أحكام المواقيت - ویکی فقه 


أحكام المواقيت


هناك جملة من الأحكام تتعلّق بالمواقيت بصورة عامة نوردها فيما يلي:
۱- لزوم معرفة الميقات:
قد شاع في ألسنة الفقهاء المتقدّمين أنّه يجب على المكلّف الذي يريد الإحرام والنسك تحصيل المعرفة بالميقات وتشخيصه؛ لأنّ الإحرام لا يصح إلّا منها، وهو متوقّف على معرفتها، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. [۱] [۲] [۳] [۴]
ثمّ مع فقد العلم و اليقين   أو  الاطمئنان لا بدّ من تحصيل حجّة شرعية   عليه.
ولكن ذكر غير واحد من الفقهاء [۵] الاكتفاء في معرفة المواقيت بالشياع المفيد للظنّ الغالب.
قال المحقّق الأردبيلي : «الظاهر أنّ معرفة الميقات أي المحلّ الذي يجب الإحرام منه للنسك واجبة على الناسك ليتمكّن من الإحرام منه كما أمر، والظاهر أنّها تحصل بالشياع المفيد للظن أيضاً». [۶]
وقال السيد العاملي : «الظاهر الاكتفاء في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظنّ الغالب». [۷] ونسبه في الجواهر إلى غير واحد من الأصحاب . [۸]
واكتفى بعضهم بسؤال الناس و الأعراب ، ولعلّه من جهة كونهم أهل خبرة، [۹] [۱۰] [۱۱] قال الشيخ كاشف الغطاء : «تكفي المظنّة في معرفة المواقيت الناشئة من قول الأعراب ولو من واحد، و الأحوط   طلب العلم، ثمّ أقوى الظنون مع التمكّن من دون عسر، ولو حصل التعارض أخذ بالترجيح، ومع التساوي وحصول التردّد من غير مخبر يلزم الجمع بين المحتملات إن أمكن، ومع عدم الإمكان يتخيّر ويذهب إلى ميقات آخر احتياطاً». [۱۲]
واستدلّ للاكتفاء بقول الأعراب بصحيحة معاوية بن عمّار   عن أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك». [۱۳] [۱۴] [۱۵]
قال المحقّق النائيني : «الأقوى لزوم تحصيل العلم بهذه الأماكن، وإن لم يتمكّن فلا يبعد الاكتفاء بالاطمئنان الحاصل من أخبار العارفين بها». [۱۶]
وقال السيد الخوئي : «يجب على المكلّف اليقين بوصوله إلى الميقات والإحرام منه أو يكون ذلك عن اطمئنان أو حجّة شرعية، ولا يجوز له الإحرام عند الشكّ في الوصول إلى الميقات». [۱۷]
وقال الإمام الخميني : «تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبيّنة الشرعية أو الشياع الموجب للاطمئنان، ومع فقدهما بقول أهل الاطلاع مع حصول الظن فضلًا عن الوثوق، فلو أراد الإحرام من المسلخ - مثلًا- ولم يثبت كون المحلّ الكذائي ذلك لا بدّ من التأخير حتّى يتيقّن بالدخول من الميقات». [۱۸]
ثمّ إنّه لو شكّ ولم يحصل له اطمئنان أو ظنّ في مبدأ الميقات لم يصحّ منه الإحرام، بل لا يجوز إذا قصد التشريع بذلك. [۱۹] [۲۰] ولا يمكن إجراء أصل عدم الوصول إلى الميقات أو عدم وجوب الإحرام؛ لأنّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك ميقاتاً، فيكون حينئذٍ الشك في الفراغ لا في  الاشتغال ، فيجب تحصيل العلم في نظر العقل. [۲۱]
ويمكن التخلّص من ذلك بأحد أمرين:
الأوّل: أن يلبس ثوبي الإحرام   ويشرع في التلبية من أول نقطة يحتمل فيها كونها ميقاتاً، ويستمرّ على النيّة والتلبية إلى آخر نقطة يحتمل فيها الخروج منها حتّى يعلم مصادفتها الميقات. [۲۲]
الأمر الثاني: أن يقدّم إحرامه على الميقات بنذر شرعي، بأن ينذر الإحرام من مكان على نحو يعلم بأنّه قبل المواقيت. [۲۳]
وقد مضى البحث عن ذلك فيما تقدّم.
۲- الإحرام قبل الميقات:
تقدّم أنّ الإحرام- سواء كان لعمرة أو لحجّ- لا بدّ أن يكون من الميقات الذي وقّته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   من حيث الزمان والمكان، فلا يجوز الإحرام من غير ميقاته مكاناً أو زماناً إلّا فيما استثني، كما سيأتي. [۲۴] [۲۵] [۲۶]
والمراد من عدم الجواز هنا الحرمة التشريعية ، [۲۷] أمّا الحرمة الذاتية فلا دليل عليها، لا سيّما وأنّ المذكور في كلماتهم عدم الانعقاد ، وما في بعض النصوص من النهي عن الإحرام قبل الميقات فالظاهر أنّه إرشادي إلى عدم الصحّة [۲۸] فلا ينعقد إحرامه بلا خلاف فيه، [۲۹] [۳۰] بل الإجماع [۳۱] [۳۲] [۳۳] [۳۴] [۳۵] بقسميه عليه، [۳۶] والنصوص به مستفيضة [۳۷] [۳۸] [۳۹] قد ورد في بعضها أنّ الإحرام دون الميقات في حكم العدم:
ففي خبر ميسرة قال: دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام وأنا متغيّر اللون، فقال لي: «من أين أحرمت بالحجّ؟» فقلت: من موضع كذا وكذا، فقال عليه السلام: «ربّ طالب خير تزلّ قدمه- ثمّ قال-: يسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعاً؟»، قلت: لا، قال: «فهو واللَّه ذلك». [۴۰]
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعاً». [۴۱]
وفي صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها...». [۴۲]
وفي صحيح ابن اذينة ، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له». [۴۳]
وحينئذٍ لا يكفي مروره فيه ما لم يجدّد الإحرام فيه من رأس بإنشاء نيّته وعقده بالتلبية وغير ذلك ممّا ثبت في كيفيّة الإحرام، [۴۴] [۴۵] [۴۶] كما أنّه لو قتل صيداً أو فعل محرّماً قبل الحرم لا تلزمه الكفّارة ؛ لأنّه ليس بمحرم، [۴۷] [۴۸] كما تدلّ عليه مرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فأصاب من النساء والصيد فلا شي‌ء عليه». [۴۹]
وقد استثنى الفقهاء من عدم جواز التقديم موردين:
الأوّل: نذر الإحرام قبل الميقات:
الأكثر [۵۰] أو المشهور [۵۱] [۵۲] [۵۳] بين الفقهاء [۵۴] [۵۵] [۵۶] [۵۷] [۵۸] [۵۹] انعقاد الإحرام لو نذره قبل الميقات، ويجب الوفاء به ولا يلزمه تجديد الإحرام من الميقات ولا المرور عليه، وإن كان مقتضى الاحتياط الجمع بين الإحرام من محلّ النذر ومن الميقات، خصوصاً في مثل الحجّ والعمرة الواجبين. [۶۰] [۶۱]
واستدلّ على ما ذكر بعدّة روايات:
منها: صحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل جعل للَّه عليه شكراً أن يحرم من الكوفة ، قال: «فليحرم من الكوفة، وليفِ للَّه تعالى بما قال». [۶۲]
ونحوه خبر صفوان عن علي بن أبي حمزة ، قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام أسأله عن رجل جعل للَّه عليه أن يحرم من الكوفة، قال: «يحرم من الكوفة». [۶۳]
ومنها: ما رواه سماعة عن أبي بصير   أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: «لو أنّ عبداً أنعم اللَّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان ، كان عليه أن يتمّ». [۶۴]
واورد على الاستدلال بهذه الروايات:
أوّلًا: بأنّ المشروعية معتبرة في متعلّق النذر، وهي مفقودة في المقام، ومن هنا كان ظاهر جماعة بل صريح آخرين عدم مشروعية النذر قبل الميقات، بمعنى لزوم تجديد الإحرام منه، فإنّ السيد المرتضى   و ابن أبي عقيل   منعا من الإحرام قبل الميقات، [۶۵] [۶۶] ولم يستثنيا النذر، وكذا ابن الجنيد   [۶۷] و ابن بابويه . [۶۸] [۶۹]
وهو مختار العلّامة في المختلف، [۷۰] وذكر الفاضل الهندي   أنّه أقوى . [۷۱]
واجيب عنه: بأنّ اللازم رجحان متعلّق النذر حين الامتثال وفي ظرفه، ولو كان الرجحان ناشئاً من قبل النذر، ويستكشف ذلك من الأخبار الدالّة على صحّة النذر في مورد الإحرام قبل الميقات، [۷۲] وتكون هذه الروايات دليلًا على المشروعية والصحة بحيث لو فرض وجود إطلاق في أدلّة التوقيت بالمواقيت يقتضي بطلان الإحرام قبلها كانت مخصّصة له.
وثانياً: ما أورده بعض الفقهاء على القول بالجواز: أنّ الإحرام بالنذر لو لا الروايات الخاصّة من غير المواقيت ليس مجزياً بمقتضى ما دلّ على اشتراط انعقاده من المواقيت، وإنّما خرجنا عن ذلك بحكم الروايات الخاصّة المتقدّمة، وهي كلّها واردة في النذر للاحرام من موضع أبعد من جميع المواقيت وهو الكوفة وخراسان، وما فيه من المشقّة والطاعة الزائدة شكراً للَّه تعالى، فلا إطلاق لها لنذر الإحرام من موضع أقرب من ذلك إلى مكة ، وإلغاء هذه الخصوصية الموجودة في موردها لا دليل عليه؛ لقوّة احتمال دخالتها في الجواز عرفاً، فلا يثبت تخصيص روايات عدم مشروعية الإحرام من غير المواقيت بأكثر من هذا المقدار. [۷۳]
ثمّ إنّه صرّح بعض الفقهاء [۷۴] [۷۵] [۷۶] [۷۷] [۷۸] [۷۹] باعتبار تعيين المكان، فلا يصحّ نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً حتّى يكون مخيّراً بين الأمكنة؛ إذ القدر المتيقّن من الأخبار المجوّزة- بعد عدم إطلاق فيها- هو جواز نذر الإحرام قبل الميقات فيما إذا عيّن مكاناً خاصّاً، كالكوفة وخراسان ونحوهما. [۸۰]
ولكن قال السيد اليزدي : «نعم، لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: للَّه عليّ أن احرم إمّا من الكوفة أو من البصرة، وإن كان الأحوط خلافه»، [۸۱] وخالفه بعض الفقهاء في ذلك. [۸۲] [۸۳]
إلحاق العهد واليمين بالنذر:
ذكر الفقهاء أنّه لا فرق بين النذر و أخويه   في ذلك؛ لشمول النصوص لها، فإنّها مفروضة فيمن جعل ذلك عليه للَّه تعالى. [۸۴] [۸۵]
وأورد عليه المحقّق النجفي   بأنّ: «معقد الفتاوى النذر، بل قد يدّعى أنّه  المنساق من النص، بل الظاهر عدم دخول اليمين فيه. كلّ ذا مع مخالفة المسألة للقواعد، وينبغي الاقتصار فيها على المتيقّن». [۸۶]
وقال السيد الحكيم   في بيان وجه عدم دخولهما في النصوص ما محصّله: «أنّ النذر يتضمّن إنشاء تمليك اللَّه سبحانه نفس المنذور، والعهد يتضمّن إنشاء المعاهدة مع اللَّه تعالى على فعل، واليمين ليس فيه إنشاء مضمون إيقاعي، فلا جعل فيه للَّه تعالى، فلا يدخل في النصوص، بل العهد كذلك، فإنّ إنشاء المعاهدة لا يرجع إلى جعل شي‌ء للَّه تعالى... بل التحقيق أنّ المعاهدة ليست من المعاني الإيقاعية، بل من الامور الحقيقية... و إرجاع المعاهدة مع اللَّه سبحانه على فعل شي‌ء إلى جعل شي‌ء له تعالى غير واضح، بل ممنوع...فالبناء على دخول العهد واليمين في النصوص غير ظاهر... نعم، لو تمّت دلالة رواية أبي بصير كانت عامة للجميع...
(لكن‌) قد عرفت الإشكال فيها، (من كون ظاهرها مجرّد جعل الإحرام على نفسه من المواضع البعيدة عليه من باب تحمّل المشقّة في سبيل الطاعة شكراً للَّه تعالى، لا أنّه من باب نذر الشكر )». [۸۷]واعترف السيد الخوئي أيضاً باختصاص صحيحة الحلبي بالنذر، لكنّه قال بعد ذلك:
«وأمّا موثّقة(سماعة) فغير قاصرة الشمول للعهد واليمين؛ إذ لم يذكر فيها أن يجعل للَّه على نفسه شيئاً، وإنّما المذكور فيها أن يجعل على نفسه، وهذا العنوان مشترك بين النذر والعهد واليمين». [۸۸]
وقال السيد اليزدي: «إنّ الأحوط عدم إلحاق العهد واليمين بالنذر؛ لكون الحكم على خلاف القاعدة». [۸۹]
وقال السيد الخوئي: «مراده من الاحتياط أنّه ليس للعاهد الاكتفاء بالإحرام من موضع العهد، بل يجمع بين الأمرين: يحرم من موضع العهد، ويحرم من الميقات، أو لا يعهد ولا يخلف ذلك، وليس مراده من الاحتياط عدم الوفاء بالعهد والاقتصار بالإحرام من الميقات حتى يرد عليه بأنّه وإن كان أحوط من جهة، ولكنّه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة النذر، والمقام من قبيل الدوران بين المحذورين ». [۹۰]
ثمّ إنّه لو نذر الإحرام قبل الميقات وخالف نذره، فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم بطلان إحرامه إذا أحرم من الميقات، وإنّما تجب عليه كفّارة مخالفة النذر إذا كان متعمّداً. [۹۱]
وأورد عليه السيد الحكيم بأنّه في فرض العمد لا يصحّ إحرامه؛ لأنّ النذر يقتضي ملك اللَّه تعالى سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلّف على تفويته، والإحرام من الميقات عمداً مفوّت للواجب المملوك للَّه، فيكون حراماً ومبغوضاً، فيبطل إذا كان عبادة . [۹۲]
واجيب عنه: بأنّ النذر إنّما يوجب خصوصية زائدة في المأمور به، كما إذا نذر أن يصلّي جماعة أو يصلّي في مسجد خاص، فإنّه يجب عليه الإتيان بتلك الخصوصية وفاءً للنذر، ولكن هذا الوجوب إنّما نشأ من التزام المكلّف على نفسه بسبب النذر، فهو تكليف آخر يغاير الوجوب الثابت لذات العمل، والمأمور به إنّما هو الطبيعي الجامع بين الأفراد ، والنذر لا يوجب تقييداً ولا تغييراً في المأمور به الأول، فلو أتى بالمنذور كان آتياً بالمأمور به، وكذا لو أتى بغير المنذور وصلّى فرادى- مثلًا- كان آتياً بالمأمور به وإن كان تاركاً للنذر وآثماً بذلك. أمّا التفويت فلا يترتّب عليه شي‌ء؛ لأن أحد القيدين لا يكون علّة لعدم الضد الآخر، ولا العكس، وإنّما هما أمران متلازمان في الخارج، فإذا وجد أحدهما في الخارج لا يوجد الآخر طبعاً، والإحرام من الميقات ومن المكان المنذور ليس بينهما أيّ علّية ومعلولية، وإتيان أحدهما لا يكون مفوّتاً للآخر، بل تفويت الآخر عند وجود أحدهما ملازم ومقارن له، بل يمكن أن يقال باستحالة الحكم بالفساد؛ وذلك لتوقّف حرمة الإحرام من الميقات على كونه صحيحاً؛ لأنّه لو لم يكن صحيحاً فلا يكون مفوّتاً، وما فرض صحّته كيف يكون فاسداً وحراماً؟!. [۹۳] [۹۴]
الثاني- العمرة الرجبيّة:
بناءً على وجوب الإحرام من أحد المواقيت في العمرة المفردة - كما هو المعروف- قالوا بأنّه يجوز لمن أراد العمرة المفردة في شهر رجب - إن خشي فوات‌
الشهر بتأخير الإحرام إلى الميقات - أن يحرم قبله [۹۵] [۹۶] [۹۷] لإدراك إحرامها في رجب وإن وقع سائر أفعالها في شعبان ، [۹۸] بلا خلاف فيه، [۹۹] [۱۰۰] بل عليه دعوى الوفاق والإجماع من غير واحد. [۱۰۱] [۱۰۲] [۱۰۳]
واستدلّ له بعدّة روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة». [۱۰۴]
ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السلام   عن الرجل يجي‌ء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أم يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: «يحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلًا، وهو الذي نوى». [۱۰۵]
ثمّ إنّه هل يشترط في جواز التقديم ضيق الوقت، بمعنى أنّه يعتبر إيقاع الإحرام في آخر الوقت من الشهر، أو يجوز الإحرام قبل الضيق؟
۱- ذكر بعض الفقهاء أنّ الأحوط تأخير الإحرام إلى آخر الشهر اقتصاراً في تخصيص العمومات على موضع الضرورة. [۱۰۶]
۲- وصرّح آخرون بعدم اشتراط ذلك؛ نظراً إلى أنّ المعيار في جواز الإحرام قبل الميقات إنّما هو خوف فوت شهر رجب ودخول شهر شعبان وهو غير محرم، سواء أخّر الإحرام إلى أن يضيق الوقت أو أحرم قبل ذلك. [۱۰۷]
قال الشهيد الثاني : «لا يشترط إيقاع الإحرام في آخر جزء منه، بل المعتبر وقوعه فيه عملًا بإطلاق النص، وإن كان آخره أولى». [۱۰۸]
وقال المحقّق النجفي: «ينبغي له تأخير الإحرام إلى آخر الشهر، اقتصاراً في تخصيص العمومات على موضع الضرورة، وإن كان الأقوى الجواز فيه مطلقاً مع خوف الفوات؛ لما سمعته من الأدلّة». [۱۰۹]
وقال السيد اليزدي: «الأحوط التأخير إلى آخر الوقت، وان كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات، بل هو الأولى، حيث إنّه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب». [۱۱۰]
ويمكن أن يكون مراده بالأولوية الأولوية من جهة طول زمان إحرامه في رجب، فتكون عبادته أكثر، كما يمكن أن يريد بها الأولوية من جهة الطريق؛ لأنّه لو أحرم من هذا المكان لكان قد سلك طريقاً لا يفضي إلى الميقات- لكونه أقرب إلى مكّة- فيدرك بذلك جميع الأعمال في رجب. [۱۱۱] [۱۱۲]
والظاهر عدم الفرق في العمرة الرجبية بين المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه؛ [۱۱۳] وذلك لإطلاق رواية إسحاق عمّار المتقدّمة، وربما يشكل عموم النصّ للعمرة الواجبة بالأصل؛ لظهور قوله عليه السلام: «ينوي عمرة رجب» في العمرة الرجبية الثابتة لشهر رجب، وهي مندوبة. [۱۱۴]
لكن أجاب عنه السيد الخوئي بأنّ: «العمرة الرجبية ليست أساساً للمندوبة، فإنّ العمرة تحتاج إلى زمان تقع فيه، وإنّما ذكر خصوص رجب؛ لأنّ وقوعها فيه ذو فضيلة ومزيّة، وذلك لا يوجب اختصاص قوله «عمرة رجب» بالعمرة المندوبة الواقعة فيه، فإطلاق الموثّقة لترك الاستفصال فيها محكّم». [۱۱۵]
وظاهر أكثر من تعرّض لمسألة تقديم الإحرام للعمرة الرجبيّة عدم الحاجة إلى تجديده من الميقات عند المرور به، ولكن قال المحقّق النجفي: «الاحتياط المزبور (أي تجديد الإحرام من الميقات‌) لا ينبغي تركه؛ لما قيل: من أنّه لم يتعرّض له كثير من الأصحاب». [۱۱۶]
ثمّ إنّه هل يختص الحكم بعمرة رجب أو يتعدّى إلى غير رجب، حيث إنّ لكلّ شهر عمرة، والمفروض أنّه لو أخّر الإحرام إلى الميقات لم يدرك عمرة هذا الشهر؟ فيه قولان:
الأوّل: ظاهر كلمات الفقهاء [۱۱۷] اختصاص الحكم المذكور بعمرة رجب، ولعلّه لما أشار إليه الإمام عليه السلام في صحيح إسحاق بن عمّار «فإنّ لرجب فضلًا»، مضافاً إلى ما روي من أنّ العمرة الرجبية تلي الحجّ في الفضل. [۱۱۸]
وصحيح معاوية وإن كان مطلقاً إلّا أنّه قد يدّعى عدم وجود عامل به في غير رجب. [۱۱۹]
الثاني: وذهب بعض المحقّقين إلى عدم اختصاص الحكم بعمرة رجب.
قال السيد الخوئي: «الأظهر عدم الاختصاص؛ لإطلاق صحيحة معاوية بن عمّار... ولا مانع من العمل بها؛ لعدم ثبوت الإعراض عنها، على أنّ الإعراض غير ضائر بعد صحّة السند وظهور الدلالة، (وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر من‌) أنّ التعليل في موثّقة إسحاق المتقدّمة يوجب التخصيص بعمرة رجب...
ففيه: أنّ الموثّقة غير مختصّة بدرك الأفضل ليختصّ التقديم بعمرة رجب، بل تعمّ كلّ مورد يفوت منه الفضل، وذلك لا يختص بشهر رجب؛ لأنّ عمرة كلّ شهر لها فضل، والمفروض أنّه لو أخّر الإحرام إلى الميقات لم يدرك فضل عمرة هذا الشهر». [۱۲۰]


المراجع [تعديل]

۱. المنتهى، ج۲، ص۶۶۵.    
۲. النهاية، ج۱، ص۲۰۹.    
۳. السرائر، ج۱، ص۵۲۶.    
۴. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۰۷.    
۵. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۰۷.    
۶. مجمع الفائدة، ج۶، ص۱۷۹.    
۷. المدارك، ج۷، ص۲۱۷.    
۸. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۰۷.    
۹. المفاتيح، ج۱، ص۳۱۰.
۱۰. الحدائق، ج۱۴، ص۴۴۳.    
۱۱. الرياض، ج۶، ص۱۹۱.    
۱۲. كشف الغطاء، ج۴، ص۵۵۰.
۱۳. الوسائل، ج۱۱، ص۳۱۵، ب ۵ من المواقيت، ح ۱.    
۱۴. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۰۷.    
۱۵. دليل الناسك، ج۱، ص۱۰۴.     
۱۶. دليل الناسك، ج۱، ص۱۰۳.     
۱۷. مناسك الحجّ (الخوئي)، ج۱، ص۷۷، م ۱۶۵.     
۱۸. تحرير الوسيلة، ج۱، ص۴۱۰، م ۳.     
۱۹. مناسك الحجّ (الخوئي)، ج۱، ص۷۷، م ۱۶۵.     
۲۰. تفصيل الشريعة، ج۳، ص۴۹.
۲۱. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۲۸۰.    
۲۲. كشف الغطاء، ج۴، ص۵۵۰.
۲۳. المعتمد في شرح المناسك، ج۳، ص۲۹۶.
۲۴. التحرير، ج۱، ص۵۶۱.    
۲۵. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۲۱.    
۲۶. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۳، م ۱.    
۲۷. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۲۹۸.     
۲۸. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۲۹۵.    
۲۹. مجمع الفائدة، ج۶، ص۱۶۷.    
۳۰. المدارك، ج۷، ص۲۳۱.    
۳۱. الخلاف، ج۲، ص۲۸۶، م ۶۲.    
۳۲. المعتبر، ج۲، ص۸۰۵.    
۳۳. المنتهى، ج۲، ص۶۶۸.     
۳۴. التذكرة، ج۷، ص۱۹۵.    
۳۵. كشف اللثام، ج۵، ص۲۲۵.    
۳۶. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۱- ۱۲۲.    
۳۷. المدارك، ج۷، ص۲۲۸.    
۳۸. مستند الشيعة، ج۱۱، ص۱۹۱.    
۳۹. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۲.    
۴۰. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۴، ب ۱۱ من المواقيت، ح ۵.    
۴۱. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۳، ب ۱۱ من المواقيت، ح ۳.    
۴۲. الوسائل، ج۱۱، ص۳۰۸، ب ۱ من المواقيت، ح ۳.    
۴۳. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۰، ب ۹ من المواقيت، ح ۳.    
۴۴. الشرائع، ج۱، ص۱۷۸.    
۴۵. المنتهى، ج۲، ص۶۶۹.    
۴۶. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴-۱۲۵.    
۴۷. المعتبر، ج۲، ص۸۰۷.    
۴۸. كشف اللثام، ج۵، ص۲۲۸.    
۴۹. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۲، ب ۱۰ من المواقيت، ح ۱.    
۵۰. مجمع الفائدة، ج۶، ص۱۶۸.    
۵۱. المسالك، ج۲، ص۲۱۸.    
۵۲. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۲.    
۵۳. المعتمد في شرح المناسك، ج۳، ص۳۰۶.
۵۴. النهاية، ج۱، ص۲۰۹.    
۵۵. الوسيلة، ج۱، ص ۱۵۹.    
۵۶. الشرائع، ج۱، ص۱۷۸.     
۵۷. المنتهى، ج۲، ص۶۶۹.     
۵۸. الدروس، ج۱، ص۳۴۱.    
۵۹. جامع المقاصد، ج۳، ص۱۶۱.    
۶۰. الرياض، ج۶، ص۱۹۸.    
۶۱. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۳.    
۶۲. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۶، ب ۱۳ من المواقيت، ح ۱.    
۶۳. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۷، ب ۱۳ من المواقيت، ح ۲.    
۶۴. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۷، ب ۱۳ من المواقيت، ح ۳.    
۶۵. جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى)، ج۳، ص۶۵.    
۶۶. المختلف، ج۴، ص۴۱.    
۶۷. المختلف، ج۴، ص۴۱.     
۶۸. الفقيه، ج۲، ص۳۰۵، ذيل الحديث ۲۵۲۶.    
۶۹. السرائر ، ج۱، ص۵۲۶-۵۲۷.      
۷۰. المختلف، ج۴، ص۴۲.     
۷۱. كشف اللثام، ج۵، ص۲۲۶.    
۷۲. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۳، م ۱.    
۷۳. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۲۹۷.    
۷۴. المعتبر، ج۲، ص۸۰۷.    
۷۵. المنتهى، ج۲، ص۶۶۹.     
۷۶. المدارك، ج۷، ص۲۲۹-۲۳۰.    
۷۷. الحدائق، ج۱۴، ص۴۶۱.    
۷۸. مستند الشيعة، ج۱۱، ص۱۹۲.    
۷۹. المبسوط، ج۱، ص۳۱۱.     
۸۰. المعتمد في شرح المناسك، ج۳، ص۲۰۹.
۸۱. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۵، م ۱.    
۸۲. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۳۰۲.    
۸۳. معتمد العروة، ج۲، ص۳۲۴.     
۸۴. المسالك، ج۲، ص۲۱۹.    
۸۵. مجمع الفائدة، ج۶، ص۱۷۰.    
۸۶. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۳.    
۸۷. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۳۰۰-۳۰۱.    
۸۸. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۲.     
۸۹. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۴، م ۱.    
۹۰. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۱.     
۹۱. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۵، م ۱.    
۹۲. مستمسك العروة، ج۱۱، ص۳۰۳.    
۹۳. المعتمد في شرح المناسك، ج۳، ص۳۱۱.
۹۴. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۵.    
۹۵. النهاية، ج۱، ص۲۰۹.    
۹۶. الوسيلة، ج۱، ص۱۶۰.    
۹۷. الشرائع، ج۱، ص۱۷۸.     
۹۸. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴.    
۹۹. مجمع الفائدة، ج۶، ص۱۶۷.    
۱۰۰. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴.    
۱۰۱. المعتبر، ج۲، ص۸۰۶.    
۱۰۲. المنتهى، ج۲، ص۶۶۹.    
۱۰۳. المسالك، ج۲، ص۲۲۰.    
۱۰۴. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۶، ب ۱۲ من المواقيت، ح ۱.    
۱۰۵. الوسائل، ج۱۱، ص۳۲۶، ب ۱۲ من المواقيت، ح ۲.    
۱۰۶. المدارك، ج۷، ص۲۲۹.    
۱۰۷. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۸.     
۱۰۸. المسالك، ج۲، ص۲۲۰.    
۱۰۹. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴.    
۱۱۰. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۶، م ۱.    
۱۱۱. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۸.     
۱۱۲. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۶، م ۱، تعليقة الخميني.    
۱۱۳. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۶، م ۱.    
۱۱۴. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۸.     
۱۱۵. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۸.     
۱۱۶. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴.    
۱۱۷. العروة الوثقى، ج۴، ص۶۴۶، م ۱.    
۱۱۸. الوسائل، ج۱۴، ص۳۰۳، ب ۳ من العمرة، ح ۱۶.    
۱۱۹. جواهر الكلام، ج۱۸، ص۱۲۴.    
۱۲۰. معتمد العروة الوثقى، ج۲، ص۳۲۷.     


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۹۵-۵۰۶.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار