صيغة الطلاق
في الصيغة القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة ، وهي قسمان : صريحة وكناية. يقتصر على طالق تحصيلا لموضع الاتفاق؛ ولا يقع بخلية ولا برية، وكذا لو قال: اعتدى؛ ويقع لو قال هل طلقت فلانة فقال: نعم؛ ويشترط تجريده عن الشرط والصفة؛ ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير؛ وقيل: يبطل
الطلاق ، ولو كان المطلق يعتقد الثلاثة لزم.
أقسام الصيغة [تعديل]
الصيغة القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة، وهي قسمان: صريحة وكناية.
والأولى: هي ما لا يتوقّف فهم
إنشاء الطلاق به على نيّة، أي على قرينة دالّة على إرادة
الطلاق من العبارة.
وتقابلها الثانية: وهي المحتاجة إلى
النية والقرينة الكاشفة عن إرادته من الصيغة، وإلاّ
القصد إلى الطلاق مطلقاً لازم بالضرورة.
وظاهر أصحابنا عدم الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف، ويأتي إليه الإشارة.
الاقتصار على اللفظ الصريح [تعديل]
والمشهور بينهم وجوب أن يقتصر على الاولى، وهي أن يقول: أنتِ، أو هذه، أو فلانة ويذكر اسمها، أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلاً طالق فلا يكفي أنتِ طلاق، وإن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى طالق تحصيلاً لموضع
النص والاتفاق واستصحاباً للزوجيّة، ولأنّ المصادر إنّما تستعمل في غير موضوعها مجازاً، وإن كان في اسم الفاعل شهيراً، وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق من الأُمور التوقيفيّة وإن انضمّ إليها القرينة المعربة عن النية؛ لعدم كفايته بمجرّده عند الطائفة إلاّ في: أنتِ مُطلّقة، مع الضميمة المزبورة، فقد جوّز الوقوع بها
شيخ الطائفة [۱] في أحد قوليه.
ولا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مرّ، وأنتِ الطالق، أو من المطلّقات، مع وجود تلك الضميمة، ولذا اشتهر بين الطائفة عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضاً؛ لأنّها ليست فيه صريحة، ولأنّها إخبار، ونقلها إلى الإنشاء على خلاف
الأصل ، فيقتصر فيه على موضع
الوفاق ، وهو صيغ العقود، واطّراده في الطلاق
قياس ، والنص فيه دلّ على «طالق» ولم يدلّ على غيره، بل ربما دلّ على نفيه، كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر وغيره، فيقتصر عليه.
ومنه يظهر وجه القدح فيما احتجّ الشيخ من كون صيغة الماضي في غير الطلاق منقولة إلى الإنشاء.
الطلاق بالكنايات [تعديل]
وأنّه لا يقع بنحو أنت خلية وبرية وغيرهما من الكنايات، كالبتّة، والبتلة، وحرام، وبائن، واعتدّي، وإن ضمّ إليها قرينة دالّة على النية، بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير، بل ادّعى إجماعنا عليه جماعة
[۲] [۳] [۴]، وأخبارنا به عموماً وخصوصاً مستفيضة، فمن الأوّل
المعتبرة الآتية.
ومن الثاني المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح : عن رجل قال لامرأته: أنتِ منّي خلية، أو برية، أو بتّة، أو بائن، أو حرام؟ فقال: «ليس بشيء»
[۵] [۶] [۷] ونحوه
الحسن [۸] [۹] [۱۰] [۱۱] وغيره
[۱۲] [۱۳].
خلافاً للعامة، فحكموا بالوقوع بمطلق
الكناية مع النية
[۱۴] [۱۵].
← لفظة اعتدي
وكذا لا يقع لو قال للزوجة: اعتدّي، على الأشهر الأظهر، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل حكاه في
الانتصار [۱۶] صريحاً؛ لما مرّ، ومنه الحصر في الخبر المروي في
المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع، عن
محمّد بن سماعة ، عن
محمّد بن مسلم ، عن مولانا
الباقر (علیهالسّلام) : في رجل قال لامرأته: أنتِ حرام، أو بائنة، أو بتّة، أو خليّة، أو بريّة، فقال: «هذا ليس بشيء، إنّما الطلاق أن يقول لها من قبل عدّتها بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنتِ طالق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»
[۱۷] [۱۸].
والأصل في الحصر العموم، وجعله هنا إضافياً بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما تقرّر في الأُصول من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل، وتلقّاه أيضاً الفحول بالقبول.
ولا داعي إليه سوى الصحيحين
[۱۹] [۲۰] [۲۱] [۲۲] [۲۳] [۲۴] [۲۵] [۲۶]، المماثل أحدهما للخبر في المتن والحصر لكن بزيادة قوله: «اعتدّي» بعد قوله: «أنت طالق» ونحوها الآخر لكن مقتصراً على الحصر وما بعده.
وليسا مكافئين لما مرّ من حيث اعتضاده بالأصل وعمل الأكثر، مع احتمال الثاني
التقية ، مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة، فيحتملان الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها، وتكون هي إخباراً عنه، لا إنشاءً لإيقاعه حينها، وعليه حملهما الشيخ وجماعة
[۲۷] [۲۸] [۲۹] [۳۰]، وهي وإن بَعد بالإضافة إلى سياقهما، إلاّ أنه لا بأس به للجمع.
وربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة، كالصحيح لراويهما أيضاً: «
الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كل طهر، يرسل إليها: أن اعتدّي، فإنّ فلاناً قد طلّقك» الخبر
[۳۱] [۳۲].
ونحوه
الموثق : «يرسل إليها، فيقول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك» قال
ابن سماعة وهو في سند
الرواية : وإنّما معنى قول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك، يعني: الطلاق، إنّه لا يكون فرقة إلاّ بطلاق
[۳۳] [۳۴].
أقول: لعلّ تفسيره بذلك لما روى عنه في
الكافي ، قال: وقال الحسن: وليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين، أن يقول لها، وهي طاهر من غير جماع: أنتِ طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى
[۳۵] [۳۶].
وهو مؤيّد لما قدّمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.
فخلاف
الإسكافي وبعض من تأخر
[۳۷] [۳۸] [۳۹] في عدم تجويز الوقوع بـ: «اعتدّي»
شاذّ ، ضعيف، لا يلتفت إليه، وفي مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية، كما مرّ.
الجواب عن الطلاق بقصد الإنشاء [تعديل]
ويقع الطلاق لو قال أحد له: هل طلّقت فلانة؟ فقال: نعم قاصداً به
الإنشاء ، وفاقاً للنهاية
والقاضي وابن حمزة والفاضلين هنا وفي
الشرائع والإرشاد [۴۰] [۴۱] [۴۲] [۴۳]. للخبر: في الرجل يقال له: أطلقت امرأتك؟ فيقول: نعم، قال: «قد طلّقها حينئذ»
[۴۴] [۴۵]. ولتضمنه السؤال: فتكون في قوّة: طلّقتُ فلانة، وهو ممّا يقع به الطلاق.
وفي الخبر قصور بالجهالة والضعف في المشهور، مع عدم صراحته في المطلوب فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذٍ من حيث الإخبار به اللازم منه
الإقرار ، ولا كلام فيه إلاّ مع
العلم بعدمه، ويكون المراد من: «طلّقها حينئذٍ» إيجاده السبب الموجب للحكم به عليه وهو إقراره، لا وقوع الطلاق من حينه. وفي الثاني منع الوقوع بالأصل أوّلاً، ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوّته ثانياً، هذا. مضافاً إلى عدم مكافأة الجميع لما مرّ من الأصل والحصر الذي عليه ثمّة وهنا عمل الأكثر، بل عليه
الإجماع في الانتصار
[۴۶].
وبه يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأوّل، بل قيل: لعله بحسب الدلالة أيضاً منه أظهر: في رجل طلّق امرأته ثلاثاً، فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال: «يأتيه فيقول: قد طلّقتَ فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثم خطبها إلى نفسها»
[۴۷] [۴۸] [۴۹].
وجه الأظهرية عدم احتمال «نعم» فيه الإخبار؛ نظراً إلى خبرة
الراوي بالوقوع قبله، فينحصر في الإنشاء.
وفيه نظر؛ إذ الظاهر من حال القائل: نعم، الإخبار، ولا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق، فليس فيه دلالة على الوقوع باللفظة، وعلى تقديرها تصير الرواية شاذّة؛ لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من اللفظة، لا الإنشاء كما فهمه بعض الأجلّة
[۵۰] حيث استدل بها، مع أنّها شاذّة من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية، ولعله لذا ترك
الأصحاب الاستدلال به وبأمثاله من المعتبرة المستفيضة التي أكثرها موثقة، وإلاّ فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.
نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق منه بالسؤال عن طلاقه، ولا بدّ من التأمّل.
وقد تلخّص من جميع ما مرّ انحصار صيغة الطلاق في: أنتِ أو هذه ونحوهما طالق، وعليه
فتوى الأكثر، وعمل كافّة من تأخّر، وادّعى عليه الإجماع في
الانتصار [۵۱].
ومنه يظهر اشتراط العربية، كما هو الأشهر بين الطائفة؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.
خلافاً للنهاية وجماعة
[۵۲] [۵۳] [۵۴] [۵۵]؛ لرواية ضعيفة
[۵۶] [۵۷] راويها من أكذب البرية، ومع ذلك فهي غير صريحة، محتملة للحمل على الضرورة، وعليه في الظاهر اتفاق الطائفة.
اشتراط تجريد الطلاق عن الشرط والصفة [تعديل]
ويشترط تجريده عن
الشرط وهو ما أمكن وقوعه وعدمه، كقدوم المسافر، ودخولها الدار
والصفة وهو ما قطع بحصوله عادةً، كطلوع الشمس وزوالها.
والأصل في المسألة بعد ما مرّ من
الأصل ، والحصر في المعتبرة الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة، كالإنتصار
والسرائر وبعض شروح الكتاب
والروضة [۵۸] [۵۹] [۶۰] [۶۱].
ويستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة، كما لو قال: أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك، وهو يعلم وقوعه، ولا بأس به؛ لأنه حينئذٍ غير معلَّق، وإن كان
الأحوط تركه؟ خوفاً من مخالفة ما مرّ من الحصر، فتأمّل.
تفسير الطلقة [تعديل]
ولو فسّر الطلقة باثنين أو ثلاث كأن قال: أنتِ طالق طلقتين، أو ثلاثاً صحّت واحدة وبطل الزائد المعبّر عنه بالتفسير على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة
الناصرية [۶۲]، وصرّح به في
نهج الحق شيخنا العلاّمة
[۶۳]، وهو
الحجّة فيه المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة. مضافاً إلى وجود المقتضي، وهو الصيغة المشتملة على شرائط الصحة عدا اشتماله على الزائد، وهو غير صالح للمانعية، إلاّ على تقدير ثبوت اشتراط قصد قيد الوحدة في صحة الطلقة الواحدة، وليس بثابت من الأدلّة، كيف لا؟! وقُصاراها الدلالة على عدم وقوع الطلقات المتعدّدة في مجلس واحد بالصيغة مطلقاً، واحدة كانت أم متعدّدة، وهو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في
النية ، وأنه يتوقّف عليه الصحة، هذا. مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة بالشهرة العظيمة، ففي الصحيح: عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر؟ قال: «هي واحدة»
[۶۴] [۶۵] ونحوه باقي المستفيضة
[۶۶].
وجه الدلالة [تعديل]
وجه الدلالة عمومها لكل من الطلقات الثلاث، المرسلة والمفصّلة، الناشئ عن ترك الاستفصال فيها، مع احتمال السؤالات فيها الأمرين البتة؛ لكونها مطرحاً بين
الخاصة والعامة ، ولذا حصل التردّد في حكمها لأصحاب الأئمة، كحصوله لعلماء الطائفة.
فحملها على خصوص الأخيرة
[۶۷] [۶۸] بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله، كيف لا؟! واتفقت الخاصة والعامة على فهم الأوّلة أيضاً من العبارة، ولذا استدل بعض أصحابنا
[۶۹] [۷۰] القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة، ولم يُجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة، بل ردّوها بمناقشات أُخر يأتي إليها الإشارة.
وكلّ ذا أمارة واضحة وشهادة بيّنة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة، فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة، كيف لا؟! ولا قرينة لنا على وضوح الدلالة أوضح وأصحّ من فهم علماء الطائفة، بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها في تعيين الدلالة بالضرورة، ووجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة ممّا وقع التشاجر في حكمها بين الخاصة والعامة، وكثر الأسئلة فيها والأجوبة، وبالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي
فطنة ودرية.
ثمّ لو فرضنا فقد هذه الروايات أو ثبوت عدم دلالتها لكفانا في الحكم بوقوع الواحدة من الثلاث المرسلة حكايات الإجماع المتقدّمة، فإنّها في حكم الصحيح الصريح، المعتضد بالشهرة العظيمة، ولا يقاومها شيء من الأخبار الآتية ولو كانت صريحة، وكذا الأُصول المتقدمة، مع ما ستعرفه في الأدلة من أنها ما بين ضعيف وقاصر الدلالة، هذا.
مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضمّ بعضها إلى بعض إرادة الثلاث المرسلة من تلك العبارة، ألا ترى إلى
الخبر : عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد؟ قال: فقال: «أمّا أنا فأراه قد لزمه، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة»
[۷۱] [۷۲] [۷۳] قد اتّقى (علیهالسّلام) فيه من العامة وحكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة.
ويظهر من بعض المعتبرة الواردة عنه (علیهالسّلام) أنّ الذي كان يتّقي فيه العامة إنّما هو الثلاث المرسلة خاصة، ففي الخبر: «أنّ
عليّاً (علیهالسّلام) كان يقول: إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه، ولا
ميراث بينهما، ولا
رجعة ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق، فقد بانت منه بالأُولى، وهو خاطب من الخطّاب» الخبر
[۷۴] [۷۵] [۷۶].
وهو صريح في أنّ اتّقاءه (علیهالسّلام) إنّما هو في
المرسلة خاصة، وأنّها التي عليها العامّة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة، وإلاّ لما كان التفصيل بين الصورتين إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضاً، واتحادهما في الحكم بالبينونة موافقاً للتقية، مع أنّ حملها عليها متّفق عليه بين الطائفة.
وبمعونة ذلك يظهر أنّ حكم أبيه (علیهالسّلام) بصحة الواحدة في الرواية السابقة إنّما هو في الثلاث المرسلة التي اتّقى فيها (علیهالسّلام) عن العامة، كما يظهر من هذه الرواية، ولا يضر قصور سندهما؛ لانجبارهما بالشهرة العظيمة، هذا.
وفي الخبر عن مولانا
الصادق (علیهالسّلام) في حديث قال فيه: فقلت: فرجل قال لامرأته: أنتِ طالق ثلاثاً، فقال: «تردّ إلى
كتاب الله تعالى وسنة
نبيّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) »
[۷۷] [۷۸].
وهو صريح في المرسلة، ومع ذلك لم يحكم (علیهالسّلام) بالبطلان، بل أوجب الردّ إلى
السنّة ، والمراد به الردّ إلى الواحدة لا البطلان، كما يفصح عنه بعض المعتبرة، ففي الصحيح عن مولانا الصادق (علیهالسّلام) في
حديث قال: قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد، قال: «تردّ إلى السنّة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة»
[۷۹] [۸۰] ونحوه بعينه رواية أُخرى
[۸۱] [۸۲] [۸۳].
وفي معناهما الصحيح: «طلّق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثاً، فجعلها رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) واحدة، فردّها إلى الكتاب والسنّة»
[۸۴] [۸۵] [۸۶].
وهي صريحة الدلالة في أنّ المراد بالردّ إلى السنّة هو
إمضاء الواحدة وإبطال الطلقات الزائدة، وبمعونتها يظهر أنّ المراد بالردّ إلى السنّة في الثلاث المرسلة في تلك الرواية إنّما هو الردّ إلى الواحدة، لا البطلان بالمرّة، فتأمّل.
هذا مع أنّه يظهر بما قدّمناه من الأخبار وغيرها شيوع استعمال تلك العبارة في المستفيضة في الثلاث المرسلة في زمن
الأئمة :، ومعه يتقوّى دلالة العموم الناشئ عن ترك الاستفصال على الحكم في المسألة، كيف لا؟! وشيوع الاستعمال الذي لا أقلّ منه يقوّي الاحتمال، ومعه يلزم الاستفصال، فتركه مع ذلك أوضح شاهد على العموم في المقال.
وبجميع ما قدّمناه يندفع حذافير الإشكال الذي أورده بعض الأبدال
[۸۷] في هذا المجال.
← القول ببطلان الطلاق
ومنه يظهر ضعف ما قيل من أنّه يبطل الطلاق رأساً ولا يقع منه شيء ولو واحداً، كما عن الانتصار
وسلاّر والعماني وابن حمزة
[۸۸] [۸۹] [۹۰] [۹۱].
مع أنّ عبارة الأوّل في ذلك غير ظاهرة، بل المستفاد منها إنما هو الردّ على العامّة في الحكم بوقوع المتعدّدة، وأمّا الواحدة فليس فيها على نفيها دلالة، بل ولا إشارة، بل ربما أشعر سياقها بقبول الواحدة، مع تصريحه في مسألة فساد الطلقات الثلاث المتعاقبة من دون تخلّل رجعة بصحة الواحدة، بل ربما أشعر عبارته بكونه مجمعاً عليه بين
الإمامية ، بل وربما كانت العبارة في ذلك ظاهرة.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول؛ لما مرّ، وضعف حججهم، فإنّ منها الأصل، ويدفع بما مرّ.
ومنها: أنّ المقصود وهو الواحدة المقيّدة (لا
[۹۲] [۹۳]) بقيد الوحدة غير واقع، والصالح للوقوع غير مقصود؛ لأنّه غير مريد للواحدة المقيّدة بقيد الوحدة.
وهو مع أنّه
اجتهاد في مقابلة
النص غير مسموع مندفع بما مرّ من عدم الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النية، بل غايته الدلالة على كون ما زاد عليها بدعة، وهو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في النية، وهي حاصلة من الثلاث المرسلة، غاية الأمر أنّ الزائد عليها غير واقعة، ويحتمل أن تكون ضميمته مؤكّدة.
ومنها: الأخبار، ففي الصحيح: «من طلّق ثلاثاً في مجلس واحد فليس بشيء، من خالف كتاب الله تعالى ردّ إلى كتاب الله»
[۹۴] [۹۵] [۹۶].
والمكاتبة روى أصحابنا عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام) في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على
طهر بغير
جماع بشاهدين: «أنّه يلزم تطليقة واحدة» فوقّع بخطّه: «أخطأوا على أبي عبد الله (علیهالسّلام)، لا يلزمه الطلاق، ويردّ إلى كتاب الله تعالى والسنّة
[۹۷] [۹۸] [۹۹].
وفيهما نظر، أمّا أوّلاً: فلعدم مقاومتها لما مرّ.
وثانياً: ضعف الدلالة في الأوّل؛ لاحتماله نفي الثلاث لا الواحدة، بل في الردّ إلى كتاب الله والسنّة كما في ذيله إشعار بل دلالة على وقوعه بمعونة ما مرّ.
وقصور
سند الثاني من وجوه، مع دلالة صدره على اشتهار الحكم بوقوع الواحدة في أصحاب زمانه.
ولا ينافيه الحكم منه بتخطئته؛ لاحتمال المصلحة فيه من حيث كونه مكاتبة، وهي غير منحصرة في التقية، بل محتملة لها ولغيرها من المصالح العامة، هذا.
مع أنّ بعض الأجلّة حمل الطلاق في كلامه (علیهالسّلام) على الثلاث لا الواحدة، ويؤيّده ما فيه من الردّ إلى الكتاب والسنّة بملاحظة ما قدّمناه من تفسيره بالردّ إلى الواحدة.
ولا ينافيه الحكم بالتخطئة بعد احتمال كونه لمصلحة خفية غير نفي الواحدة، المؤيّد بكون
الرواية مكاتبة.
والذي يسهّل الخطب في ارتكاب أمثال هذه التوجيهات وإن كانت بعيدة قوّة ما قدّمناه من الأدلّة، وبُعد خطاء اتفاق أصحاب الأئمة: على وقوع الواحدة، على ما تشهد به نفس الرواية.
←←التكلف لنصرة هذا القول بأخبار
ولقد تكلّف بعض المعاصرين
[۱۰۰] لنصرة هذا القول بأخبار هي ما بين قاصرة السند، وغير واضحة الدلالة، مع كون أكثرها شاذّة كما اعترف به جماعة
[۱۰۱] [۱۰۲].
فمنها: المروي عن كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (علیهالسّلام) قال: قلت: إنّي ابتليت، فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألت أصحابنا، فقالوا: ليس بشيء، وإنّ المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله (علیهالسّلام) فقال: «ارجع إلى أهلك فليس عليك شيء»
[۱۰۳] [۱۰۴].
وهو مع عدم وضوح سنده غير واضح دلالته؛ لاحتمال تعلّق نفي الشيئية في كلام
الإمام وأصحابه إلى الطلقات المتعدّدة، ودفعِ الابتلاء الملازم بتقدير صحتها خاصّة، كما توهّم
راوي الرواية، لا إلى الواحدة، بل ربما أشعر الرواية بوقوع الواحدة؛ لما أفصحت عنه الرواية السابقة من حال أصحاب الأئمة، ولما في لفظة الرجوع في كلام
المعصوم (علیهالسّلام) التي تضمّنتها هذه الرواية، فأين الدلالة على بطلان الواحدة في الثلاث المرسلة كما هو ظاهر هذه الرواية؟! ومنها: الأخبار القائلة بأنّ المطلّقات ثلاثاً ذوات أزواج، والناهية لذلك عنهنّ، منها الصحيح: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً، فإنّهنّ ذوات أزواج»
[۱۰۵] [۱۰۶] [۱۰۷].
وضعفه أوضح من أن يخفى؛ لأنّها شاذّة لو حملت على الثلاث المرتّبة، كما ادّعى هذا الفاضل
[۱۰۸] وغيره ظهورها من عبارة: «طلّق ثلاثاً» في تلك المستفيضة؛ إذ لا قائل بها من الطائفة؛ لإجماعهم على وقوع الواحدة بالثلاث المرتّبة، كما ادّعاه جماعة
[۱۰۹] [۱۱۰]، وصرّحت به المعتبرة.
وكذا لو حملت على الثلاث المرسلة، بناءً على وجوب حمل الإطلاقات على الفروض الشائعة، وهي في هذه الروايات صدور الثلاث عن العامّة لا أصحابنا
الإمامية ، فإنّ وقوعها منهم إن أمكن نادر بالبديهة، وحينئذٍ تكون هذه الطلقات صحيحة إلزاماً لهم بمعتقدهم، كما تفصح عنه الأخبار الآتية، وعليه إجماع الإجماعية، كما حكاه جماعة
[۱۱۱] [۱۱۲] [۱۱۳]، هذا.
مع أنّ المستفاد من بعض المعتبرة كون
النهي عن تزويجهنّ احتياطاً لا ناشئاً من فساد الواحدة، ففي الصحيح: رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوّج امرأة قد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها ثلاثاً على غير السنّة، فكره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (علیهالسّلام): «هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوّجها»
[۱۱۴] [۱۱۵] [۱۱۶] [۱۱۷].
ولعلّ وجه
الاحتياط هو ما ذكره جماعة منهم
شيخ الطائفة [۱۱۸] [۱۱۹] عدم مبالاة العامة في وقوع الطلقات والمرأة غير طاهرة، وعليه حمل الأخبار السابقة مستشهداً ببعض المعتبرة الذي شهادته عليه واضحة.
فالاستدلال بأمثال هذه الأخبار مع ما هي عليه من الشذوذ والندرة كيفما حملت غفلة واضحة.
ونحوه الاستدلال بما مضى من المعتبرة المستفيضة في وقوع الطلاق بـ «نعم» في جواب السؤال عنه، وبالجملة لا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
اعتقاد المطلق بالثلاث [تعديل]
ولو كان المطلِّق مخالفاً يعتقد الثلاث أو عدم اشتراط شيء ممّا مرّ في
الطلاق فطلّق لزمه معتَقَده، وجاز لنا مناكحة مطلّقاته كذلك، بلا خلاف فيه يظهر بيننا، بل ادّعى عليه جماعة
[۱۲۰] [۱۲۱] [۱۲۲] [۱۲۳] اتفاقنا، وبه عموماً وخصوصاً استفاض نصوصنا، فمن الأوّل:
الموثق : عن الأحكام؟ قال: «يجوز على أهل كل ذي
دين بما يستحلّون»
[۱۲۴] [۱۲۵] [۱۲۶]. والموثق: «خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم وقضائهم وأحكامهم» الخبر
[۱۲۷] [۱۲۸] [۱۲۹].
ومن الثاني: المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح في المطلّق ثلاثاً: «إن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه، فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه»
[۱۳۰] [۱۳۱] [۱۳۲]. والخبر: عن المطلّقة على غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال: «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ، فلا بأس بذلك»
[۱۳۳] [۱۳۴] [۱۳۵].
ومقتضى التعليلين كعموم الثاني اطّراد الحكم فيما ألحقناه بالمتن، مضافاً إلى الاتفاق عليه، وشمول الموثقين السابقين له.
وأمّا الأخبار المعارضة الناهية عن تزوج المطلّقات ثلاثاً لأنّهنّ ذوات أزواج فقد عرفت الجواب عنها.
ثم إنّ
إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المطلّقة كذلك بين المخالفة والمؤمنة، وهو كذلك.
واحتمال الفرق وتخصيص الحكم بالأُولى كما يوجد في بعض العبارات
[۱۳۶]؛ جمعاً بين النصوص ضعيف، لا يلتفت إليه.
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۱۷-۲۳۴.