه من نكاح وما في حكمه، فلا يأتي الحكم في ولد الزنا بمقتضى التعليل والتبادر. ويحتمل الإتيان ، تغليباً لجانب الإسلام.
وفي اختصاص الحكم بالذمية كما يستفاد من ظاهر أكثر العبارات، أم يعم كل مشركة كما عن ظاهر الخلاف للتعبير بها فيه، [۵۶] وجهان. و الأصل   يقتضي الأول، وعموم  احترام الولد المستفاد من أنّ : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» [۵۷] [۵۸] يوجب الثاني، ولا بأس به مع عدم إمكان الإخراج بشق البطن في غير الكتابي.


المراجع [تعديل]

۱. المعتبر، ج۱، ص۲۹۱.    
۲. نهاية الإحكام، ج۲، ص۲۷۳.    
۳. المدارك، ج۲، ص۱۳۳.    
۴. كشف اللثام، ج۱، ص۱۳۴.    
۵. العيون، ج۱، ص۱۲۱.   
۶. علل الشرائع، ج۱، ص۲۶۸.   
۷. الوسائل، ج۳، ص۱۴۱، أبواب الدفن ب ۱، ح ۱.    
۸. المبسوط، ج۱، ص۱۸۷.    
۹. الوسيلة، ج۱، ص۶۸.    
۱۰. التهذيب، ج۱، ص۴۴۸، ح ۱۴۴۹.    
۱۱. الوسائل، ج۳، ص۲۳۱، أبواب الدفن ب ۶۱، ح ۳.    
۱۲. شرح جمل العلم والعمل، ج۱، ص۱۵۴.
۱۳. التذكرة، ج۱، ص۵۲.     
۱۴. دعائم الإسلام، ج۱، ص۲۳۸.
۱۵. المستدرك، ج۲، ص۳۷۵، أبواب الدفن ب ۵۱، ح ۱.    
۱۶. الكافي، ج۳، ص۲۵۴، ح۱۶.    
۱۷. الوسائل، ج۳، ص۲۳۰، أبواب الدفن ب ۶۱، ح ۲.    
۱۸. فقه الرضا، ج۱، ص۱۷۰.    
۱۹. المستدرك، ج۲، ص۳۷۶، أبواب الدفن ب ۵۱ ، ح ۲.    
۲۰. الفقيه، ج۱، ص۱۵۷، ح ۴۳۸.    
۲۱. المقنعة، ج۱، ص۸۶.    
۲۲. النهاية، ج۱، ص۴۴.    
۲۳. المبسوط، ج۱، ص۱۸۱.    
۲۴. السرائر، ج۱، ص۱۶۹.    
۲۵. الوسيلة، ج۱، ص۶۹.    
۲۶. الكافي، ج۳، ص۲۱۴، ح۳.    
۲۷. التهذيب، ج۱، ص۳۳۹، ح ۹۹۳.    
۲۸. الاستبصار، ج۱، ص۲۱۵، ح۷۶۰.     
۲۹. الوسائل، ج۳، ص۲۰۷، أبواب الدفن ب ۴۰، ح ۴.    
۳۰. التهذيب، ج۱، ص ۳۳۹، ح ۹۹۳.   
۳۱. الكافي، ج۳، ص۲۱۴، ح۲.     
۳۲. الاستبصار، ج۱، ص۲۱۵، ح ۷۵۹.     
۳۳. الوسائل، ج۳، ص۲۰۶- ۲۰۷، أبواب الدفن ب ۴۰، ح ۳.    
۳۴. التهذيب، ج۱، ص۳۳۹، ح۹۹۵.    
۳۵. الاستبصار، ج۱، ص۲۱۵، ح۷۶۱.     
۳۶. الوسائل، ج۳، ص۲۰۶، أبواب الدفن ب ۴۰، ح ۲.    
۳۷. فقه الرضا، ج۱، ص۱۷۳.     
۳۸. المستدرك، ج۲، ص۳۴۵، أبواب الدفن ب ۳۷، ح ۱.    
۳۹. الكافي، ج۳، ص۲۱۳، ح۱.    
۴۰. التهذيب، ج۱، ص۳۴۰، ح ۹۹۶.    
۴۱. الاستبصار، ج۱، ص۲۱۵- ۲۱۶، ح۷۶۲.    
۴۲. الوسائل، ج۳، ص۲۰۵- ۲۰۶، أبواب الدفن ب ۴۰، ح ۱.    
۴۳. الخلاف، ج۱، ص۷۰۵.    
۴۴. التذكرة، ج۱، ص۵۶.     
۴۵. نهاية الإحكام، ج۲، ص۲۸۱.    
۴۶. الذكرى، ج۱، ص۷۰.    
۴۷. الخلاف، ج۱، ص۷۳۰.    
۴۸. التذكرة، ج۱، ص۵۶.     
۴۹. التهذيب، ج۱، ص۳۳۴، ح ۹۸۰.    
۵۰. الوسائل، ج۳، ص۲۰۵، أبواب الدفن ب ۳۹، ح ۲.    
۵۱. الخلاف، ج۱، ص۷۳۰.    
۵۲. السرائر، ج۱، ص۱۶۸.    
۵۳. المقنعة، ج۱، ص۸۵.    
۵۴. المعتبر، ج۱، ص۲۹۲.    
۵۵. التذكرة، ج۱، ص۵۶.    
۵۶. الخلاف، ج۱، ص۷۳۰.    
۵۷. الفقيه،  ج۴، ص۳۳۴، ح ۵۷۱۹.    
۵۸. الوسائل، ج۲۶، ص۱۴، أبواب موانع الإرث ب ۱، ح ۱۱.    


المصدر [تعديل]

رياض المسائل، ج۱، ص۴۱۹- ۴۲۳.   
 




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار