حكم الإندار بمقتضى القاعدة - ویکی فقه 


حكم الإندار بمقتضى القاعدة


۲- حكم الإندار بمقتضى القاعدة:
لا إشكال في أنّ من شروط صحّة المعاوضة عدم الغرر- وهو الجهالة الموجبة للخطر- فإنّه شرط عام في باب المعاوضات ثبت في محلّه بأدلّته، فالجهالة في البيع إذا أوجبت الغرر كان البيع باطلًا بمقتضى القاعدة. ولا يكفي في تصحيحه تراضي الطرفين به، وإلّا كانت كلّ معاملة غررية صحيحة، لتراضي المتعاقدين بها، كما لا يكفي التعارف في تصحيحه ما لم يرتفع الغرر بذلك.
وقد ثبت أيضاً في بيع المكيل والموزون اشتراط معلومية الوزن والكيل فيهما بمقتضى روايات خاصة استدلّ بها على شرطية الوزن أو الكيل ومانعية الجهل بهما في صحّة بيع المكيل والموزون مطلقاً، أي سواء أوجب الغرر أم لا، وعلى ضوء هاتين القاعدتين لابدّ من ملاحظة حكم الإندار.
والبحث فيه تارة في صور الإندار من حيث وقوعه بعد البيع أو قبله، واخرى في كفايته لدفع الغرر والجهالة.
أمّا البحث الأوّل فالإندار تارة يكون لتحديد المبيع أو هو مع الثمن، واخرى يكون في مقام الوفاء وتسليم المبيع. وعلى هذا الأساس قسّم الشيخ الأنصاري مسألة الإندار في البيع إلى فرضين وصورتين، فإنّه تارة يلاحظ الإندار ويوقع بعد البيع لتحديد مقدار الثمن وما يستحقّه البائع بعد فرض أنّ تمام المظروف يباع بنحو التسعير، أي كلّ رطل منه بدرهم مثلًا. واخرى يلاحظ حين البيع لتحديد المبيع ووزنه مع وقوع الثمن بإزائه معيّناً على كلّ حال.
وقد استظهر من كلمات الفقهاء إرادة الفرض الأوّل حيث قال: «قد صرّح المحقّق والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأنّ في الإندار من دون التراضي تضييعاً لمال أحدهما. ولا يخفى أنّه لو كان اعتبار الإندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقّق تضييع المال؛ لأنّ الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء فرض زائداً أو ناقصاً». [۱]
واستشهد أيضاً بكلمات للشهيد الأوّل والمحقّق الأردبيلي والمحدّث البحراني على أنّ الإندار إنّما يكون بعد البيع لا قبله.
وقد علّق المحقّق النائيني على استظهار الشيخ بقوله: «لكنّ الحقّ أنّ عباراتهم ولو لم تكن ظاهرة في الأوّل قبل البيع‌    إلّاأنّها قابلة للحمل عليه، مع أنّ صحّة الصورة الثانية بعد البيع‌    لا تخلو عن إشكال، فإنّه إذا وزن الظرف والمظروف وبيع المظروف قبل الإندار، ثمّ اندر للظرف بعد البيع يكون المبيع مجهولًا ولا يصحّحه كون هذا العمل متعارفاً عند التجّار وإن تحقّق التراضي من المتبايعين أيضاً، وإلّا لصحّ بيع كلّ موزون بلا وزن مع تراضيهما». [۲]
ثمّ اختار هذا المحقّق أنّ المنظور إليه في هذه المسألة لدى الفقهاء هو الفرض الآخر قائلًا: «وبالجملة، عنوان هذه المسألة في كلمات الأساطين إنّما هو لاستثناء بيع الموزون الذي لم يعلم وزنه تحقيقاً وإنّما علم تخميناً وتقريباً، فصورته أن يوزن الظرف بما فيه، ثمّ يندر مقدار للظرف، مع جريان عادة التجّار على الإندار ومع تراضي المتبايعين على المقدار، ثمّ يباع المبيع». [۳]
هذا، وقد ذهب‌ السيّد الخوئي إلى عدم الإشكال والشبهة في صحة البيع وعدم كون المعاملة غررية في صورة الإندار في مقام الإقباض، فيجوز الإندار مع التراضي ولو بمقدار أكثر من الظرف، وكذا مع عدم‌ التراضي إذا كان المبيع ممّا تعارف الإندار فيه؛ لوجود الشرط الضمني العقدي، فإنّ جريان العادة بذلك في حكم الشرط في ضمن العقد، فيجوز الإندار ولا يضرّ بصحة المعاملة أيضاً.
بل وكذا إن لم يرض البائع بالإندار ولم يكن المبيع من الأشياء التي تعارف فيها الإندار، فإنّه يؤخذ بالقدر المتيقّن وتجري البراءة عن المقدار الزائد، ولا مبرّر لبطلان العقد بعد وقوعه صحيحاً، فما ذكره الشيخ النائيني من أنّ الإندار يوجب جهالة المبيع ولو بعد تحقّق البيع صحيحاً لا يمكن المساعدة عليه. [۴]
وأمّا الإندار حين البيع بحيث يقع البيع على المندر بأن يقول: بعتك هذا الدهن غير ظرفه مع كون الظرف والدهن مجموعهما معلوماً لكن كلّ واحد منهما لم يكن معلوماً، وكذا لو قال: بعتك الشي‌ء الفلاني وهو مع ظرفه عشرة حقق، فالظاهر أنّه لا شبهة في بطلانه؛ لكونه من أظهر أفراد الغرر؛ إذ لا يعلم مقدار المبيع، فهل يحتمل أنّ الشي‌ء إذا كان مجهولًا لا يجوز بيعه مستقلّاً ولكن يجوز بيعه مع ضمّه إلى شي‌ء آخر ليكون مقدار المجموع معلوماً، ولا فرق في ذلك بين رضا المتبايعين بالإندار وعدمه؛ لأنّ رضاهما لا يوجب صحة البيع المنهي عنه شرعاً. [۵]
ويرى قدس سره أنّ مورد الروايات هو هذه الصورة وأنّها إنّما وردت على طبق القاعدة لا على خلافها، وأنّ توهّم أنّها واردة في نفس البيع فيصحّ مع التراضي، فاسد. [۶]
وهذا الذي ذكروه لا يمنع عن التوسّع في البحث والنظر إلى كافّة الصور الممكنة للإندار واستخراج حكمها على مقتضى القاعدة أو الروايات الخاصة، ولهذا قسّم جملة من المحقّقين مسألة الإندار إلى فروض وصور عديدة، منها الفرضان المذكوران من قبل الشيخ الأنصاري.
وعلى هذا الأساس تكون الأقسام والفروض المتصوّرة لبيع المظروف عديدة، وهي:
۱- أن يكون المبيع هو المظروف‌ بتمامه بثمن معيّن مهما كان مقداره، أي من دون نظر إلى وزنه، وفي مثل ذلك لا غرض للمتبايعين في الإندار، ولهذا قد أخرجه الشيخ عن مسألة الإندار، إلّاأنّه لم يبيّن حكمه من حيث الصحّة والفساد حيث إنّه بيع للموزون مع الجهل بوزنه.
ولعلّه يرى كفاية العلم بوزن المجموع في صحّة بيع المظروف في هذه الحالة من دون إندار، وسيأتي الكلام في صحّة هذا المبنى وعدمها.
۲- أن يكون المبيع هو المظروف بتمامه ولكن بما هو موزون بوزنٍ معيّن مقصود للمشتري وبثمن معيّن، لا بنحو التسعير وأنّ كلّ رطل منه كذا، بل مجموعه بعشرة دراهم ويعيّن الوزن تخميناً بالإندار، وهذا هو الفرض الأوّل في كلام الشيخ والذي يكون البيع فيه بعد الإندار لتعيين المبيع تخميناً، وأمّا الثمن فهو معيّن على كلّ حال.
۳- أن يكون المبيع هو المظروف بتمامه وبأيّ مقدار كان واقعاً ولكن بنحو الانحلال، أي كلّ رطل منه بدرهم مثلًا.
وهنا يكون الإندار لأجل تعيين المقدار المستحقّ من الثمن؛ إذ كلّما زاد المبيع رطلًا زاد الثمن درهماً، فيمكن أن يكون الإندار بعد البيع وفي مقام الوفاء والتسليم.
۴- أن يكون المبيع كلّ رطل من المظروف بدرهم ويتعيّن المقدار الذي يشتريه المشتري ويريده بالأخذ والاحتساب تدقيقاً أو تخميناً بالإندار.
وهنا يتحقّق البيع بالأخذ والاحتساب بعد الإندار.
ولا يصحّ هنا فرض تحقّق البيع قبل الإندار؛ لعدم صحّة بيع كلّ رطل بدرهم من دون تعيين ما يراد بيعه إمّا بالمقدار الكلّي أو بالتحديد الخارجي ببيع تمام المظروف، لإبهام المبيع من دون أحد الأمرين، بل عدم إنشاء بيع بذلك أصلًا، فإنّ (كلّ رطل بدرهم) ليس إلّاتحديداً للقيمة لا بيع شي‌ء من الأرطال.
۵- أن يكون المبيع كلّياً في الذمّة أو في المعيّن الخارجي- كما إذا باعه كلّي عشرة أرطال من الدهن- ثمّ في مقام الوفاء سلّمه المظروف الموزون مع ظرفه بإحدى عشر رطلًا- مثلًا- وأندر له رطلًا بإزاء الظرف.
ولا شكّ أنّ هذا الإندار يكون بعد تمامية البيع وصحّته، وفي مقام التسليم والوفاء وتطبيق المبيع الكلّي في الخارج.
وهذا لعلّه خارج عن مراد الفقهاء ومفاد أخبار الباب.
وهذه الأقسام تختلف من حيث لزوم الغرر أو الجهالة فيها، مع قطع النظر عن كون تحديد الوزن بالإندار كافياً أم لا.
ففي القسم الأوّل قد يقال: إنّه لا يوجد غرر في المبيع بلحاظ ما هو غرض المتبايعين؛ لعدم تعلّق غرضيهما بالوزن أصلًا، وإنّما يريد المشتري المظروف الخارجي بأيّ مقدار كان وزنه، كما أنّ البائع يبيعه كذلك مع قطع النظر عن وزنه، فليس الوزن مقصوداً للمتبايعين.
نعم، قد يستفاد من الروايات شرطية العلم بالوزن في بيع الموزون بطبعه ولو لم يكن الوزن مقصوداً للمتبايعين، إلّاأنّه قد يكتفى حينئذ بمعلومية وزن المجموع من الظرف والمظروف، فلا يحتاج إلى الإندار في هذه الصورة. ولعلّ هذا هو مقصود الشيخ الأنصاري.
ولكن يمكن أن‌ يقال في قبال ذلك بأنّ الميزان في الغرر والجهالة إنّما هو بلحاظ الأغراض والمقاصد النوعية العامة لا الشخصية للمتبايعين، فإذا كان المظروف من المكيل والموزون والذي يكون التسعير فيه بلحاظ وزنه ومقداره، كان الجهل بوزن المظروف المجعول في قبال عشرة دراهم- مثلًا- غرراً لا محالة، فيكون ظاهر اشتراط عدم الجهالة في الموزون والمكيل البطلان في المقام أيضاً؛ لأنّ العلم بالمجموع من وزن الظرف والمظروف مع كون المبيع خصوص المظروف، لا يكون محقّقاً للمعلومية وعدم الجهالة بمقدار المبيع.
فهذا القسم ملحق بالقسم الثاني الآتي من حيث لزوم الإندار فيه لتصحيحه على القول بكفايته في ذلك.
وفي القسم الثاني يوجد غرر وجهالة معاً لتعلّق الغرض المعاملي بالمظروف بما هو موزون، فلابدّ من تحديده وتعيينه في قبال الدراهم العشرة المعيّنة ثمناً بحسب الفرض. وهذا التعيين لابدّ وأن يكون حين البيع، فلابدّ من الإندار قبل البيع ليقع مبنياً عليه.
ولا يكفي الإندار بعده في مقام الوفاء والتسليم؛ لأنّ المبيع مردّد بين أن يكون خمسة أرطال من الدهن- مثلًا- في قبال عشرة دراهم أو عشرة أرطال منه في قبالها، وهذا غرر وجهالة بمقدار المبيع، فيبطل البيع.
ولا يجدي تراضي المتبايعين في دفع المحذور، وإلّا لصحّ كلّ بيع غرري بالتراضي.
وهذه الصورة هي التي أشار إليها السيّد الخوئي بقوله: «الجهة الثانية: أن يكون الإندار حين البيع بحيث يقع البيع على المندر بأن يقول: بعتك هذا الدهن غير ظرفه مع كون الظرف والدهن مجموعهما معلوماً ولكن كلّ واحد منهما لم يكن معلوماً، وهكذا لو قال: بعتك الشي‌ء الفلاني وهو مع ظرفه عشرة حقق، الظاهر أنّه لا شبهة في بطلان البيع في هذه الصورة؛ لكونه من أظهر أفراد الغرر؛ إذ لا يعلم أنّ مقدار المبيع أيّ قدر وزنه...
ولا يفرّق في ذلك بين كون المتبايعين راضيين بالإندار أم لا، فإنّ رضاهما لا يوجب صحّة البيع المنهي عنه شرعاً». [۷]
وفي القسم الثالث لا يوجد غرر في البين لمكان التسعير، فإنّه في قبال كلّ رطل يستحقّ البائع درهماً، كما أنّ المشتري يشتري فيه كلّ رطل من‌ المظروف بدرهم، فلا يتردّد المبيع بين أن يكون خمسة أرطال بعشرة دراهم أو عشرة أرطال بها. إلّاأنّه توجد فيه جهالة بمقدار الثمن والمثمن حين البيع رغم كونهما معيّنين واقعاً، فإذا وقع الإندار في هذا القسم قبل البيع وقلنا بكفاية التحديد التخميني الحاصل به ارتفع محذور الجهالة أيضاً وصحّ البيع.
وإذا وقع الإندار بعد البيع لتحديد ما يستحقّه البائع من الثمن فالصحّة مبنية على القول بصحّة مثل هذا البيع، كما إذا باعه الصبّرة كلّ رطل منه بدرهم، ثمّ في مقام التسليم وزن الصبّرة. وهذا يعني عدم مانعية الجهالة، وإنّما المانع إنّما هو الغرر، فيكون صحيحاً على القاعدة، أو يقال بكفاية العلم بمجموع الظرف والمظروف‌ في دفع الجهالة، أو يقال باستفادة صحّته من روايات الإندار الخاصة بناءً على شمولها لهذه الصورة.
وهذه هي الصورة التي ذكرها الشيخ الأنصاري وأصرّ على أنّها مقصود المشهور من مسألة الإندار، ويترتّب عليه مطلبان:
الأوّل: أنّه لا يرد عليه ما أورده المحقّق النائيني من أنّ التعارف أو التراضي لا ينفع في دفع محذور الغرر والجهالة؛ لما عرفت من عدم الغرر في هذا القسم بعد فرض التسعير وإمكان تحديد الثمن والمثمن بالوزن التحقيقي أو التخميني بعد البيع بالإندار.
واشتراط عدم الجهالة تعبّداً المستفاد من الروايات يكتفى فيه بالإندار المتعارف ولو بعد البيع على القاعدة أو بمقتضى روايات الإندار.
وأمّا الوفاء والأداء للثمن ومقداره المتغيّر بزيادة الأرطال وقلّتها فهو أمر آخر لا ربط له بصحّة البيع ويتحقّق بالتراضي أو بالأصل العملي بعدم استحقاق البائع أكثر من عشرة دراهم على ما سيأتي بحثه.
الثاني: أنّ صحّة البيع بالإندار في هذا القسم إذا استفيدت من دليل لا تستلزم صحّته به في القسم السابق؛ لوجود الجهالة الغررية في ذاك القسم وفقدانه في المقام، وكذلك العكس؛ لأنّ الإندار واقع في القسم السابق قبل البيع، فيكون المبيع معلوم الوزن ولو تخميناً بالإندار، والثمن أيضاً معلوم على كلّ حال؛ لأنّه عشرة دراهم مثلًا. وهذا بخلاف هذا القسم، فإنّ الجهالة وعدم العلم بمقدار الثمن والمثمن حين البيع قد تكون مانعة عن الصحّة وإن لم يكن البيع غررياً.
نعم، إذا فرض دلالة الدليل على صحّة القسم الثاني ولو وقع فيه الإندار بعد البيع وفي مقام التسليم دلّ ذلك لا محالة على عدم قدح الجهالة، بل ولا الغرر في المبيع حين البيع، وأنّ تحديده ولو بالتخمين والإندار بعد البيع وفي مقام الوفاء كافٍ في اندفاع الغرر والجهالة حين البيع، فيكون لازمه الصحّة في القسم الثالث أيضاً بالأولوية؛ لعدم الفرق بين جهالة مقدار المبيع أو الثمن من هذه الناحية.
وقد اشير إلى هذا المطلب في كلمات‌ جملة من المحقّقين كالمحقّق الهمداني في حاشيته على المكاسب، فإنّه- بعد أن ذكر صورتين في تفسير كلام الشيخ، إحداهما:
أن يبيعه المظروف بنحو التسعير، أي كلّ رطل بدرهم، فيقع الإندار بعد البيع؛ لتعيين الثمن والمثمن معاً، والثانية: أن يبيعه المظروف الموزون مع ظرفه أحد عشر رطلًا مثلًا بعشرة دراهم، فيكون الإندار لتعيين المبيع- قال: «إذا عرفت ذلك علمت أنّهما معنيان متغايران، فلابدّ في تصحيح البيع في كلّ من الصورتين إلى إقامة الدليل عليهما بالخصوص، فعلى هذا لو لم يتمّ الدليل إلّافي أحدهما لا يمكن القول بالصحّة في الاخرى؛ إذ لا ملازمة بين الصحّتين؛ إذ لو قلنا بالصحّة في الصورة الثانية لأمكن الحكم بالفساد في الفرض الأوّل؛ لإمكان مدخلية التعيين للحكمي في المثمن والواقعي في الثمن في صحّة البيع، وكذا لو قلنا بالصحّة في الفرض الأوّل لمساعدة الدليل عليها، لا يجوز الحكم بالصحّة في الفرض الثاني.
والأولوية المتوهّمة في المقام ممنوعة بعد اشتمال الصورة الثانية للغرر في البيع حيث هو بيع، وهذا بخلاف الصورة الاولى، فإنّ فيها ليس غرراً في البيع أصلًا؛ لأنّ المفروض فيها أن يقول البائع:
بعتك كلّ رطل بدرهم، ومعلوم أنّ في تردّد المبيع بين كونه عشرة أرطال بعشرة دنانير أو خمسة بخمسة دنانير ليس فيه غرر أصلًا. وإنّما الغرر فيما لو بيع بعشرة دنانير، سواء كان المظروف خمسة أو عشرة.
واحتمال اشتمال الصورة الاولى على الغرر أيضاً بناءً على أن يكون الغرر في البيع عبارة عن كونه في عُرضة تفويت المقاصد؛ إذ ربّما لا يقصد الإنسان الاشتراء خمسة أرطال.
مضعّف بأنّ هذا النحو من الأغراض ممّا لا يعتنى به في نظر العرف أبداً حتى يعدّ الجهل بها في نظر العرف غرراً، وهذا بخلاف أوزان المسعّرات بالأثمان المعيّنة إن لم يعلم أنّ ما بحذاء الدرهم الخاص عشرة أرطال أو خمسة، مضافاً إلى أنّه لو دلّ الدليل على كون هذا النحو من الغرر مغتفراً في المعاملات لما جاز الحكم باغتفار الغرر الحاصل في الصورة الاخرى؛ لوضوح الفرق بين الغررين. وبهذا ظهر لك أنّه لو قلنا بأنّ الغرر والجهالة في البيع متساويان- بمعنى أنّه لا ينفك أحدهما عن الآخر- لما صحّ الحكم بالأولوية أيضاً، بدعوى أنّ الجهالة والغرر في الصورة الاولى من جهتين، وفي الصورة الثانية من جهة واحدة؛ لكون الثمن فيها معلوماً، لما عرفت من الفرق بين الغررين، فيمكن أن يدلّ المخصّص- لعموم نفي الغرر- على خروج ما هو من القسم الأوّل دون الثاني، فافهم». [۸]
وذكر المحقّق الأصفهاني أيضاً في حاشيته على المكاسب ما يشبه ذلك، حيث قال: «وهل صحّة الصورة السابقة مستلزمة لصحّة هذه الصورة بالأولوية حتى لا يحتاج إلى تكلّف تطبيق الروايات عليها، فإنّها- على أيّ حال- صحيحة، سواء كان مورد الروايات هذه الصورة أو السابقة، فنقول: الجهل بالمبيع في الصورة المتقدّمة لا يوجب الغرر؛ لمكان التسعير المقتضي لوقوع كلّ درهم من المشتري بإزاء رطل من السمن له، فلا خطر له في المعاملة. والإندار بعد البيع وإن كان يقتضي أداء ثمانية دراهم بإزاء ما لا علم بأنّه ثمانية أرطال، إلّاأنّه غرر في غير البيع، بخلاف هذه الصورة فإنّ الإندار حيث إنّه في ضمن المعاملة فيوجب الغرر حيث لا يدري وقوع كلّ درهم بإزاء رطل، فلا غرر في الصورة السابقة دون هذه الصورة، كما لا جهل تخميناً وتنزيلًا في هذه الصورة دون الصورة السابقة، فلا أولوية لإحدى الصورتين من الاخرى، بل لو قيل بأنّ الجهل بعنوانه غير ضائر، بل إذا أوجب غرراً، فالصورة المتقدّمة أولى بالصحّة، حيث لا غرر فيها دون هذه الصورة، وأمّا إذا قلنا بأنّه بعنوانه ضائر أيضاً فلكلّ من الصورتين جهة مائزة مفقودة في الاخرى، فتدبّر جيّداً». [۹]
وفي القسم الرابع والخامس لا غرر ولا جهالة حين البيع إذا كان الوزن حين الاحتساب معلوماً تحقيقاً أو تخميناً بالإندار- بناءً على كفايته- ولكن يختلف القسم الخامس عن الرابع من حيث صحّة البيع فيه على كلّ حال وعدم لزوم غرر ولا جهالة، حتى إذا قيل بعدم كفاية الإندار في دفع الجهالة ولزوم تحديد الثمن والمثمن‌
وبهذا ظهر لك أنّه لو قلنا بأنّ الغرر والجهالة في البيع متساويان- بمعنى أنّه لا ينفك أحدهما عن الآخر- لما صحّ الحكم بالأولوية أيضاً، بدعوى أنّ الجهالة والغرر في الصورة الاولى من جهتين، وفي الصورة الثانية من جهة واحدة؛ لكون الثمن فيها معلوماً، لما عرفت من الفرق بين الغررين، فيمكن أن يدلّ المخصّص- لعموم نفي الغرر- على خروج ما هو من القسم الأوّل دون الثاني، فافهم». [۱۰]
وذكر المحقّق الأصفهاني أيضاً في حاشيته على المكاسب ما يشبه ذلك، حيث قال: «وهل صحّة الصورة السابقة مستلزمة لصحّة هذه الصورة بالأولوية حتى لا يحتاج إلى تكلّف تطبيق الروايات عليها، فإنّها- على أيّ حال- صحيحة، سواء كان مورد الروايات هذه الصورة أو السابقة، فنقول: الجهل بالمبيع في الصورة المتقدّمة لا يوجب الغرر؛ لمكان التسعير المقتضي لوقوع كلّ درهم من المشتري بإزاء رطل من السمن له، فلا خطر له في المعاملة. والإندار بعد البيع وإن كان يقتضي أداء ثمانية دراهم بإزاء ما لا علم بأنّه ثمانية أرطال، إلّاأنّه غرر في غير البيع، بخلاف هذه الصورة فإنّ الإندار حيث إنّه في ضمن المعاملة فيوجب الغرر حيث لا يدري وقوع كلّ درهم بإزاء رطل، فلا غرر في الصورة السابقة دون هذه الصورة، كما لا جهل تخميناً وتنزيلًا في هذه الصورة دون الصورة السابقة، فلا أولوية لإحدى الصورتين من الاخرى، بل لو قيل بأنّ الجهل بعنوانه غير ضائر، بل إذا أوجب غرراً، فالصورة المتقدّمة أولى بالصحّة، حيث لا غرر فيها دون هذه الصورة، وأمّا إذا قلنا بأنّه بعنوانه ضائر أيضاً فلكلّ من الصورتين جهة مائزة مفقودة في الاخرى، فتدبّر جيّداً». [۱۱]
وفي القسم الرابع والخامس لا غرر ولا جهالة حين البيع إذا كان الوزن حين الاحتساب معلوماً تحقيقاً أو تخميناً بالإندار- بناءً على كفايته- ولكن يختلف القسم الخامس عن الرابع من حيث صحّة البيع فيه على كلّ حال وعدم لزوم غرر ولا جهالة، حتى إذا قيل بعدم كفاية الإندار في دفع الجهالة ولزوم تحديد الثمن والمثمن‌ تحقيقاً، أو فرض عدم تعارف الإندار أو العلم بزيادته أو نقيصته، ففي جميع هذه الصور يكون البيع في القسم الخامس صحيحاً؛ لوقوعه على الكلّي في الذمّة أو في المعيّن الخارجي وانتهائه صحيحاً، وإنّما الجهالة في مقام الوفاء، فيصحّ فيه التراضي قطعاً من دون سريان المحذور إلى البيع الواقع صحيحاً أوّلًا، وهذا بخلاف القسم الرابع فإنّه إذا لم يكتف بالإندار كان البيع باطلًا لا محالة؛ للجهل بمقدار المبيع.
ثمّ إنّ صحّة البيع في هذا القسم- أي الرابع- بالإندار لا تستلزم صحّته في القسمين السابقين؛ لأنّه في القسم الثاني كان البيع غررياً- كما تقدم شرحه- بخلاف هذا القسم؛ لمكان التسعير المقتضي لوقوع كلّ درهم بإزاء رطل من السمن، فلا خطر في المعاملة.
وفي القسم الثالث وإن لم يكن البيع غررياً لثبوت التسعير فيه أيضاً، إلّاأنّ فيه جهالة بمقدار الثمن والمثمن حين إنشاء البيع، وهذا مفقود في هذا القسم؛ لأنّ البيع لا يتحقّق فيه إلّابعد الإندار، ومعلومية الثمن والمثمن ولو تخميناً، فإذا اشترطنا حصول العلم بالوزن والمقدار تحقيقاً أو تخميناً حين البيع لا بعده وفي مقام التسليم صحّ في هذا القسم وبطل في القسم الثالث.
نعم، لو صحّ البيع في القسم الثالث صحّ في هذا القسم بطريق أولى كما هو واضح.
وأمّا البحث الثاني، وهو كفاية الإندار- الذي هو تحديد تخميني للوزن لدفع محذور الغرر والجهالة- على مقتضى القاعدة أو عدم كفايته، فالصحيح فيه أن يقال: بأنّ الإندار إذا كان احتمال خطئه عن الواقع ضئيلًا وضعيفاً عرفاً بحيث في قباله اطمئنان بالوزن، أو كان مقدار الفرق المحتمل يسيراً بحيث لا يعتني به العرف في ذاك النوع من المظروف كما في بيع الامور التي لا قيمة مهمّة لقليلها، كبيع الماء بالوزن أو الكيل، ففي مثل ذلك لا شكّ في صحّة البيع لتحقّق العلم بالوزن عرفاً في الفرض الأوّل، وعدم الغرر في الفرض الثاني، بل ولا جهالة قادحة بحسب نظر العرف، فإنّ المعيار في الموزونية والغررية في كلّ شي‌ء بحسبه.
وأمّا إذا كان احتمال الخطأ معتدّاً به ومقدار الفرق لا يتسامح فيه العرف- كما في بيع الامور الخطيرة الثمينة بحيث يهتمّ العقلاء بقليلها أيضاً خصوصاً في مثل الذهب والمجوهرات- فالإندار عندئذٍ يوجب الغرر أو الجهالة أو هما معاً في البيع حسب ما تقدّم في الأقسام المتقدّمة، باستثناء القسم الخامس منها- على ما تقدّم شرحه- فإذا اشترط انتفاؤهما معاً بطل البيع في جميع الأقسام الأربعة.
ولا يجدي التراضي في تصحيحه، وإلّا أمكن تصحيح كلّ معاملة غررية بالتراضي بها الحاصل بالعقد، وإن اشترطنا عدم الغرر بالخصوص- وهو الجهالة الموجبة للخطر والمجازفة لا مطلق الجهالة- بطل البيع في القسم الأوّل والثاني من تلك الأقسام دون سائر الأقسام؛ لعدم الخطر فيها.
نعم، إذا فرض أنّ الإندار أصبح طريقة متعارفة لتحديد المظروف ولو في الجملة أو في بيع بعض الأجناس بحيث اعتبر طريقاً وأمارة عقلائية لتشخيص وزن المظروف في تلك الأجناس، والشارع لم يردع عن ذلك بحيث كشف عن إمضائه له، كفى ذلك أيضاً في تصحيح البيع بالإندار حينه أو بعده، حسب اختلاف الأقسام المتقدّمة بناءً على الاكتفاء بالطرق والأمارات الشرعية في العلم بوزن المبيع ومقداره، كما هو الصحيح.
وكذا إذا فرض أنّ الإندار كان طريقة متعارفة يكتفى بها عرفاً في بيع بعض الأجناس؛ لصعوبة أو عدم إمكان غيرها، بحيث كان هذا هو التوزين المتعارف في تلك الأجناس والذي يعتمد عليه العقلاء، لا بنكتة الطريقية المحضة والأمارية، بل بحكمة قد تكون موضوعية لا طريقية لدى العقلاء، والشارع قد أمضى تلك النكتة ولم يردع عنها، فإنّه هنا أيضاً يصحّ البيع بالإندار.
وفرق هذا الفرض عن سابقه أنّه لو بان الخلاف فلا يمكن لأحدهما أن يرجع فيه على الآخر، لوقوع البيع على تلك العادة بنحو الموضوعية لا الطريقية البحتة، بل قد تكون تلك العادة ثابتة حتى مع العلم بالزيادة أو النقيصة شيئاً مّا، بخلاف الفرض الأوّل- فرض الطريقية- فإنّه لا يصح إلّامع احتمال التساوي وعدم العلم بالخلاف، وإلّا لم يكن الطريق حجّة.
هذا كلّه إذا كان الإندار من أجل‌ تصحيح المعاملة والبيع ودفع الغرر أو الجهالة فيه، وأمّا إذا كان في مقام الوفاء وتعيين ما يستحقّه كلّ من الطرفين بعد فرض وقوع البيع صحيحاً، كما في القسم الخامس من الأقسام المتقدّمة، وكذلك القسم الثالث والرابع بناءً على القول بصحّتهما على مقتضى القاعدة؛ لعدم الغرر فيهما وعدم مانعية الجهالة وحدها، إمّا مطلقاً أو في خصوص المقام، فلا إشكال في كفاية الإندار إذا حصل التراضي به من قبل الطرفين؛ لأنّه يرجع إلى إسقاط كلّ منهما حقّه على الآخر بالإبراء أو الهبة إذا كان في الواقع زائداً أو ناقصاً عن المقدار المندر في طرف المبيع أو الدراهم المدفوعة في طرف الثمن.
وأمّا إذا لم يحصل تراض بذلك ولم يكن الإندار متعارفاً بنحو يستكشف كونه طريقاً عقلائياً ممضىً شرعاً في مقام الأداء وتفريغ الذمة في تلك الأجناس، فقد يقال بكفايته أيضاً في كلّ مورد لا يعلم فيه بالزيادة أو النقيصة، بل كانت محتملة؛ لأنّ الأصل براءة ذمّة المشتري عن أكثر ممّا يستحقّه البائع بالإندار، أو لاستصحاب عدم الزيادة والنقيصة عمّا أندر واستصحاب عدم استحقاق البائع أكثر ممّا يستحقّه بالإندار. [۱۲]
ويرد عليه:
أمّا في القسم الخامس فلأنّه لا يكفي لتجويز تصرّف كلّ من الطرفين فيما يقبضه من الطرف الآخر في مقام الوفاء إذا احتمل كونه أكثر ممّا يستحقّه، فالمشتري إذا احتمل أنّ المظروف أكثر من عشرة أرطال- مثلًا- لا يجوز له التصرّف فيه؛ لاستصحاب بقاء بعضه- ولو مشاعاً- على ملك مالكه الأوّل، والمفروض أنّه غير راضٍ بالزيادة إن كانت.
نعم، إذا دار المظروف بين النقيصة والتساوي جاز له التصرّف لإحراز ملكيّته لتمامه بالقبض على كلّ حال، كما أنّ البائع إذا احتمل زيادة الدراهم عمّا يقابله من المبيع، بأن كان أقل من عشرة أرطال، فالدرهم العاشر لم يدخل في ملكه ليجوز له التصرّف فيه؛ لأنّ المشتري إنّما يعيّنه له ويقبضه بعنوان الوفاء بالرطل العاشر من المبيع الذي استلمه ومشروطاً به، بحيث‌ إذا كان المبيع تسعة أرطال فهو غير راضٍ بإقباض الدرهم العاشر وتعيينه للبائع واقعاً، فيجري استصحاب بقائه على ملك المشتري.
نعم، لو قيل بأنّ المشتري راضٍ بتعيين الدراهم العشر للبائع على كلّ حال- غاية الأمر إذا كان المظروف أقل من عشرة فهو يستحقّ عليه رطلًا آخر من المبيع- لم يكن محذور في طرف الثمن.
وأمّا في القسم الثالث والرابع فحيث إنّ المظروف بتمامه مبيع على كلّ حال فالإشكال يقع في طرف الثمن بالنسبة للبائع، فإنّه إذا احتمل نقيصة المظروف عن عشرة أرطال لم يجز له التصرّف في الدرهم العاشر.
نعم، إذا لم يحتمل النقيصة وإنّما دار الأمر بين الزيادة والتساوي جرى استصحاب عدم الزيادة أو عدم استحقاق البائع للزيادة أو براءة ذمّة المشتري عمّا يقابلها من الثمن.
ثمّ إنّ استصحاب عدم زيادة المظروف عن عشرة أرطال- مثلًا- لا يجري في نفسه، لا لعدم الحالة السابقة لعدم الزيادة ليقال بكفاية العدم الأزلي في جريان الاستصحاب العدمي، بل لأنّه لا يترتّب عليه الأثر الشرعي، وهو نفي اشتغال ذمّة المشتري بدرهم زائد، فإنّ كون المظروف زائداً على العشرة لازمه وقوع البيع على الزائد، وبالتالي إنشاء البيع والمبادلة بين أحد عشر رطلًا- مثلًا- وأحد عشر درهماً، فتشتغل ذمّة المشتري بالزائد، لا أنّ اشتغال ذمّته بالدرهم الزائد أثر شرعي مرتّب على كون المظروف زائداً.
والحاصل: اشتغال الذمّة شرعاً بالدرهم الزائد مترتّب على وقوع البيع والمبادلة على الزائد، وهذا لازم عقلي لكون المظروف أزيد من العشرة، فبين الأثر الشرعي المترتّب وزيادة المظروف واسطة عقلية.
نعم، يمكن إجراء الاستصحاب في اللازم ابتداءً، أي يستصحب عدم وقوع البيع على أكثر من عشرة أرطال.
وهناك من الفقهاء من منع عن أصل الرجوع إلى البراءة والاستصحاب في مقام‌
الوفاء بحقوق الناس المالية مع إمكان تحصيل العلم بها، ولعلّ وجهه أصالة الاحتياط في الأموال والحقوق، وهو محلّ تأمّل.
قال المحقّق الأصفهاني في حاشيته على المكاسب: «مضافاً إلى أنّ إجراء الأصل في حقوق الناس مع التمكّن من تعيينه في غاية الإشكال، وتعيين المظروف بتفريغ الظرف ووزن الظرف منفرداً في غاية السهولة». [۱۳]
وقال المحقّق الهمداني في حاشيته أيضاً: «نعم، يجوز للمشتري منع المالك عن الزائد على القدر المتيقّن؛ عملًا بالبراءة إن قلنا بجريانها في أمثال المقام ممّا يستلزم إجراؤها إبطال الحقوق كثيراً، كمن ألقى طوماره في البحر وأجرى البراءة بالنسبة إلى حقوق الناس، خصوصاً مع التمكّن من تحصيل العلم كما فيما نحن فيه، وأمّا لو منعنا عن ذلك فاللازم على المشتري الاحتياط بدفع ما يقطع بفراغ ذمّته أو تعيين الظروف بالوزن، ولكن ليس للبائع التصرّف فيه ما لم يعلم استحقاقه تمام الثمن لو لم يرض المشتري بالزائد على تقدير الزيادة». [۱۴]
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري قد تمسّك بالأصل العملي- المتقدّم شرحه- لإثبات الحكم بصحّة الإندار إذا كان يحتمل الزيادة والنقيصة على القاعدة، سواء كان الإندار متعارفاً أم لا، وسواء تراضيا بالزيادة أو النقيصة المحتملة أم لا، فلا يحتاج في غير صورة العلم بالزيادة أو النقيصة إلى الروايات، وقد أسند ذلك إلى المشهور أيضاً كما تقدّمت الإشارة إليه.
وهذا الكلام إن اريد به صحّة الإندار في مقام الوفاء بالبيع وتسليم الثمن بعد فرض وقوعه صحيحاً فقد عرفت حاله.
وإن اريد به تصحيح البيع في موارد عدم العلم بالزيادة أو النقيصة ودفع إشكال الغررية أو الجهالة، فمن الواضح أنّه لا يمكن بالأصل العملي إثبات ذلك حتى إذا كان الأصل الجاري استصحاباً- كاستصحاب عدم الزيادة والنقيصة- وقلنا بقيامه مقام القطع الموضوعي مطلقاً، أي حتى إذا لم يكن يترتّب الأثر إلّاعلى نفس القطع الموضوعي من دون أثر للمؤدّى- وقد حقّق في محلّه من علم الاصول عدم صحّة ذلك، كما أنّ الأصل عدم صحّة أصل قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي- لأنّ اللازم دفع عنوان الغرر أو الجهالة بمقدار المبيع، وهذا لا يندفع بالأصل العملي- حتى الاستصحاب- بل غايته العلم التعبّدي بعدم الزيادة وعدم النقيصة، وهذا ليس تعبّداً بعدم الغرر، ولا علماً تعبديّاً بمقدار المبيع، إلّابنحو الأصل المثبت.
على أنّه معارض باستصحاب عدم كون المبيع بالمقدار الباقي بعد الإندار.
والحاصل: الغرر أو الجهالة المستفاد من الأدلّة مانعيّتهما في صحّة البيع لا تندفع بالاصول العملية. نعم، قد يندفعان بالطرق والأمارات العقلائية أو الشرعية.
ثمّ إنّه إذا فرض وقوع البيع صحيحاً- كما في القسم الخامس؛ لكون المبيع كلّياً، أو القسمين الثالث والرابع؛ لمكان التسعير الرافع للغرر وقيل بكفايته في صحّة البيع- فهل يكون اشتراط الإندار في مقام التسليم ضمن البيع وعدم لزوم الوزن التحقيقي موجباً لبطلانه على القاعدة بحيث يحتاج في تصحيحه إلى التمسّك بالروايات الخاصة أيضاً أم لا؟ وجهان، بل لعلّه قولان يظهر كلّ منهما من عبارات بعض المحقّقين.
وجه البطلان: هو أنّ اشتراط الإندار في مقام الوفاء شرط غرري فيوجب غررية البيع؛ فيبطل.
ووجه الصحّة: أنّ مرجع هذا الاشتراط إلى الالتزام بقبول الإندار في مقام الوفاء والتسليم، وقد تقدّم جوازه بالتراضي والقبول من الطرفين إذا وقع البيع صحيحاً؛ وأنّه بحكم الهبة أو الإبراء وإسقاط الحقّ، فلا وجه لكون التوافق عليه بالشرط ضمن البيع موجباً للبطلان.
نعم، لو رجع الاشتراط إلى التقييد وأنّ المقدار المستحقّ بالبيع هو المندَر لزم منه الجهالة والغرر في البيع، فيبطل لا محالة ما لم يكن تعارف رافع للغرر والجهالة، أو شمول إطلاق الروايات الخاصة الواردة في الإندار لفرض الاشتراط أيضاً، كما هو ظاهر عبارات الشيخ الأنصاري.

محتويات
۱ - المراجع

المراجع [تعديل]

۱. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم)، ج۴، ص۳۲۴.    
۲. منية الطالب، ج۲، ص۴۱۱.
۳. منية الطالب، ج۲، ص۴۱۱.
۴. مصباح الفقاهة، ج۵، ص۴۶۵- ۴۶۶.
۵. مصباح الفقاهة، ج۵، ص۴۶۶.
۶. مصباح الفقاهة، ج۵، ص۴۶۷.
۷. مصباح الفقاهة، ج۵، ص۴۶۶.
۸. حاشية المكاسب (الهمداني)، ج۱، ص۴۳۰.
۹. حاشية المكاسب (الأصفهاني)، ج۳، ص۳۹۶.
۱۰. حاشية المكاسب (الهمداني)، ج۱، ص۴۳۰.
۱۱. حاشية المكاسب (الأصفهاني)، ج۳، ص۳۹۶.
۱۲. مصباح الفقاهة، ج۵، ص۴۶۶.
۱۳. حاشية المكاسب (الأصفهاني)، ج۳، ص۴۰۰.
۱۴. حاشية المكاسب (الهمداني)، ج۱، ص۴۳۵.





أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار