الاعتبار(خام)
اعتبار أوّلًا- التعريف : لغة:
الاعتبار- وزان افتعال-: مصدر اعتبر، بمعنى الاتّعاظ، ومنه قوله تعالى:
«فَاعتَبِرُوا يَا اولِي الأَبصَارِ»
[1] ، والعبرة اسم منه، كما قال الخليل: «العبرة الاعتبار لما مضى»
[2] ، أي الاتّعاظ والتذكّر.
ويأتي أيضاً بمعنى الاعتداد بالشيء في ترتّب الحكم
[3] ، والمعتبر المستدلّ بالشيء على الشيء.
اصطلاحاً:
يستعمل الاعتبار في الفقه بنفس المعنى اللغوي تارة، وبمعنى الاشتراط والإناطة اخرى، فيقال: يعتبر في الوضوء طهارة الماء أي يشترط في صحّته.
ويستعمل في اصول الفقه- تبعاً لعلم الكلام والفلسفة- تارة بمعنى ما يحكم به العقل من المقولات التي لا تكون وجودية في الخارج، واخرى بمعنى ما يحكم به العقلاء أو الشرع من الأحكام والتشريعات، التي هي مقولات إنشائية محضة.
ثانياً- معاني الاعتبار ومواطن البحث : ۱- الاعتبار بمعنى الاشتراط:
يطلق الاعتبار بمعنى الاشتراط في كلمات الفقهاء فيقال- مثلًا-: يعتبر في بيع الصرف التقابض في المجلس، ويعتبر في الحج الاستطاعة، ويعتبر في التكليف البلوغ والعقل، وكذا يستعمل الاعتبار بمعنى الاشتراط في تمام الأبواب الفقهية؛ لأنّ الأحكام الفقهية سواء العبادات منها أو المعاملات أو غير ذلك تكون عادة مشروطة بقيود وشروط، كما هو مقرّر في أبوابها.
۲- المفاهيم الاعتبارية:
يقسّم علم المنطق والفلسفة الامور والقضايا التصديقية إلى نوعين:
--------------------------------------------------------------------------------
[4] الحشر: ۲.
[5] العين ۲: ۱۲۹. لسان العرب ۹: ۱۸. المصباح المنير: ۳۹۰.
[6] المصباح المنير: ۳۹۰.
الأوّل: ما يكون له وجود حقيقي عيني في الخارج- سواء كان جوهراً لا يحتاج إلى موضوع، أو عرضاً يوجد في موضوع- ويصطلحون عليه بالامور الحقيقية أو الوجودية أو التي يكون ظرف الاتّصاف والعروض فيها كلاهما في خارج الذهن.
النوع الثاني: ما لا يكون له وجود عيني في الخارج إلّاأنّه يتّصف به الخارج ويصدّق به الذهن، كالإمكان والوجوب والامتناع، ومنها: الحسن والقبح العقليّين، فإنّ الوجود الخارجي يتّصف بالإمكان أو الوجوب، والفعل الخارجي يتّصف بالحسن والقبح، إلّاأنّه لا يوجد في الخارج وجود آخر زائد على وجود الإنسان يسمّى بالإمكان. ومن هنا قالوا:
إنّ ظرف عروضها الذهن وظرف اتّصافها الخارج. وتفصيل ذلك يطلب من محلّه.
وقد استخدم الفقهاء هذا المعنى أيضاً في الأحكام العقلية العملية، المعبّر عنها بالحسن والقبح العقليّين، فذكروا أنّها قضايا اعتبارية عقلية كالإمكان والامتناع والوجوب، إلّاأنّها من أحكام العقل العملي، وتلك من أحكام العقل النظري.
ومن الاصوليّين من أرجع التحسين والتقبيح العقليّين إلى الاعتبار العقلائي والقضايا المشهورة لدى العقلاء، فيرجع إلى الاعتبار بمعنى ثالث سيأتي.
۳- الاعتبار بمعنى الوضع والتشريع:
وهناك معنى ثالث للاعتبار، وهو التشريع والوضع، وهذا يكون في الامور الإنشائية التي يتواضع عليها العقلاء أو الشارع لنظم امورهم، ومن هذا الباب كلّ التشريعات والقوانين، فإنّها امور اعتبارية بهذا المعنى، أي لا حقيقة لها إلّاالتشريع والجعل، كالملكية والزوجية والوجوب والحرمة والإباحة.
من هنا تختلف مصاديقها وأنواعها باختلاف القوانين والأنظمة التشريعية.
والامور الاعتبارية بهذا المعنى متنوّعة.
قال السيّد الخوئي: «إنّ الاعتبار تارة يتعلّق بالأمر الحالي، فيعتبر المعتبر ملكيّة داره- مثلًا- لشخص في الحال الحاضر...
واخرى: يتعلّق بأمر استقبالي، كاعتبار الملكيّة لشخص بعد مدّة، كما في باب الوصيّة، حيث يعتبر الموصي ملكيّة الموصى به للموصى له بعد موته ووفاته، فالاعتبار حاليّ والمعتبر استقبالي.
وثالثة: يتعلّق بالأمر الماضي، بأن يعتبر ملكيّة ماله لزيد من الأمس»
[7] .
كما أنّ الاعتبار قد يكون تشريعاً وحكماً وضعياً كالملكية والزوجية والطهارة والنجاسة، وقد يكون حكماً وتشريعاً تكليفياً كالوجوب والحرمة والاستحباب والإباحة، وقد لا يكون هذا ولا ذاك بل يكون تواضعاً على الالتزام بأمر كما يقال في دلالة اللفظ على المعنى من أنّه بالوضع والاعتبار، وكاعتبار النقود الورقية.
وقد يكون الأمر الاعتباري مجعولًا بالأصالة من قبل المشرع كالوجوب والملكية، وقد يكون مجعولًا بالتبع أي بتبع جعل واعتبار المنشأ له كالسببية والشرطية والجزئية والمانعية، فإنّها منتزعة ومعتبرة عقلًا في طول اعتبار الشارع وتشريعه لحكم تكليفي أو وضعي على سبب وموضوع، أو على مركّب ذي أجزاء وشروط وجودية وعدمية، فينتزع العقل السببية للسبب أو الموضوع، والجزئيّة لأجزاء المركب، والشرطية لقيوده وشروطه، والمانعية لما يشترط عدمه في المركّب.
كما أنّ المعتبر قد يكون هو الشارع فيكون الاعتبار شرعيّاً، وقد يكون هو العرف العام والعقلاء فيكون الاعتبار عقلائياً، وقد يكون هو العرف الخاصّ كاعتبار النقود الاعتبارية الورقية فيكون عرفاً خاصّاً، وقد يكون هو الشخص، ويسمّى بالاعتبار الشخصي، كما في إنشاء المتعاملين للبيع والتمليك، فإنّهما يعتبران بإنشاء البيع والتعاقد فيما بينهما التمليك أوّلًا فيقع اعتبارهما في طول ذلك موضوعاً لاعتبار العقلاء أو الشارع، وكاعتبار شرط خاص لهما في ضمن عقد معين.
هذا، وليعلم أنّ الفقهاء قد يطلقون الامور الاعتباريّة على الاستحسانات العقليّة الظنّية التي لم يقم على اعتبارها دليل شرعي فيقولون: إنّها اعتباريات واستحسانات لا حجّية لها.
۴- الاعتبار بمعنى الاعتداد والحجّية:
ويطلق الاعتبار في الفقه واصوله بمعنى صحة الاستناد والحجّية في الاستدلالات
--------------------------------------------------------------------------------
[8] مصباح الفقاهة ۴: ۱۴۲.
فيقال: الظهور أو خبر الثقة معتبر والشهرة ليست معتبرة، كما أنّه في علم الرجال والحديث قد يطلق الحديث المعتبر بمعنى أخصّ أي ما يكون سنده حجّة فقهيّاً ولكن ليس راويه عدلًا، وقد يطلق بالمعنى الأعم.
قال الشيخ البهائي: «قد استقرّ اصطلاح المتأخّرين من علمائنا رضي اللَّه عنهم على تنويع الحديث المعتبر ولو في الجملة إلى الأنواع الثلاثة المشهورة، أعني: الصحيح والحسن والموثّق»
[9] .
وقال المحقّق المامقاني: «وهو- على ما صرّح به جمع- ما عمل الجميع أو الأكثر به لو اقيم الدليل على اعتباره لصحّة اجتهاديّة أو وثاقة أو حسن، وهو بهذا التفسير أعمّ من المقبول والقويّ»
[10] .
۵- الاعتبار بمعنى أخذ العبرة:
ذكر الفقهاء بعض الموارد التي حكموا فيها باستحباب التذكّر والاعتبار وأخذ الدروس والعبر، وممارسة التأمل والتفكّر.
فمن ذلك استحباب الاعتبار عند التخلّي في أنّ ما سعى إليه واجتهد في تحصيله من الطعام والشراب كيف صار أذيّةً عليه، فيرى قدرة اللَّه في رفع هذه الأذية عنه
[11] .
ومن ذلك استحباب أن يعتبر الحاجّ والمعتمر عند زيارته للأماكن التاريخية في بلاد الحجاز، ويستفيد الدروس والعبر من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتاريخ الإسلام، ليكون اعتباره هذا موجباً لرسوخ إيمانه
[12] .
ومن ذلك كون الغرض والحكمة من شهود عذاب الزاني والزانية هو الاعتبار والانزجار عن فعل القبيح
[13] .
إلى غير ذلك من الموارد المتفرّقة، كالاعتبار بما جرى على الماضين.
اعتجار (انظر: اقتعاط)
--------------------------------------------------------------------------------
[14] مشرق الشمسين: ۲۴- ۲۵.
[15] مقباس الهداية ۱: ۲۸۲.
[16] العروة الوثقى ۱: ۳۲۸. مهذّب الأحكام ۲: ۲۲۳.
[17] كلمة التقوى ۳: ۵۰۰.
[18] انظر: المسالك ۱۴: ۳۸۷. مجمع الفائدة ۱۳: ۶۶. جامع المدارك ۷: ۵۳.