الاعتصام(خام)
اعتصام أوّلًا- التعريف:
الاعتصام لغة- وزان افتعال-: مصدر اعتصم من عصم بمعنى منع.
والاعتصام: الامتساك والتمسّك بالشيء
[1] ، ومن يعتصم باللَّه واستعصم:
أي امتنع، طالباً للعصمة، واستمسك كأنّه طلب ما يعتصم به من ركوب الفاحشة
[2] .
واعتصمت باللَّه، أي امتنعت به من الشرّ
[3] . والاعتصام بحبل اللَّه: التمسّك به وترك الفرقة واتّباع القرآن
[4] ، واعتصم باللَّه امتنع بلطفه من المعصية
[5] .
--------------------------------------------------------------------------------
[6] المحاسن ۱: ۸۲- ۸۳، ح ۱۴. الوسائل ۷: ۲۵۳، ب ۸ من قواطع الصلاة، ح ۸.
[7] النهاية (ابن الأثير) ۳: ۲۴۹. لسان العرب ۹: ۲۴۵.
[8] المفردات: ۵۷۰. وانظر: مجمع البحرين ۲: ۱۲۲۶.
[9] العين ۱: ۳۱۳.
[10] انظر: لسان العرب ۹: ۲۴۶. مجمع البحرين ۲: ۱۲۲۶.
[11] تاج العروس ۸: ۳۹۹.
والفقهاء يستعملونه في نفس معناه اللغوي.
ولعلّ حديثهم عن اعتصام الماء مرجعه إلى معنى مجازي، فكأنّ الماء صار بتمسّكه بمادته مانعاً عن حصول النجاسة والانفعال بها.
ثانياً- الحكم الإجمالي ومواطن البحث:
تعرّض الفقهاء لبيان حكم الاعتصام في أبواب متفرّقة من الفقه، كالطهارة والجهاد والصلح وغيرها، نشير إلى أهمّها فيما يلي:
۱- الاعتصام بحبل اللَّه:
ذكر الفقهاء- في باب الأمر بالمعروف- من جملة المعروف المقابل للمنكر الاعتصام باللَّه
[12] ، قال اللَّه سبحانه وتعالى:
«وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»» ، وقال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً»
[13] ، أي ومن أراد أن يهتدي إلى صراط مستقيم، ويدخله اللَّه عاجلًا في رحمته الواسعة ويجزل له الثواب من فضله ورحمته، فليعتصم باللَّه تعالى ويلوذ بلطفه ويتمسّك بهداياته وآياته ودينه وما انزل على رسوله
[14] .
وقال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا»
[15] .
وقد ورد في رواية عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام أنّه قال: «أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته، ثمّ يكيده السماوات والأرض ومن فيهنّ إلّاجعلت له المخرج من بينهنّ...»
[16] .
والمراد من الاعتصام باللَّه التمسّك بكلّ وسيلة تؤدّي إلى الارتباط به تعالى، سواء كانت في الإسلام أم القرآن الكريم أم النبي وأهل بيته الطاهرين.
--------------------------------------------------------------------------------
[17] المنهاج (الحكيم) ۱: ۴۹۲. المنهاج (الخوئي) ۱: ۳۵۴. مهذّب الأحكام ۱۵: ۲۷۶. المنهاج (السيستاني) ۱: ۴۲۰.
[18] آل عمران: ۱۰۱.
[19] النساء: ۱۷۵.
[20] انظر: الأمثل ۲: ۴۶۷، و۳: ۴۹۷.
[21] آل عمران: ۱۰۳.
[22] الوسائل ۱۵: ۲۱۱، ب ۱۰ من جهاد النفس، ح ۲.
وهذا يعني أنّ الاعتصام اعتراف وممارسة لمرجعية الكتاب والسنّة بمعناها الشامل لسنّة أهل البيت عليهم السلام تماماً، كما أعلن ذلك كلّ من حديث الغدير المشهور، وحديث الثقلين وغيرهما من الروايات المعروفة.
وفي هذا يقول علي بن إبراهيم القمي بعد ذكره آية الاعتصام بحبل اللَّه المتقدمة:
وهو التوحيد والولاية
[23] .
وحيث إنّ الإنسان اجتماعي بالطبع والذات، يعيش في حياته مختلف مظاهر الاختلاف والتشتت وينزع نحو الحرب والتخاصم، ويقع في معرض الجهل والغفلة، ويسقط فريسةً لسلطة الغرائز والميول كان لابدّ له من شيء يخرجه من بئر الماديّة وينقذه من أسر الطبيعة، وليس إلّاحبل اللَّه المتين، الذي هو الارتباط باللَّه عن طريق الأخذ بتعاليم القرآن الكريم والهداة الحقيقيين الذين يرتفعون بالناس من حضيض الجهل والأنانية إلى أعلى درجة التكامل المادي والمعنوي
[24] .
ويدلّ على ما نقول ما رواه الحسن بن الحسين الأنصاري عن محمّد بن الحسين عن أبيه عن جدّه، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالساً ومعه أصحابه في المسجد، فقال: يطلُع عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه، فطلع عليهم رجلٌ طوالٌ شبيه برجال مُضَر، فتقدّم فسلّم على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وجلس، فقال:
يا رسول اللَّه، إنّي سمعت اللَّه عزّوجلّ يقول فيما أنزل: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا» فما هذا الحبل الذي أمرنا اللَّه بالاعتصام به وألّا نتفرّق عنه؟ فأطرق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم مليّاً ثمّ رفع رأسه وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: هذا حبل اللَّه الذي من تمسّك به عُصم به في دنياه، ولم يضلّ به في آخرته، فوثب الرجل إلى علي عليه السلام فاحتضنه من وراء ظهره وهو يقول:
اعتصمت بحبل اللَّه وحبل رسوله، ثمّ قام فولّى فخرج...»
[25] .
--------------------------------------------------------------------------------
[26] تفسير القمّي ۱: ۱۰۸.
[27] الأمثل ۲: ۴۷۲. وانظر: الميزان ۳: ۳۶۹، ۳۷۸.
[28] الغيبة (النعماني): ۴۲، ح ۲.
۲- اعتصام الماء:
قسّم الفقهاء الماء إلى معتصم وغير معتصم.
والمعتصم منه إمّا يكون بمادّته كالماء الجاري والبئر والمطر، وإمّا يكون بكثرته كالماء الكرّ، أو يكون متصلًا بالمعتصم.
ويقصدون بالمعتصم الماء الذي لا ينفعل بمجرّد ملاقاة النجاسة ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه.
وأمّا غير المعتصم- كالماء القليل وما يلحق به كالماء المضاف- فهو ينفعل بمجرّد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر
[29] .
(انظر: ماء)
۳- اعتصام الدم والمال:
تعرّض الفقهاء في كتاب الجهاد لأسباب الاعتصام، وأنّه تعتصم دماء الكفّار وأموالهم وسائر مايتعلّق بهم بأحد أسباب الاعتصام، ونشير إلى أهمّها إجمالًا فيما يلي:
أ- اعتناق الإسلام:
--------------------------------------------------------------------------------
[30] انظر: مستمسك العروة ۱: ۱۹۹. التنقيح في شرح العروة (الطهارة) ۱: ۲۱۵، ۲۵۶. المنهاج (الخوئي) ۱: ۱۷- ۱۹. تحريرالوسيلة ۱: ۹- ۱۰.
يعصم دم الكافر الحربي والأسير منه وأمواله وولده الصغار إذا أسلم
[31] ؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلّااللَّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم...»
[32] .
وفي المسألة تفصيلات من حيث زمان الإسلام وما يترتّب عليه من الاعتصام كمّاً وكيفاً تذكر في محلّها.
(انظر: إسلام)
ب- الدخول في عهد الذمّة:
تعصم دماء الكفّار من أهل الكتاب وأموالهم إذا دخلوا في عهد الذمّة والتزموا بشروطها بتفصيل يذكر في محلّه
[33] .
(انظر: ذمّي)
ج- الدخول في أمان المسلمين:
تعصم دماء الكفّار من أهل الكتاب وأموالهم إذا اعطوا الأمان، فيحرم على المسلمين قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم
[34] على تفصيل في محلّه.
(انظر: أمان)
د- الصلح والمهادنة مع المسلمين:
تعصم دماء الكفّار وأموالهم بالصلح، أو المهادنة على ترك القتال إذا رأى الإمام أو نائبه المصلحة في الصلح، فيصلح بينهم وبين المسلمين على الوجه الأصلح على قدر ما يسعه من حقن دمائهم وأموالهم اقتصاراً على الممكن
[35] .
وتفصيله في محلّه.
(انظر: صلح، جهاد)
۴- الاعتصام الاجتماعي:
يقصد بالاعتصام الاجتماعي- الذي صار اليوم ظاهرة عالمية- تجمّع عددٍ من الناس عاملين ضمن مؤسّسة أو جامعة أو جمعية، أو وزارة، أو من عامة الناس في مكان معيّن داخل مركز عملهم أو في الساحات والطرقات العامّة، فيستقرّون هناك لساعات معينة أو لأيّام وربما لأكثر من ذلك، احتجاجاً على أمرٍ ما أو مطالبة بحقوقهم أو بإجراء إصلاحات أو تعديلات أو غير ذلك.
وهذا العمل جائز بحدّ نفسه ما لم يؤدّ إلى الإضرار بالآخرين، كما لو أضرّ بالمارّة أو كان يعطّل الحياة الاقتصادية، أو كان ضدّ الدولة الإسلامية بغير حقّ أو ما شابه ذلك.
نعم، قد تكون المصلحة في الاعتصام نفسه طبقاً للعناوين الثانوية، كالاعتصامات الطلابية المطالبة بالسماح بارتداء الحجاب في دول لا تسمح بارتدائه في الجامعات الرسمية، والمرجع في ذلك الحاكم الشرعي أو من يوكّله بهذا الأمر.
--------------------------------------------------------------------------------
[36] الشرائع ۱: ۳۱۹. القواعد ۱: ۴۹۰. كشف الغطاء ۴: ۳۴۲، ۳۴۸. جواهرالكلام ۲۱: ۱۴۳.
[37] المستدرك ۱۸: ۲۰۶، ب ۱ من القصاص في النفس، ح ۵. وانظر: جواهر الكلام ۲۱: ۱۲۴.
[38] انظر: التحرير ۲: ۲۰۳. كشف الغطاء ۴: ۳۳۹- ۳۴۲.
[39] الشرائع ۱: ۳۱۴. القواعد ۱: ۵۰۱- ۵۰۶. كشف الغطاء ۴: ۳۴۲- ۳۴۸. جواهرالكلام ۲۱: ۹۲- ۱۰۷.
[40] انظر: الشرائع ۱: ۳۳۳. القواعد ۱: ۵۱۶. كشف الغطاء ۴: ۳۵۱.