ضمان الدية في تزاحم الموجبات - ویکی فقه 


ضمان الدية في تزاحم الموجبات


اذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح؛ ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا فالضمان على الحافر على تردد. ومن الباب واقعة الزبية: وصورتها وقع واحد تعلق بآخر والثاني بالثالث وجذب الثالث رابعا، فأكلهم الأسد فيه روايتان: احداهما رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه‌السّلام) ، قال: قضى أمير المؤمنين علي (علیه‌السّلام) في الاول فريسة الاسد، وأغرم اهله ثلث الدية للثاني؛ وغرم الثاني لاهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لاهل الرابع الدية؛ والآخر في رواية مسمع عن أبي عبدالله (علیه‌السّلام) أن عليا (علیه‌السّلام) : قضى للاول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية تماما، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا؛ وفي سند الاخيرة إلى مسمع ضعف، فهي ساقطة؛ والاولى مشهورة، وعليها فتوى الأصحاب.


تساوي السبب والمباشر [تعديل]

اعلم أنه إذا اتفق اجتماع السبب والمباشر وتساويا في القوة، أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر اتفاقاً على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر [۱]، وذلك كاجتماع الدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح فيضمن الدافع والذابح دون المجامع، وقد مرّ من النصوص ما يدل على الأخير، وفيه الحجة على أصل هذه القاعدة، مضافاً إلى الاتفاق الذي عرفته، هذا مع علم المباشر بالسبب.

جهل المباشر السبب [تعديل]

ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبِّب بكسر الباء الأُولى، أي‌ ذو السبب كمن غطّى بئراً في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالحال فالضمان على الحافر بلا خلاف ظاهر إلاّ من الماتن هنا، فقد حكم به على تردّد مع أنّه حكم به في الشرائع [۲] كباقي الأصحاب من غير تردّد؛ لضعف المباشر هنا بالغرور، وقد اشترط في تقديمه على السبب قوّته، وهي مفقودة في المفروض.
مع أنّي لم أجد وجهاً لتقديم المباشر هنا إلاّ ما ذكره في التنقيح [۳]: من عموم: إذا اجتمع المباشر والسبب فالضمان على المباشر، وهو كما ترى؛ إذ لم أجد به نصّاً حتى يكون عمومه معتبراً، وإنّما المستند فيه مجرّد الوفاق المعتضد بالاعتبار، وهما كما عرفت مفقودان في المضمار.

← واقعة الزبية
ومن هذا الباب واقعة الزبية بضم الزاء المعجمة، وهي الحفرة التي تحفر للأسد، وقضاء علي (علیه‌السّلام) فيها مشهورة بين الخاصّة والعامّة، لكن بكيفيات مختلفة.
وصورتها: أنّه وقع فيها واحد فتعلّق بآخر والثاني بثالث وجذب الثالث رابعاً فوقعوا جميعاً فأكلهم الأسد وفيه أي فيما حكم به (علیه‌السّلام) فيها روايتان من طرقنا مختلفتان:

← الرواية الاولى
رواية محمد ابن قيس الصحيحة إليه قطعاً، وهو الثقة بقرينة ما قبله وما بعده، وهو روايته عن أبي جعفر (علیه‌السّلام) أنه قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه‌السّلام) في الأوّل أنّه فريسة الأسد لا يلزم أحداً وأغرم أهله ثلث الدية للثاني، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرّم الثالث لأهل الرابع كمال‌ الدية » [۴] [۵] [۶] [۷] [۸] [۹].

← الرواية الثانية
رواية مسمع، عن أبي عبد الله (علیه‌السّلام) : «أنّ عليّاً (علیه‌السّلام) قضى للاوّل ربع الدية، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا» [۱۰] [۱۱] [۱۲].

← الفحص في الروايتين
وفيهما من المخالفة للأُصول ما لا يخفى، وإن وُجّهتا بتوجيهات زعم موافقتهما بها معها، لكنّها في التحقيق لا تفيد توفيقاً، كما صرّح به جماعة من أصحابنا [۱۳] [۱۴] [۱۵]، ولذا تركنا ذكرها.
ومع ذلك في سند الأخيرة منهما إلى مسمع ضعف بعدّة ضعفاء فهي ساقطة عن درجة الاعتبار لا حجة فيها قطعاً.
وأمّا الأُولى فيشكل التمسك بها أيضاً؛ لما مضى، إلاّ أنّها مشهورة شهرةً لا يمكن دفعها، واستفاض نقلها في كلام كثير من أصحابنا [۱۶] [۱۷] [۱۸]، بحيث إنّه لا رادّ لها وزاد جماعة منهم فادّعوا أنّ عليها فتوى الأصحاب كافّة، كما في ظاهر العبارة وغيرها [۱۹] [۲۰]، أو أكثرهم كما في الروضة وغيرها [۲۱] [۲۲]، فإن بلغت الشهرة إجماعاً، وإلاّ فالتمسك بالرواية‌ مشكل وإن صحّ سندها؛ لكونها قضية في واقعة لا عموم لها، فيحتمل اختصاصها بواقعة اقترنت بأُمور أوجبت الحكم بما فيها.

← الأقوال في المسألة
وبنحو هذا يجاب أيضاً عن الرواية الأخيرة لو سلّم سندها، والشهرة ليست بحجة بنفسها ما لم تكن إجماعاً، أو تقترن برواية واضحة الدلالة وإن كانت ضعيفة، وليست كسابقتها هنا كما فرضنا، ولذا استوجه الفاضل في التحرير [۲۳] الرجوع إلى الأُصول في هذه الواقعة لو اتفقت في زماننا، وهو خيرة شيخنا في الروضة أيضاً، حيث إنّه استوجه أوّلاً ردّ الروايتين لما مضى بزيادة دعواه اشتراكاً في راوي الاولى، ثم قال: وحيث يطرح الخبران فالمتّجه ضمان كل دية من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه [۲۴]، انتهى.
واحتمله الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد والإرشاد وغيرهما [۲۵] [۲۶] [۲۷] [۲۸]، وقالوا بعده: وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب كان على الأوّل دية ونصف وثلث، وعلى الثاني نصف وثلث، وعلى الرابع ثلث لا غير، وإنّما لم يذكر هذا في الروضة لضعفه عنده، بل وعندهم أيضاً، كما يظهر منهم جدّاً.
واعلم: أنّ حكمهم على كل منهم بالدية لمجذوبه إنّما يتم لو كانت جنايتهم عمداً أو شبيهه، لا خطأ.
ويضعّف بأنّ ما صدر عنهم من الجذب إنّما هو من حيث لم يشعروا به لما اعتراهم من الدهشة، فهو كانقلاب النائم على من قتله، فلا يكون‌ عمداً ولا شبيهه، وبذلك صرّح جماعة [۲۹] [۳۰]، رادّين به من ضعّف الرواية الثانية في حكمها بأنّ الدية على العاقلة، بناءً على زعمه كون الجناية فيها عمداً أو شبيهه، وعلى هذا فمقتضى الأُصول أخذ الدية من العاقلة .

المراجع [تعديل]

۱. الفاضل الإصفهاني، محمد بن الحسن، كشف اللثام، ج۲، ص۴۸۹.   
۲. المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، ج۴، ص۱۰۲۷.   
۳. السّيورى الحلّى، الفاضل مقداد، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، ج۴، ص۴۸۸.   
۴. الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج۷، ص۲۸۶، ح۳.   
۵. الشيخ الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه، ج۴، ص۱۱۶، ح۵۲۳۴.   
۶. الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، ج۱۰، ص۲۳۹، ح۹۵۱.   
۷. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد، ج۱، ص۱۹۶.   
۸. المفيد، محمد بن محمد، المقنعة، ص۷۵۰.   
۹. الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج۲۹، ص۲۳۷، ابواب موجبات الضمان ب۴، ح۲.   
۱۰. الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج۷، ص۲۸۶، ح۲.   
۱۱. الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، ج۱۰، ص۲۳۹، ح۹۵۲.   
۱۲. الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج۲۹، ص۲۳۶، ابواب موجبات الضمان ب۴، ح۱.   
۱۳. الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج۱۰، ص۱۶۸.   
۱۴. المقدس الأردبيلي، أحمد بن محمد، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، ج۱۴، ص۲۷۶.   
۱۵. الفاضل الإصفهاني، محمد بن الحسن، كشف اللثام، ج۲، ص۴۹۱.   
۱۶. المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، ج۴، ص۱۰۲۹.   
۱۷. العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، ج۲، ص۲۶۷.   
۱۸. الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، ج۱۵، ص۳۸۸.   
۱۹. السّيورى الحلّى، الفاضل مقداد، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، ج۴، ص۴۸۹.   
۲۰. الصيمري البحراني، الشيخ مفلح، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، ج۴، ص۴۳۸.   
۲۱. الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج۱۰، ص۱۶۸.   
۲۲. الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، ج۱۵، ص۳۹۰.   
۲۳. العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، ج۲، ص۲۶۷.   
۲۴. الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج۱۰، ص۱۷۵.   
۲۵. المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، ج۴، ص۱۰۲۹.   
۲۶. العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، قواعد الأحكام، ج۳، ص۶۶۲.   
۲۷. العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، ج۲، ص۲۲۸.   
۲۸. ابن فهد الحلي، احمد بن محمد، المهذب البارع، ج۵، ص۲۹۷.   
۲۹. ابن فهد الحلي، احمد بن محمد، المهذب البارع، ج۵، ص۲۹۷.   
۳۰. الفاضل الإصفهاني، محمد بن الحسن، كشف اللثام، ج۲، ص۴۹۱.   


المصدر [تعديل]

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۱۹-۴۲۳.   


تصنيفات هذه المقالة : الدية | موجبات الضمان للدية





أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار