الآمين
آمين أوّلًا- التعريف:
لغة:
اللغات فيه: جمهور أهل اللغة على أنّ (آمين) في الدعاء فيه لغتان: أمين بالقصر في لغة أهل الحجاز على وزن يمين، وآمين بالمدّ في لغة بني عامر، وهو الأكثر، بل قال النووي بأنّه أشهر وأفصح
[۱]- على إشباع فتحة الهمزة، وليست على وزن فاعيل- من دون تشديد، وتشديد الميم خطأ، وهو مبني على الفتح.
[۲] [۳] [۴]
قال النووي: «قال الجمهور: ولا يجوز تشديد الميم. وحكى الواحدي تشديدها مع المدّ، وحكاها أيضاً القاضي عياض وغيره، وهو غريب ضعيف لا يلتفت إليه.
وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي المدّ والإمالة».
[۵]
وقال الرضي الاسترآبادي: «وأمّا (آمين) فقيل سرياني،
[۶] وليس إلّا من أوزان العجمة كقابيل وهابيل، بمعنى (افعل) على ما فسّره النبي عليه السلام حين سأله ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- وبني على الفتح. ويخفّف بحذف الألف، فيقال (أمين) على وزن كريم. ولا منع أن يقال:
إنّ أصله القصر ثمّ مدّ، فيكون عربياً مصدراً في الأصل- كالنذير والنكير- ثمّ جعل اسم فعل».
[۷]
وفي الموسوعة الفقهية (الكويتية) :
«نقل الفقهاء فيه لغات عديدة نكتفي منها بأربع: المدّ، والقصر، والمدّ مع الإمالة والتخفيف، والمدّ مع التشديد. والأخيرتان حكاهما الواحدي وزيّف الأخيرة منهما، وقال النووي: إنّها منكرة. وحكى ابن الأنباري القصر مع التشديد، وهي شاذّة».
[۸]
أمّا معناه: فالمعروف أنّه اسم فعل موضوع لاستجابة الدعاء،
[۹] بمعنى (استجب) أو (كذلك كان أو فليكن) أو (كذلك فافعل) وغير ذلك.
[۱۰] وقال الزمخشري: إنّه «صوت سمّي به الفعل الذي هو استجب، كما أنّ رويد وحيهل وهلم أصوات سمّيت بها الأفعال التي هي أمهل وأسرع وأقبل».
[۱۱] [۱۲]
والمروي مرفوعاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّ معناه: ربّ افعل.
[۱۳]
ويقال: أمّن الإمام تأميناً؛ إذا قال بعد الفراغ من امّ الكتاب: آمين.
[۱۴]
اصطلاحاً:
لا يوجد لكلمة (آمين) لدى الفقهاء معنى غير المعنى اللغوي، وإنّما وقع البحث عندهم في دلالته على الدعاء وعدمه، حيث جاء في تعبيرات جملة منهم أنّه اسم للدعاء أو اسم فعل مدلوله لفظ (استجب) والاسم غير المسمّى، وهذا ظاهره أنّهم جعلوه اسماً وعلماً للفظ لا للمعنى كما بنى عليه الزمخشري، وبناءً عليه لا يدلّ على الدعاء، فإنّ اللفظ ليس دعاء.
وفرّع بعضهم على ذلك أنّه يكون حينئذٍ من كلام الآدميّين ولا يكون دعاءً ولا ذكراً فالإتيان به في الصلاة يوجب بطلانها؛ لأنّه لا يصلح شيء من كلام الآدميّين في الصلاة.
[۱۵]
إلّا أنّ هذا الرأي مردود من قِبل كثير من المحققين: بأنّ أسماء الأفعال ليست أسماءً للألفاظ بل للمعاني، قال الرضي في شرح الكافية: «وليس ما قال بعضهم إنّ (صه) مثلًا اسم للفظ (اسكت) - الذي هو الدالّ على معنى الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه- بشيء؛ إذ العربي القح ربّما يقول:
(صه) مع أنّه لا يخطر بباله لفظ (اسكت)، وربّما لم يسمعه أصلًا، ولو قلت: إنّه اسم ل (اصمت) أو (امتنع) أو (كفّ عن الكلام) أو غير ذلك ممّا يؤدّي هذا المعنى لصحّ، فعلمنا أنّ المقصود منه المعنى لا اللفظ».
[۱۶]
وقد أفاد أيضاً بأنّ اختلافهم إنّما يرجع إلى أمرٍ صناعي، قال: «والذي حملهم على أن قالوا إنّ هذه الكلمات وأمثالها ليست بأفعال مع تأديتها معاني الأفعال أمرٌ لفظي، وهو أنّ صيغها مخالفة لصيغ الأفعال وأنّها لا تتصرّف تصرّفها، ويدخل اللام على بعضها والتنوين في بعض، وظاهر كون بعضها ظرفاً وبعضها جارّاً ومجروراً».
[۱۷]
وعليه، فلفظ (آمين) إذا كان اسماً ل (استجب) كان دعاء مثله، ولا يكون ذلك من كلام الآدميين، وسيأتي مزيد توضيح له.
ثانياً- نفي القرآنية عنه:
جاء في كلمات جملة من فقهائنا التأكيد على أنّ (آمين) ليس قرآناً، ونفي القرآنية عنه ممّا لم يخالف فيه أحد من الخاصّة
[۱۸] [۱۹] [۲۰] أو العامّة،
[۲۱] ولم يكن ثمّة وجه لتوهّم قرآنيّته. والسبب في تعرّضهم لذلك هو نفي وجوه المشروعية لقول (آمين) في الصلاة؛ ففي الحديث الوارد في وصف الصلاة: «إنّما هي التكبير، والتسبيح، وقراءة القرآن».
[۲۲]
ومن ذلك يعرف الوجه أيضاً فيما ورد في عبارات كثير من قدماء الأصحاب من أنّ (آمين) ليس قرآناً ولا تسبيحاً ولا ذكراً.
وأمّا ما قيل: من أنّه اسم من أسماء اللَّه تعالى- كما يحكى عن مجاهد والحسن البصري، وربما نسب إلى الرواية والظاهر وقوع الاشتباه في نقل مثل هذه الرواية- على فرض صدورها- لوجود التشابه بين (أمين) و (آمين) كتابةً بل ولفظاً سيّما على قراءة القصر، مضافاً إلى عدم شبهها بأسمائه تعالى لكونها صفات، بل لا معنى معقولًا له. قال ابن شهرآشوب: «ولو ادّعوا أنّه من أسماء اللَّه تعالى لوجدناه في أسمائه، ولقلنا: «يا آمين».
[۲۳]- فقد ردّه كبار اللغويّين كالأزهري في تهذيب اللغة، فإنّه قال: «وليس يصحّ ما قال- عند أهل اللغة- إنّه بمنزلة: يا اللَّه، وأضمر استجب لي، ولو كان كما قال لرُفع إذا اجري ولم يكن منصوباً».
[۲۴]
وكأنّ مرادهم نفي ما ورد في كلمات العامّة من التأكيدات بشأن قول (آمين) في الصلاة عقب الحمد استناداً إلى بعض الوجوه:
منها- ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أنّه قال: «آمين خاتم ربّ العالمين على لسان عباده المؤمنين»، والذي صرّح بعضٌ بضعف إسناده.
[۲۵]
أو أنّه قال: «ما حَسَدَتْكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين»،
[۲۶] [۲۷] ممّا يستفاد منه اختصاص هذه الامّة به.
وهذه الأحاديث لم تثبت عندنا لضعف أسانيدها؛ حيث إنّ رواتها لم يرد لهم توثيق في كتبنا الرجالية.
ومنها- القول بأنّ هذه الكلمة لم تكن لمن قبلنا، خصّنا اللَّه تعالى بها، كما يحكى عن ابن العربي.
[۲۸]
وهو- مضافاً إلى عدم حجّيته لعدم كونه رواية- غير تامّ في نفسه؛ لأنّ التأمين متعارف عند أهل الكتاب،
[۲۹] بل صار شعاراً عند النصارى،
[۳۰] وروي في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال: «إنّما كانت النصارى تقولها»،
[۳۱] بل حكى في فيض القدير
[۳۲] أنّه كان ذلك لليهود أيضاً وإن ردّ الأخير ابن حزم.
[۳۳]
فأراد فقهاؤنا نفي هذه التوهّمات، وأنّه ليس قرآناً- كما هو واضح- ولا اسماً للَّه سبحانه وتعالى ليكون ذكراً أو مناجاة، ولا تسبيحاً ولا دعاءً خاصّاً مأثوراً من الشارع المقدّس، وليس من خواصّ هذه الامّة دون سائر الامم، وإنّما هو لفظ من الألفاظ اللغوية نظير كلمة (استجب) أو (كذلك فليكن) كما ذكره اللغويّون، وليس له أيّة خصوصية.
ثالثاً- الأحكام:
الأوّل- التأمين في الصلاة
المراجع [تعديل]
۱. | ↑ تحرير التنبيه (النووي)، ج۱، ص۷۵. |
۲. | ↑ المصباح المنير، ج۱، ص۲۴- ۲۵. |
۳. | ↑ النهاية، ج۱، ص۷۲. |
۴. | ↑ لسان العرب، ج۱، ص۲۲۷. |
۵. | ↑ تحرير التنبيه، ج۱، ص۷۵. |
۶. | ↑ ففي المعجم الكبير (، ج۱، ص۱۶) : «آمين: عبريّة amen آمين، وهي ترد في التوراة تصديقاً لقولٍ، وتأكيداً لعهدٍ أو قسم، وختاماً لتسبيح أو صلاة؛ وهي في هذا الاستعمال الأخير شائعة في صلوات اليهود والنصارى». |
۷. | ↑ شرح الكافية، ج۲، ص۶۷. |
۸. | ↑ الموسوعة الفقهية (الكويتية)، ج۱، ص۱۱۰. |
۹. | ↑ تحرير التنبيه، ج۱، ص۷۴. |
۱۰. | ↑ تحرير التنبيه، ج۱، ص۷۴. |
۱۱. | ↑ تفسير الكشّاف، ج۱، ص۱۲۳. |
۱۲. | ↑ ذيل «ولا الضالين». |
۱۳. | ↑ معاني الأخبار، ج۱، ص۳۴۹. |
۱۴. | ↑ لسان العرب، ج۱، ص۲۲۷. |
۱۵. | ↑ جامع المقاصد، ج۲، ص۲۴۸. |
۱۶. | ↑ شرح الكافية، ج۲، ص۶۷. |
۱۷. | ↑ شرح الكافية، ج۲، ص۶۶. |
۱۸. | ↑ الانتصار، ج۱، ص۱۴۵. |
۱۹. | ↑ الغنية، ج۱، ص۸۲. |
۲۰. | ↑ التنقيح الرائع، ج۱، ص۲۰۲. |
۲۱. | ↑ تفسير الكشّاف، ج۱، ص۱۲۵. |
۲۲. | ↑ صحيح مسلم، ج۱، ص۳۸۲، كتاب المساجد، ب ۷، ح ۳۳. |
۲۳. | ↑ معاني الأخبار، ج۱، ص۳۴۹. |
۲۴. | ↑ تهذيب اللغة، ج۱۵، ص۵۱۲. |
۲۵. | ↑ فيض القدير، ج۱، ص۵۹- ۶۰، ح ۲۰. |
۲۶. | ↑ فيض القدير، ج۵، ص۴۴۰، ح ۷۸۹۰. |
۲۷. | ↑ كنز العمال، ج۷، ص۴۴۶، ح ۱۹۷۱۶. |
۲۸. | ↑ الموسوعة الفقهية (الكويتية)، ج۱، ص۱۱۱. |
۲۹. | ↑ المعجم الكبير، ج۱، ص۱۶. |
۳۰. | ↑ الكتاب المقدّس (العهد الجديد) : السفر السابع والعشرين وغيره. |
۳۱. | ↑ دعائم الاسلام، ج۱، ص۱۶۰. |
۳۲. | ↑ فيض القدير، ج۵، ص۴۴۰. |
۳۳. | ↑ المحلّى، ج۳، ص۲۶۵- ۲۶۶. |