إبداء الزينة
إبداء الزينة [تعديل]
أوّلاً ـ التعريف : [تعديل]
لغة: [تعديل]
إبداء الزينة لفظ مركّب .
فالإبداء ـ وزان إفْعال ـ :
الإظهار ، من بدا الشيء يبدو إذا ظهر ، فهو بادٍ .
قال ابن فارس : « الباء والدال والواو أصل واحد ، وهو ظهور الشيء »
[۱] . وأبدى الأمر : أظهره
[۲] ، وكل شيء أظهرته فقد أبديته وبدّيته
[۳] . والبداء بمعنى الظهور
[۴] كما في قوله تعالى :{فَبَدتْ لَهُما سَوآتُهُما }
[۵] .
والزينة : ما يتزيّن به
[۶] ، من زان الشيء صاحبه زَيناً من باب سار . والاسم الزينة
[۷] .
اصطلاحاً : [تعديل]
۱ ـوالفقهاء استعملوا الإبداء في
المعنى اللغوي نفسه ، إلاّ أنّ بعضهم حاول
التدقيق في معنى الإبداء بأكثر ممّا هو مذكور في كتب اللغة ؛ إذ أفاد : إنّ الإبداء وإن كان بمعنى الإظهار إلاّ أن الإبداء تارة يستعمل متعلّقاً بشيء ولم يكن متعدّياً لمفعول ثانٍ باللام ، فيكون في مقابل
الستر ، أي الإبداء بمعنى تركِ الشيء مكشوفاً . واُخرى يستعمل متعدّياً لمفعول ثانٍ باللام ، فيكون في مقابل الإخفاء بمعنى
الإعلام والإراءة [۸] ، أي يكون الإبداء في الحالة الثانية من
العناوين القصدية ؛ لاشتماله على قصد الإراءة للغير .
من هنا فرّق هذا المحقّق بين الفقرة الاُولى في قوله تعالى :{ولا يُبْدِينَ زينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها }
[۹] ، وبين قوله تعالى في الفقرة الثانية :{ولا يُبْدِينَ زينَتَهُنَّ إلاّ لِبعُولَتِهِنَّ }
[۱۰] } ، فأفاد بأنّ المراد بالاُولى النهي عن الإظهار بمعنى لزوم
التستّر ، والمراد بالثانية النهي عن الإظهار بمعنى الإراءة .
۲ ـ وقد اُطلق ( إبداء الزينة ) في القرآن الكريم على معنى أخصّ من المعنى اللغوي ؛ فقد قصد به إبداء مواضع
الزينة من أعضاء بدن المرأة لا إبداء الزينة ذاتها ، سواء وضعت عليها ما يتزيّن به من
الخضاب والحليّ أو خلت من ذلك ، قال تعالى :{ ولا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ }.
وتبرير هذا الإطلاق إمّا من باب
إطلاق الحالّ وإرادة المحلّ ، وإمّا لكونها زينة حقيقةً ؛ وذلك بلحاظ ما تمتاز به المرأة من طبيعة جمالية ، أي إنّها خلقة وتكويناً تمتلك زينة وجمالاً طبيعياً دون الرجل ، وهذه
الزينة الطبيعية تشمل أغلب بدن المرأة ، أو قل : كلّ بدن المرأة إلاّ ما استثني كـ
العورة ؛ فإنّها ليست زينة ، بل هي ممّا يستقبح ، ولذا اُطلق عليها
السوأة .
۳ ـ ثمّ إنّ إرادة مواضع الزينة (= الزينة الحقيقية ) من لفظ ( الزينة ) هل يكون بملاحظة الآية في حدّ نفسها ومع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها ؟ أو بملاحظتها بضميمة تلك الروايات ؟
المعروف بينهم هو الأوّل
[۱۱] ، إلاّ أ نّه ذهب البعض إلى الثاني حيث قال : « الظاهر من الآية الكريمة إرادة نفس ما تتزيّن به المرأة ، ويؤيّد ذلك قوله عزّ وجلّ في ذيل الآية :{ ولا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنَّ ليُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زينَتِهِنَّ }؛ فإنّ من الواضح أنّ ضرب الرجل على الأرض لا يوجب العلم بموضع الزينة ، وإنّما الذي يوجبه هو
العلم بنفس الزينة من
الخلخال وغيره ، فإنّ ضرب الرجل يوجب حركتها وإيجاد الصوت ، فيعلم بها لا محالة »
[۱۲] .
۴ ـوالزينة الطبيعية قد تكون ظاهرة كـ
الوجه و
الكفّين ، وقد تكون باطنة كالفخذين والساقين . كما أنّ
الزينة العارضة قد تكون ظاهرة كـ
الخاتم و
الكحل ، وقد تكون باطنة كـ
الخلخال .
ثانياً ـ الألفاظ ذات الصلة: [تعديل]
۱ ـ التبذّل : [تعديل]
وهو ضدّ الصون ، فالمرأة المتبذّلة هي التي لا تحفظ نفسها أمام
الأجنبي ، ولا تبالي بما ينافي عفّتها وصونها .
۲ ـ التبرّج : [تعديل]
إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للأجانب
[۱۳] .
ونسب التبرّج للمرأة ؛ إمّا لتشبّهها بالثوب المبرَّج ، وهو الذي صوِّرت عليه
البروج . وإمّا لظهورها من بُرجها ، أي من قصرها
[۱۴] .
۳ ـ الستر والحجاب : [تعديل]
وهو ضدّ إبداء الزينة أو إبداء محلّها من بدن المرأة ويكون النهي عن إبداء الزينة مساوقاً لوجوب سترها وحجبها عن الناظر الأجنبي .
ثالثاً ـ الحكم الإجمالي ومواطن البحث :
ولا يراد هنا التعرّض إلى حكم نفس التزيّن ، فإنّه يرجع فيه إلى محلّه ، وإنّما يراد بيان حكم إبداء الزينة ، ولا شكّ بأنّ
الحكم هو حرمة ذلك على المرأة
في الجملة ، وقد دلّت
النصوص على ذلك ؛ قال تعالى :{ ولا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ }. وتفصيل ذلك :
أ ـ إبداء الزينة بمعنى محلّها : [تعديل]
يحرم على المرأة إبداء شيء من أعضاء بدنها للأجنبي إلاّ ما يظهر بحسب العادة ، وهو الوجه والكفّان ، بمعنى يجب عليها ستر بدنها عدا الوجه والكفّين ؛ لقوله تعالى :{إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها }
[۱۵] ، دون
العنق والصدر وسائر بدنها ، قال تعالى :{ وليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهنَّ على جيُوبِهِنَّ }(۱۶ )
[۱۶] .( انظر : ستر )
استثناء بعض الموارد من الحرمة :
هناك عدّة موارد لا يحرم على المرأة إبداء زينتها ، وهي :
۱ً ـ يجوز إبداء الزينة للزوج ؛ لقوله تعالى :{ إلاّ لبعُولَتِهِنَّ }فلا يجب على الزوجة التستّر عنه في شيء .
ـ و
المحارم كالآباء والأبناء حيث لا يجب عليهنّ ستر ما عدا العورتين ، قال تعالى :{ أو آبائِهِنَّ أو آباء بُعُولَتِهِنَّ أو أبْنائِهِنَّ أو أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أو إخْوانهنَّ أو بَني إخْوانِهِنَّ أو بني أخَواتِهِنَّ }
[۱۷] .
والمراد بالآباء الأب وإن علا ، وبالأبناء الابن وإن سفل .
والأخ أعم من أن يكون من الطرفين ( = الأب والاُمّ ) أو أحدهما ، وبني الإخوة والأخوات وإن سفلوا . واستظهر بعضهم كون المراد الأعم من
النسب و
الرضاع ؛ للصدق
[۱۸] .
وأمّا العمّ والخال فإنّهما وإن لم يُذكرا في الآية إلاّ أنّ الحكم لهما ثابت إجماعاً ، ولعلّ عدم ذكرهما إنّما هو لـ
وحدة النسبة بين العمّ وابن الأخ ، وبين الخال وابن الاُخت ؛ فكما يجوز للمرأة إبداء زينتها لابن أخيها وابن اُختها نظراً إلى كونها عمّة أو خالة لهما يجوز لها إبداء زينتها لعمّها وخالها ؛ لوحدة النسبة
[۱۹] .
۳ً ـ النساء سواء كنّ
حرائر أم
إماء ، سواء كنّ مسلمات أم كافرات كما هو المشهور
[۲۰] لقوله تعالى :{ أو نِسائِهِنَّ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنّ }
[۲۱] .
نعم ، صرّح بعض الفقهاء بعدم استثناء المرأة اليهودية والنصرانية أو مطلق
الكافرة فحكم بالحرمة
[۲۲] ، واختار بعضهم
الكراهة [۲۳] ؛ لما ورد في
الرواية من أنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ
[۲۴] . في حين حمل بعض الفقهاء هذه الرواية على ا
لإرشاد إلى الأمر الأخلاقي والأدبي وهو شدّة التحفّظ عن
الكفّار حتى في هذا المقدار
[۲۵] .
۴ً ـ
الحمقى والأطفال غير المميّزين ؛ لقوله تعالى :{أو التَابعِينَ غَيْرِ اُولي الإرْبَةِ منَ الرجَالِ أو الطفل الذينَ لم يَظْهَرُوا على
عَوْراتِ النِساءِ }
[۲۶] دون ا
لطفل المميّز .
۵ـ
القواعد من النساء لا يحرم عليهنّ إبداء ما هو المعتاد من بدنهنّ من كشف بعض الشعر و
الذراع ونحو ذلك ، لا مثل الثدي والبطن ونحوهما ممّا يعتاد سترهنّ له ؛ لقوله تعالى :{ والقَواعِد مِنَ النِساءِ اللاّتي لا يَرْجونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَليهِنَّ جُناحٌ أن يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبرّجاتٍ بِزينَةٍ وأنْ يَسْتَعفِفْنَ خيرٌ لَهُنَّ واللّه ُ سميعٌ عليم }
[۲۷] .
۶ً ـ وكذلك ترتفع حرمة إبداء الزينة للأجنبي في حالات
الضرورة ، كالعلاج و
تحمّل الشهادة و
الاستنقاذ ، فلا يحرم بذلك على المرأة إبداء شيء من بدنها للأجنبي .( انظر : ستر )
ب ـ إبداء الزينة بمعنى ما تزَيَّنت به المرأة : [تعديل]
۱ ـ وأمّا حكم إبداء المرأة زينتها للأجنبي فهو
الحرمة أيضاً ، بمعنى وجوب سترها إلاّ للزوج وسائر من ذكرتهم الآية . ومنه يُعرف حكم إراءتها للغير .
۲ ـ وهل يفرَّق في الزينة بين ما كان على الوجه والكفّين كـ
الكحل وخضاب اليد وبين غيرهما كـ
القرط و
الخلخال أم لا ؟
[۲۸] .
۳ ـ وهل يفرّق في حكم الزينة بين ما كانت بوضع شيء على البدن أو لبسه ، وبين ما كان برفع شيء من
البدن كإزالة الشعر الزائد عن الحاجبين وتعديلهما ؟
[۲۹] .
۴ ـ ورد الحثّ
[۳۰] للمرأة على التزيّن لزوجها ، بمعنى إبداء الزينة لزوجها ، سيّما في بعض الموارد كـ
المرأة المعتدّة حيث صرّح بعض
[۳۱] باستحباب ذلك لها .( انظر : عدّة)
۵ ـوتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأحكام المذكورة مع قطع النظر عن الحالات الطارئة ، فمثلاً استثناء الزوج من حرمة إبداء الزينة له إنّما هو بالنظر إلى الإبداء في نفسه ومع قطع النظر عن العناوين الاُخرى كـ
الإحرام ، فإنّ
المرأة المحرمة لا يجوز لها التزيّن حتى لزوجها.( انظر : زينة )
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]
الموسوعة الفقهية