التلبيات الأربع - ویکی فقه 


التلبيات الأربع


(الثاني : التلبيات الأربع) الآتي بيان صورتها.
(ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلاّ بها) بإجماع علمائنا، كما في الانتصار والغنية والخلاف والتذكرة والمنتهى، [۱] [۲] [۳] [۴] [۵] عن‌ وغيرها، [۶] [۷] [۸] والنصوص مستفيضة جدّاً كما سيأتي إليها الإشارة أيضاً.
وهل يعتبر مقارنة النية لها، كما في صريح السرائر واللمعة و المنتهى   والتنقيح، [۹] [۱۰] [۱۱] [۱۲] وعن غيرها صريحاً وظاهراً، [۱۳] [۱۴] أم لا، كما عن جملة من القدماء، [۱۵] [۱۶] [۱۷] وذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين أيضاً، [۱۸] [۱۹] [۲۰] وعزاه في الروضة إلى المشهور؟ إشكال :
من استفاضة الصحاح وغيرها برجحان تأخيرها لمن حجّ من طريق المدينة من المسجد إلى أن تعلو راحلته البيداء ، ففي الصحيح بعد ذكر الدعاء المستحب عند الإحرام : «ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشياً أو راكباً فلبِّ». [۲۱] [۲۲] [۲۳] [۲۴]
وظاهره وإن أفاد الوجوب كغيره إلاّ أنه محمول على الفضيلة، كما يستفاد من آخر : «إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبّي». [۲۵] [۲۶]
ونحوه غيره ممّا يأتي.
ومن استفاضة النصوص أيضاً بعدم جواز المرور عن الميقات إلاّ محرماً كما مضى. [۲۷]
والجمع بينهما ممكن بأحد وجهين :
إما بجمل الأوّلة على أن المراد بها استحباب رفع الصوت بالتلبية، وإلاّ فلا بد من المقارنة، عملاً بالأخبار الأخيرة.
ويستأنس لهذا الجمع ملاحظة الصحيح : «إن كنت ماشياً فاجهر بإحرامك وتلبيتك من المسجد، وإن كانت راكباً فاذا علت راحلتك البيداء». [۲۸] [۲۹] [۳۰]
والخبر : هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟ فقال : «نعم» الحديث. [۳۱] [۳۲] [۳۳] [۳۴]
وذلك لأن المأمور به فيهما الإجهار بالتلبية، لا نفسها، وفيهما إشعار لذلك ولا سيّما الثاني بأن التلبية لا بدّ منها.
أو بحمل الثانية على أن المراد بالإحرام فيها الذي لا يجوز المرور عن الميقات إلاّ به إنما هو نيته وليس الثوبين خاصة، لا التلبية .
ويستأنس لهذا الجمع بأنّ في الصحاح السابقة ما لا يقبل الجمع الأول إلاّ بتكلّف بعيد، كالصحيح : إنه عليه السلام صلّى ركعتين وعقد في مسجد‌ الشجرة ثم خرج فأتى بخَبيص _الخَبيص : طعام معمول من التمر والزبيب والسمن._  [۳۵] فيه زعفران ، فأكل قبل أن يلبّي منه. [۳۶] [۳۷] [۳۸] [۳۹]
وقريب منه النصوص الآتية.
وثانياً ملاحظة كلام الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الأخبار الأخيرة حيث قال: والمعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً، وإنما يكون عاقداً للحجّ والعمرة، وإنما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى، والذي يدل على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم   عن صفوان عن معاوية بن عمار، وغير معاوية ممن روي عنه صفوان هذه الأحاديث، يعني هذه الأحاديث المتقدّمة، وقال : هي عندنا مستفيضة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام   أنهما قالا : «إذا صلّى الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على نفسه الحج وعقد عقد الحجّ» وقالا : «إنّ رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم   حيث صلّى في مسجد الشجرة صلّى وعقد الحجّ» ولم يقولا : صلّى وعقد الإحرام، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل ممّا يحرم على المحرم. ولأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي وقد صلّى وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلبِّ، وقالوا : قال أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام: يأكل الصيد وغيره فإنما فرض على نفسه الذي قال، فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه، فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل، لا يكون له أن يرجع إلى أهله حتى‌ يمضي، وهو مباح له قبل ذلك، وله أن يرجع متى ما شاء، وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتمّ بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم؛ لأنه قد يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : الإشعار والتلبية والتقليد، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم، وإذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبّي فقد فرض. [۴۰] انتهى.
ولعلّ الترجيح لهذه الجمع؛ لوضوح الشاهد عليه من النصوص المعتبرة المفتى بها عند شيخ الطائفة.
إلاّ أن يقال : إن ظاهرها انعقاد الإحرام بالنية من غير تلبية من جهة، وعدمه من جهة أُخرى.
وهذا التفصيل لم يظهر به قائل من الفقهاء، بل ظاهرهم أنه إن انعقد بها من دون التلبية انعقد مطلقاً، فيحرم عليه الصيد أيضاً، وإلاّ فلا كذلك، فيجوز له الرجوع والمضي إلى أهله. وفتوى الشيخ غير معلومة؛ لاحتمال ذكره ذلك احتمالاً وجمعاً. لكنه خلاف الظاهر، وعدم ظهور قائل بخلاف ذلك أو ظهور كلام الأكثر فيه ليس إجماعاً، سيّما مع فتواهم بجواز المحرّمات بعد النية قبل التلبية من غير تصريح بوجوب إعادتها عند التلبية كما يأتي، فيكون النصّ الشاهد عن المعارض سليماً، فيتعيّن العمل به جدّاً.
وعلى هذا فمعنى عدم الانعقاد إلاّ بها أنه ما لم يلبِّ كان له ارتكاب المحرّمات على المحرم، ولا كفارة عليه وإن لم يجز له فسخ النية. ولكن الأحوط مراعاة المقارنة، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى وروايةً.
(أمّا القارن فله أن يعقده) أي الإحرام (بها) أي بالتلبية (أو بالإشعار أو التقليد على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر الخلاف والغنية بل المنتهى والمختلف الإجماع عليه؛ [۴۱] [۴۲] [۴۳] [۴۴] للصحاح المستفيضة الصريحة، وغيرها من المعتبرة :
منها زيادةً على ما مرّ هنا قريباً، وفي بحث امتياز القران عن الإفراد سابقاً [۴۵] الصحيح : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية أو الإشعار أو التقليد، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» [۴۶] [۴۷] وبمعناه كثير.
ومنها الصحيح [۴۸] [۴۹] وغيره [۵۰] [۵۱] : هما بمنزلة التلبية.
خلافاً للمرتضى والحلّي، [۵۲] [۵۳] فاقتصرا على التلبية؛ لأدلة لا وقع لها في مقابلة ما سمعته، إلاّ على تقدير عدم الاعتماد على الآحاد ولو كانت صحيحة، كما هو أصلهما فيها.
وفيه : أنها محفوفة بالقرينة، وهي عمل الأصحاب كافة، بل المرتضى مخالفته غير معلومة، كما أشار إليه في المختلف ، فقال بعد نقل أدلته على وجوب التلبية : والظاهر أنه ذكرها مبطلة لاعتقاد مالك والشافعي وأحمد من استحباب التلبية مطلقاً، فتوهّم ابن إدريس أن ذلك في حق القارن أيضاً. [۵۴]
انتهى.
وهو حسن، ويعضده أنه في المنتهى والشيخ وابن زهرة في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة قد ذكروا أدلة السيّد على وجوب التلبية، مع أنهم ادّعوا الإجماع في عنوان المسألة على وجوبها أو ما يقوم مقامها من الإشعار والتقليد.
ومع ذلك فمذهبهما في الآحاد ضعيف، كما حقّق في الأُصول.
ويحكى عن الشيخ في الجمل و المبسوط   وابني حمزة والبّراج [۵۵] [۵۶] [۵۷] [۵۸] [۵۹] اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية؛ وكأنهم جمعوا بين هذه الأخبار وعمومات الأمر بالتلبية.
وفيه : أنه ليس أولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن، بل هو أولى كما لا يخفى.

← صورة التلبيات
صورة التلبيات ،

← كيفية تلبية الأخرس
تلبية الأخرس ،


المراجع [تعديل]

۱. الانتصار، ج۱، ص۱۳۷.    
۲. الغنية (الجوامع الفقهية)، ج۱، ص۱۵۶.    
۳. الخلاف، ج۲، ص۲۸۹.    
۴. التذكرة، ج۱، ص۳۲۷.    
۵. المنتهى، ج۲، ص۶۷۶.    
۶. جواهر الفقه، ج۱، ص۴۱.     
۷. الذخيرة، ج۳، ص۵۷۸.    
۸. الحدائق، ج۱۵، ص۴۰.    
۹. السرائر، ج۱، ص۵۳۶.    
۱۰. الروضة البهية، ج۲، ص۲۲۹.     
۱۱. المنتهى، ج۲، ص۶۷۶.    
۱۲. التنقيح الرائع، ج۱، ص۴۵۹.
۱۳. الدروس، ج۱، ص۳۴۷.    
۱۴. المسالك، ج۲، ص۲۳۴.    
۱۵. المبسوط، ج۱، ص۳۱۶.    
۱۶. التهذيب، ج۵، ص۸۴.    
۱۷. الوسيلة، ج۱، ص۱۶۱.    
۱۸. الذخيرة، ج۳، ص۵۷۸.    
۱۹. المفاتيح، ج۱، ص۳۱۳.
۲۰. الحدائق، ج۱۵، ص۴۱.    
۲۱. الكافي، ج۴، ص۳۳۱، ح ۲.    
۲۲. الفقيه، ج۲، ص۳۱۸، ح ۲۵۵۸.    
۲۳. التهذيب، ج۵، ص۷۷، ح ۲۵۳.    
۲۴. الوسائل، ج۱۲، ص۳۴۱، أبواب الإحرام ب ۱۶، ح ۱.    
۲۵. الفقيه، ج۲، ص۳۲۱، ح ۲۵۶۳.    
۲۶. الوسائل، ج۱۲، ص۳۷۲، أبواب الإحرام ب ۳۵، ح ۱.    
۲۷. رياض المسائل، ج۶، ص۲۰۸.
۲۸. التهذيب، ج۵، ص۸۵، ح ۲۸۱.    
۲۹. الاستبصار، ج۲، ص۱۷۰، ح ۵۶۳.     
۳۰. الوسائل، ج۱۲، ص۳۶۹، أبواب الإحرام ب ۳۴، ح ۱.    
۳۱. الكافي، ج۴، ص۳۳۴، ح ۱۲.    
۳۲. التهذيب، ج۵، ص۸۴- ۸۵، ح ۲۸۰.    
۳۳. الاستبصار، ج۲، ص۱۷۰، ح ۵۶۲.     
۳۴. الوسائل، ج۱۲، ص۳۷۲، أبواب الإحرام ب ۳۵، ح ۲.    
۳۵. مجمع البحرين، ج۱، ص۶۲۰.     
۳۶. الفقيه، ج۲، ص۳۲۲، ح ۲۵۶۷.    
۳۷. التهذيب، ج۵، ص۸۲، ح ۲۷۵.    
۳۸. الاستبصار، ج۲، ص۱۸۸، ح ۶۳۳.     
۳۹. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۳، أبواب الإحرام ب ۱۴، ح ۳.    
۴۰. التهذيب، ج۵، ص۸۳.    
۴۱. الخلاف، ج۲، ص۲۸۹.    
۴۲. الغنية (الجوامع الفقهية)، ج۱، ص۱۵۶.     
۴۳. المنتهى، ج۲، ص۶۷۶.    
۴۴. المختلف، ج۴، ص۵۳.     
۴۵. رياض المسائل، ج۶، ص ۱۳۰.
۴۶. التهذيب، ج۵، ص۴۳، ح ۱۲۹.    
۴۷. الوسائل، ج۱۱، ص۲۷۹، أبواب أقسام الحج ب ۱۲، ح ۲۰.    
۴۸. الفقيه، ج۲، ص۳۲۴، ح۲۵۷۵.    
۴۹. الوسائل، ج۱۱، ص۲۷۷، أبواب أقسام الحج ب ۱۲، ح ۱۱.    
۵۰. الكافي، ج۴، ص۲۹۷، ح ۵.    
۵۱. الوسائل، ج۱۱، ص۲۷۶، أبواب أقسام الحج ب ۱۲، ح ۷.    
۵۲. الانتصار، ج۱، ص۲۵۳.    
۵۳. السرائر، ج۱، ص۵۳۲.    
۵۴. المختلف، ج۴، ص۵۳.    
۵۵. كشف اللثام، ج۱، ص۳۱۵.    
۵۶. الجمل والعقود (الرسائل العشر)، ج۱، ص۲۲۶.     
۵۷. المبسوط، ج۱، ص۳۰۸.     
۵۸. الوسيلة، ج۱، ص۱۵۸.    
۵۹. المهذَّب، ج۱، ص۲۱۵.    


المصدر [تعديل]

رياض المسائل، ج۶، ص۲۰۹- ۲۲۲.   
 




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار