الاعتدال(خام) - ویکی فقه 


الاعتدال(خام)


اعتدال‏ أوّلًا- التعريف:
الاعتدال لغة: من العدل، وهو القصد في الامور [1]    ، أي التوسّط فيها وعدم مجاوزة الحدّ [2]    . فهو مرادف للاقتصاد.
وقيل: الاعتدال توسّط حال بين حالين في كمّ أو كيف، كقولهم: جسم معتدل بين الطول والقصر، وماء معتدل بين البارد والحارّ، ويوم معتدل طيّب الهواء، وكلّ ما تناسب فقد اعتدل، وكلّ ما أقمته فقد عدلته [3]    .
ولا فرق في اللغة بين الاعتدال والاستقامة والاستواء [4]    ، قال سبحانه وتعالى: «وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَاماً» [5]    ، أي معتدلًا [6]    .
وليس لدى الفقهاء معنى للاعتدال غير المعنى اللغوي، لكنّ المبحوث عنه هنا هو الاعتدال بمعنى الاستواء والاستقامة والتوسّط بين حالتين.
ثانياً- الحكم الإجمالي ومواطن البحث:
تعرّض الفقهاء للأحكام المرتبطة بالاعتدال في موارد مختلفة من الفقه، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
۱- الاعتدال بمعنى الاستواء : أ- الاعتدال في القيام:
صرّح الفقهاء باعتبار الاعتدال في القيام في الصلاة لدى التمكّن منه [7]    ، وهو مقابل الانحناء، فلو لم يعتدل فيها عمداً وانحنى أو مال إلى أحد الجانبين بطلت صلاته [8]    .
(انظر: قيام)

--------------------------------------------------------------------------------
[9]    المصباح المنير: ۳۹۶.
[10]    المصباح المنير: ۵۰۵.
[11]    لسان العرب ۹: ۸۵. القاموس المحيط ۴: ۲۰.
[12]    انظر: الصحاح ۵: ۱۷۶۱. لسان العرب ۹: ۸۵. المصباح المنير: ۵۲۰. القاموس المحيط ۴: ۲۰.
[13]    الفرقان: ۶۷.
[14]    انظر: الصحاح ۵: ۲۰۱۷. المصباح المنير: ۵۲۰.
[15]    كشف اللثام ۳: ۳۹۷. كشف الغطاء ۳: ۱۷۱. الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) ۱: ۲۱۵، ۲۴۰. مصباح الفقيه (الصلاة): ۲۵۶ (حجرية).
[16]    المنهاج (الخوئي) ۱: ۱۶۰، م ۵۹۱.
ب- الاعتدال في القيام بعد الركوع:
يجب على المصلّي أن يعتدل بعد رفع الرأس عن الركوع، فلو لم يعتدل عمداً بطلت صلاته وإن حصلت الطمأنينة [17]    .
(انظر: ركوع)
۲- الاعتدال بمعنى التوسّط بين حالتين:
قام بناء الشريعة والأخلاق الإسلامية على الاعتدال بين الإفراط والتفريط، فالجبن قبيح والتهوّر كذلك، فيما الشجاعة التي تمثّل الوسط بينهما ممدوحة، ولهذا لا نجد في الفقه الإسلامي أحكاماً تجانب الطريق الوسط الذي يراعي تمام الامور على المستوى المادّي والمعنوي وغيرهما.
وعلى أيّة حال، فهناك بعض الموارد الفقهية اخذ فيها الاعتدال بمعنى التوسّط بين حالتين، وهي كالتالي:
أ- المعيار في الفحص عن الماء غلوة سهم معتدل:
من الأسباب التي تسوّغ التيمّم عدم الماء، وإنّما يكون مسوّغاً للتيمّم بعد طلبه، والمراد بطلبه التفحّص عن الماء في رحله وعند رفقائه، وأن يضرب في الأرض لو كان في فلاة غلوة سهمين مع اعتدال السهم والقوس [18]    .
(انظر: تيمّم)
ب- المعيار في القصر في السفر بياض يوم معتدل:
اعتبر الفقهاء في وجوب قصر صلاة المسافر سير ثمانية فراسخ فصاعداً، أو مسيرة يوم معتدل من حيث الطول والقصر والسير [19]    .
(انظر: صلاة المسافر)
ج- الاعتدال والقصد في المعيشة:
أكّد الشارع المقدّس على رعاية الاعتدال في المعيشة بأن لا يسرف ولا يقتر، بل يتوسّط بين التبذير والتقتير،
--------------------------------------------------------------------------------
[20]    كشف الغطاء ۳: ۲۰۰، ۲۴۴. الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) ۲: ۲۸.
[21]    جواهر الكلام ۵: ۷۹. وانظر: مصباح الفقيه ۶: ۹۹.
[22]    الروضة ۱: ۳۶۹.
وهو صريح بعض الفقهاء [23]    ، ويدلّ عليه قوله سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً» [24]    ، وقوله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى‏ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ» [25]    .
وقد وردت روايات عديدة ترغّب في الاقتصاد، وتنهى عن الإفراط والتفريط في المعيشة:
منها: ما رواه سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من علامات المؤمن ثلاث: حسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة، والتفقّه في الدين»، وقال: «ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته، ما يصلح لا لدنياه ولا لآخرته» [26]    .
ومنها: رواية ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من اقتصد في معيشته رزقه اللَّه، ومن بذّر حرمه اللَّه» [27]    . وغيرهما [28]    .
(انظر: إسراف)
د- اعتدال الهواء حين إقامة الحدّ:
يشترط اعتدال الهواء في إجراء الحدّ واستيفاء القصاص في الطرف، ولا يقام في شدّة الحرّ والبرد، بل يؤخّر إلى اعتدال النهار؛ حذراً من السراية أو الهلاك [29]    .
(انظر: حدّ، قصاص)
۳- الاعتدال بمعنى الاستقامة : أ- الاعتدال والاستقامة في الدين:
وهي الالتزام بما دان به قولًا وفعلًا واعتقاداً، بمعنى عدم الانحراف عن جادّة الشرع يميناً وشمالًا والبقاء عليها- سواء
--------------------------------------------------------------------------------
[30]    التذكرة ۱۲: ۱۹۲.
[31]    الفرقان: ۶۷.
[32]    الإسراء: ۲۹.
[33]    الوسائل ۱۷: ۶۶، ب ۲۲ من مقدّمات التجارة، ح ۸.
[34]    الكافي ۴: ۵۴، ح ۱۲.
[35]    انظر: الوسائل ۱۷: ۶۴، ب ۲۲ من مقدّمات التجارة.
[36]    المبسوط ۴: ۲۳۴. الوسيلة: ۴۱۱، ۴۱۲. الشرائع ۴: ۲۳۵. القواعد ۳: ۵۳۰. المسالك ۱۴: ۳۸۱. الرياض ۱۳: ۴۷۰.
كان في أمر من الامور الاعتقادية، أم في حكم من الأحكام، أم في أمر أخلاقي- ومراعاة ما عيّنه الشارع لنظم امور الدنيا والآخرة للإنسان.
ولا فرق في الانحراف عن الدين- وهو الصراط المستقيم الذي لا يمكن ولا يعقل أن يكون أكثر من واحد؛ لأنّه أقصر مسافة بين المبدأ والمعاد- أن يكون بالإفراط أو التفريط، سواء كان كثيراً أم لا وإن اختلف شدّة وضعفاً، عذاباً وعفواً.
وهذا هو الأساس والركن.
وقد حثّ الشارع المقدّس على الاستقامة في الدين بقوله: «فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» [37]    ، ومعناه: فما داموا باقين معكم على الطريقة المستقيمة- أي عدم نكث العهد والغدر بكم- فكونوا باقين على العهد بينكم معهم، فجعل اللَّه تبارك وتعالى الوفاء بالعهد وعدم نكثه طريقة مستقيمة كانت من التقوى.
وقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ» [38]    .
وقوله تعالى: «وَأَ لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقاً» [39]    .
وقوله تعالى: «فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَاحُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» [40]    .
فإنّ هذه الآيات كلّها تدلّ على لزوم الصراط المستقيم والسير وفقه.
ب- الاستقامة معيار العدالة:
اعتبر الفقهاء في العدالة الاستقامة في الدين بأن يكون اعتناء الشخص بدينه وخوفه من المعصية بالغاً إلى حدّ يبعثه في العادة على الخروج عن عهدة تكاليفه الشرعية [41]    .
(انظر: عدالة)

--------------------------------------------------------------------------------
[42]    التوبة: ۷.
[43]    فصّلت: ۳۰.
[44]    الجن: ۱۶.
[45]    الشورى: ۱۵.
[46]    جامع المدارك ۱: ۴۹۰.




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار