استحباب غسل الإحرام - ویکی فقه 


استحباب غسل الإحرام


(والغسل) كما مرّ في كتاب الطهارة .
(ولو أكل أو لبس) بعد الغسل (ما لا يجوز له أعاد غسله استحباباً) للصحيحين [۱] [۲] [۳] وغيرهما، [۴] [۵] [۶] وزيد في أحدهما التطيب، كما أفتى به في التهذيب والدروس وغيرهما. [۷] [۸] [۹] [۱۰] [۱۱]
ولا يحلق بالمذكورات غيرها من تروك الإحرام ؛ للأصل السالم عن المعارض، المؤيد بصريح الصحيح في الادّهان قبله وبعده ومعه : «ليس به بأس». [۱۲] [۱۳] [۱۴] [۱۵] والمرسل في قصّ الأظفار وتقليمها، وفيه : «لا يعيد الغسل بل‌ يمسحها بالماء». [۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹]
واعلم أن المتبادر من النص والفتوى أنّ مكان الغسل هو الميقات، أو ما يكون قريباً منه، كما صرّح به في الروضة شيخنا، [۲۰] ومقتضى ذلك عدم جواز تقديمه عليه مطلقاً.
(وقيل : يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء، ويعيد) في الميقات (لو وجده) فيه، والقائل الشيخ وأتباعه، [۲۱] كما في التنقيح، [۲۲] وعليه عامة المتأخرين، بل لا خلاف فيه أجده، وبه صرّح في الذخيرة، [۲۳] مشعراً بدعوى الإجماع ، كما صرّح به في المدارك بالنسبة إلى جواز التقديم لخائف عوز الماء؛ [۲۴] للصحاح وغيرها. [۲۵]
بل ظاهر جملة منها جواز التقديم مطلقاً ولو لم يخف عوز الماء، وقوّاه جماعة من متأخري أصحابنا، [۲۶] [۲۷] [۲۸] إلاّ أن في التنقيح أنه لم يقل به قائل، مؤذناً بدعوى الإجماع ، وجعله السبب في التقييد.
ومما ذكرنا ظهر الإجماع المنقول على كلّ من جواز التقديم مع خوف عوز الماء، وعدمه مع عدمه.
وهو معتضد في الأوّل بعدم ظهور الخلاف فيه، إلاّ من العبارة؛ لنسبتها إياه إلى القيل، المشعرة بالتوقف فيه أو التمرض. ولا وجه له بعد استفادته من الصحاح وغيرها، المعتضدة بعمل الأصحاب كافّة عداه.
مع احتمال رجوع تردّده ولو على بُعد إلى تقييد الجواز بخوف عوز الماء؛ لإطلاق الأخبار، حتى ما ذكر فيه خوف عوز الماء، [۲۹] [۳۰] [۳۱] [۳۲] فإن غاية ذلك الاختصاص ، لا التخصيص، فلا ينافي الإطلاق .
ومرجعه إلى احتمال جواز التقديم على الإطلاق، كما عليه جماعة من المتأخرين. وهو حسن، لولا الإجماع المنقول الموجب للتقييد، مع نود تردّد في شمول الإطلاق لصورة عدم خوف عوز الماء.
ويحتمل رجوع التردّد إلى الحكم الأخير؛ لعدم دليل واضح عليه.
وما استدل به جماعة من المتأخرين من قوله عليه السلام في بعض الصحاح بعد رخصة التقديم لخوف عوز الماء : «ولا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم» أي الماء «إذا بلغتم ذا الخليفة» [۳۳] [۳۴] غير واضح الدلالة؛ فإنّ نفي البأس غير الاستحباب .
وفيه مناقشة؛ فإنه إذا لم يكن به بأس كان راجحاً، لكونه عبادة.
وممّا ذكر ظهور عدم وجه للتردّد في شي‌ء من الأحكام الثلاثة.
(ويجزئ غسل النهار ليومه، وكذا غسل الليل) لليلته، بلا خلاف أجده؛ للنصوص المستفيضة، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.
بل في الصحيح : «غسل يومك يجزيك لليلتك، وغسل ليلتك‌ يجزيك ليومك». [۳۵] [۳۶]
وبه أفتى جماعة من متأخري المتأخرين، [۳۷] [۳۸] [۳۹] تبعاً للمحكي عن المقنع. [۴۰] ولا بأس به.
ولكن الأفضل الإعادة ؛ لصريح بعض الأخبار السابقة، المؤيد بلفظ الإجزاء في هذه الرواية.
وذلك (ما لم ينم) وإلاّ فيستحب الإعادة، وفاقاً للأكثر؛ للصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم، قال : «عليه إعادة الغسل» [۴۱] [۴۲] [۴۳] [۴۴] ونحوه غيره. [۴۵] [۴۶] [۴۷] [۴۸]
مؤيدين بما يدل على مثله لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف، كالصحيح : عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل، أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال : «لا يجزيه، لأنه إنما دخل بوضوء». [۴۹] [۵۰] [۵۱]ويفهم منه نقض الغسل بالنوم، ومشاركة باقي الأحداث له في ذلك.
وصرّح بالأخير الشهيدان في الدروس والمسالك، [۵۲] [۵۳] مستنداً ثانيهما‌ بالفحوى؛ للاتفاق على ناقضية الحدث غيره مطلقاً، والخلاف فيه على بعض الوجوه.
وهو مبني على كون الإعادة للنقض لا تعبّداً، كما قدّمنا؛ ويدلُّ عليه الموثق صريحاً، وفيه : عن غسل الزيارة   يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد، قال : «يجزيه إن لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوءاً فليعد غسله». [۵۴] [۵۵]
خلافاً لسبطه وبعض من تأخر عنه، [۵۶] [۵۷] [۵۸] فجعلاها تعبداً، ولم يستحباها لباقي الأحداث.
وخلاف الحلّي بعدم استحباب الإعادة ولو في النوم [۵۹] [۶۰] مبني على الأصل ، وعدم حجيّة الآحاد. وهو ضعيف.
نعم، في الصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم، قال : «ليس عليه غسل». [۶۱] [۶۲] [۶۳] [۶۴]
وهو قاصر عن المقاومة لما مرّ بعد صراحته وتعدّده واعتضاده بالعمل، فيحمل على نفي الوجوب كما هو ظاهره من وجه، وعليه الشيخ، [۶۵] [۶۶] أو على نفي تأكد الاستحباب كما هو ظاهره من آخَر، وعليه جماعة ممن تأخر. [۶۷] [۶۸] [۶۹] ولعلّه أظهر.
(ولو أحرم بغير غسل أو بغير صلاة أعاد) الإحرام بعد تداركهما استحباباً، على الأظهر الأشهر، كما عن المسالك، وفيه : وقيل بوجوبها. [۷۰]
أقول : ولعلّه لظاهر الأمر بها في الصحيح : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟
فكتب : «يعيد». [۷۱] [۷۲] [۷۳]
ويضعف بظهور السؤال في الاستحباب، فيطابقه الجواب؛ مضافاً إلى فحوى ما دلّ على استحباب أصل الغسل والصلاة؛ مع أن القول بالوجوب لم ينقل في كلام أكثر الأصحاب، وإنما المنقول القول بنفي الاستحباب.
نعم، عبارة النهاية المحكية ظاهرة في الوجوب، [۷۴] لكنه رجع عنه في المبسوط، [۷۵] وكذا عبارة الإسكافي المحكية وإن كانت أيضاً ظاهرة في الوجوب بل صريحة، [۷۶] إلاّ أن المستفاد منها أنه لوجوب أصلهما، لا الإعادة، كما هو مفروض المسألة.
ويكف كان فلا ريب في الاستحباب.
خلافاً للحلّي، فأنكره إن أُريد من الإحرام ما يشمل النية، قال : فإنه إذا نواه انعقد، [۷۷] ولم يمكنه الإخلال إلاّ بالإتمام أو ما يقوم ما يقوم مقامه إذا صدّ أو أُحصر.
قيل : وليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها وبالنية، فلا يتوجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحبّ إعادتها إذا نسي الأذان والإقامة.
والجواب : أن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال ، لمَ لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للرواية، وقد ينزل عليه ما في المختلف . [۷۸] انتهى.
وهو حسن إن تمّ منع افتقار الإعادة إلى الإبطال. وفيه نظر؛ لتبادره منها عرفاً، وقد صُرّح في الأُصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشي‌ء ثانياً بعد الإتيان به أوّلاً لوقوعه على نوع خلل، قالوا : كتجرّده عن شرط معتبر، أو اقترانه بأمر مبطل، فتدبر.
ولعلّه لذا لم يُجب عن الحلّي أحد من المتأخرين إلاّ بابتناء مذهبه هنا على مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها، وهو ضعيف.
وعلى هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما، كما هو ظاهر المختلف والمنتهى وغيرهما. [۷۹] [۸۰] [۸۱]
خلافاً للشهيدين فأولهما. [۸۲] [۸۳] قال ثانيهما : إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده ،_إلى هنا عبارة المسالك._ [۸۴] فلا وجه لاستئناف النية، بل ينبغي أن يكون المُعاد هو التلبية واللبس خاصة. انتهى.
وفيه ما عرفته من ظهور النص في الإبطال، من جهة لفظ الإعادة، المفهوم منه ذلك عرفاً وعادةً.
هذا، مضافاً إلى ما ذكره بعض المحدّثين في الجواب عنه : بأن النية الأُولى إنما كانت معتبرة بمقارنة اللبس أو التلبية، مثل نية الصلاة المقارنة للتكبيرة، فاذا أبطل تكبيرة الإحرام   بطلت النية الأُولى، فكذا هنا.
وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للتخلل بين الإحرامين، و احتساب الشهر بين العمرتين، والعدول إلى عمرة التمتع   لو وقع الثاني في أشهر الحجّ .
لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين، ووجوب الكفارة على القولين. [۸۵] فإن تمّ إجماعاً، وإلاّ فهو منفي على المختار قطعاً، وكذا مع التردد بينه وبين مقابله، عملاً بالأصل السالم عن المعارض، إلاّ أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه، والإعادة لا تقطعه بناءً على الفرض، وفيه نظر.


المراجع [تعديل]

۱. التهذيب، ج۵، ص۷۱، ح۲۳۲.    
۲. التهذيب، ج۵، ص۷۱، ح ۲۳۱.    
۳. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۲، أبواب الإحرام ب ۱۳.    
۴. الكافي، ج۴، ص۳۲۹، ح ۸.    
۵. التهذيب، ج۵، ص۶۵، ح ۲۱۰.    
۶. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۱، أبواب الإحرام ب ۱۱، ح ۲.    
۷. التهذيب، ج۵، ص۷۰.    
۸. الدروس، ج۱، ص۳۴۳.    
۹. الذخيرة، ج۳، ص۵۸۶.     
۱۰. كشف اللثام، ج۱، ص۳۱۲.    
۱۱. الحدائق، ج۱۵، ص۱۲.    
۱۲. الفقيه، ج۲، ص۳۰۹، ح ۲۵۳۷.    
۱۳. التهذيب، ج۵، ص۳۰۳، ح ۱۰۳۴.    
۱۴. الاستبصار، ج۲، ص۱۸۲، ح ۶۰۵.     
۱۵. الوسائل، ج۱۲، ص۴۶۱، أبواب تروك الإحرام ب ۳۰، ح ۶.    
۱۶. الكافي، ج۴، ص۳۲۸، ح ۶.    
۱۷. الفقيه، ج۲، ص۳۱۰، ح ۲۵۴۳.    
۱۸. التهذيب، ج۵، ص۶۶، ح ۲۱۱.    
۱۹. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۱، أبواب الإحرام ب ۱۲، ح ۲.    
۲۰. الروضة البهية، ج۲، ص۲۲۹.     
۲۱. المبسوط، ج۱، ص۳۱۴.    
۲۲. التنقيح الرائع، ج۱، ص۴۵۴.
۲۳. الذخيرة، ج۳، ص۵۸۶.    
۲۴. المدارك، ج۷، ص۲۵۱.    
۲۵. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۶، أبواب الإحرام ب ۸.    
۲۶. المدارك، ج۷، ص۲۵۱.    
۲۷. كشف اللثام، ج۱، ص۳۱۲.    
۲۸. الحدائق، ج۱۵، ص۱۳.    
۲۹. الكافي، ج۴، ص۳۲۸، ح ۷.    
۳۰. الفقيه، ج۲، ص۳۰۸، ح۲۵۳۷.    
۳۱. التهذيب، ج۵، ص۶۳- ۶۴، ح ۲۰۲.    
۳۲. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۶، أبواب الإحرام ب ۸، ح ۱.    
۳۳.  الفقيه، ج۲، ص۳۰۹.    
۳۴. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۶، أبواب الإحرام ب ۸، ح ۲.    
۳۵. الفقيه، ج۲، ص۳۱۰، ح ۲۵۴۲.    
۳۶. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۸، أبواب الإحرام ب ۹، ح ۱.    
۳۷. المدارك، ج۷، ص۲۵۲.    
۳۸. الذخيرة، ج۳، ص۵۸۶.    
۳۹. الحدائق، ج۱۵، ص۱۵.    
۴۰. المقنع، ج۱، ص۲۲۲.    
۴۱. الكافي، ج۴، ص۳۲۸، ح۳.    
۴۲. التهذيب، ج۵، ص۶۵، ح ۲۰۶.    
۴۳. الاستبصار، ج۲، ص۱۶۴، ح ۵۳۷.    
۴۴. الوسائل، ج۱۲، ص۳۲۹، أبواب الإحرام ب ۱۰، ح ۱.    
۴۵. الكافي، ج۴، ص۳۲۸، ح ۵.    
۴۶. التهذيب، ج۵، ص۶۵، ح ۲۰۷.    
۴۷. الاستبصار، ج۲، ص۱۶۴، ح ۵۳۸.     
۴۸. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۰، أبواب الإحرام ب ۱۰، ح ۲.    
۴۹. الكافي، ج۴، ص۴۰۰، ح ۸.    
۵۰. التهذيب، ج۵، ص۹۹، ح۳۲۵.    
۵۱. الوسائل، ج۱۳، ص۲۰۱، أبواب مقدمات الطواف ب ۶، ح ۱.    
۵۲. الدروس، ج۱، ص۳۴۳.    
۵۳. المسالك، ج۲، ص۲۲۹.    
۵۴. التهذيب، ج۵، ص۲۵۱، ح ۸۵۰.    
۵۵. الوسائل، ج۱۴، ص۲۴۸، أبواب زيارة البيت ب ۳، ح ۲.    
۵۶. المدارك، ج۷، ص۲۵۳.    
۵۷. الذخيرة، ج۳، ص۵۸۶.    
۵۸. كشف اللثام، ج۱، ص۳۱۲.    
۵۹. السرائر، ج۱، ص۵۳۰.    
۶۰. السرائر، ج۱، ص۶۰۲.    
۶۱. الفقيه، ج۲، ص۳۱۱، ح ۲۵۴۴.    
۶۲. التهذيب، ج۵، ص۶۵، ح ۲۰۸.    
۶۳. الاستبصار، ج۲، ص۱۶۴، ح ۵۳۹.    
۶۴. الوسائل، ج۱۲، ص۳۳۰، أبواب الإحرام ب ۱۰، ح ۳.    
۶۵. التهذيب، ج۵، ص۶۵.    
۶۶. الاستبصار، ج۲، ص۱۶۴.    
۶۷. مجمع الفائدة، ج۶، ص۲۵۴.    
۶۸. الإحرام، ج۷، ص۲۵۳.
۶۹. ملاذ الأخيار، ج۷، ص۳۱۴.
۷۰. المسالك، ج۲، ص۲۲۹.    
۷۱. الكافي، ج۴، ص۳۲۷، ح ۴.    
۷۲. التهذيب، ج۵، ص۷۸، ح ۲۶۰.    
۷۳. الوسائل، ج۱۲، ص۳۴۷، أبواب الإحرام ب ۲۰، ح ۱.    
۷۴. النهاية، ج۱، ص۲۱۳.    
۷۵. المبسوط، ج۱، ص۳۱۴.    
۷۶. المختلف، ج۴، ص۵۱.     
۷۷. السرائر، ج۱، ص۵۳۲.    
۷۸. كشف اللثام، ج۱، ص۳۱۲.    
۷۹. المختلف، ج۴، ص۴۹.    
۸۰. المنتهى، ج۲، ص۶۷۳.    
۸۱. الذخيرة، ج۳، ص۵۸۶.     
۸۲. الدروس، ج۱، ص۳۴۳.    
۸۳. المسالك، ج۲، ص۲۳۰.    
۸۴. المدارك، ج۷، ص۲۵۴.    
۸۵. القواعد، ج۱، ص۴۱۸.    


المصدر [تعديل]

رياض المسائل، ج۶، ص۱۹۶- ۲۰۳.   
 




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار