غسل الوجه واليدين في الوضوء
الأمر الثاني في الوضوء بعد ذكر موجباته هو : غسل الوجه واليدين بالنص و
الإجماع .
غسل الوجه [تعديل]
(والثاني : غسل الوجه).
← بيان حد الوجه طولا وعرضا
(وطوله من قصاص شعر الرّأس) أي منتهى منبته عند الناصية، وهو عند
انتهاء استدارة الرّأس وابتداء تسطيح الجبهة، فالنزعتان من الرّأس،
(إلى) محادر شعر (الذقن) أي المواضع الّتي ينحدر فيها الشعر عنه ويسترسل، بالنّص والإجماع.
(وعرضه ما اشتمل عليه
الإبهام والوسطى) بهما، مراعياً في ذلك مستوي الخلقة في الوجه واليدين، فيرجع فاقد شعر الناصية وأشعر الجبهة المعبّر عن الأول بالأنزع والثاني بالأغمّ، وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى وجهه، إلى مستوي الخلقة لبناء الحدود الشرعيّة على الغالب.
وعليه يحمل الصحيح : «الوجه الذي قال اللّه عزّوجل، وأمر اللّه عزّوجل بغسله، الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الإبهام والوسطى، من قصاص شعر الرّأس إلى الذقن، وما جرت عليه
الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه» قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : «لا».
[۱] [۲] [۳] [۴]
← عدم وجوب غسل المسترسل من اللحية
(و) منه يعلم أنه (لا يجب غسل ما استرسل من
اللحية ) وزاد عليها طولاً وعرضاً إجماعاً، كما حكي.
[۵] [۶]
← عدم وجوب غسل الصدغ
ولا الصدغ بجميعه لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة، كما هو ظاهر الصحيح، وجمع من الأصحاب، بل وصريح بعضهم.
[۷] [۸] [۹]
أو بعضه ممّا لم يصل إليه الإصبعان لو فسّر بمجموع ما بين العين و
الاُذن ، كما عن بعض
أهل اللغة
[۱۰] [۱۱] [۱۲] وظاهر جماعة.
[۱۳]
وكيف كان فعدم دخوله مطلقاً أو في الجملة إجماعي، بل قيل : إنه مذهب جمهور العلماء،
[۱۴] مضافا إلى دلالة الصحيح عليه من وجهين.
خلافاً للمنقول عن بعض الحنابلة
[۱۵] وظاهر
الراوندي في الأحكام.
[۱۶]
← عدم وجوب غسل ما يخرج من العذار
ولا ما يخرج من العذار ـ وهو ما حاذى الاذن من الشعر ـ عن
إحاطة الإصبعين، كما عن المعتبر والتذكرة و
نهاية الإحكام .
[۱۷] [۱۸] [۱۹]
ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقاً كما عن ظاهر
المبسوط والخلاف،
[۲۰] [۲۱] وعدمه كذلك كما عن صريح التحرير و
المنتهى .
[۲۲] [۲۳] وربما احتاط بالأول شيخنا في
الذكرى والدروس.
[۲۴] [۲۵]
ومنه يعلم عدم وجوب غسل البياض الذي بينه وبين الاُذن بطريق أولى.
← عدم وجوب غسل ما خرج من العارض
ولا ما خرج من العارض ـ وهو ما تحت العذار من جانبي اللحية إلى شعر الذقن ـ عن إحاطة الإصبعين كما عن نهاية الإحكام.
[۲۶]
ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن
الإسكافي والشهيدين،
[۲۷] [۲۸] [۲۹] وعدمه كذلك كما عن المنتهى.
[۳۰] ولكن الأول أحوط لدعوى ثانيهما الإجماع عليه.
← غسل ما نالته الإصبعان مواضع التحذيف
ووجوب غسل ما نالته الإصبعان من مواضع
التحذيف ، وهي : منابت الشعر الخفيف بين النزعة والصدغ أو
ابتداء العذار، كما عن الروضة والمسالك قطعا،
[۳۱] [۳۲] والذكرى احتياطاً.
[۳۳]
خلافاً للمنقول عن
التذكرة والمنتهى،
[۳۴] [۳۵] بناء على دخولها في الرأس لنبات الشعر عليها. وضعفه ظاهر.
← عدم وجوب تخليل اللحية
(ولا) يجب (تخليلها) أي اللحية للأصل، والإجماع، كما عن نص الخلاف والناصريات.
[۳۶] [۳۷] وهو كذلك في الكثيفة، وأمّا الخفيفة فربما يتوهم فيها الخلاف، والأشهر الأظهر : العدم للمعتبرة المستفيضة الصريحة الدلالة.
ففي الصحيح : «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه».
[۳۸] [۳۹]
وفي آخر : عن الرجل يتوضأ، أيبطن لحيته؟ قال : «لا».
[۴۰] [۴۱] [۴۲]
وفي
الموثق : «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر».
[۴۳] [۴۴] [۴۵]
وتؤيده الصحاح المستفيضة المكتفية في غسل الوجه بالغرفة.
[۴۶]
←←المراد بتخليل اللحية
والمراد بتخليلها :
إدخال الماء خلالها لغسل البشرة المستورة بها.
أما الظاهرة خلالها فلا بدّ من غسلها بلا خلاف كما يفهم من بعض العبارات،
[۴۷] [۴۸] [۴۹] بل وعن صريح بعض الإجماع عليه.
[۵۰]
← غسل جزء آخر مما جاور اللحية
كما يجب غسل جزء آخر ممّا جاورها من المستورة من باب المقدمة، وربما يحمل عليه كلام من أوجبه في الخفيفة، فيصير النزاع لفظياً، كما صرح به جماعة.
[۵۱] [۵۲]
وهل يستحب كما عن التذكرة ونهاية الإحكام والشهيد،
[۵۳] [۵۴] [۵۵] أم لا كما عن المصنف والمنتهى وظاهر النفلية و
البيان [۵۶] [۵۷] [۵۸] [۵۹] ؟
قولان، الظاهر : الثاني لعدم الثبوت، واحتمال
الإخلال بالموالاة، وظاهر النهي فيما تقدم، و
احتمال دخوله في التعدي المنهي عنه، وكونه مذهب العامة كما صرّح به جماعة،
[۶۰] [۶۱] [۶۲] ويستفاد من بعض المعتبرة المروي عن كشف الغمة فيما كتب
مولانا الكاظم عليه السلام إلى
عليّ بن يقطين اتقاء : «اغسل وجهك (ثلاثاً ) وخلّل شعر لحيتك «ثمَّ كتب إليه» توضّأ كما أمر اللّه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة واخرى
إسباغاً إلى قال : «فقد زال ما كنّا نخاف عليك».
[۶۳] [۶۴] [۶۵]
ولم يتعرض له ثانياً، ولو كان مستحباً لأمر به كما أمر بالإسباغ.
ومع جميع ذلك لا يتم الثبوت من باب
الاحتياط مع عدم تماميته مطلقاً؛ للإجماع على عدم الوجوب في الكثيفة.
ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب والخدّ والعذار والحاجب والعنفقة والهدب مطلقاً ولو من غير الرجل، مطلقا، وعن الخلاف الإجماع عليه.
[۶۶]
غسل اليدين [تعديل]
(والثالث : غسل اليدين مع المرفقين) بالنص والإجماع.
← بيان حد المرفقين
وهو ـ بكسر الميم وفتح الفاء أو بالعكس ـ مجمع عظمي الذراع والعضد، لا نفس المفصل، كما يستفاد من
إطلاق الصحيحين الآمرين بغسل المكان المقطوع منه منهما،
[۶۷] [۶۸] الشاملين لما لو قطع من المفصل.
وخصوص ظاهر الصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال : «يغسل ما بقي من عضده».
[۶۹] [۷۰] [۷۱] [۷۲]
بناء على جعل الموصول للعهد، والجارّ ظرفاً مستقراً على أنه حال مؤكدة، أو لغواً متعلقاً ب : يغسل مع كونه للتبعيض. فتأمل.
ويظهر من هذا كون وجوب غسلهما
أصالة لا من باب المقدمة، مضافاً إلى ظواهر المعتبرة في الوضوءات البيانية المتضمنة لوضع الغرفة على المرفق كوضعها على الجبهة، فكما أنّ الثاني ليس من باب المقدمة بل بالأصالة فكذا الأول، وخصوص الإجماعات المنقولة عن
التبيان والطبرسي والمنتهى.
[۷۳] [۷۴] [۷۵]
ومظهر ثمرة الخلاف ما ذكرناه، وغسل الزائد على المفصل من باب المقدمة، فيجب على الأول دون الثاني.
← وجوب الإبتداء بالمرفقين
ويجب أن يكون فيه (مبتدئاً بهما، ولو نكس فقولان، أشبههما) وأشهرهما بل عن التبيان وغيره
[۷۶] [۷۷] الإجماع عليه أنه لا يجوز للأصل، والوضوءات البيانية المستفادة من المعتبرة.
منها : الصحيح في بيان وضوء
رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : أنه غمس كفه اليسرى، فغرف بها غرفة، فأفرغ على ذراعه اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردّها إلى المرفق، ثمَّ غمس كفه اليمنى، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى.
[۷۸] [۷۹] [۸۰]
مع قوله عليه السلام في المنجبر ضعفه بالشهرة : «هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به».
[۸۱] [۸۲]
وخصوص المعتبرين المروي أحدهما في
تفسير العيّاشي ، وفيه
الأمر بصب الماء على المرفق، وظاهره الوجوب، مضافاً إلى تأيده بما في آخره : قلت له : يردّ الشعر؟ قال : «إذا كان عنده آخر فعل وإلّا فلا».
[۸۳] [۸۴]
وفي ثانيهما : عن قول اللّه عزّوجل (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فقلت : هكذا؟ ومسحت من ظهر كفّي إلى المرافق، فقال : «ليس هكذا تنزيلها، وإنما هي : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق» ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه.
[۸۵] [۸۶] [۸۷]
وظاهره بل صريحه الوجوب، وضعفها مجبور بما تقدّم.
← وجوب الابتداء بالأعلي في غسل الوجه
وممّا ذكر ظهر وجوب البدأة بالأعلى في غسل الوجه أيضاً، مضافا إلى الأمر به بخصوصه في بعض الأخبار المنجبر قصور سنده
بالاشتهار ، رواه في
قرب الإسناد ، وفيه : «لا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسل من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا» الحديث.
[۸۸] [۸۹]
خلافاً للمرتضى والحلّي
[۹۰] [۹۱] في المقامين، فلم يوجباه لإطلاق الآية. وهو ضعيف بما قدّمناه.
ويجب غسل ما اشتملت عليه الحدود من لحم زائد ويد وإصبع وشعر مطلقاً، على الإشكال في الأخير، دون ما خرج وإن كان يدا على الأظهر، إلّا أن تشتبه بالأصلية فيغسلان معا من باب المقدمة، قاصدا فيهما الوجوب
أصالة ظاهرا.
كفاية مسمي الغسل [تعديل]
(وأقلّ الغسل) مطلقاً (ما يحصل به مسمّاه) بأن ينتقل كل جزء من الماء عن محله إلى غيره بنفسه أو بمعين، فيكفي ذلك (ولو) كان (دهناً) بالفتح مع الجريان، ولا يجزي ما دونه مطلقا، على الأشهر الأظهر، بل كاد أن يكون إجماعا.
لظاهر الآية،
[۹۲] والنصوص المستفيضة الآمرة بالغسل في موضعين والمسح في آخرين
[۹۳] فلا يجوز العدول عنها، وخصوص ظاهر المعتبرة، منها الخبر : «الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما اجري من الدهن الذي يبلّ الجسد».
[۹۴] [۹۵] [۹۶]
وعلى المبالغة في
الاكتفاء بالمسمّى يحمل ما أطلق فيه
الاجتزاء بالدهن من المعتبرة،
[۹۷] والخبر المزبور شاهد بذلك،
لاعتبار الجريان فيه مع إطلاق الدهن فيه أيضا، وإلّا فهي مخالفة لظاهر ما تقدم، بل والضرورة من الدين، لما اشتهر بين العامة والخاصة من أن الوضوء غسلتان ومسحتان أو مسحة وثلاث غسلات من دون تفصيل.
خلافاً للمقنعة والنهاية،
[۹۸] [۹۹] فاكتفيا به حال الضرورة، ويمكن حملهما ـ كالمعتبرة ـ على المبالغة، وإلّا فيتوجه عليهما ما تقدّم، مضافاً إلى عدم ظهور المجوزة فيها، فلا وجه لتخصيصها بها مع حصول الجمع بما تقدم. وعلى تقدير عدم إمكانه به فطرحها متعيّن والأخذ بما قابلها لازم للشهرة العظيمة، وظاهر الآية والأخبار المستفيضة، المؤيدة بوجوب تحصيل
البراءة اليقينية، فتأمّل.
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
رياض المسائل ، ج۱، ص۱۲۱-۱۲۹.