الإصلاح بين الزوجين [تعديل] لو تحقّق الشقاق بين الزوجين فينبغي بعث حكمين للإصلاح ورفع الشقاق بينهما؛ لقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً». [۷] والشقاق: هو الكراهة بين طرفين- لا من طرف واحد- المنتهية إلى حدّ الاختلاف و العداوة ، فكأنّهما باختلافهما كلّ واحدٍ في شقّ، أي في جانب. [۸][۹] واختلف الفقهاء في وجوب بعث الحكمين، فذهب بعضهم إلى القول بالوجوب؛ لظاهر الأمر في الآية الكريمة . [۱۰][۱۱][۱۲][۱۳][۱۴] وآخر بالندب ؛ للأصل، وكون الأمر من الامور الدنيويّة ظاهر في الإرشاد . [۱۵][۱۶][۱۷] والتفصيل ثالثاً بين ما إذا توقّف الإصلاح عليه فيجب، وإلّا استحبّ أو جاز بلا رجحان . [۱۸] كما وقع كلام في المخاطب بالبعث هل هو الحاكم أو الزوجان أو أهلهما؟ وكانت لهم في ذلك أقوال، و المنسوب إلى الأكثر هو الأوّل. [۱۹][۲۰][۲۱][۲۲][۲۳] ووظيفة الحكمين الاجتهاد في النظر و البحث عن حال الزوجين، والسبب الباعث على الشقاق، والتأليف بينهما ما أمكن.
وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرّمة؛ ليتعرّفا ما عندهما وما فيه رغبتهما. [۲۴][۲۵] فإن رأيا أنّ الإصلاح هو الأصلح لهما فعلاه، وإن رأيا الأصلح هو الفراق ، فهل يجوز لهما ذلك أو يتوقّف على إذن الزوجين؟
قولان مرتّبان على كونهما وكيلين أو حكمين، فعلى القول بكونهما وكيلين لا إشكال في وجوب مراعاة الوكالة ، فإن تناولت الفراق فعلاه، وإلّا فلا.
وعلى القول بكونهما حكمين ففي جواز الفراق قولان أيضاً، مبنيّان على أنّ مقتضى إطلاق الحكميّة هو تسويغ ما يفعلانه من إصلاح أو طلاق ، وأنّ الطلاق يخصّ الزوج ؛ للنبوي: «الطلاق بيد من أخذ بالساق »، [۲۶] فلابدّ من استئذانه، ونسب هذا القول إلى الأشهر ، [۲۷][۲۸] بل المشهور ، [۲۹][۳۰][۳۱][۳۲] بل ادّعي عدم الخلاف [۳۳] فيه.
وينبغي للحكمين إخلاص النيّة في السعي و قصد الإصلاح، فمن حسنت نيّته فيما يتحرّاه أصلح اللَّه مسعاه ، وكان ذلك سبباً لحصول مبتغاه ، [۳۴][۳۵] كما ينبّه عليه قوله تعالى: «إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا». [۳۶]
← دلالة الكتاب على الإصلاح بين الناس ۱- فقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ». [۳۸] ۲- وقوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا». [۳۹] ۳- وقوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ». [۴۰] ۴- وقوله تعالى: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ». [۴۱] قال الشيخ الطبرسي: ««أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ» أي تأليف بينهم بالمودّة». [۴۲] فإنّ القرآن الكريم يؤكّد على إصلاح العلاقات بين المسلمين حتى لو بلغ بهم الحال حدّ التقاتل، بل الآيتان الأخيرتان تدلّان على مطلوبية مطلق الإصلاح، حتى لو كانا بين غير المسلمين بمقتضى كلمة (الناس) الواردة فيهما. وفي هذا قمّة الدعوة لإصلاح المجتمعات و ردم الهوّة بين الناس و إحلال الالفة في القلوب .
بذل المال في إصلاح ذات البين [تعديل] يستحبّ بذل المال فيما يستحبّ فيه الإصلاح إذا توقّف عليه؛ لرواية المفضّل قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي». [۵۰] ورواية أبي حنيفة سائق الحاجّ، قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمئة درهم ، فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كلّ واحدٍ منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد اللَّه عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من مال أبي عبد اللَّه عليه السلام. [۵۱] نعم، لم يصرّح الفقهاء بحكم الإصلاح لو استلزم لحوق الضرر على المصلح بين اثنين أو جماعتين في غير ما لو طرأ عنوان ثانوي أو جرى قانون التزاحم .
تحمّل الضرر في إصلاح ذات البين [تعديل] للفقهاء بحث كلّي عام في تحمّل الضرر لدفعه عن الغير، ويمكن لذاك البحث أن يطبّق على تقدير أن يكون في عدم الإصلاح ضررٌ لاحق، وقد ذكروا هناك عدم وجوب ذلك. [۷۰][۷۱][۷۲]
الكذب لإصلاح ذات البين [تعديل] جوّز الفقهاء الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، [۷۳][۷۴] بلا فرق بين أن يكون الخصام من الجانبين أو من جانب واحد، وكذا بلا فرق بين أن يكون المصلح أحد المتخاصمين أو غيرهما، [۷۵] وصرّح بعض بعدم الخلاف [۷۶] فيه، وقد استفاضت الأخبار بجوازه عند إرادة الإصلاح:
منها: رواية جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام في وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وفيها: «يا علي إنّ اللَّه أحبّ الكذب في الصلاح، وأبغض الصدق في الفساد - إلى أن قال:- يا علي ثلاث يحسن فيهنّ الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والإصلاح بين الناس». [۷۷] ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «المصلح ليس بكذّاب». [۷۸] قال المحقّق المجلسي في ذيل الحديث الأخير: «أي إذا نقل المصلح كلاماً من أحد الجانبين إلى الآخر لم يقله وعلم رضاه به أو ذكر فعلًا لم يفعله للإصلاح، ليس من الكذب المحرّم بل هو حسن .
وقيل: إنّه لا يسمّى كذباً اصطلاحاً وإن كان كذباً لغة؛ لأنّ الكذب في الشرع ما لا يطابق الواقع ، ويذمّ قائله، وهذا لا يذمّ قائله شرعاً». [۷۹]