← النجس باصطلاح المتشرعة هو النجاسة، فلابدّ أن يكون المقصود منه ذلك عند نزول الآية ؛ لوصوله إلينا يداً بيد، وبما أنّ أهل الكتاب قسم من المشركين؛ لقوله تعالى: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»، [۶] فلابدّ أن يكونوا نجسين بمقتضى هاتين الآيتين. [۷][۸][۹] ونوقش فيه:
أوّلًا: بأنّ النجس وإن كان عند المتشرّعة بمعنى النجاسة، إلّاأنّه لم يثبت كونه مراداً في الآية؛ لجواز أن لا تثبت النجاسة بمعناها الاصطلاحي في ذلك الزمان للتدرّج في بيان الأحكام . [۱۰] ولو كانت ثابتة فلم تكن معروفة بلفظ النجاسة، وإنّما كان يعبّر عنها بتعابير اخرى في مناسبات مختلفة؛ ولذا قلّما نجد التعبير بها في رواياتنا عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، بل في روايات الجمهور المشتملة على ستّمئة حديث عنه صلى الله عليه و آله وسلم في أحكام النجاسة، حيث لم يعبّر فيها بهذا التعبير إلّافي روايتين، ورد في إحداهما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ «الهرّ ليس بنجس»، [۱۱] وفي الاخرى في صحابي واجه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو جنب، فكره أن يجلس إلى النبيّ على هذه الحال فانطلق واغتسل واعتذر منه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «سبحان اللَّه، إنّ المؤمن لا ينجس». [۱۲] وهو كاشف عن ضآلة استعمال لفظ (النجاسة) في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ممّا يعني عدم استقرار الاصطلاح الشرعي بشأن هذا اللفظ . [۱۳] فالظاهر إرادة القذارة الكفريّة المناسبة لمنعهم عن الاقتراب من المسجد الحرام؛ إذ لا مانع من إدخال النجس الاصطلاحي إذا لم يستلزم هتكاً، بخلاف النجس الكفري؛ لأنّ الكافر عدوّ اللَّه، واللَّه لا يرضى بدخول عدوّه في بيته أبداً؛ لأنّه يعبد غيره. [۱۴] وثانياً: أنّ الظاهر من المشرك - لا سيّما مع إطلاقه بنحو اسم الفاعل- عند إطلاقه هو غير الكتابي ممّن يدين بالشرك كعبدة الأوثان ؛ لأنّه من المصطلحات الرائجة في المجتمع الإسلامي . ويؤيّده: أنّ الذين كانوا يقربون المسجد الحرام هم عبدة الأوثان دون أهل الكتاب، فجاء المنع في الآية عن اقترابهم منه، وجاء التطمين عقيبه بقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ». [۱۵] و العيلة التي تخاف وقوعها هي التي كانت بسبب منع الوثنيين الذين اعتادوا زيارة مكّة ، ولا أقلّ من الشكّ في إرادة ذلك في الآية الشريفة، وهو كافٍ في إجمالها من هذه الجهة وعدم إطلاقها».
← الصحيحة الثانية لعلي بن جعفر عن الإمام الكاظم عليه السلام ومنها: صحيحته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً، عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام ، قال: «إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام، إلّاأن يغتسل وحده على الحوض ، فيغسله ثمّ يغتسل...». [۳۱] ودلالتها على النجاسة لا بأس بها؛ لأنّ الأمر باغتساله بغير ماء الحمّام لو كان مستنداً إلى تنجّس بدن النصراني بشيء من المني أو غيره- كما قد يتّفق- لم يكن ذلك مختصّاً بالنصراني؛ لأنّ بدن المسلم يتنجّس بذلك أيضاً، فلا معنى لتخصيص النصراني بالذكر، [۳۲] فلابدّ أن يكون الأمر بالاغتسال بغير ماء الحمّام مستنداً إلى نجاسة النصراني.
ومنها: ما ورد في ذيل هذه الصحيحة ، وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء، أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلّا أن يضطرّ إليه». [۳۳] فإنّ النهي عن الوضوء بهذا الماء ينسبق منه عرفاً إفادة النجاسة، وأمّا الترخيص في حال الاضطرار فهو لأجل التقيّة رغم نجاسة الماء. [۳۴][۳۵][۳۶] واورد عليه: أوّلًا: أنّ الظاهر من الرواية جواز الوضوء مع عدم التمكّن من ماء آخر لم يباشره اليهودي أو النصراني، وليس فيه دلالة على نجاستهم بل العكس ؛ لعدم اختلاف الحال في تنجّس الماء بين صورتي الاضطرار وعدمه، فلا يستفاد منها إلّا استحباب التجنّب عمّا باشره أهل الكتاب . [۳۷][۳۸]
← الصحيحة الثالثة لعلي بن جعفر عن الإمام الكاظم عليه السلام ومنها: صحيحة ثالثة لعليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن فراش اليهودي والنصراني، ينام عليه، قال: «لا بأس، ولا يصلّى في ثيابهما»، وقال: «لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه». قال: وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للّبس لا يدري لمن كان، هل تصحّ الصلاة فيه؟ قال: «إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتى يغسله». [۴۲]واورد عليها:
بأنّ السؤال الأوّل فيها مع جوابه ليس فيهما دلالة على نجاسة اليهودي والنصراني؛ لعدم اشتمال الجواب على الأمر بالغسل الظاهر في ثبوت النجاسة للمغسول، وعدم كون النجاسة هي النكتة الوحيدة المحتملة ارتكازاً لتلك النواهي لكي ينسبق الذهن العرفي إليها، خصوصاً مع عدم توفّر الرطوبة السارية غالباً في إقعاد الكافر على الفراش أو مصافحته. ويؤيّده: ورود عنوان آخر في رواية اخرى لعليّ بن جعفر عطف فيها على الفراش و الثياب و القصعة و المصافحة ، عنوان مصاحبته التي من الواضح عدم كونها منجّسة، وإنّما لوحظ فيها الحزازة والحالة النفسية في قبال هؤلاء. [۴۳] وأمّا السؤال الثاني في الرواية مع جوابه فهو وإن كان فيه دلالة على نجاسة الكافر إلّاأنّه يستلزم تخصيص قاعدة الطهارة ، وهذا بنفسه مبتلى بالمعارضة بروايات بعضها صحيح السند، وفي ضوئها لابدّ من حمل الجواب المذكور على الاستحباب . [۴۴]