التوارث بين المقر والمقر به
(و) كيف كان (إذا تصادقا) أي المقرّ والمقرّ به (توارثا بينهما) حيث لا وارث لهما، بلا خلاف كما في كثير من العبارات؛
[۱] [۲] [۳] وهو الحجة، مضافاً إلى النصوص الكثيرة :
منها زيادةً على الصحيحين للمتقدمين في ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ من دون تصديق
[2] ـ : الصحيح المروي عن الكافي والتهذيب : عن رجلين جيء بهما من أرض الشرك، فقال أحدهما لصاحبه : أنت أخي، فعرفا بذلك، ثم أُعتقا ومكثا يعرفان بالإخاء، ثم إنّ أحدهما مات، قال : «الميراث للأخ يصدقان».
[۴] [۵] [۶] [۷]
مع أنّ الحق لهما فلا يعدوهما.
(ولا يتعدّى) التوارث (إلى غير المتصادقين) بلا خلاف أيضاً؛ لأنّ النسب هنا لم يثبت بالبيّنة وإنّما ثبت بالإقرار، وحكمه لا يتعدّى إلى غير المقرّ بلا خلاف، للأصل.
وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الإقرار بالولد الكبير الذي يعتبر تصديقه وغيره من الأنساب. وعليه يتفاوت الإقرار بالولد بالنسبة إلى الصغير والكبير؛ لثبوت النسب الموجب للتوارث على الإطلاق بالإقرار في الأوّل وعدم ثبوته كذلك ولو مع التصادق في الثاني.
خلافاً لظاهر عبارة الماتن في الشرائع، فدلت على أنّ قصر الحكم على المتصادقين إنّما هو في غير الولد للصلب.
[۸]
وصرّح بذلك في المسالك من دون إشكال ولا حكاية خلاف، فقال بعد نقل العبارة الدالّة على الحكم ـ : هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد من غيره؛ فإنّ الإقرار بالولد مع التصديق بدونه يثبت به النسب ويتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه. وأمّا الإقرار بغير الولد للصلب وإن كان ولد ولد، فيختصّ حكمه مع التصديق بالمتصادقين؛ لما تقرّر أنّ ذلك إقرار بنسب الغير، فلا يتعدّى المقرّ. ولو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة.
[۹]
ويظهر من سبطه في شرح الكتاب التردّد في ذلك، واحتماله ما يستفاد من إطلاق العبارة من عدم تعدّي التوارث إلى غير المتصادقين، من دون فرق بين الولد الكبير وغيره من الأنساب؛ لأصالة عدم التعدّي إلى غيرهما. قال : وليس في المسألة نصّ يرجع إليه في هذا الحكم. لكن الذي
يقتضيه الأصل عدم التعدي إلى غير المتصادقين، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.
وهو كما ترى في غاية الجودة. اللهم إلاّ أن يقال : قد انعقد على ما ذكر جدّه الإجماع. وهو غير واضح.
وربما يظهر منه أيضاً التردّد في الفرق في الروضة حيث قال : ومقتضى قولهم غير التولد أنّ التصادق في التولد يتعدّى. مضافاً إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقاً، والكبير مع التصادق. والفرق بينه وبين غيره من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار التصادق غير بيّن.
[۱۰]
(ولو كان للمقرّ ورثة مشهورون) في نسبه (لم يقبل إقراره) حينئذ مطلقاً. (ولو تصادقا).
قالوا : لأنّ ذلك إقرار في حق الغير، بناءً على أنّ الإرث ثابت شرعاً للورثة المعروفين بنسبهما، فإقراره بوارث آخر وتصديقه له يقتضي منعهم عن جميع المال أو بعضه، فلا يسمع.
ومقتضى هذا التعليل كإطلاق العبارة، وغيرها من عبائر أكثر الطائفة كما حكاه جماعة
[۱۱] [۱۲] [۱۳] عدم الفرق في الحكم بين الإقرار بالولد مطلقاً، وغيره.
خلافاً لظاهر المحكي عن النهاية؛
[۱۴]حيث خصّ الحكم بغير الإقرار
بالولد.
والأجود الأوّل؛ اقتصاراً في الحكم بالتوارث المخالف للأصل على مورد القطع، وهو ما إذا لم يكن للمتصادقين ورثه؛ فإنّه الذي يثبت فيه الحكم بالتوارث بالإجماع. ولولاه لكان الأوفق بالأصل الحكم بعدم التوارث فيه أيضاً.
لكن يشكل ذلك في الإقرار بالولد الصغير؛ لظهور إطلاق النصوص الواردة في الإقرار به في ثبوت نسبه بذلك، وهو مستلزم للحكم بالتوارث بينه وبين من أقرّ به مطلقاً كان لهما ورثة أم لا، بل وربّما استلزم تعدّي التوارث إلى غيرهما.
ولعلّه غير محل النزاع، وإنّما هو الولد الكبير الذي يتوقف ثبوت نسبه بالإقرار على التصادق. بل لا يبعد أن يقال بخروجه أيضاً عن محل النزاع، وأنّ المراد من إطلاقات العبائر الإقرار بغير الولد من الأنساب؛ وذلك لتصريحهم بثبوت نسبه بالتصادق، وهو مستلزم لثبوت التوارث على الإطلاق، فلا خلاف بينها وبين ما عن النهاية.
نعم، يبقى التأمّل حينئذٍ في وجه إلحاقه بالولد الصغير في الحكم المذكور؛ لاختصاص النصوص الدالّة عليه به، فلا يتعدّى الحكم إلى غيره، لمخالفته الأصل كما مرّ، فإن كان إجماع وإلاّ ففي التعدية نظر.
(وإذا أقرّ الوارث) المحكوم بكونه وارثاً ظاهراً (بآخر وكان أولى منه) في الميراث، كما إذا أقرّ الأخ بولد للميّت (دفع إليه ما في يده) من المال وجوباً؛ لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث.
(وإن كان) المقرّ به غير أولى، بل (مشاركاً له) في الميراث، كما
إذا أقرّ الابن بابن آخر للميت (دفع إليه نصيبه) وفي «ر» وفي المختصر المطبوع : بنسبة نصيبه.
(من الأصل) أي من أصل التركة، وهو في المثال النصف. ولا خلاف في عدم ثبوت نسبه بذلك؛ لما مرّ ويأتي.
وإن أقرّا بثالث شاركهما في التركة، ويثبت نسبه إن كان المقرّان عدلين، كما يأتي.
ولو أقرّ بالثالث أحدهما وأنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة، والمقرّ ثلثها، والآخر السدس على المشهور؛ لأنه الفاضل من نصيب المقرّ باعترافه.
وقيل : إنّ النصف يقسم بين المقرّ والثالث بالسوية، لاعتراف المقرّ بأنّه كلّما حصل له شيء كان للثالث مثله؛ لمساواته له باعترافه، وأنّ المنكر غصبهما بعض حقهما، فيكون الموجود لهما والذاهب عليهما. اختاره في الكفاية، والسيّد في الشرح تبعاً لجدّه في المسالك.
[۱۵] [۱۶] ولا يخلو عن قوة.
(ولو أقرّ باثنين) دفعةً (فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما) لأنّ استحقاقهما الإرث ثبت في حالة واحدة بسبب واحد، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر. ولا كذلك ما إذا أقرّ بأحدهما ثمّ أقرّ بآخر؛ فإنّ الثاني ثبت له النصف أوّلاً باعتراف الأوّل، فلا يستحق الثالث فيه شيئاً ما لم يقرّ به الثاني، أو تقوم له بدعواه بيّنة.
ومن التفصيل الذي ذكرناه يظهر ما في العبارة من المسامحة، إلاّ أن ينزل إطلاقها بحكم التبادر إلى الصورة الأُولى خاصّة.
(ولو أقر) الوارث ظاهراً كالعم مثلاً (بأولى منه) في الإرث الذي بيده كالأخ، نفذ إقراره بالإضافة إلى المال؛ لأنّه أقرّ في حق نفسه.
(ثم) لو أقرّ بعد ذلك (بمن هو أولى) منه و (من المقرّ له) كالولد (فإن صدّقه) المقرّ له (الأوّل دفع) جميع التركة (إلى) المقرّ له (الثاني) وهو الولد؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما. (وإن أكذبه) أي أكذب الأخ العم في كون المقرّ به ثانياً ولد الميت لم يدفع إليه؛ لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد له وهو العم، ولم تعلم أولوية الثاني إلاّ بإقراره، وهو حينئذٍ خارج، فلا يقبل إقراره في حق الأخ، لأنّه إقرار في حق الغير.
نعم (ضمن) العم (المقرّ) للولد (ما كان نصيبه) من المال إن دفعه إلى الأخ؛ لإتلافه له بإقراره، مع مباشرته لدفع المال. وكذا يضمن لو لم يباشر الدفع إذا أقرّ بانحصار الإرث فيه؛ لأنّه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره الأوّل، فلا يسمع، ويغرم للولد، للحيلولة بينه وبين التركة بإقراره الأوّل، كما لو أقرّ بمال لواحد ثم أقرّ به لآخر.
ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ وعدمه؛ لأنّه مع اعترافه بإرثه مفوّت بدون الحكم.
نعم، يتّجه الفرق بينهما في صورة الدفع بالحكم : بالضمان مع الدفع بدون إذن الحاكم، والحكم بعدمه مع إذنه، لعدم اختياره في الدفع.
وأمّا مع عدم الأمرين من الدفع والإقرار بانحصار الإرث فيه فيشكل الحكم بالضمان؛ لأنّ إقراره بكون المقرّ له الأوّل أخاً لا يستلزم كونه وارثاً، بل هو أعمّ منه جدّاً، فليس فيه تفويت للمال عليه أصلاً.
(ولو أقرّ) الوارث المتقدم (بمساوٍ له) في الإرث كعمّ آخر للميت في المثال (فشاركه) بعد تصديقه، ثم أقرّ بمن هو أولى منه في ذلك كالولد والأخ ونحوهما، (فإن صدّقه) أي الأوّل (المساوي) وهو العم
(دفعا ما معهما) إلى الأوّل؛ لما مضى.
(وإن أنكر) المساوي للأولى استحق ما أخذه من نصيبه من التركة و (غرم) المقرّ (للمقرّ له الثاني) الذي أولى منهما بزعمه وإقراره (ما كان في يده) اي المنكر مع أحد الأمرين المتقدمين من الدفع أو الإقرار بانحصار الإرث في المنكر. ويشكل الحكم بدونهما، كما مضى.
(ولو أقر لـ) لمرأة (الميّتة) التي يرثها المقرّ ظاهراً (بزوج دفع) المقرّ (إليه مما في يده بنسبة نصيبه) أي الزوج، وهي النصف إن كان المقرّ به غير الولد، والربع إن كان هو الولد.
وقد أطلق الحكم كذلك الماتن هنا وفي الشرائع، والفاضل في الإرشاد، والشهيد في اللمعة.
[۱۷] [۱۸] [۱۹] وهو إنما يستقيم إن قلنا أنّ الموجود في يد المقرّ من التركة بينه وبين المقرّ له بمقتضى الشركة كما هو الظاهر، وقد تقدّم إليه الإشارة.
أمّا على القول المشهور من أنّ الواجب على المقرّ أن يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه خاصة، فيجب على المقرّ له هنا دفع الفاضل خاصّة إن تحقق، مطلقاً، بلغ أحد المقدارين، كما إذا كان المقرَّ به الأخ أو الولد، أولا، كما لو كان المقرّ به الأبوين أو أحدهما، وكان معهما بنت، فإن نصيبهما على تقدير فقد الزوج الخمسان، وعلى تقدير وجوده السدسان. والتفاوت بينهما الذي يجب عليهما دفعه إليه لا يبلغ ربع ما في يديهما.
وإن لم يتحقق فاضل كما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما، وكان للزوجة ولد ذكر فإنّه لا يجب عليه دفع شيء أصلاً والحال هذه؛ إذ ليس
حينئذٍ في يد المقرّ شيء يلزمه دفعه بإقراره، فإنّ الأبوين لم يتغيّر نصيبهما في الصورة المذكورة بوجود الزوج وعدمه.
ونبّه على هذا الإشكال جماعة، كالشهيد في المسالك والروضة، وسبطه في شرح الكتاب، وتبعهما في الكفاية،
[۲۰] [۲۱] [۲۲] قالوا : ولو نزلنا حصّة المقرّ به على الإشاعة صحّت المسألة على إطلاقها من دون تقييد.
(ولو أقرّ) لها (بـ) زوج (آخر لم يقبل إلاّ أن يكذّب نفسه) في إقراره الأوّل، بلا خلاف في القبول مع التكذيب، بمعنى غرمه للثاني معه ما أقرّ به للأوّل، لا قبوله في حق الزوج الأوّل؛ لما يأتي. ولذا فرّع على الاستثناء المثبت للقبول خصوص ما ذكرناه بقوله.
(فيغرم له إن أنكر الأوّل) لاعترافه بالتكذيب بتفويته حق الثاني من التركة بإقراره فيغرم له.
ولا في عدمه في حق الزوج الأوّل مطلقاً : مع التكذيب وعدمه، فلا يزيل الإرث الذي ثبت له شرعاً؛ لكونه حينئذٍ خارجاً، فلا يكون إقراره في حقه مسموعاً.
وفي قبوله في حق الثاني، مع عدم التكذيب بمعنى غرمه له مع عدمه، أم العدم، قولان : أشهرهما الثاني، كما في المسالك والروضة
[۲۳] [۲۴] وشرح الكتاب للسيّد؛ لأنّ الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعاً، فلا يترتب عليه أثر.
خلافاً للمحكي في الشرح عن المحقق الثاني، وتبعه فيه كجدّه
الشهيد الثاني؛
[۲۵] [۲۶] لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم، مع إمكان كونه هو الزوج وأنّه ظنّه الأوّل فأقرّ به، ثم تبيّن خلافه. وإلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته مناف للقواعد الشرعية.
نعم، لو أظهر لكلامه تأويلاً ممكناً في حقه كتزويجه إيّاها في عدّة الأوّل، فظنّ أنّه يرثها زوجان فالوجه القبول.
وفيه مناقشة سيّما مع مخالفته لأصالة البراءة عن الغرامة المعتضدة بالشهرة؛ ولعلّه لذا تردّد فيه شيخنا في الدروس.
[۲۷] ولعلّه في محله.
(وكذا الحكم في) الإقرار بـ (الزوجات) للميّت، فإذا أقرّ بواحدة فالربع إن كان المقر غير الولد، والثمن إن كان هو.
هذا على المختار أو التنزيل المتقدم في الإقرار بالزوج، وأمّا على غيرهما فيتمّ الحكم في إقرار الولد خاصة، وأمّا غيره فيدفع إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها. ولو كان بيده أكثر من نصيبها اقتصر على دفع نصيبها.
فالحاصل أنّ غير الولد يدفع أقلّ الأمرين من نصيب الزوجة وما زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة.
فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع شيئاً، ومع الأُنثى يدفع الأقل. والأخ يدفع الربع، والولد الثمن. فإن أقر بأُخرى، وصدّقته الزوجة المقرّ لها أوّلاً اقتسما الربع أو الثمن أو ما حصل، وإن أكذبتها غرم المقرّ لها نصيبها، وهو نصف ما غرم للأُولى إن كان باشر تسليمها كما مضى، وإلاّ فلا. وهكذا لو أقرّ بثالثة ورابعة، فيغرم للثالثة مع تكذيب الأُوليين ثلث ما لزمه دفعه،
وللرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.
و (إذا أقرّ بخامسة) كان كالإقرار بزوج ثانٍ يغرم لها مع تكذيب نفسه أو مطلقاً على ما مضى. بل هنا أولى؛ لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق وانقضاء العدة، ودخل ومات في سنته، كما مرّ في كتاب الطلاق. ويمكن فيه استرسال الإقرار، فلا يقف عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.
(ولو أقرّ اثنان من الورثة) بوارث مساوٍ لهما في الإرث، فإن كانا ممن يقبل شهادتهما (صحّ النسب) الموجب للإرث (وقاسم الورثة) ولو كانوا غير المقرّين.
ولو كان المقرّ له أولى بالإرث منهما كما لو أقرّ الأخوان العدلان بولد اختصّ بالميراث دونهما.
(ولو لم يكونا) ممن يقبل شهادتهما، بأن كانا غير (مرضيّين لم يثبت النسب ودفعا إليه) أي إلى المقرّ له (مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة) إن كان، وإلاّ فلا؛ إلزاماً لهما بمقتضى إقرارهما.
ولا خلاف في شيء من ذلك فتوًى ونصّاً، ففي الخبر : «إن أقرّ بعض الورثة بأخ إنّما يلزمه في حصّته. ومن أقر لأخيه فهو شريك في المال، ولا يثبت نسبه، فإن أقرّ اثنان فكذلك إلاّ أن يكونا عدلين، فيلحق نسبه، ويضرب في الميراث معهم».
[۲۸] [۲۹] [۳۰]الوسائل، ج۱۹، ص۳۲۵، ۳۲۶ أبواب أحكام الوصايا ب ۲۶ ح ۵ ، ۶.
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]