حكم المعاملة على الآبق
حكم المعاملة على الآبق:
المراد بالمعاملة هنا المعنى الأعم، أي ما يشمل العقود والايقاعات.
وبما انّه قد ثبت فيما تقدّم بقاء الآبق على ملك مولاه، وأنّه يجوز له التصرّف فيه كسائر أملاكه، فإنّه يقع البحث حينئذٍ عن صحة بعض تصرّفات المولى فيه بعقد أو إيقاع لا من ناحية حق المالك، بل من ناحية مدى تأثير الإباق على صحة تلك التصرّفات والآثار المترتبة بسببه عليها.
ومن هنا نورد البحث ضمن العناوين التالية:
أ- بيع الآبق.
ب- سائر المعاوضات على الآبق.
ج- سائر العقود والايقاعات على الآبق.
د- جعل الآبق صداقاً في النكاح.
ه- عتق الآبق في الكفّارة.
وإليك التفصيل:
بيع الآبق [تعديل]
المشهور بين فقهائنا بطلان بيع الآبق منفرداً وصحته مع الضميمة، ومن هنا وقع البحث بينهم عن بيعه منفرداً تارة ومع الضميمة أخرى.
والمستظهر من كلمات أكثرهم أنّ الإباق بعنوانه ليس مانعاً عن صحة البيع أو المعاوضة عليه، وإنّما المانع ما قد يستلزمه الإباق من فقدان بعض شروط الصحة من انتفاء الجهالة والغرر أو القدرة على التسليم أو القبض والاقباض. ومن هنا جعل بعضهم البحث عن بيع الآبق من تطبيقات تلك الشروط.
إلّا أنّ هناك اتجاهاً آخر ذهب إليه بعض الفقهاء،
[۱] وهو القول بصحة بيع الآبق ولو منفرداً على القاعدة، وإنّما المانع عن بيعه منفرداً ما دلّت عليه بعض النصوص، فيكون عدمه شرطاً تعبّدياً في البيع أو مطلق المعاوضة. والمشهور بين فقهائنا بطلان بيعه منفرداً وصحته مع الضميمة في الجملة،
[۲] [۳] بل ادعي عليه الاجماع في كلمات بعض الأصحاب.
[۴] [۵] [۶] [۷] [۸]
ولا ينبغي الاشكال في صحة بيعه ولو منفرداً إذا عرف حياته وكان المالك قادراً على تسليمه للمشتري؛ لأنّ مثل هذا البيع يجمع تمام شروط صحة البيع من عدم الغرر والقدرة على التسليم وغير ذلك، كما أنّ هذا الفرض يكون خارجاً عن مدلول النصوص المانعة عن بيع الآبق- كما سيأتي- ومن هنا يكون أيضاً خارجاً عن كلام الفقهاء، وإنّما محل البحث عندهم ما إذا كان بحيث لا يقدر المالك على تسليمه للمشتري.
وقيّد الحكم بالبطلان منفرداً في كلمات بعضهم بما إذا لم يتمكن المشتري منه أو لم يضمنه له البائع أو لم يكن في يد المشتري أو لم ينعتق عليه- على اختلاف في التعبير عن القيد- بينما أطلق الحكم بالبطلان في كلمات آخرين.
كما قيّد بعض المعاصرين الحكم بالصحة مع الضميمة بصورة رجاء الوجدان، أمّا في صورة اليأس فلا يصح مطلقاً.
[۹]والمستظهر من كلمات الأصحاب وفتاواهم إلى زمان العلّامة الحلّي قدس سره
[۱۰]:فعن ابن الجنيد- كما في المختلف : «لا يشترى وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه له البائع».
[۱۱]
وقال الشيخ المفيد : «ولا يجوز ابتياع العبد الآبق إلّا أن يبتاع معه شيء آخر».
[۱۲]
وقال السيد المرتضى : «وممّا انفردت به الإماميّة القول بجواز شراء العبد الآبق مع غيره، ولا يشترى وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال إلّا ما روي عن عثمان البتي أنّه قال: لا بأس ببيع الآبق والبعير الشارد، وإن هلك فهو من مال المشتري، وهذا كالموافقة للإماميّة إلّا أنّه لم يشرط أن يكون معه في الصفقة غيره كما شرطت الإماميّة.
والدليل على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتكرّر. ومعوَّل مخالفينا في منع بيعه على أنّه بيع غرر وأنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الغرر، وربّما عوّلوا على أنّه مبيع غير مقدور على تسليمه، فلا يصحّ بيعه كالسمك في الماء والطير في الهواء، وهذا ليس بصحيح؛ لأنّ هذا البيع يخرجه من أن يكون غرراً؛ لانضمام غيره إليه كبيع الثمرة الموجودة بعضها والمتوقّع وجود باقيها».
[۱۳]
وقال الشيخ الطوسي في النهاية: «ولا يجوز أن يشتري الإنسان عبداً آبقاً على الانفراد، فإن اشتراه لم ينعقد البيع، ومتى اشتراه مع شيء آخر من متاع أو غيره كان العقد ماضياً».
[۱۴]
وقال في الخلاف : «لا يجوز بيع العبد الآبق منفرداً، ويجوز بيعه مع سلعة اخرى. وقال الفقهاء بأسرهم: لا يجوز بيعه، ولم يفصّلوا. وحكي عن ابن عمر أنّه أجازه. وعن محمّد بن سيرين أنّه قال: إن لم يعلم موضعه لم يجز، وإن علم موضعه جاز. دليلنا على منع بيعه منفرداً: إجماع الفرقة، ولأنّه لا يقدر على تسليمه، ولأنّه بيع الغرر، فأمّا جوازه مع السلعة الاخرى فإجماع الفرقة ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل».
[۱۵]
وقال ابن حمزة الوسيلة : «ولا يصحّ بيع ما فيه غرر إلّا إذا ضمّ معه غيره ممّا لا يكن فيه غرر».
[۱۶]
ثمّ ذكر أنواع الغرر في البيوع، وقال: «وبيع العبد آبقاً... ويجوز بيع العبد الآبق وبيع المجر (بيع المجر: هو شراء ما في بطن الناقة) وبيع البيض في جوف البائض مع غيره وكذلك بيع الصوف والشعر والوبر على ظهر الحيوان مع غيرها».
وقال ابن زهرة الغنية : «واعتبرنا أن يكون مقدوراً على تسليمه تحفّظاً ممّا لا يمكن ذلك فيه كالسمك في الماء والطير في الهواء، فإنّ ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف؛ لأنّه من بيع الغرر.وقد دخل فيما قلناه بيع الآبق. وقد روى أصحابنا جواز بيعه إذا بيع معه في الصفقة سلعة اخرى، وبيع سمك الآجام مع ما فيها من القصب، ويدلّ على هذا الموضع الإجماع المشار إليه وظاهر القرآن، وإنّما أخرجنا منه ما عدا هذا الموضع لدليل قاطع، والبيع لما ذكرناه في هذه الصورة ليس بغرر؛ لأنّ ما ينضمّ في العقد إليه يخرجه عن ذلك».
[۱۷]
وقال محمّد بن إدريس السرائر - بعد أن نقل ما تقدم عن الشيخ- قال: «وقال السيد المرتضى: إذا كان بحيث يقدر عليه ويعلم موضعه جاز شراؤه منفرداً، ولا يمنع ممّا قاله رحمه الله مانع؛ لأنّ الغرر زال، وهو داخل في قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا»، فأمّا إذا كان بحيث لا يقدر عليه فلا خلاف أنّه لا يجوز بيعه منفرداً إلّا إذا اشتراه مع شيء آخر من متاع أو غيره منضمّ إلى العقد، فيكون العقد ماضياً والشراء صحيحاً بغير خلاف أيضاً؛ لأنّه أمن الغرر في ذلك».
[۱۸]
وقال المحقق الحلي في الشرائع : «الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً ويصحّ منضمّاً إلى ما يصحّ بيعه، ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلًا للضميمة».
[۱۹]
وقال في المختصر النافع: «فلو باع الآبق منفرداً لم يصحّ، ويصحّ لو ضمّ إليه شيئاً».
[۲۰]
وقال ابن سعيد : «والعبد الآبق أي لا يجوز بيعه والحمل في جوف الحامل، والبيض في جوف البائض، واللبن في الضرع، والصوف والوبر والشعر على الظهر منفردات».
[۲۱]
وذكر تحت عنوان بيع الغرر: «الغرر ما انطوى أمره، وإذا اريد بيع الحمل في جوف الحامل واللبن في الضرع والصوف والشعر والوبر على الظهر والرقيق الآبق والسمك في الماء بيعت مع متاع حاصل».
[۲۲]
وقال العلّامة في التذكرة - تحت عنوان الشرط الرابع: القدرة على التسليم-: «... والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفرداً وإن عرفا مكانه.
وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الغرر، وهذا غرر، وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظم عليه السلام قلت له: «يصلح... الخ»، ولأنّه غير مقدور على تسليمه فأشبه الطير في الهواء. وقال بعض علمائنا بالجواز، وبه قال شريح وابن سيرين- واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيراً شارداً- لأنّه مملوك، فصحَّ».
[۲۳]
ثمّ ذكر بعد ذلك: «فروع:
أ- لو باع الآبق على من هو في يده أو على من يتمكّن من أخذه صحّ؛ لانتفاء المانع.
ب- لو باع الآبق منضمّاً إلى غيره صحّ، فإن لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع بشيء، وكان الثمن في مقابلة الضميمة؛ لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»».
وقال في المختلف : «قال الشيخان: لا يجوز بيع الآبق منفرداً، فإن بيع كذلك بطل، ويجوز منضمّاً- قال المفيد: فإن وجد العبد، وإلّا كان ما نقد من الثمن في الشيء الموجود- وأطلقا. وكذا قال ابن البرّاج وأبو الصلاح وسلّار وابن حمزة. وقال السيد المرتضى: لا يشترى وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري. وقال ابن الجنيد: لا يشترى وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه له البائع. وهو الأقرب. لنا: أنّ القدرة على التسليم شرط في صحّة البيع، وهي متحقّقة على التقديرين، فيصحّ البيع؛ عملًا بوجود المقتضي مع الشرط. احتجّ الشيخ بما رواه سماعة... والجواب: الرواية ضعيفة السند مقطوعة، فلا تصلح حجّة».
[۲۴]
وقال في القواعد في شروط المعقود عليه: «والقدرة على التسليم، فلا يصحّ بيع الطير في الهواء إذا لم تقض عادته بعوده... ولا الآبق منفرداً إلّا على من هو في يده».
[۲۵]
وقال في الارشاد : «وتجب القدرة على التسليم، فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً ويصحّ منضمّاً، ولو ضمّ إلى ما يصحّ بيعه وتعذّر القبض لم يرجع على البائع، وكان الثمن في مقابلة الضميمة».
[۲۶]
وقال في نهاية الإحكام : «ولا يصحّ بيع العبد الآبق منفرداً سواء علم مكانه أو لا؛ لأنّه لا يقدر على تسليمه فكان غرراً، ولا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من عوده، بل يكفي ظهور التعذّر. ولو عرف مكانه وعلم أنّه يصل إليه إذا رام الوصول إليه فليس له حكم الآبق. ولو حصل في يد إنسان جاز بيعه عليه؛ لإمكان تسليمه. ولو بيع منضمّاً إلى غيره صحّ بيعه سواء قلّت قيمة الغير أو كثرت، وسواء ظفر به المشتري أو لا، ولم يكن له رجوع على البائع بشيء لو لم يظفر به، وكان الثمن في مقابلة المنضمّ؛ لأنّ الصادق عليه السلام سئل... الخ. ولو تلف قبل القبض فكذلك على إشكال ينشأ: من أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، ومن عدم وجوب الإقباض هنا، فلا يدخل تحت ضمان البائع. والجمل الشارد والفرس العائر وشبههما كالآبق في بطلان البيع؛ لتعذّر التسليم، وهل يصحّ مع الضميمة كالآبق؟ إشكال، فإن قلنا به فلو تعذّر تسليمه احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط».
[۲۷]
الفرس العائر: المنفلت
[۲۸] أنّ التفصيل بين بيع الآبق منفرداً فلا يصح وبيعه مع الضميمة فيصح مخرَّج على مقتضى القاعدة وعلى الاجماع والنص المتمثِّل في روايتين: إحداهما صحيحة رفاعة النخّاس قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً، فإنّ ذلك جائز».
[۲۹]
والثانية موثّقة سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر، ويقول:
أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»،
[۳۰] ورويت عنه أيضاً مضمرة.
[۳۱]
بل يمكن الاستدلال بنصّ ثالث، وهو صحيحة فضيل،
[۳۲] كما سيأتي بحثه في جعل الآبق صداقاً في النكاح.
ويظهر من كلمات الانتصار والوسيلة والغنية والجامع للشرائع المتقدمة: أنّ مفاد النص هذا مطابق للقاعدة في كلا الشقّين- البيع مع الضميمة أو منفرداً- كما أنّه لا خصوصية للآبق، بل الحكم المذكور يعمّ جميع موارد الغرر حتى إذا كان من جهة الجهالة بمقدار المبيع لا تعذّر التسليم كما في بيع السمك في الماء واللبن في الضرع والصوف على الظهر.
ولكن العلّامة قدس سره حاول إبراز الفرق بين المستندين- القاعدة والنص- في جهتين:
الاولى: فيما إذا كان المشتري متمكناً من التسلّم فإنّه على القاعدة يكون بيعه منفرداً صحيحاً؛ إذ لا غرر فيه، ولا خصوصية في تسليم البائع، بينما إطلاق رواية سماعة يمنع عنه.
ومن هنا استظهر الخلاف بين السيد المرتضى قدس سره الذي استثنى هذه الصورة عن المنع والشيخين- المفيد والطوسي- الذين أطلقا الفتوى بمنع بيع الآبق منفرداً. وقد انعكس هذا الخلاف في الفقه، وتداوله الأصحاب من بعده.
كما أنّ العلّامة وافق السيد في فتواه بالصحة؛ لأنّه المطابق للقاعدة، ورمى الرواية بالضعف مع أنّها موثقة، إلّا أن يكون التضعيف بناء على اشتراط العدالة في الراوي، ورماها البعض بالإضمار مع أنّها منقولة مصرّحة أيضاً.
إلّا أنّ أصل استظهار هذا الخلاف على أساس استظهار إطلاق في كلامهما، وفي الرواية محل نظر، كما نبّه عليه جملة من المتأخرين، قال في مفتاح الكرامة: «وقد نسب جماعة إليهم الخلاف؛ لمكان هذا الإطلاق، وليس بتلك المكان من الظهور، وإلّا لأمكن نسبة الخلاف أيضاً إلى كلّ من اقتصر على قوله: ولا يصحّ بيع الآبق منفرداً. والقيود معتبرة في عباراتهم إلّا أن يكون نظرهم إلى غير ذلك كما يظهر ذلك
على الممارس».
[۳۳]
الثانية: في اختصاص الحكم بجواز البيع مع الضميمة- ووقوع الثمن بازائها مع التعذّر- بالآبق خاصّة أو عمومه لغيره من موارد عدم القدرة على التسليم فضلًا عن سائر موارد الغرر، فإذا كان الحكم المذكور على القاعدة جرى في سائر الموارد، وإلّا اختص بالآبق؛ لورود النص فيه، اللهم إلّا أن يستظهر منه الاطلاق وإلغاء الخصوصية؛ لمكان التعليل فيه أو لغيره من المناسبات والقرائن.
وانطلاقاً من هذا الكلام الذي أثاره العلّامة قدس سره انفتح باب البحث عند الفقهاء بعد عصره قدس سره في تحديد مفاد الروايتين لكلّ من شقّي التفصيل- مع الضميمة ومنفرداً- وأنّه هل يكون مطابقاً للقاعدة فيهما معاً أو في أحدهما فقط دون الآخر أو ليس مطابقاً لها في شيء منهما؟
وجهات اخرى من البحث عن حكم بيع الآبق في كلّ من الصورتين، وبذلك فقد تعدّدت الأقوال والنتائج من مجموع كلمات الفقهاء في المسألة بحسب اختلاف النكات والمباني في تلك الجهات (۲).
وإليك كلمات الفقهاء بعد العلّامة:
قال الفاضل المقداد : «بيع الآبق مع الضميمة يصحّ إجماعاً، ولا معها فإمّا أن يقدر المشتري على تحصيله أو لا، والثاني لا يصحّ إلّا معها أيضاً، واختلف في الأوّل وهو ما إذا قدر المشتري على تحصيله.
فقال المرتضى: يصحّ من غير ضميمة. واختاره العلّامة، وهو حسن؛ لكونه عيناً مملوكة معلومة يمكن قبضها، فيصحّ بيعها؛ لعموم «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ».
[۳۴]
ومنع الشيخ من ذلك إلّا معها مستنداً في الموضعين إلى رواية سماعة، قال: «سألته عن رجل يشتري العبد وهو آبق من أهله؟ فقال: لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر...» الخ. وهذا أعمّ من أن يكون مقدوراً على قبضه أو لا.وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة أمّا أوّلًا فبسماعة، وأمّا ثانياً فلعدم تعيين المسئول فيها، وأمّا ثالثاً فلكونها مخالفة للنظر من حيث إنّ جواز هذه المسألة مع كون الثمن في مقابلة الضميمة، ومنع بيع المجهول منضمّاً إلى معلوم ولا يكون الثمن في مقابلة المعلوم ممّا لا يجتمعان؛ وذلك لأنّ الجهل ببعض المبيع كما يستلزم الجهل بكلّه كذلك تعذّر التسليم في بعض المبيع يستلزم تعذّر تسليم كلّه من حيث الكلّ. لكنّها مؤيّدة بالعمل من الأصحاب حتى أنّه إجماع منهم».
ثمّ ذكر بعد ذلك: «فوائد:
الاولى: لا خيار للمشتري مع العلم بإباقه، أمّا مع عدم علمه فله الخيار، ولا يكون الثمن في مقابلة الضميمة حينئذٍ. الثانية: لو جعل العبد الآبق ثمناً هل يصحّ ويفتقر إلى الضميمة أم لا؟ يحتمل البطلان؛ لأنّه خلاف النصّ والنظر، ويحتمل الصحّة وهو الأقرب؛ إذ لا تغاير بين العوضين إلّا باعتبار عارض، وعلى هذا يجوز أن يكون أحد الآبقين ثمناً والآخر مثمناً مع الضميمة إلى كلّ منهما.
الثالثة: يشترط في الضميمة شرائط صحّة البيع فيها من الملكيّة والمعلوميّة ومقدوريّة التسليم، فلا يصحّ كونها آبقاً آخر.
الرابعة: لو تعدّدت العبيد كفت ضميمة واحدة ثمناً كانت أو مثمناً.
الخامسة: الآبق ما دام آبقاً ليس مبيعاً في الحقيقة ولا جزء مبيع، لكنّه مشروط الملكيّة للمشتري كمن اشترى الحامل وشرط الحمل له، فإنّ الحمل ليس مبيعاً ولا جزء مبيع، أمّا أنّه ليس مبيعاً بانفراده فظاهر، وأمّا أنّه ليس جزء مبيع فلأنّه ليس له شيء من الثمن، فلو تلف قبل قبضه لم ينقص شيء من الثمن.
السادسة: لو ظهر في الضميمة عيب فالمقسّط لأجل الأرش كلّ الثمن على هذه الضميمة، ولا اعتبار بالآبق.
السابعة: لو كان في الآبق عيب لم يعلم به المشتري لم يكن له به أرش ولا ردّ، ولا ينقص شيء من الثمن بسبب عيبه.
الثامنة: إذا ردّت الضميمة بعيب أو بخيار تبعها الآبق، ولو كان البيع فاسداً من أصله تبعها الآبق أيضاً.
التاسعة: لا ينفرد للآبق حكم البتّة إلّا إذا غصبه غاصب أو جنى عليه جانٍ، فإنّ الأرش أو القيمة للمشتري، فلو لم يتمكّن المشتري من أخذ الجناية لم ينقص من الثمن شيء، ولو يتمكّن المشتري من استيفاء ذلك صار جزءاً من المبيع، وكذا إذا جاءه العبد وتمكّن منه فإنّه يصير جزءاً من المبيع ويكون له قسط من الثمن».
وقال المحقق الكركي : «(قوله -العلّامة-: لو باع الآبق منضمّاً إلى غيره ولم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع بشيء) هذا هو المشهور.
وقال السيد المرتضى: لا يشترى وحده إلّا إذا كان يقدر عليه المشتري.
ورواية سماعة تشهد للأوّل، وفيها ضعف، فقول السيد جيّد، واختاره في المختلف.
وحيث شرطا الضميمة فلا بدّ أن يكون ممّا يصحّ إفراده بالبيع، وإنّما لم يرجع على البائع بشيء مع عدم الظفر؛ للرواية الصحيحة، ولأنّه دخل على ذلك».
[۳۵]
وقال أيضاً- معلّقاً على قول العلّامة: وكان الثمن في مقابلة المنضمّ-: «هكذا عبارات الأصحاب وعبارة الرواية. ويشكل بأنّ البيع إنّما وقع عليهما معاً، فكيف يكون الثمن في مقابلة أحدهما خاصّة؟! فلعلّ المراد كون الثمن في مقابل الضميمة باعتبار ما حصل للمشتري وثبتت عليه يده، لا باعتبار الملك. وتظهر الفائدة لو أعتقه.
ويبعد القول بعدم دخوله في الملك مع صحّة جريان المعاوضة عليه؛ إذ مقتضى الصحّة ترتّب الأثر، والفساد فيه الرجوع بحصّته من الثمن. والقول بدخوله في الملك متين، والرواية وعبارات الأصحاب منزّلة على ضرب من المجاز على معنى كان الثمن في مقابلة الضميمة.
لكن تشكل المسألة بما لو كانت الضميمة من غير مالك الآبق؛ فإنّ استحقاق صاحب الضميمة جميع الثمن معلوم البطلان، لما قلناه من أنّه خلاف مقتضى المعاوضة، واستحقاق البعض يقتضي البطلان في الآبق، وهو خلاف إطلاق النصوص.
ويندفع بعدم الصحّة في هذه الصورة من رأس؛ لأنّ الضميمة إنّما هي لتملّك الثمن كلّه، وفي الصورة المذكورة يمتنع ذلك، فتمتنع الصحّة».
وقال الشهيد الثاني في المسالك : «(قوله ( المحقّق): فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً، ويصحّ منضمّاً... الخ) أي إلى ما يصحّ بيعه منفرداً، فتخرج ضميمته إلى آبق آخر وما لا ينفرد بالبيع لقلّته ونحوه، ويعتبر كونها (الضميمة) من مالك العبد ليستحقّ جميع الثمن؛ إذ لو كانت من غيره لم يستحقّ شيئاً، فيمتنع صحّة بيعه، وفي صحيحة رفاعة عن الكاظم عليه السلام دليل عليه، وكما يجوز بيع الواحد منضمّاً فكذا الأكثر، ولو كان مع الثمن المتموَّل آبق آخر صحّ أيضاً؛ لوجود المقتضي في الجميع، وإنّما يمتنع بيع الآبق مع تعذّر تسليمه، فلو أمكن صحّ وإن سمّي آبقاً، ولو أمكن للمشتري خاصّة فالأقوى الجواز، ولا يلحق به غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر على الأقوى اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنصوص، فعلى هذا يبطل البيع للغرر، ويحتمل الصحّة مراعاة بالتسليم.
(قوله: ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع... الخ) بمعنى أنّه لا يوزّع عليها وعلى الآبق ويرجع بحصّته منه، بل ينزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم، وليس المراد أنّ الآبق يخرج عن كونه مبيعاً لينحصر الثمن في الضميمة إذا تعذّر تحصيله- كما يقتضيه ظاهر العبارة، بل ظاهر عبارة الجميع- لأنّ الآبق جزء من المثمن، والبيع قد وقع عليهما، والقدرة على تسليمه ليست شرطاً في صحّة البيع، ومقتضى البيع توزيع الثمن على جميع المثمن، فلمّا تخيّل من ذلك رجوع المشتري بشيء عند تعذّر قبضه نبّهوا عليه بقولهم: إنّ الثمن في مقابلة الضميمة. والمراد أنّه مستحقّ بأسره بإزاء ما دفع من الضميمة.
وتظهر الفائدة في دخول الآبق في ملك المشتري وإن لم يقدر على تحصيله، فيصحّ له عتقه عن الكفّارة وغيرها ممّا يترتّب على الملك.
ويشترط في الآبق ما يشترط في سائر المبيع غير القدرة على القبض، ويلحقه أحكام المبيع كذلك، فيعتبر كونه معلوماً عند المشتري بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، موجوداً عند العقد، فلو ظهر تالفاً قبله أو مستحقّاً لغير البائع أو مخالفاً لوصف البائع أو معيباً ففي إلحاقه بتعذّره فلا يؤثّر في صحّة البيع ولا يستحقّ أرشاً ولا ردّاً، أو يلحق كلّ واحد حكمه، فيبطل في الأوّلين ما قابله، ويتخيّر في الأخيرين نظر».
[۳۶]
وقال في الروضة البهية : «(ولو باع) المملوك (الآبق) المتعذّر تسليمه (صحّ مع الضميمة) إلى ما يصحّ بيعه منفرداً، (فإن وجده) المشتري وقدر على إثبات يده عليه (وإلّا كان الثمن بإزاء الضميمة) ونُزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفّارة وبيعه لغيره مع الضميمة.
(ولا خيار للمشتري مع العلم بإباقه) لقدومه على النقص، أمّا لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع
صحيحاً، ويشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه، فلو ظهر تلفه حين البيع أو استحقاقه لغير البائع أو مخالفاً للوصف بطل البيع فيما يقابله في الأوّلين وتخيّر المشتري في الأخير على الظاهر.
(ولو قدر المشتري على تحصيله) دون البائع (فالأقرب عدم اشتراط الضميمة) في صحّة البيع؛ لحصول الشرط، وهو القدرة على تسلّمه.
ووجه الاشتراط صدق الإباق معه الموجب للضميمة بالنص، وكون الشرط التسليم، وهو أمر آخر غير التسلّم. ويضعّف بأنّ الغاية المقصودة من التسليم حصوله بيد المشتري بغير مانع وهي موجودة، والموجبة للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة (وعدم لحوق أحكامها لو ضمّ) فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض، ولا يتخيّر لو لم يعلم بإباقه.
ولا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع؛ لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض، وغير ذلك من الأحكام.
ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر على الأقوى، بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنصوص.
(أمّا الضالّ والمجحود) من غير إباق (فيصحّ البيع ويراعى بإمكان التسليم) فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يُسلَّم لزم، (وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء) وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه. ويحتمل قويّاً بطلان البيع؛ لفقد شرط الصحّة، وهو إمكان التسليم.
وكما يجوز جعل الآبق مثمناً يجوز جعله ثمناً سواء أ كان في مقابله آبق آخر أم غيره؛ لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن. (وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمناً إلى الضميمة احتمال)؛ لصدق الإباق المقتضي لها، (ولعلّه الأقرب)؛ لاشتراكهما في العلّة المقتضية لها. (وحينئذٍ يجوز أن يكون أحدهما ثمناً والآخر مثمناً مع الضميمتين).
(ولا يكفي) في الضميمة في الثمن والمثمن (ضمّ آبق آخر إليه)؛ لأنّ الغرض من الضميمة أن تكون ثمناً إذا تعذّر تحصيله، فتكون جامعة لشرائطه التي من جملتها إمكان التسليم، والآبق الآخر ليس كذلك.
(ولو تعدّدت العبيد) في الثمن والمثمن (كفت ضميمة واحدة)؛ لصدق الضميمة مع الآبق، ولا يعتبر فيها كونها متموّلة إذا وزّعت على كلّ واحد».
[۳۷]
وقال المحقق الأردبيلي مجمع الفائدة والبرهان : «وأمّا دليل عدم جواز بيعه وشرائه منفرداً فكأنّه السفه وأنّه بيع غرر، وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر. وأمّا دليل الجواز مع الانضمام فكأنّه الإجماع ورضاؤه بشراء ما يصحّ قبضه فقط بذلك الثمن كلّه، وصحيحة رفاعة النخّاس، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام... الخ، ورواية سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام... الخ. وفي الاولى دلالة على تعيين المبيع وكون المنضمّ شيئاً له قيمة مثل الثوب والمتاع، وفي الأخيرة دلالة على وقوع الثمن في مقابلة المنضمّ...
ونقل في الدروس عن المرتضى جواز بيع الآبق على من يقدر على تحصيله من غير ضميمة، كأنّه خصّص عموم الرواية أو يردّها كغيرها، كأنّه لأنّ جوازه حينئذٍ معلوم بالعقل.
قوله: (ولو ضمّه إلى ما يصحّ بيعه... الخ) أي قبض الآبق مثلًا لم يرجع على البائع بشيء من قسط الآبق، لا بمعنى أن لا ثمن له أصلًا، وهو ظاهر؛ لأنّه كان جزءاً للمبيع، فله جزء من الثمن، بل بمعنى لا رجوع له على البائع بحصّته من الثمن لرضاه بالبيع مع كونه آبقاً؛ فكأنّه أقدم على أنّ ما دفعه في مقابلة المقدور على تقدير عدم الظفر به، ولأنّه مثل من رضي ببيع المعيب والناقص مع علمه به، وليس له حينئذٍ أرش وهو ظاهر، ولما في رواية سماعة المتقدّمة، ولا يضرّ ضعفها، فتأمّل.
والظاهر أن لا يقاس على الآبق الضالّة من البعير والغنم وغيرهما، فإنّ الظاهر جواز بيعها من غير انضمام شيء؛ للأصل وعموم أدلّة العقود، ولحصول الرضا مع عدم معلوميّة دخوله تحت الغرر؛ لعدم ظهوره لاحتمال أن يلقيه، وإلّا يرجع بثمنه؛ لعدم حصول التسليم، فيبطل العقد، وبهذا يخرج عن السفه. ومن هذا علم أنّ الدليل في الأوّل هو النصّ والإجماع. واختار ما ذكرناه في التذكرة. ويحتمل بطلان العقد رأساً، فتأمّل».
[۳۸]
وقال المحقق السبزواري : «الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً ويجوز منضمّاً إلى ما يصحّ بيعه؛ ومستنده صحيحة رفاعة وموثّقة سماعة ومضمرة سماعة. والظاهر أنّ امتناع بيع الآبق إنّما يكون مع تعذّر التسليم، فلو أمكن صحّ، ولو أمكن للمشتري خاصّة فالأقوى الجواز».
[۳۹]
وقال الفيض الكاشاني مفاتيح الشرائع: «ويشترط في العوضين أيضاً القدرة على اقباضهما كلًاّ أو بعضاً، فلا يصحّ بيع ما يتعذّر تسليمه للغرر إلّا مع ضميمة مقدورة على تسليمها؛ للصحيح الوارد في جواز بيع الجارية الآبقة مع ثوب أو متاع المعمول عليه.
قيل: ولا يلحق به غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر على الأقوى اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنصوص، فعلى هذا يبطل البيع للغرر، ويحتمل الصحّة مع مراعاة التسليم.
ويضعّفه ظواهر النصوص والتعليل فيها بأنّه «إن فاته البعض لم يفته الآخر» مع اعتضاده بالعمومات وأصالة عدم زيادة التكليف مع التراضي، وفي الصحيح: «لا بأس بأن يشتري الطعام وليس عند صاحبه حالًّا إلّا أن يكون بيعاً لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالًّا».
[۴۰]
وقال المحدّث البحراني : «ولو باع المملوك الآبق لم يصحّ إلّا على من هو في يده أو مع الضميمة إلى ما يصحّ بيعه منفرداً، فإن وجده المشتري وقدر على إثبات اليد عليه، وإلّا كان الثمن بإزاء الضميمة، ونزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن بمنزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفّارة وبيعه على آخر مع الضميمة أيضاً.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلّقة بهذه المسألة: ما رواه في الكافي في الصحيح عن رفاعة... الخ، وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثّق... الخ.
وفي الرواية الاولى إشارة إلى كون الضميمة شيئاً له قيمة كالثوب والمتاع ونحو ذلك. وينبغي أن يحمل عليها إطلاق الشيء في الرواية الثانية.
وفي الثانية دلالة على ما قدّمنا ذكره من أنّه مع تعذّر المبيع يكون الثمن وإن كثر في مقابلة الضميمة وإن قلّت.
وفيه- وكذا في أمثاله من مواضع الضمائم الآتية إن شاء اللَّه تعالى في مواضعها- ردّ على بعض الفضلاء المعاصرين فيما تفرّد به من أنّ ذلك غير جائز لأنّه غير مقصود، وأنّ المشتري لا ينقد هذا الثمن الكثير في مثل هذا المبيع اليسير في سائر الأوقات وما جرت به العادة. وهو اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على أهل الخصوص».
[۴۱]
ثمّ ذكر بعد ذلك: «تنبيهات:
الأوّل- لا خيار للمشتري مع العلم بالإباق؛ لقدومه على النقص ورضاه به، أمّا لو جهل الإباق جاز له الفسخ إن قلنا بصحّة البيع.
الثاني- ينبغي أن يعلم أنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً وموجوداً وقت العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه، فلو ظهر تلفه حين العقد أو استحقاق الغير له بطل البيع فيما قابله من الثمن، ولو ظهر كونه مخالفاً للوصف تخيّر المشتري.
الثالث- قال في الدروس عن المرتضى: إنّه جوّز بيع الآبق منفرداً لمن يقدر على تحصيله، ثمّ قال: وهو حسن. واختار ذلك أيضاً في اللمعة، وإليه جنح جمع من المتأخّرين منهم العلّامة والمحقق الشيخ عليّ في شرح القواعد، ولا يخلو عن قوّة؛ لحصول الشرط، وهو القدرة على تسليمه.
ووجه الاشتراط(أي اشتراط الضميمة): صدق الإباق معه الموجب للضميمة بالنصّ، وكون الشرط التسليم، وهو أمر آخر غير التسلّم.
ويضعّف بأنّ الغاية المقصودة من التسليم حصوله بيد المشتري بغير مانع وهي موجودة، والموجب للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة. (كذا، ولعلّ الصحيح: وهو مفقود)، فلا مانع من الصحّة.
والخبران المتقدّمان محمولان على عدم قدرة المشتري وقت العقد، وفي الثاني منهما ما يشير إلى ذلك من قوله: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» فإنّه ظاهر في كون البيع وقع في حالة لا يتحقّق فيها قدرة المشتري على تحصيله، بل هي تحتمل للأمرين. وبه يظهر قوّة القول المذكور.
الرابع- قد صرّح جملة من الأصحاب منهم صاحب التذكرة والروضة وغيرهما بأنّه لا يلحق بالآبق في هذا الحكم ما في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر والضالّة من البقر والغنم ونحوهما بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق كالجحود مثلًا، فإنّ الظاهر جواز بيعها من غير ضميمة شيء؛ للأصل وعموم أدلّة العقود وحصول الرضا واقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع النصّ، وحينئذٍ فيصحّ البيع ويراعى بإمكان التسليم، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم لزم العقد، وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء وإن شاء التزم بالعقد وبقي على ملكه فينتفع بالعبد بالعتق ونحوه.
الخامس- قيل: وكما يجوز جعل الآبق مثمناً يجوز جعله ثمناً سواء كان في مقابله آبق آخر أم غيره؛ لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن. وفي احتياج جعل العبد الآبق المجعول ثمناً إلى الضميمة احتمال؛ لصدق الإباق المقتضي لها، ولعلّه الأقرب؛ لاشتراكهما في العلّة المقتضية لها، وحينئذٍ يجوز أن يكون أحدهما ثمناً والآخر مثمناً مع الضميمتين، كذا قيل.
وللتوقّف فيه مجال؛ فإنّ الحكم وقع خلاف الأصل كما اعترفوا به، فالواجب الاقتصار فيه على مورد النصّ المتقدّم، ومورده إنّما هو المثمن لا الثمن.
السادس- أنّ الآبق يخالف غيره من المبيعات في أشياء:
منها- اشتراط الضميمة في صحّة بيعه.
ومنها- أنّه ليس له قسط من الثمن.
ومنها- أنّ تلفه قبل القبض من المشتري.
ومنها- أنّه لا تخيير للمشتري مع فقده، وكلّ ما شرط أو ذكر في العقد يتخيّر المشتري مع فواته.
السابع- لو وجد المشتري في الآبق عيباً سابقاً إمّا بعد القدرة عليه أو قبلها كان له الرجوع بأرشه بأن يقوّم العبد صحيحاً مع الضميمة بعشرة مثلًا ويقوّمان معيباً بتسعة، فالأرش هو العُشر يرجع به المشتري من القيمة التي وقع عليها العقد. وهكذا لو ظهر العيب في الضميمة وكان سابقاً على البيع فإنّ الحكم فيه كذلك.
الثامن- لا يكفي في الضميمة إلى الثمن أو المثمن ضمّ آبق آخر؛ لأنّ الغرض من الضميمة أن تكون ثمناً أو مثمناً إذا تعذّر تحصيل ما ضمّت إليه، فلا بدّ أن تكون جامعة لشرائطه التي من جملتها إمكان التسليم، والآبق المجعول ضميمة ليس كذلك».
وعن إيضاح النافع للفاضل القطيفي (حكاه الشيخ الأنصاري في المكاسب، تراث الشيخ الأعظم، ۴: ۱۹۰) : «أنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط، لا أنّها شرط في أصل صحّة البيع، فلو قدر على التسلّم صحّ البيع وإن لم يكن البائع قادراً عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من التسليم جاز وينتقل إليه، ولا يرجع على البائع لعدم القدرة إذا كان البيع على ذلك مع العلم، فيصحّ بيع المغصوب ونحوه.
نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفاً لم يصحّ المعاوضة عليه بالبيع؛ لأنّه في معنى أكل مال بالباطل. وربّما احتمل إمكان المصالحة عليه، ومن هنا يعلم أنّ قوله- يعني المحقق في النافع-: (لو باع الآبق منفرداً لم يصحّ) إنّما هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكّن منه عرفاً، ولو أراد غير ذلك فهو غير مسلّم».
وقال السيد علي الطباطبائي : «(ولو باع) المملوك (الآبق) المتعذّر تسليمه (منفرداً لم يصحّ) إجماعاً نصّاً وفتوى إلّا إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع فجائز حينئذٍ عند جماعة، بل ربّما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإماميّة، وهو كما ترى؛ لعموم الأدلّة وانتفاء الموانع من الإجماع للخلاف والغرر لاندفاعه بالفرض، خلافاً للشيخ ومن تبعه فكما لا يقدر؛ لإطلاق ما سيأتي من النصّ، وفي شموله لمحلّ الفرض نظر.
وعلى المختار لو بيع مع الضميمة لم يلحقها أحكامها الآتية، فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض ولا يتخيّر المشتري لو لم يعلم بإباقه، ولا يشترط في الضميمة صحّة إفرادها بالبيع؛ لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض وغير ذلك من الأحكام. (ويصحّ) بيع الآبق الذي لم يقدر عليه كلّ منهما (لو ضمّ إليه شيء) يصحّ بيعه منفرداً إجماعاً كما في الانتصار والغنية والتنقيح، وهو الحجّة المخصّصة للقاعدة، مضافاً إلى المعتبرة كالصحيح: «أ يصلح لي... الخ» والموثّق: «في الرجل يشتري... الخ».
[۴۲]
ويستفاد منه ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف من أنّه إن وجده المشتري وقدر على إثبات يده عليه وإلّا كان الثمن بإزاء الضميمة كان عدم القدرة للتلف أو غيره، مضافاً إلى إقدامه إلى كون الثمن بإزاء الجملة وإيقاعه العقد عليه فيجب عليه الوفاء به، ونزّل الآبق حينئذٍ بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفّارة وبيعه لغيره مع الضميمة، وأنّه لا خيار للمشتري بعدم القدرة على تسلّمه مع العلم بإباقه، مضافاً إلى قدومه على النقص، فلا تسلّط له على البائع حينئذٍ. وأمّا لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً؛ دفعاً للضرر، ولا ينافيه الخبر؛ لكونه في العلم بالإباق ظاهراً بل صريحاً.
ثمّ إنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه؛ لعموم الأدلّة، فلو ظهر تلفه حين البيع أو استحقاقه لغير البائع أو مخالفاً للوصف بطل البيع فيما يقابله من الثمن في الأوّلين وتخيّر المشتري في الثالث على الظاهر.
ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر على الأشهر الأقوى بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق أيضاً اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المنصوص، فلا يجوز بيعه منفرداً ولا منضمّاً إلّا أن يكون الضميمة بالذات مقصودة كما مضى...».
وقال المحقق النجفي - بعد نقل الأقوال-: «وعلى كلّ حال فالظاهر أنّ الإباق من حيث كونه إباقاً لا يمنع البيع، لما عرفت من جوازه إذا كان في يد المشتري أو قادراً عليه أو كان البائع قادراً عليه، فإنّ الظاهر الصحّة وإن تحقّق الإباق؛ لإطلاق الأدلّة السالم عن معارضة ما عدا إطلاق المنع من بيع الآبق المحمول على غير ذلك.
قال في محكيّ نهاية الإحكام: ولو عرف مكان الآبق وعلم أنّه يصل إليه إذا رام الوصول إليه فليس له حكم الآبق. وفي المسالك: وإنّما يمتنع بيع الآبق مع تعذّر تسليمه، فلو أمكن صحّ وإن سمي آبقاً إلى غير ذلك من عباراتهم. بل قيل في مصابيح العلّامة الطباطبائي: ظاهرهم أنّه لا خلاف في ذلك، وهو كذلك؛ لاتّفاق أصحابنا على أنّ القدرة على التسليم شرط في صحّة البيع، وأنّ المنع من بيع الآبق لتعذّر تسليمه، كما ينبّه عليه استدلالهم به على المنع وتفريع المنع عليه وجعله من توابع هذا الشرط. ومعلوم أنّ مجرّد الإباق لا يقتضي تعذّر التسليم، فإنّ منه ما يتعذّر تسليمه ومنه ما لا يتعذّر، والمانع يجوّز الثاني لوجود الشرط، والمجيز يمنع الأوّل لفقده، فارتفع النزاع وعاد الخلاف إلى الوفاق.
ولم يبق إلّا إطلاق المنع الموهم لإرادة المنع على الإطلاق، والخطب فيه هيّن بعد وضوح المراد.
قلت: قد يقال: إنّ ظاهر النصّ والفتوى المنع من بيع الآبق المجهول الحصول لا خصوص المتعذّر تسليمه. ومن ذلك يتّجه أنّه لا وجه لتعليل المنع من بيعه بتعذّر تسليمه، بل ولا تفريعه على اشتراط القدرة على التسليم بناءً على ما سمعته منّا في بيان المراد من ذلك، وإلّا لم تُجدِ الضميمة في رفع هذا المانع كما هو ظاهر النصّ، فالمتّجه حينئذٍ الاستناد في المنع منفرداً والجواز منضمّاً إلى النصّ والإجماع، مع أنّك قد سمعت سابقاً وتسمع لاحقاً احتمال المراد منهما».
[۴۳]
وقال في بيعه منضمّاً : «هذا، وقد بان لك من جميع ما ذكرنا قوّة القول بأنّ للآبق أحوالًا ثلاثة:
أحدها- أن يكون مأيوساً منه نحو الطير في الهواء والسمك في الماء، وهذا لا يصحّ بيعه ولو مع الضميمة.
ثانيها- أن يكون مقدوراً عليه للبائع أو للمشتري، وهذا يصحّ بيعه من غير حاجة إلى الضميمة.
ثالثها- أن يكون مرجوّ الحصول، وهذا يحتاج إلى الضميمة إن اريد بيعه على وجه اللزوم وأنّه لا رجوع للمشتري على البائع حتى لو تعذّر، أمّا لو اريد بيعه لا على الوجه المزبور بل بيعاً مراعى بالتسليم صحّ بلا ضميمة، وإن كان لا يوافق إطلاق من عرفت من الأصحاب جواز بيعه مع الضميمة وعدمه مع عدمها.
بل قد يقال: إنّ الأصل يقتضي جوازه في الأوّل من الثالث (أي على وجه اللزوم) من دون ضميمة إذا اشترط البائع على المشتري سقوط الخيار الذي يحصل بتعذّر التسليم. ولو سلّم مخالفة ذلك في خصوص الآبق باعتبار ظهور النصّ والفتوى في انحصار صحّة بيعه على الوجه المزبور في الضميمة أمكن منعها في غيره من الضالّ والمجحود ونحوهما؛ لعدم ما يدلّ على الإلحاق.
ومنه ينقدح عدم سقوط الخيار معها في غيره لو تعذّر تسليمه أيضاً، فيكون الحكم المختصّ بالآبق عدم الخيار لو تعذّر تسليمه مع الضميمة، وانحصار صحّة بيعه على وجه اللزوم في الضميمة.
ويحتمل قويّاً منع الثاني فيه أيضاً بدعوى حصول اللزوم فيه باشتراط الاسقاط حال عدم الضميمة، فيختصّ حينئذٍ بالحكم الأوّل فقط.
ويمكن إلحاق غيره به في ذلك أيضاً باعتبار ظهور التعليل في النصّ في عدم اختصاص الآبق بذلك، فلا يختصّ في حكم أصلًا، بل لعلّه الظاهر، ولكن لتصادم الأمارات وقع الإشكال والتردّد والخلاف في كلمات الأصحاب بالنسبة إلى ذلك».
[۴۴]
وقال الشيخ الأنصاري قدس سره : «مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفرداً على المشهور بين علمائنا كما في التذكرة، بل إجماعاً كما عن الخلاف والغنية والرياض، وبلا خلاف كما عن كشف الرموز؛ لأنّه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف، ومع احتماله بيع غرر منفيّ إجماعاً نصّاً وفتوى، خلافاً لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا، ولعلّه الإسكافي حيث إنّ المحكي عنه أنّه لا يجوز أن يشترى الآبق وحده إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع، انتهى.
وقد تقدّم عن الفاضل القطيفي في إيضاح النافع منع اشتراط القدرة على التسليم، وقد عرفت ضعفه.
لكن يمكن أن يقال بالصحّة في خصوص الآبق، لحصول الانتفاع به بالعتق خصوصاً مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع، فإنّه يندفع به الغرر عرفاً، لكن سيأتي ما فيه، فالعمدة الانتفاع بعتقه، وله وجه لو لا النصّ الآتي والإجماعات المتقدّمة. مع أنّ قابليّة المبيع لبعض الانتفاعات لا تخرجه عن الغرر.
وكما لا يجوز جعله مثمناً لا يجوز جعله منفرداً ثمناً؛ لاشتراكهما في الأدلّة. وقد تردّد في اللمعة في جعله ثمناً بعد الجزم بمنع جعله مثمناً، وإن قرّب أخيراً المنع منفرداً، ولعلّ الوجه الاستناد في المنع عن جعله مثمناً إلى النصّ والإجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق. ويؤيّده حكمه بجواز بيع الضالّ والمجحود مع خفاء الفرق بينهما وبين الآبق في عدم القدرة على التسليم.
ونظير ذلك ما في التذكرة حيث ادّعى أوّلًا الإجماع على اشتراط القدرة على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر، ثمّ قال: والمشهور بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفرداً- إلى أن قال:- وقال بعض علمائنا بالجواز، وحكاه عن بعض العامّة أيضاً، ثمّ ذكر الضالّ ولم يحتمل فيه إلّا جواز البيع منفرداً واشتراطه الضميمة. فإنّ التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر، والتوجيه يحتاج إلى تأمّل».
[۴۵]
ثمّ قال ۴: ۲۰۱- ۲۰۵ . : «مسألة: يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة كما عن الانتصار وكشف الرموز والتنقيح، بل بلا خلاف كما عن الخلاف حاكياً فيه، كما عن الانتصار إطباق العامّة على خلافه، وظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غرراً، حيث حكى احتجاج العامّة بالغرر فأنكره عليهم مع الضميمة، وفيه إشكال.
والأولى لنا التمسّك قبل الإجماعات المحكيّة- المعتضدة بمخالفة من جعل الرشد في مخالفته- بصحيحة رفاعة... وموثّقة سماعة... الخ.
وظاهر السؤال في الاولى والجواب في الثانية الاختصاص بصورة رجاء الوجدان، وهو الظاهر أيضاً من معاقد الإجماعات المنقولة، فالمأيوس عادة من الظفر به الملحق بالتالف لا يجوز جعله جزءاً من المبيع؛ لأنّ بذل جزء من الثمن في مقابله لو لم يكن سفهاً أو أكلًا للمال بالباطل لجاز جعله ثمناً يباع به مستقلًاّ، فالمانع عن استقلاله بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع؛ للنهي عن الغرر السليم عن المخصّص.
نعم، يصح تملّكه على وجه التبعيّة للمبيع باشتراطٍ ونحوه. وأيضاً الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصحّ بيعها، وأمّا صحّة بيعها منفردة فلا يظهر من الرواية، فلو أضاف إلى الضميمة من تعذّر تسليمه كفى، ولا يكفي ضمّ المنفعة إلّا إذا فهمنا من قوله: «فإن لم يقدر... إلى آخر الرواية» تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته بالثمن، فيكون ذكر اشتراط الضميمة معه من باب المثال أو كناية عن نقل مال أو حقّ إليه مع الآبق لئلّا يخلو الثمن عن المقابل، فتأمّل.
ثمّ إنّه لا إشكال في انتقال الآبق إلى المشتري إلّا أنّه لو بقي على إباقه وصار في حكم التالف لم يرجع على البائع بشيء، وإن اقتضى قاعدة «التلف قبل القبض» استرداد ما قابله من الثمن.
فليس معنى الرواية أنّه لو لم يقدر على الآبق وقعت المعاوضة على الضميمة والثمن ليكون المعاوضة على المجموع مراعاة بحصول الآبق في يده، كما يوهمه ظاهر المحكيّ عن كاشف الرموز من أنّ الآبق ما دام آبقاً ليس مبيعاً في الحقيقة ولا جزء مبيع، مع أنّه ذكر بعد ذلك ما يدلّ على إرادة ما ذكرنا.
بل معناها أنّه لا يرجع المشتري بتعذّر الآبق- الذي هو في حكم التلف الموجب للرجوع بما يقابله التالف- بما يقابله من الثمن.
ولو تلف قبل اليأس ففي ذهابه على المشتري إشكال.
ولو تلفت الضميمة قبل القبض فإن كان بعد حصول الآبق في اليد فالظاهر الرجوع بما قابله الضميمة لا مجموع الثمن؛ لأنّ الآبق لا يوزّع عليه الثمن ما دام آبقاً، لا بعد الحصول في اليد. وكذا لو كان بعد إتلاف المشتري له مع العجز عن التسليم كما لو أرسل إليه طعاماً مسموماً؛ لأنّه بمنزلة القبض.
وإن كان قبله ففي انفساخ البيع في الآبق تبعاً للضميمة
المراجع [تعديل]
المصدر [تعديل]