الإعواز - ویکی فقه 


الإعواز




الإعواز في اللغة [تعديل]

الإعواز لغة: الفقر والاحتياج، يقال: أعوز الرجل إعوازاً، إذا احتاج واختلت حاله [1]    ، وأعوزه الشي‏ء، إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه. [۱] [۲] [۳]
والاسم: العوز، وهو: الضيق، والحاجة، والفقر. [۴] [۵]

الإعواز في الاصطلاح [تعديل]

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.

الحكم التكليفي ومواطن البحث [تعديل]

لا حرمة في أن يحيج الإنسان نفسه إلى شي‏ء مّا أو شخص مّا، ما لم يطرأ عنوان ثانوي كأن يكون في إعواز نفسه ووضعها في موضع الحاجة تقصير في النفقة على العيال أو في سداد الديون أو مذلّة بطلب المال من آخر بما فيه إهانة النفس، أو كان الذي يُحتاج إليه كافراً بحيث كان في الحاجة إليه ارتهان المسلمين وبلدانهم له وسلبهم قرارهم وتقرير مصيرهم ومستقبلهم، وكذلك لو كان إعواز نفسه لأمرٍ يتحقّق بفعل محرّم كما لو أضرّ بنفسه بحيث صار محتاجاً إلى الطبيب، بل ذكر بعض علماء الاصول أنّه لا يجوز للمكلف تعجيز نفسه عن القيام بالواجب بعد فعليّته وتحقّق شرائطه؛ لأنّ فيه تفويت غرض المولى، وهو محرّم عقلًا.
وأمّا قبل فعلية الوجوب- كما لو أراق الماء قبل دخول الوقت- فيجوز؛ لأنّه بإراقة الماء يجعل نفسه عاجزاً عن الواجب عند تحقّق ظرف الوجوب، وحيث إنّ الوجوب مشروط بالقدرة فلا يحدث الوجوب في حقّه، ولا محذور في أن يسبّب المكلّف إلى أن لا يحدث الوجوب في حقّه. [۶] [۷]
وتفصيل البحث موكول إلى علم الاصول.
هذا، وقد تعرّض الفقهاء للإعواز في بعض المواضع المتفرّقة من الفقه نشير إليها فيما يلي:
۱- إعواز الماء في غسل الجنابة:
أدنى ما يجزي في غسل الجنابة من الماء عند إعوازه ما يكون كالدهن يمسح به الإنسان بدنه؛ [۸] لرواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزى من الدهن الذي يبلّ الجسد». [۹]
۲- تقديم غسل الجمعة يوم الخميس لخوف الإعواز:
يستحبّ تقديم غسل الجمعة يوم الخميس لو غلب على ظنّه فقدان الماء يوم الجمعة.
واستدلّ لذلك بأنّه طاعة في نفسه، فلا يؤثّر فيها الوقت. [۱۰]
لكن هذا الوجه ضعيف؛ فإنّ مجرّد كون الشي‏ء طاعةً لا يعني عدم تأثير الوقت فيها، كيف وكثير من الواجبات والمستحبات مقيدة بأوقات خاصّة لا يؤتى بها إلّافيها.
من هنا كان المهم هو الروايات الخاصّة الواردة في المقام، مثل مرسل محمّد بن الحسين، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال لأصحابه: «إنّكم تأتون غداً منزلًا ليس فيه ماء، فاغتسلوا اليوم لغد»، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة. [۱۱]
ورواية أحمد بن محمّد، عن الحسين بن موسى بن جعفر، عن امّه وامّ أحمد ابنة موسى بن جعفر عليه السلام، قالتا: كنّا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية ونحن نريد بغداد، فقال لنا يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة...». [۱۲]
نعم، تستحبّ الإعادة لو اغتسل يوم الخميس، ثمّ وجد الماء يوم الجمعة؛ لأنّ‏ البدل إنّما يجزي مع تعذّر المبدل، وغسل الخميس هنا بدل. [۱۳]
وكذا إذا شرع في الغسل يوم الخميس من جهة خوف إعواز الماء يوم الجمعة فتبيّن في الأثناء وجوده وتمكّنه منه يومها، بطل غسله، ولا يجوز إتمامه بهذا العنوان، والعدول منه إلى غسل آخر مستحبّ، إلّاإذا كان من الأوّل قاصداً للأمرين. [۱۴] [۱۵] [۱۶] [۱۷]
أمّا لو وجده بعد الزوال من يوم الجمعة فلا تلزم الإعادة؛ لفوات الوقت، والقضاء كالتقديم في البدليّة. [۱۸]
۳- إعواز الماء شرط وجوب طلبه وجواز التيمّم:
يجب طلب الماء عند إعوازه، فلو أخلّ به مع التمكّن لم يعتدّ بتيمّمه؛ لاشتراط إعواز الماء في جوازه، وحصول الشرط موقوف على الطلب؛ [۱۹] قال اللَّه سبحانه وتعالى: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»، [۲۰] فإنّه لا يصدق عرفاً عدم وجدان الماء إلّامع إعوازه المترتب عرفاً على البعث والطلب وعدم الوجدان.
وقال عليه السلام: «التراب كافيك ما لم تجد الماء». [۲۱] وتفصيل ذلك في محلّه.
۴- نقل الزكاة عند إعواز المستحقّ:
ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يجوز نقل الزكاة عن بلد المال إلّامع إعواز المستحقّ فيه، وعنده لا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر، فإن اصيبت الزكاة في الطريق أو هلكت فقد أجزأ عنه. [۲۲] [۲۳] [۲۴] [۲۵] [۲۶] [۲۷]
وأمّا لو كان قد وجد في بلده مستحقّاً لها ولم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامناً لها إن هلكت، ووجب عليه‏ إعادتها؛ [۲۸] [۲۹] وذلك لرواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل بعث بزكاة ماله لتُقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تُقسّم؟ قال: «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده...». [۳۰]
وما رواه بكير بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يبعث بزكاته فتُسرق أو تضيع، قال: «ليس عليه شي‏ء». [۳۱] مع حمله- جمعاً بين النصوص- على صورة فقدان المستحق في البلد.
والتفصيل في محلّه.
۵- إتمام الإمام سهم المستحقّين للخمس مع إعواز نصيبهم:
يجب إيصال جميع الخمس إلى الإمام عليه السلام حال حضوره، فيأخذ نصفه له يصرفه فيما يشاء، ويقسّم النصف الآخر منه على مستحقّ الخمس من الطوائف كلّها، الحاضر والغائب قدر الكفاية، فإن فضل منه شي‏ء كان ملكاً له، وإن أعوز ونقص أتمّ من نصيبه على المشهور، [۳۲] [۳۳] [۳۴] بل في المسالك نسبته إلى أجلّاء فقهائنا. [۳۵]
ولعلّه مبنيّ على أنّ سهم الإمام ملك شخصي له، أمّا بناءً على ملكية المنصب فيكون المستحقون من موارد الصرف أيضاً في النصف الثاني من الخمس؛ لفرض أنّه يصرف في مصالح المسلمين العامة، وهم منها، والأمر يتبع نظر الحاكم.
وتفصيله في محلّه.
۶- تقديم غسل الإحرام على الميقات لخوف الإعواز:
لو خاف عوز الماء في الميقات جاز له تقديم الغسل على الميقات، ويكون‏ على هيئته إلى أن يبلغ الميقات، ثمّ يحرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة؛ [۳۶] [۳۷] [۳۸] [۳۹] [۴۰] [۴۱] لرواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام، أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟
قال: «نعم». [۴۲]
ولما رواه هشام بن سالم، قال: أرسلنا إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام- ونحن جماعة ونحن بالمدينة- أنّا نريد أن نودّعك، فأرسل إلينا: «أن اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها، ثمّ تعالوا فرادى أو مثاني». [۴۳]
ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير وزاد: فلمّا أردنا أن نخرج قال: «لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماءً إذا بلغتم ذا الحليفة». [۴۴] [۴۵]
۷- تعيّن القيمة لو طرأ الإعواز على المثلي التالف:
لو تلف المثلي في يد الغاصب وطرأ الإعواز على المثلي يجب عليه أداء القيمة، ولا يلزم شراء المثل بأكثر من ثمنه عند الإعواز؛ لأنّ اشتراء الشي‏ء بأزيد من ثمنه ضرر عرفاً منفي بدليله، وهذه الزيادة زائدة على طبع الخسارة. [۴۶] [۴۷]
وربما يقال بإلزامه لقاعدة أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال.
وتفصيله في محلّه.

المراجع [تعديل]

۱. الصحاح، ج۳، ص۸۸۸.
۲. لسان العرب، ج۹، ص۴۷۲.
۳. مجمع البحرين، ج۲، ص۱۲۹۳.
۴. لسان العرب، ج۹، ص۴۷۲.
۵. الصحاح، ج۳، ص۸۸۸.
۶. دروس في علم الاصول، ج۲، ص۲۱۵- ۲۱۶.
۷. المحاضرات، ج۲، ص۲۴۳- ۲۴۴.
۸. المقنعة، ج۱، ص۵۳.
۹. الوسائل، ج۱، ص۴۸۵، ب ۵۲ من الوضوء، ح ۵.    
۱۰. المنتهى، ج۲، ص۴۶۶.
۱۱. الوسائل، ج۳، ص۳۱۹، ب ۹ من الأغسال المسنونة، ح ۱.    
۱۲. الوسائل، ج۳، ص۳۲۰، ب ۹ من الأغسال المسنونة، ح ۲.    
۱۳. المنتهى، ج۲، ص۴۶۷.
۱۴. العروة الوثقى، ج۲، ص۱۴۶، م ۷.
۱۵. مستمسك العروة، ج۴، ص۲۷۶.
۱۶. مهذب الأحكام، ج۴، ص۲۷۵- ۲۷۶.
۱۷. مدارك العروة (الاشتهاردي)، ج۹، ص۲۳۹.
۱۸. المنتهى، ج۲، ص۴۶۷.
۱۹. المنتهى، ج۳، ص۴۳.
۲۰. النساء/سورة ۴، الآية ۴۳.    
۲۱. كنز العمّال، ج۹، ص۵۹۳، ح ۲۷۵۶۷.
۲۲. النهاية، ج۱، ص۱۸۶.
۲۳. المعتبر، ج۲، ص۵۸۸.    
۲۴. المعتبر، ج۲، ص۵۸۹.    
۲۵. المسالك، ج۱، ص۴۲۸.    
۲۶. المدارك، ج۵، ص۲۷۱.
۲۷. العروة الوثقى، ج۴، ص۲۲۵.
۲۸. النهاية، ج۱، ص۱۸۶.
۲۹. النجعة، ج۴، ص۸۰.
۳۰. الوسائل، ج۹، ص۲۸۵- ۲۸۶، ب ۳۹ من المستحقّين للزكاة، ح ۱.    
۳۱. الوسائل، ج۹، ص۲۸۷، ب ۳۹ من المستحقّين للزكاة، ح ۵.    
۳۲. جواهر الكلام، ج۱۶، ص۱۰۹.    
۳۳. محاضرات في فقه‏الإمامية، ج۴، ص۱۷۹- ۱۸۰.
۳۴. الخمس (الحائري)، ج۱، ص۵۴۸- ۵۵۰.
۳۵. المسالك، ج۱، ص۴۷۱- ۴۷۲.    
۳۶. المبسوط، ج۱، ص۴۲۷.    
۳۷. السرائر، ج۱، ص۵۳۰.    
۳۸. الجامع للشرائع، ج۱، ص۱۸۲.
۳۹. كشف الرموز، ج۱، ص۳۴۸.
۴۰. التذكرة، ج۷، ص۲۲۴- ۲۲۵.
۴۱. الحدائق، ج۱۵، ص۱۳.    
۴۲. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۷، ب ۸ من الإحرام، ح ۵.    
۴۳. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۶، ب ۸ من الإحرام، ح ۱.    
۴۴. الفقيه، ج۲، ص۳۰۸- ۳۰۹، ح ۲۵۳۷.
۴۵. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۶، ب ۸ من الإحرام، ح ۲.    
۴۶. البيع (الخميني)، ج۱، ص۵۲۸.
۴۷. حاشية المكاسب (الأصفهاني)، ج۱، ص۳۸۶.


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۷۴-۱۷۸.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار