الإنسان (الحقوق الأساسية) - ویکی فقه 


الإنسان (الحقوق الأساسية)


رابعاً- حقوق الإنسان:
يتعلّق بالإنسان تبعاً لكرامته حقوق أساسية وغيرها، لتحقّق حياته الإنسانية الكريمة وحياته المادية ويؤمّن ما لروحه وجسده ممّا يحتاج إليه وفيما يلي تفصيل ذلك:
إنّ الحقوق على نوعين:
الأوّل- الحقوق الأساسية:
وهي عديدة، أهمّها:
۱- حقّ الحياة:
الحياة أغلى ما يمتلكه الإنسان في الوجود، وحقّ الحياة مكفول في الشريعة لكلّ إنسان، حيث منعت من إفناء النوع البشري، فكان استمرار الحياة البشرية أحد اصول الإسلام.
من هنا يرفض الإسلام كلّ أنواع الأسلحة الفتّاكة المبيدة للنوع البشري- كالقنابل الذرّية أو النووية أو الجرثومية أو الكيمياوية أو المشعّة وغيرها من أسلحة الدمار الشامل- وما فيه تحديد للنسل الإنساني، والفتوى بجواز استخدامها يتعارض مع مباني الفقة الإسلامي المبتنية على العدل والرحمة
وتكريم نوع الإنسان وتحريم الظلم والعدوان في حقّ من لم يرتكب جرماً.
وهذا الحقّ محوط بضمانات تحميه من أي عدوان، وهو حقّ يتمتّع به جميع الناس من دون تمييز أو تفرقة بينهم؛ لقوله تعالى: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ». [۱]
ولعلّه يمكن الاستدلال على تحريم استخدام مثل هذا النوع من الأسلحة بقوله تعالى: «وَإِذَا تَوَلَّى‏ سَعَى‏ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لَايُحِبُّ الْفَسَادَ»، [۲] فإنّ هذه الأسلحة من أبرز مصاديق إهلاك الحرث والنسل والفساد.
والتفصيل في محلّه.
(انظر: جهاد، سلاح)
هذا، ولبيان نظرة الإسلام إلى حقّ الحياة والعيش بحرّية وأمان، نورد بعض النماذج على ذلك، وهي:
أ- حرمة الانتحار والإضرار بالنفس:
أوجب الإسلام- حفظاً لحقّ الحياة- تناول الطعام والشراب على كلّ أحد بقدر الضرورة وسد الجوع وبقاء الرمق؛ [۳] ولذا لو دار الأمر بين شرب الماء والوضوء مع انحصار الماء فيه والحاجة إليه، وجب عليه شرب الماء حفاظاً على نفسه، بل حفاظاً على غيره، ويتيمّم هو للصلاة، [۴] [۵] بل يجب عليه أكل الميتة؛ لوجوب حفظ نفسه. [۶]
وكذا يحرم عليه فعل ما يضرّ بنفسه [۷] [۸] [۹] وتعريضها للهلاك؛ [۱۰] [۱۱] ولذا لم يجز للإنسان السفر في طريق يخاف فيه على نفسه؛ [۱۲] [۱۳] [۱۴] دفعاً للضرر المحتمل. ومن أجلى مصاديق الإضرار بالنفس الانتحار؛ لأنّه اعتداء على النفس البشرية كما صرّح بذلك في قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»، [۱۵] فإنّ قتل‏
الإنسان نفسه ليس إلّانوع من قتل النفس التي حرّم اللَّه.
وقد روي أنّ فاعل ذلك متردٍّ في نار جهنم خالداً فيها أبداً. [۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹]
وكذا روي أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال في حقّ رجل من أصحابه: «إنّه من أهل النار»، وكان قد اشتهر بحسن معاشرته ومعونته لإخوانه حتى قيل: إنّه حضر غزوة بدر، وبعد أن قاتل قتالًا شديداً فأثبتته الجراح، قال له المسلمون: أبشر يا قزمان فقد أبليت اليوم، فقال: بمَ تبشّرون؟
فواللَّه، ما قاتلت إلّاعن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت، فلمّا اشتدت عليه الجراحة جاء إلى كنانته فأخذ منها مشقصاً فقتل نفسه. [۲۰]
وكذا ما رواه ناحية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بلية ويموت بكلّ ميتة، إلّاأنّه لا يقتل نفسه». [۲۱]
لهذا كلّه اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم في الإسلام الانتحار بأيّ شكل كان ولأيّ سبب من الأسباب. [۲۲] [۲۳] [۲۴]
وفي ضوء ذلك أيضاً يحرم على المريض الذي يصعب علاجه أن يطلب من الطبيب وغيره أن يقتله، ولو فعل ذلك أثم وارتكب جرماً بقتل النفس المحرّمة، [۲۵] [۲۶] وإن اختلف الفقهاء في حكمه الوضعي من القصاص والدية، فذهب جماعة منهم إلى سقوطهما؛ لأنّه بنفسه أسقط حقّه بالإذن والأمر بالقتل. [۲۷] [۲۸] [۲۹]
والتفصيل في محلّه.
(انظر: انتحار، ضرر)
ب- حرمة قتل النفس:
الحقّ في الحياة حقّ لازم منحه اللَّه لكلّ إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحقّ، ولا يجوز لأحد حرمان غيره من الحياة
تعسّفاً وظلماً إلّاإذا كان ذلك تنفيذاً لحكم شرعي أو قضائي صدر في حقّه بالإعدام؛ ولذا يحرم في الإسلام قتل النفس المحترمة إجماعاً؛ [۳۰] لقوله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». [۳۱]
وبه صرّح أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر، قال: «وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها؛ فإنّه ليس شي‏ء أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها...». [۳۲]
وتتمثّل ذروة التشديد في حماية هذا الحقّ في نوع العقوبة التي يجب أن تصدر في حقّ من يتطاول، فجعلت العقوبة هي القصاص، واعتبرت الشريعة الإسلامية هذا الجزاء بمثابة ضمان لحياة الناس جميعاً، فقد ورد في الكتاب العزيز قوله تعالى:
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى»، [۳۳] وقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ»، [۳۴] إلى غير ذلك من الآيات. [۳۵] [۳۶] [۳۷]
وهذا التشديد في العقوبة يدلّ على مدى تكريم الشريعة الإسلامية للإنسان، فجعل القصاص- كما في الآية السابقة- هو العقوبة الدنيوية لمرتكب جريمة القتل، وهناك عقوبة اخروية أيضاً كما ورد في خبر جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: أوّل ما يحكم اللَّه [23]    فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابنا آدم فيفصل بينهما، ثمّ الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد، ثمّ الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيتشخّب في دمه وجهه، فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟
فلا يستطيع أن يكتم اللَّه حديثاً». [۳۸]
وقال الإمام علي عليه السلام في ذلك: «واللَّه سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة». [۳۹]
وكذا روي في تشديد عقوبة القتل عن حنان بن سدير عن الإمام الصادق عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ: «فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» [۴۰] قال: «هو وادٍ في جهنّم لو قتل الناس جميعاً كان فيه، ولو قتل نفساً واحدة كان فيه». [۴۱] إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على المبالغة في أمر القتل وحرمته وشدّة العقوبة عليه.
وتمتدّ هذه الحماية عن حقّ الحياة إلى حماية الإسلام الأبناء والجنين كما في قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ»، [۴۲] فلا يجوز إسقاط الجنين عمداً، سواء كان بعد ولوج الروح فيه أو قبل ذلك، برضا الزوجين أو بدونه، بالمباشرة أو بالتسبيب، [۴۳] [۴۴] [۴۵] وعليه يجب تأخير إجراء العقوبات كالرجم في حقّ الزانية لو كانت حاملًا؛ وليس ذلك إلّا حفاظاً على الولد في رحمها واحترام حقّ حياته. (انظر: إجهاض، قتل، قصاص)
ج- حرمة تعذيب الإنسان أو معاملته‏
بقسوة:
لا يجوز إخضاع أيّ إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملة القاسية والمهينة أو ممارسة أيّ عمل يؤدّي إلى الألم الشديد، جسدياً كان أو عقلياً؛ لحرمة إيذاء الإنسان وحرمة الإضرار بالغير وعدم سلطة إنسان على إنسان آخر، [۴۶] بل لا يجوز ذلك للدولة أيضاً إلّاما جوّزه الشارع المقدّس ضمن العقوبات المقرّرة لمصالح خاصة، ولا يدخل في ذلك تعذيب المتّهم قبل ثبوت جريمته أو الشاهد لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأن الجريمة، أو لغرض كتمان أمر أو لإعطاء رأي معيّن بشأنها، وكلّ ذلك خارج عن القانون المقرّر شرعاً، كما لا يعتدّ بالأقارير التي تصدر عن إكراه. [۴۷]
وكذا لا يجوز إخضاع أيّ إنسان لتجارب طبّية أو علمية دون رضاه، بل لا يجوز للإنسان تعريض نفسه لذلك أيضاً لو كان مضرّاً بجسده؛ لحرمة الإضرار بالنفس كما عليه عدّة من الفقهاء [۴۸] [۴۹] [۵۰] [۵۱] [۵۲] [۵۳] وصرّح بذلك في مطاوي الفروعات المتعدّدة.
والتفصيل في محلّه.
(انظر: إيلام، تعذيب، عقوبة)
د- العيش بأمان:
لم تكتف الشريعة الإسلامية بضمان حقّ الإنسان في الحياة، بل كفلت له أيضاً العيش بأمان، فلم تسمح له بأن يعتدي على أحد ولا لأحد أن يعتدي عليه، كما اشير إليه في غير واحدة من الآيات القرآنية الكريمة، [۵۴] [۵۵] وذلك تمشّياً مع المبادئ التي أعلنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عرفات في خطبته المشهورة في حجّة الوداع، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «... إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا... إلى يوم تلقونه...». [۵۶] [۵۷] [۵۸]
وكذا ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «دم المسلم وماله وعرضه على المسلم حرام»، [۵۹] [۶۰] فإنّ ذلك يدلّ على أنّ الشريعة الإسلامية كفلت للإنسان العيش في المجتمع الإسلامي وهو آمن على نفسه وماله وعرضه، [۶۱] ولابدّ أن يكون هذا الشعور بالأمان متبادلًا بين الفرد والجماعة، ويوحّد الإسلام بين مصلحتهما من أجل ضمان هذا الحقّ، فإنّه وضع العقوبات المشدّدة لردع كلّ من تسوّل له نفسه بالاعتداء على أمن المواطنين وانتهاك حرماتهم. [۶۲]
وفي نطاق الأمان لابدّ للإنسان أن يعيش آمناً على نفسه ويحرم عليه التصرّف في مال غيره بغير إذنه، بل ذلك ممّا يوجب الضمان؛ لكونه غصباً، [۶۳] [۶۴] [۶۵] كما حرّمت الشريعة الإسلامية السرقة وشدّدت على عقوبتها لما فيها من اعتداء على أمن الفرد، فجعلت عقوبته قطع اليد كما في قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا

أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا»، [۶۶] [۶۷] [۶۸] وبتنفيذ هذه العقوبة يضمن الشارع الأمن على أموال الناس، ومن التأمّل في المفاسد التي تترتّب على هذا العمل تنكشف المصلحة في تشديد العقوبة عليه.
ولكن قد يتوقّف تنفيذ هذه العقوبة أحياناً لو كان التصرّف في مال الغير والسرقة لأمر قد اضطرّ إليه كدفع غائلة الجوع عن نفسه أو عن عياله، جرياً على قاعدة لا حرج على المضطرّ؛ ولذا صرّح الفقهاء بعدم قطع يد السارق في عام المجاعة. [۶۹] [۷۰] [۷۱] [۷۲]
(انظر: سرقة، غصب)
وأمّا بالنسبة إلى حقّه أن يعيش آمناً على عرضه فقد منع الإسلام من التعرّض لأعراض الناس وأوجب العقوبة لكلّ من دنّس عرض غيره كذباً وبهتاناً؛ ولذا صرّح فقهاؤنا بوجوب تعزير من قذف كافراً، [۷۳] [۷۴] وقد دلّ على ذلك خبر إسماعيل بن الفضل عن الإمام الصادق عليه السلام، [۷۵] فإنّ ذلك مضافاً لما فيه من تدنيس الشرف وإهانته هو مثار للعداوة والبغضاء وإشاعة للفاحشة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً»، [۷۶] وقال تعالى: «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ». [۷۷]
ومن موارد حقّ الإنسان في العيش الآمن ضرورة رعاية حرمة داره ومحلّ سكناه، فلم يسمح الإسلام بدخول البيوت إلّا بعد الإذن والاستيناس، كما قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى‏ أَهْلِهَا». [۷۸]
وكذا لا يجوز التجسّس على أحوال الآخرين الشخصية، [۷۹] والتتبع لعوراتهم والتدخّل في شؤونهم الخاصة بهم؛ ولهذا
يحكم بحماية المراسلات البريدية والبرقيات والهواتف والشبكات العنكبوتية (الانترنت) فلا يجوز التجسّس أو التنصّت إلّا بعنوان ثانوي طارئ بموجب إذن من الحاكم الشرعي.
(انظر: تجسّس)
وأمّا في نطاق تحقيق الأمن في المجتمع فإنّ الإسلام حكم بعقوبة كلّ من يهدّد أمن المجتمع ويلقي الرعب في قلوب الناس، وعدّه محارباً للَّه‏ورسوله، وعدّ فعله من مصاديق الإفساد في الأرض، وعاقب على ذلك أشدّ العقاب للحدّ منها؛ [۸۰] استناداً إلى قوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، [۸۱] فإنّ تشديد العقوبة دليل على ضرورة حماية أمن المجتمع المسلم من أجل تحقيق مجتمع مثالي آمن من الخوف والعدوان والإرهاب.
(انظر: أمن، بغي، حرابة)
وممّا تقدّم يتّضح أنّ الشريعة الإسلامية كفلت لكلّ إنسان الحقّ في العيش بأمان دون أن يخشى على نفسه أو ماله أو عرضه أو حرمة مسكنه، وأنّ الإسلام جعل عقوبات رادعة لكلّ من يهتك هذا الحقّ أو يعبث بأمن الفرد والمجتمع.
۲- حقّ الحرّية:
حقّ الحرّية أكثر الحقوق التصاقاً بالحياة، ولذا يعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو حقّ من الحقوق الفردية والاجتماعية، فإنّ الإنسان بالحرّية يمتاز عن غيره من الكائنات الحيّة، وهذا الحقّ يمنح الإنسان السلطة في التصرّف والفعل عن إرادة دون أيّ إجبار أو إكراه، وحقّ الحرّية عام وشامل، كما أنّ الحقوق المترتّبة عليه متعدّدة لها عناوين مختلفة، وهي كالتالي:
أ- التحرّر من الرقّية والعبودية:
يولد الإنسان حرّاً ويجب أن يعيش حرّاً، فلا يجوز في الإسلام استرقاق الأحرار أو استعبادهم لمنافاة ذلك لروح العدالة الإسلامية وتكريم الإنسان المذكور
في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ»، [۸۲] فلا يجوز لقوم أو شعب استعباد قوم أو شعب آخر؛ إذ لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، وكذا لا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلّا بالتقوى، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»».
وقد حارب الإسلام القومية والشعوبية والعنصرية التي كانت بعض الامم المتحضّرة تؤمن بها وتعتقد أنّ العنصر الأبيض أفضل من العنصر الأسود جنساً ووصفاً وخلقة، وأنّ الأسود مخلوق لخدمة الأبيض، وأنكر الإسلام ذلك أشدّ الإنكار، فهو يرى أنّ الناس كلّهم متساوون في الإنسانية والتكريم، سواء كانوا عرباً أو عجماً، بيضاً أو سوداً، وجعل الملاك في أفضلية بعضهم على الآخر إسلامهم وإيمانهم وتقواهم، وألغى نظام الرقّية الذي يعترف به العالم المتحضّر وحاربه لكنه تدرّج في ذلك ولم يلغه دفعة واحدة، وعليه كانت القاعدة الأولية في الإسلام هي الحرّية [۸۳] [۸۴] [۸۵] كما نصّ على ذلك في رواية عبد اللَّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الناس كلّهم أحرار...». [۸۶]
نعم، استثنى الإسلام من الرقّ مورداً واحداً جوّز فيه الاستعباد، وهو فيما لو قامت الحرب بين المسلمين والكفّار فوقع الكفّار في الأسر، فإنّه لا يصحّ تخلية سبيلهم ليرجعوا إلى ما كانوا عليه من منابذة الإسلام من جديد، فإنّ فكّ أسرهم نقض للغرض، ولا يلتزم به أحد من العقلاء، ولا يصحّ قتلهم جميعاً، فينحصر الأمر في إبقائهم وتربيتهم وتعليمهم الإسلام، فإنّ ذلك خير لهم من القتل والحبس الذي هو الآخر له مضارّه وتكاليفه الخاصة على الدولة الإسلامية، فيفرّقهم الإسلام بين المسلمين ليتكفّل كلّ واحد منهم مهمة تعليم كلّ واحد من هؤلاء الأسرى لعلّهم يهتدون إلى الصراط المستقيم ومعالم الشريعة فيكونوا صالحين‏

ويستفيد منهم المجتمع بعدما كان يخشى الناس غائلتهم وفسادهم وإفسادهم. [۸۷]
على أنّ الإسلام يعامل هؤلاء العبيد معاملة العمّال لا كما يتعامل معهم غير المسلمين، حيث كانوا يستغلّون منافعهم ويفرضون عليهم ما لا يطيقون ممّا يعرّض حياتهم للمخاطر، بل يعبثون أحياناً بحياتهم لغرض التسلية، وهذا ما أدّى إلى التصوّر الخاطئ في حقّ الإسلام، وأنّه يعامل العبيد مثل هذه المعاملة، والإسلام بما يحمل روح العدل والإنصاف لا يرتضي لهؤلاء البقاء تحت نير العبودية، بل شجّع على العتق من جانب وضيّق من هذه الظاهرة من جانب آخر، حتى أنّ الفقهاء بحثوا ذلك في كتاب من الفقه تحت عنوان كتاب العتق، وأمّا الرقّ فلم يرد له عنوان فضلًا عن كتاب إلّافي كتاب الجهاد حيث بحثوه في أسطر.
ونشير هنا إلى موارد العتق القهري في الإسلام- الذي جعل العتق سبيلًا للتكفير عن الذنوب والمعاصي في أكثر الموارد- وموارد العتق الاختياري، وهي كالتالي:
۱- قانون عتق الصدقة، وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف رقبة من كدّ يده، [۸۸] حتى روى أبو البختري عن جعفر ابن محمّد عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام أعتق عبداً نصرانياً...». [۸۹]
۲- قانون عتق الكفّارة كما في كفّارة الظهار، الإيلاء، الإفطار، خلف النذر أو العهد أو اليمين، الجزع في المصاب، ضرب العبد، القتل.
۳- قانون إقعاد العبد وعميه وجذامه.
۴- قانون الاستيلاد.
۵- قانون التدبير.
۶- قانون الكتابة.
۷- قانون السراية (التسري).
۸- قانون المنع من تملّك أحد العمودين.
۹- قانون تملّك المملوك قبل إسلام مولاه.
۱۰- قانون تبعية أشرف الأبوين. إلى غير ذلك من القوانين التي سنّها الإسلام‏
لغرض تحرير العبيد وتحديد هذه الظاهرة السلبية. [۹۰]
وبعد تنفيذ هذه القوانين أخذت هذه الظاهرة بالزوال تدريجياً في الوقت الذي كانت في اوربا قد بلغت أوجها.
وقد يطرح في هذا المجال احتمال أن يكون تبنّي الإسلام لقانون الرقّية من باب المعاملة بالمثل؛ لأنّ الكفّار كانوا يعاملون نساء المسلمين وذراريهم بهذه الطريقة وكان هذا الأمر عرفاً سائداً، فإذا زالت هذه الحال ارتفع الحكم؛ ولهذا لم يرد في القرآن الكريم في التعامل مع الأسرى سوى خياران هما: المنّ والفداء، دون الاسترقاق.
والتفصيل في محلّه.
(انظر: حرّية، رقّ)
ب- التحرّر الفكري والديني:
تعتبر حرّية الفكر والرأي إحدى أهم الحرّيات الأساسية التي ينبغي للإنسان أن يتمتّع بها، فإنّ لكلّ إنسان أن يفكّر ويعتقد بما شاء دون تدخّل أحد في ذلك ما دام ملتزماً بالحدود العامة التي أقرّتها الشريعة، ولذا نجد في الكثير من الآيات الكريمة الحثّ على التفكّر واستخدام العقل في جميع شؤون الحياة خصوصاً في مواجهة المدّ الفكري والعقائدي المضادّ لعقيدة الإسلام، كما أنّ الشريعة لا تسمح لأي إنسان أن يؤمن بشي‏ء إلّابعد أن يخضعه للتفكير والتدبّر والتعقّل لكي يصل بفطرته السليمة إلى حقيقة الإيمان.
ومن جملة الآيات التي تحثّ على التفكّر والتعقّل قوله تعالى: «كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». [۹۱]
وقوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». [۹۲]
وقوله تعالى: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ». [۹۳]
وقوله تعالى: «وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ». [۹۴]
وفي ضوء ضرورة التمسّك بالتفكّر
والتعقّل يجب على الإنسان التحرّر من الأوهام والخرافات وتقاليد وعادات الجاهلية، وأن لا يكون مصداقاً لقوله تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ• وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَايَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَايَعْقِلُونَ». [۹۵]
وبالتفكير الصحيح تتحقّق أسمى غايات الفرد والجماعة في نطاق المنهج الإلهي الذي رسمه القرآن والسنة للبشرية جمعاء.
ج- حرّية العقيدة والدين:
من إفرازات حرّية الرأي اختيار العقيدة والدين بإرادة تامّة وضمير يقظ مطمئن بصحّة ما عقد عليه قلبه واستقرّ على صحّته ضميره، ولذا فإنّ الإسلام لا يلزم غير المسلم على الدخول في الإسلام والإيمان باللَّه عن إكراه كما جاء في الذكر الحكيم: «لَاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى‏ لَاانفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». [۹۶]
وقد روي أنّها نزلت في قوم من الأنصار أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هوّدوهم أو نصّروهم، فلمّا جاء اللَّه بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم اللَّه عن ذلك حتى يكونوا هم من يختار الدخول في الإسلام، [۹۷] [۹۸] ونحوه قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى‏ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ». [۹۹]
وقوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ». [۱۰۰]
وكذا قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَن آمَنَ وَمِنْهُم مَن كَفَرَ». [۱۰۱]
فهذه الآيات الكريمة تنفي الإكراه والإجبار في اختيار الدين الذي هو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها امور
عملية، ولما كان الإيمان والاعتقاد من الامور القلبية فلا سبيل للإكراه إليه، وإنّما الإكراه يكون في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنية، وأمّا الاعتقاد القلبي فله أسباب اخرى قلبية هي من سنخ الاعتقاد والإدراك. [۱۰۲] [۱۰۳]
فقوله تعالى: «لَاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» [۱۰۴] إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين- كما عليه السيّد الخوئي [۱۰۵]- فالمراد منها بيان ما تكرّر ذكره في الآيات القرآنية كثيراً من أنّ الشريعة لا تبتني على الجبر لا في اصولها ولا في فروعها، وأنّ مقتضى الحكمة هو إرسال الرسل وإنزال الكتب وبيان الأحكام؛ ليحيى من حيّ عن بيّنة، ويهلك من هلك عن بينة.
أمّا إذا كان ذلك قضية إنشائية- كما عليه السيّد الطباطبائي، [۱۰۶] ويشهد له تعقيبه بقوله تعالى: «قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» [۱۰۷]- كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً؛ حيث إنّ الإكراه- كما تقدّم- إنّما يؤثّر في الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية، فيكون تبيّن الرشد بمنزلة التعليل له، بمعنى أنّه يركن إلى الإكراه فيما لا سبيل فيه إلى بيان وجه الحقّ؛ لبساطة فهم المأمور أو لأسباب اخرى.
وأمّا الامور المهمّة التي ظهر وجه الخير والشر فيها وتبيّن فلا حاجة فيها إلى إكراه، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل والترك وعاقبتي الثواب والعقاب.
وبذلك ظهر أنّ هذه الآية هي إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبنَ على السيف والدم والإكراه، على خلاف ما زعمه بعض الباحثين من المنتحلين وغيرهم أنّ الإسلام دين السيف والجهاد، حيث قد يقال في الجواب عن ذلك: إنّ الجهاد والقتال الذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية ربط الناس بالدين بالقوّة والإكراه، بل لإحياء الحقّ والدفاع عن النفس، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس وركونهم للدين ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم‏
مع موحّد، ولذا روي أنّ صفوان طلب له من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمان بعد فتح مكّة، فأمّنه صلى الله عليه وآله وسلم فدخل مكّة وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عنده وناداه في جماعة من الناس:
يا محمّد! إنّ هذا وهب بن عمير يزعم أنّك أمّنتني على أنّ لي مسير شهرين، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «انزل ولك مسير أربعة أشهر»، فنزل وسار مع رسول اللَّه إلى حنين واستعار منه رسول اللَّه سلاحاً بعارية مضمونة وشهد حنيناً كافراً، وأسلم بعد ذلك وكان من المؤلّفة وحسن اسلامه. [۱۰۸]
ثمّ إنّ المراد من الجهاد ليس هو إجبار الغير على قبول الإسلام، بل المراد منه نشر الإسلام وتبليغه بعد إتمام الحجّة، ولا يقتل أحد إلّاأن يكون من المعاندين والمانعين عن نشر دين الحقّ، وكان من أهل الفتنة والفساد ومحاربة الإسلام، كما أشارت إلى ذلك بعض الآيات، كقوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا». [۱۰۹]
وقوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا». [۱۱۰]
وكذا قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى‏ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ». [۱۱۱] [۱۱۲]
كما أوصى أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك بالرأفة والعطف لهؤلاء، قال عليه السلام:
«... ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم؛ فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق...»، [۱۱۳] وفيه تأكيد على ضرورة الحياة لكلّ إنسان من حيث كونه من مخلوقات اللَّه تعالى.
وفي ضوء ذلك فإنّ الإسلام يحترم بيوت العبادة لليهود والنصارى [۱۱۴] فيجوّز لهم عمارتها، [۱۱۵] [۱۱۶] [۱۱۷] ويعامل أهلها معاملة إنسانية مبنية على الأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة ورعاية الجوار، كما قال تعالى: «لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ‏
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». [۱۱۸]
ومنع الإسلام من ظلمهم حتى مع خصومتهم للإسلام كما في قوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى‏ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ». [۱۱۹]
وقد ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى أنّ غير المسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم من الحقوق والواجبات كالخمس والزكاة وغيرهما، كما قرّر لغير المسلم الجزية، [۱۲۰] [۱۲۱] وبذلك يعيش غير المسلم في كنف الحكومة الإسلامية وينعم بالأمن والعدل والحرّية الدينية كما ينعم المسلم بذلك. نعم، يبقى حكم الارتداد ثابتاً حيث يستوجب العقاب الشديد في الدنيا والآخرة كما عليه الفريقان؛ لقوله تعالى: «وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»» الدال على العقاب الاخروي إلى جانب الروايات الصحيحة السند الدالّة على العقاب الدنيوي.
ولا يختصّ حكم الارتداد المذكور بالإسلام بل يعدّ عند اليهود والنصارى جرماً حيث يعاقبون المرتدّ عن دينهم بأشدّ العقوبات. [۱۲۲]
على أنّ المرتدّ لا يعاقب على ارتداده ما لم يعلن ذلك، وهو ظاهر بعض [۱۲۳] [۱۲۴] وصريح آخرين، [۱۲۵] حيث ذهبوا إلى عدم تحقّق الارتداد بمجرّد الاعتقاد الباطني بالكفر من دون إظهاره بفعل أو قول.
يضاف إلى ذلك حرمة التجسّس وتفتيش العقائد، فالعقوبة إنّما تجري عليه فيما إذا أظهر ذلك وأعلنه، فيبتني الحكم فيه حينئذٍ على المصلحة العامة وحفظ دين الناس الذين يتطرّق إلى أذهانهم مثل تلك الشبهات، فتكون العقوبة ضمان وصيانة للمجتمع من انحراف عقائدهم ومقدّساتهم.
على أنّ عقوبة القتل لا تجري على كلّ من ارتدّ عن الإسلام، والمرتد الملّي وهو من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ، [۱۲۶] [۱۲۷] وكذا الحكم في المرأة فإنّها تستتاب ابتداء. [۱۲۸] [۱۲۹] [۱۳۰]
وذهب جماعة إلى اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ. [۱۳۱] [۱۳۲] [۱۳۳] [۱۳۴]
بل صرّح بعضهم باستتابة من بلغ من ولد المسلمين ووصف الكفر، وأنّه لا يقتل ابتداءً؛ [۱۳۵] [۱۳۶] [۱۳۷] لعدم تحقّق الإسلام حقيقة منه، ومجرّد كونه محكوماً بالإسلام حال الولادة لا يجدي في صدق الارتداد. [۱۳۸]
ففي هذه الموارد يستتاب المرتد ويناقش في شبهته؛ لكي تتّضح له حقيقة الأمر بمجادلته بالتي هي أحسن حتى لا تبقى له حجّة وتزول شكوكه برجوعه إلى فطرته ويترك طريق العناد واللجاج، لكنّه إن بقي على ارتداده وأقرّ به فإنّه يعاقب على ذلك أشدّ العقاب؛ لخروجه على النظام العام وخيانة الامّة التي ترعاه والدولة التي تحميه. [۱۳۹]
(انظر: إكراه، جهاد، حرّية)
۳- حقّ العدالة والمساواة:
لا شكّ أنّ العدل أقوى أساس، [۱۴۰] وهو ميزان اللَّه الذي وضعه في خلقه، [۱۴۱] وبه قوام الرعية [۱۴۲] وجمال الولاة، [۱۴۳] فهو أمر مطلوب للفرد والمجتمع، ولا يخفى أنّ المساواة بين الأفراد في كثير من الموارد مصداق للعدل؛ لتساويهم في الإنسانية وسائر الشرائط المقرّر له، ولكن في موارد متعدّدة لا يكون حال الأفراد متساوياً في المجتمع؛ لاختلاف الناس في الذكاء والفهم والعلم والقوّة ونحوها، ممّا هو مؤثّر في نجاحاته الفردية والاجتماعية، فمنهم من يصل برعايته إلى أعلى درجات‏
التوفيق في الامور المادية والمعنوية، ومنهم من لا يصل إلى ذلك، هذا مضافاً إلى وجود قريحة الاستخدام في الإنسان، وقد يستغل القويّ الضعيف والغالب المغلوب، ولا حيلة للضعيف والمغلوب ما دام مغلوباً، ولكن يقابل ظالمه إذا قوي وتمكّن بأشدّ الانتقام، وعليه فعدم المساواة يؤدّي إلى فناء الحياة البشرية، [۱۴۴] ولعلّه إلى ذلك يشير قوله تعالى: «وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا». [۱۴۵]
ولا يستقيم الأمر إلّابالعدل والقسط والمساواة على حسب الشرائط والظروف.
كما أنّ ما نقرأه اليوم في تاريخ بعض الامم- من العنصرية والتفريق بين أبناء الإنسان، فيستغلّ الأبيض الأسود أينما وجده أو عثر عليه، ويكون ملكاً له وفق القانون- هو نوع من أنواع الظلم واللامساواة. [۱۴۶]
وأيضاً قسّم الناس في الهند إلى أربع طبقات وأنكروا المساواة بين الناس، وقد منحت طبقة البراهمة- وهم الكهنة ورجال الدين- حقوقاً ومزايا ألحقتهم بالآلهة، بينما عاملوا طبقة الشودر- وهم رجال الخدمة- معاملة البهائم والحيوانات، ووضعوا رجال الحرب في الطبقة الثانية، ورجال الزراعة والتجارة في الطبقة الثالثة.
وكان العرب في الجاهلية يتعاملون بنفس الطريقة مع الضعفاء والفقراء، فكان أثرياؤهم يأنفون من مصاهرة الضعفاء، وكانت دية أحدهم أضعاف دية الضعفاء، وكانت كلّ قبيلة تتفاخر على غيرها بأنسابها، وهكذا.
فجاء الإسلام وأبطل العصبية والشعوبية والعنصرية وجعل الإنسان مكرّماً، وجعل العدل والمساواة هما الأساس في الحقوق والواجبات، وألغى التمايز بالعرق والجنس والإقليم والشعب وكلّ ما لا دخل له في جوهر الإنسان وإنسانيته، قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً». [۱۴۷]
وبذلك يظهر أنّ الإسلام دين المساواة
بين الأسود والأبيض في جميع الحقوق والواجبات، وأنّه لا يختصّ بقوم دون قوم، وقد جسّد أمير المؤمنين عليه السلام العدالة والمساواة بين الناس في معاملته لهم وفي استحقاقهم من بيت المال فقال: «... واللَّه، لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم؟!...»، [۱۴۸] [۱۴۹] ب ۳۹ من جهاد العدوّ، ح ۲.
وروي أيضاً أنّ امرأة من العرب جاءت مع امرأة أعجمية إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكانت العربية قد اعترضت على تساوي سهمها مع الأعجمية فأجاب أمير المؤمنين عليه السلام: «واللَّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلًا على بني إسحاق». [۱۵۰]
والمراد منه المساواة مع رعاية حال كلّ واحد من كثرة العيال وقلّته وسائر ما له دخل في ذلك. [۱۵۱]
ثمّ إنّ الفرص التي أوجدها القانون يختلف الناس في الاستفادة العملية منها بحسب استعدادهم، فيصل بعضهم إلى مقام رفيع في العلم والعمل، ولا يصل البعض الآخر إلى شي‏ء من ذلك، ولا يرجع هذا الاختلاف إلى القوانين، وتستطيع الحكومات تضييق الفواصل الزمنية لهذه القوانين ودعمها إلّاأنّها لا تزول، وبالطبع فإنّ وجود هذا الاختلاف هو عين العدل خصوصاً بعد التساوي في القانون وإمكان الاستفادة المتساوية منها. [۱۵۲] [۱۵۳]
فلا يمكن التفكيك بين العدل والمساواة ويكون لهما معنى إذا كانا إلى جانب بعضهما الآخر، وفي نظر الإسلام فإنّ المساواة الصحيحة هي التي تكون قائمة على أساس العدل.
مضافاً إلى أنّ للعدالة قيمة مهمة في إنسانية الإنسان حيث لا يتم للإنسان معنى الإنسانية إلّاإذا اعتدلت قواه وكانت في مجراها المشروع، وملكة الاعتدال في كلّ واحدة من القوى هي ما نسمّيه بالخلق الفاضل والمحمود كالحكمة والشجاعة والعفّة وغيرها، ويجمع الجميع العدالة. [۱۵۴]
وسيأتي البحث عن المساواة أمام القانون في مبحث الحقوق القضائية.
(انظر: تساوي، عدل)


المراجع [تعديل]

۱. المائدة/سورة ۵، الآية ۴۵.    
۲. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۰۵.    
۳. الوسائل، ج۲۴، ص۳۲۱، ب ۴۲ من آداب المائدة.
۴. المنتهى، ج۳، ص۲۵.
۵. التذكرة، ج۲، ص۱۵۵.    
۶. المبسوط، ج۴، ص۶۸۲.
۷. رسائل فقهيّة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۱۶.
۸. رسائل فقهيّة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۱۲۴.
۹. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۳، ص۳۳۳.
۱۰. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۹۵.    
۱۱. الطهارة (الگلبايگاني)، ج۱، ص۲۳۷.
۱۲. القواعد، ج۲، ص۳۴۰.    
۱۳. جامع المقاصد، ج۸، ص۱۱۰.    
۱۴. كلمةالتقوى، ج۳، ص۶۸.
۱۵. النساء/سورة ۴، الآية ۲۹.    
۱۶. التهذيب، ج۹، ص۲۰۷، ح ۸۲۰.    
۱۷. المهذّب، ج۲، ص۴۵۴.    
۱۸. المهذّب، ج۲، ص۴۵۵.    
۱۹. المسالك، ج۶، ص۱۴۲.    
۲۰. البحار، ج۲۰، ص۹۸.
۲۱. الكافي، ج۳، ص۱۱۲، ح ۸.    
۲۲. شرح اصول الكافي (المازندراني)، ج۹، ص۲۱۱.
۲۳. جواهر الكلام، ج۴۲، ص۵۴.    
۲۴. الأحكام الشرعية (المنتظري)، ج۱، ص۵۷۵، م ۳۰۸۴.
۲۵. الأنعام/سورة ۶، الآية ۱۵۱.    
۲۶. الإسراء/سورة ۱۷، الآية ۳۳.    
۲۷. الشرائع، ج۴، ص۲۰۰.
۲۸. الإرشاد، ج۲، ص۱۹۶.
۲۹. تحرير الوسيلة، ج۲، ص۴۶۳- ۴۶۴، م ۳۵.
۳۰. جواهر الكلام، ج۴۲، ص۷.    
۳۱. المائدة/سورة ۵، الآية ۳۲.    
۳۲. الوسائل، ج۲۹، ص۵۵، ب ۱۹ من القصاص في النفس، ح ۱۰.
۳۳. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۷۸.    
۳۴. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۷۹.    
۳۵. الأنعام/سورة ۶، الآية ۱۵۱.    
۳۶. الإسراء/سورة ۱۷، الآية ۳۳.    
۳۷. المائدة/سورة ۵، الآية ۴۵.    
۳۸. الوسائل، ج۲۹، ص۱۲، ب ۱ من القصاص في النفس، ح ۶.
۳۹. الوسائل، ج۲۹، ص۵۵، ب ۱۹ من القصاص في النفس، ح ۱۰.
۴۰. المائدة/سورة ۵، الآية ۳۲.    
۴۱. الوسائل، ج۲۹، ص۱۳- ۱۴، ب ۱ من القصاص في النفس، ح ۱۰.
۴۲. الإسراء/سورة ۱۷، الآية ۳۱.    
۴۳. المعتبر، ج۱، ص۲۷۳.    
۴۴. المنهاج (الحكيم)، ج۲، ص۳۰۰، م ۴.
۴۵. المنهاج (الخوئي)، ج۲، ص۲۸۴، م ۱۳۷۹.    
۴۶. مصباح الفقاهة، ج۱، ص۴۵۴.
۴۷. جواهر الكلام، ج۳۵، ص۱۰۴.    
۴۸. الحدائق، ج۱۴، ص۱۳۷.    
۴۹. رسائل فقهية (تراث الشيخ‏الأعظم)، ج۱، ص۱۱۶.
۵۰. رسائل فقهية (تراث الشيخ‏الأعظم)، ج۱، ص۱۲۴.
۵۱. مستمسك العروة، ج۴، ص۳۳۹.    
۵۲. بحوث في شرح العروة، ج۴، ص۳۵۸.
۵۳. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۳، ص۳۳۳.
۵۴. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۹۰، ۱۹۴.
۵۵. المائدة/سورة ۵، الآية ۲.    
۵۶. الكافي، ج۷، ص۲۷۳، ح ۱۲.    
۵۷. المهذب، ج۲، ص۴۵۵.    
۵۸. التحرير، ج۴، ص۵۲۰.    
۵۹. سنن ابن ماجة، ج۲، ص۱۲۹۸، ح ۳۹۳۳.
۶۰. الوسائل، ج۱۲، ص۲۸۱- ۲۸۲، ب ۱۵۲ من أحكام العشرة، ح ۱۲.
۶۱. المسالك، ج۱۲، ص۹۷- ۹۸.    
۶۲. حقوق الإنسان، ج۳، ص۵۲.
۶۳. المسائل الطبرية (الرسائل التسع)، ج۱، ص۳۰۷.
۶۴. المهذّب‏البارع، ج۴، ص۴۲۱.    
۶۵. مستند الشيعة، ج۱۵، ص۱۸.    
۶۶. المائدة/سورة ۵، الآية ۳۸.    
۶۷. الخلاف، ج۵، ص۴۱۴، م ۲.    
۶۸. الإيضاح، ج۴، ص۵۱۸.
۶۹. الخلاف، ج۵، ص۴۳۲، م ۲۷.    
۷۰. الشرائع، ج۴، ص۱۷۵.
۷۱. المسالك، ج۱۴، ص۵۰۰.    
۷۲. جواهر الكلام، ج۴۱، ص۵۰۷- ۵۰۸.    
۷۳. المقنعة، ج۱، ص۷۹۲.    
۷۴. جواهر الكلام، ج۴۱، ص۴۱۸.    
۷۵. الوسائل، ج۲۸، ص۲۰۰، ب ۱۷ من حدّ القذف، ح ۴.
۷۶. النور/سورة ۲۴، الآية ۴.    
۷۷. الحجرات/سورة ۴۹، الآية ۱۱.    
۷۸. النور/سورة ۲۴، الآية ۲۷.    
۷۹. الحجرات/سورة ۴۹، الآية ۱۲.    
۸۰. جواهر الكلام، ج۴۱، ص۵۸۹- ۵۹۲.    
۸۱. المائدة/سورة ۵، الآية ۳۳.    
۸۲. الإسراء/سورة ۱۷، الآية ۷۰.    
۸۳. الجامع للشرائع، ج۱، ص۴۰۰.    
۸۴. المسالك، ج۱۰، ص۲۶۸- ۲۶۹.    
۸۵. جواهر الكلام، ج۲۴، ص۱۵۰.    
۸۶. الوسائل، ج۲۳، ص۵۴، ب ۲۹ من العتق، ح ۱.
۸۷. الروضة، ج۶، ص۲۲۱- ۲۲۸.
۸۸. الوسائل، ج۱۷، ص۳۷، ب ۹ من مقدّمات التجارة، ح ۱، ۲.
۸۹. الوسائل، ج۲۳، ص۳۵، ب ۱۷ من العتق، ح ۶.
۹۰. المسالك، ج۱۰، ص۲۶۷- ۵۲۵.    
۹۱. يونس/سورة ۱۰، الآية ۲۴.    
۹۲. الرعد/سورة ۱۳، الآية ۳.    
۹۳. الحشر/سورة ۵۹، الآية ۲۱.    
۹۴. آل عمران/سورة ۳، الآية ۷.    
۹۵. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۷۰، ۱۷۱.
۹۶. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۵۶.    
۹۷. مجمع البيان، ج۱، ص۳۶۳- ۳۶۴.
۹۸. جامع البيان، ج۳، ص۲۱- ۲۳.
۹۹. يونس/سورة ۱۰، الآية ۹۹.    
۱۰۰. النحل/سورة ۱۶، الآية ۹.    
۱۰۱. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۵۳.    
۱۰۲. شرح اصول الكافي، ج۵، ص۷۲، الهامش.
۱۰۳. النصّ والاجتهاد، ج۱، ص۷.
۱۰۴. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۵۶.    
۱۰۵. البيان (الخوئي)، ج۱، ص۳۰۷- ۳۰۸.
۱۰۶. الميزان، ج۲، ص۳۴۳- ۳۴۴.    
۱۰۷. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۵۶.    
۱۰۸. اسد الغابة، ج۳، ص۲۲.
۱۰۹. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۹۰.    
۱۱۰. المائدة/سورة ۵، الآية ۳۳.    
۱۱۱. البقرة/سورة ۲، الآية ۱۹۳.    
۱۱۲. الأنفال/سورة ۸، الآية ۳۹.    
۱۱۳. المستدرك، ج۱۳، ص۱۶۱، ب ۴۲ ممّا يكتسب به، ح ۲.    
۱۱۴. جواهر الكلام، ج۲۱، ص۲۸۲- ۲۸۳.    
۱۱۵. الشرائع، ج۱، ص۱۲۸.
۱۱۶. المسالك، ج۱، ص۳۳۱.    
۱۱۷. جواهرالكلام، ج۱۴، ص۱۳۳.
۱۱۸. الممتحنة/سورة ۶۰، الآية ۸.    
۱۱۹. المائدة/سورة ۵، الآية ۸.    
۱۲۰. المبسوط، ج۱، ص۵۹۰.
۱۲۱. التوبة/سورة ۹، الآية ۲۹.    
۱۲۲. كتاب مقدّس (عهد عتيق)، ج۱، ص۳۵۷ (بالفارسية).
۱۲۳. الكافي في الفقه، ج۱، ص۳۱۱.
۱۲۴. إصباح الشيعة، ج۱، ص۱۹۱.
۱۲۵. نتائج الأفكار، ج۱، ص۱۸۶.
۱۲۶. المقنعة، ج۱، ص۸۰۱.    
۱۲۷. جامع المقاصد، ج۱۲، ص۴۱۰.    
۱۲۸. النهاية، ج۱، ص۷۳۱.    
۱۲۹. الحدائق، ج۱۱، ص۱۴.    
۱۳۰. مباني تكملة المنهاج، ج۱، ص۳۳۰.
۱۳۱. كشف اللثام، ج۹، ص۳۵۸.    
۱۳۲. جواهر الكلام، ج۴۱، ص۶۰۲- ۶۰۳.    
۱۳۳. تحرير الوسيلة، ج۲، ص۳۲۹، م ۱۰.
۱۳۴. جامع الأحكام الشرعية، ج۱، ص۵۰۷.
۱۳۵. المبسوط، ج۵، ص۳۲۷.
۱۳۶. الشرائع، ج۴، ص۱۸۴.
۱۳۷. القواعد، ج۳، ص۵۷۶.    
۱۳۸. مستمسك العروة، ج۲، ص۱۲۲.    
۱۳۹. إسلام وحقوق بشر، ج۱، ص۴۸۱- ۴۸۲.
۱۴۰. المستدرك، ج۱۱، ص۳۱۸، ب ۳۷ من جهاد النفس، ح ۸.    
۱۴۱. عيون الحكم والمواعظ، ج۱، ص۱۵۰، ح ۳۳۰۳.
۱۴۲. المستدرك:، ج۱۱، ص۳۱۸، ب ۳۷ من جهاد النفس، ح ۸.
۱۴۳. ميزان الحكمة، ج۳، ص۱۸۳۸، ح ۱۱۹۵۹.
۱۴۴. الميزان، ج۲، ص۱۱۸.    
۱۴۵. يونس/سورة ۱۰، الآية ۱۹.    
۱۴۶. الروضة، ج۶، ص۲۲۳.
۱۴۷. النساء/سورة ۴، الآية ۱.    
۱۴۸. الوسائل، ج۱۵، ص۱۰۵.
۱۴۹. الوسائل، ج۱۵، ص۱۰۶.
۱۵۰. الوسائل، ج۱۵، ص۱۰۷، ب ۳۹ من جهاد العدوّ، ح ۴.
۱۵۱. جواهر الكلام، ج۲۱، ص۲۱۶.    
۱۵۲. فلسفه حقوق بشر، ج۱، ص۱۵.
۱۵۳. فلسفه حقوق بشر، ج۱، ص۱۶.
۱۵۴. الميزان، ج۵، ص۲۶۸.    


المصدر [تعديل]

الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۱۶۷-۱۸۴.   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار